قديم 08-21-2010, 07:12 AM
المشاركة 31
احمد ماضي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الاستاذ ايوب

لا زلت اصفق لك طويلا

وانحني لقلمك وابداعك ,,, ولك

رائع انت

بكل ما تقدمه من ثريات ادبية

دمتِ لي اولا

وللغير ثانيا

محبتي لك حيث انت




لا سواكِ يكبلني بالحُب

قديم 08-21-2010, 11:34 PM
المشاركة 32
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جميل
و تثبيت.

قديم 08-22-2010, 12:49 AM
المشاركة 33
ساره الودعاني
كاتبة وأديبة سعودية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

قصيده غازي القصيبي ( أسطوره الحذاء )

منتظر الزيدي‏ من تجرا وضرب بوش بحذائه

--------------------------------------





مت إن أردت فلن يموت إباءُ

مادام في وجه الظلوم حذاءُ!

ماذا تفيدك أمة مسلوبة

أفعالها يوم الوغى آراء!

لحّن أغاني النصر في الزمن الذي

هزَّ الخصورَ المائساتِ غناءُ!

واصنع قرارك واترك القوم الأولى

لا تدري ما صنعت بهم هيفاءُ!

هذا العدو أمام بيتك واقف

وبراحتيه الموت والأشلاءُ

فاضرب بنعلك كل وجه منافق

"فالمالكيّ" ونعل بوش سواءُ!

ماذا تفيدك حكمة في عالم

قد قال: إن يهوده حكماءُ!

فابدأ بما بدأ الإله ولا تكن

متهيبا، فالخائفون بلاءُ!

واكتب على تلك الوجوه مذلة

فرجال ذاك البرلمان نساءُ!

صوّب مسدسك الحذائيّ الذي

جعل القرار يصوغه الشرفاءُ

إن أصبح الرؤساء ذيل عدونا


خاض الحروب مع العدى الدهماءُ!

عبّر، فأصعب حكمة مملوءة

بالمكرمات يقولها البسطاءُ!

لله أنت، أكاد أقسم أنه

لجلال فعلك ثارت الجوزاءُ!

كيف استطعت وحولك الجيش الذي

بنفاقه قد ضجت الغبراءُ؟

كيف استطعت وخلفك القلب الذي

ملأت جميع عروقه البغضاءُ؟

كيف استطعت وفوقك السيف الذي

ضُربت بحد حديده الدهماءُ؟

سبحان من أحياك حتى تنتشي

مما فعلت الشمس والأنواءُ

لك في الفداء قصيدة أبياتها


موزونة ما قالها الشعراءُ!


في وجهك الشرقيّ ألف مقالة


وعلى جبينك خطبة عصماءُ!

ولقد كتبت بحبر نعلك قصة

في وجه "بوش" فصولها سوداءُ!

ولقد عرفتَ طريق من راموا العلا

فهو الذي في جانبيه دماءُ


فسلكته والخائنون تربصوا

ماذا ستبصر مقلة عمياءُ؟

جاءتك أصوات النفاق بخيلها

وبرجلها، يشدو بها الجبناءُ!

لا يعلمون بأن صوتك آية

للعالمين، وأنهم أوباءُ!!

لو صَحْت لاهتز البلاطُ بأسره

وتصدّعت جدرانه الملساءُ!

أوما رأيت الراية السوداء في

ظهر الجبان تهزها النكباءُ؟

أو ما لمحت يد الدعيّ تصدها

شلت يمينك أيها الحرباءُ!

لما وقفت كأن بحراً هادرا

في ساعديك وفي جبينك ماءُ!

لما نطقت كأن رعدا هائلا

فوق الحروف وتحتهن سماءُ!

لما رميت كأن من قد عُذبوا

أحياهم الله القدير، فجاءوا!

شيء تحطم في ضميرٍ مظلمٍ

كبّر فقد تتفتت الظلماءُ

علّمت دجلة أن فيها موسما

للموت تفنى عنده الأشياءُ!

عاهد حذاءك لن يخونك عهده

واتركهمو ليعاهدوا من شاءوا!

إن صار لون الحقد فينا أحمرا

ماذا تفيد دوائرٌ خضراءُ؟

لا لون في وجه العدو فروّه

بدمائه، فدماؤه حمراء!

قد كنت غضاً أيها النمر الذي

جعل المروءة تصطفيك الباءُ

ما خفت!حولك ألف وغد ناعم

والناعمات تخيفها الأسماءُ!

لو ضُخّ بعض دماك في أوصالنا

ما كان فوق عروشنا عملاءُ

يا سيدا عبث الزمان بتاجه

اعتق خصومك، إنهن إماءُ!

واصنع حذاء النصر وارم به الذي

تلهو به وبقلبه الأهواءُ

لما انحنى ظهر الظلوم تنكّست

مليون نفس باعها الأعداءُ!

وسمعت تصفيق السماء كأنما

فوق السماء تجمّع الشهداءُ!


قف أنت في وجه الظلوم بفردة


بنية، فالقاذفات هراءُ!

وارشق بها وبخيطها الوجه

الذي غلبت عليه ملامح بلهاءُ!

أفديك من رجل تقزم عنده

الرؤساء والكبراء والأمراءُ!

أفتَيْتَ بالنعل الشريف فلم نعد

نصغي لما قد قاله العلماءُ

أحييت خالد في النفوس فصار في

أعماقنا تتحرّك الهيجاءُ!

ما كنت قبل اليوم أعلم موقنا

أن الحذاء لمن أساء دواءُ!

وبأن في جوف الحذاء مسدسا

وبأن كل رصاصنا ضوضاءُ!

ما كنت أعرف للحذاء فوائدا

حتى تصدّى للذين أساءوا!







خُــلــقــت حــواء مـــن ضـــلــع { آدم }

لــذلــك { هـــي } لا تـــشـــعــــر بـــالأمــــن حـــتـــى

يــــضـــع رأســهـــا عــــلـــى صــــدره !!!
قديم 08-22-2010, 01:50 AM
المشاركة 34
ساره الودعاني
كاتبة وأديبة سعودية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

قصيدته التي يخاطب فيها سنواته الـــــ 65





خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ

أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟

أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت

إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟

أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا

يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ

والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ

سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ

بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا

قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري

*

*. . .







خُــلــقــت حــواء مـــن ضـــلــع { آدم }

لــذلــك { هـــي } لا تـــشـــعــــر بـــالأمــــن حـــتـــى

يــــضـــع رأســهـــا عــــلـــى صــــدره !!!
قديم 08-22-2010, 01:56 AM
المشاركة 35
ساره الودعاني
كاتبة وأديبة سعودية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

وهذه القصيدة للسبعين..

ماذا تريد من السبعين يارجل ؟


لاأنت أنت ولا أيامك الأول


جاءتك حاسرة الأنياب كالحة


كأنما هي وجه سلّه الأجل



أواه ! سيدتي السبعون ! معذرة


إذا التقينا ولم يعصف بي الجدل


قد كنت أحسب أن الدرب منقطع


وأنني قبل لقيانا سأرتحل)

(أواه ! سيدتي السبعون ! معذرة


بأي شيْ من الأشياء نحتفل ؟!


أبالشباب الذي شابت حدائقه ؟


أم بالأماني التي باليأس تشتعل ؟


أم بالحياة التي ولّت نظارتها ؟


أم بالعزيمة أصمت قلبها العلل ؟


أم بالرفاق الأحباء الألى ذهبوا

(( تبارك الله ! قد شاءت إرادته


لي البقاء فهذا العبد ممتثل !


والله يعلم مايلقى وفي يده


أودعت نفسي وفيه وحده الأمل ))

وخلفوني لعيش أنسه ملل ؟ ))







خُــلــقــت حــواء مـــن ضـــلــع { آدم }

لــذلــك { هـــي } لا تـــشـــعــــر بـــالأمــــن حـــتـــى

يــــضـــع رأســهـــا عــــلـــى صــــدره !!!
قديم 08-22-2010, 03:47 PM
المشاركة 36
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


غازي القصيبي وسطوة المواسم الاحد 05 رمضان 1431 الموافق 15 أغسطس 2010 حمد أحمد عسيري
(موضوع متجدد عن كتابه المواسم)
هذه المقالة لغازي القصيبي ليست كبقية ما كتب غازي , لقد اكتظت أسطرها بمعاناة السنين التي عاشها وتنقل مع أيامها. ليس بالأمر اليسير أن تفتش عما تبقى منك خلال سنوات عمرك الطويل، لأنك ستجد أشياءً قد فارقتك، وأشياءً لا تود العودة لها. في مواسم القصيبي ستلاقي الكثير من الصدق الذي يأخذ بيدك إلى مشارف الحقيقة التي مهما حاولنا العبث بملامحها إلا أنها تخرج من بين الرتوش واقعاً لا مفر منه. في قراءتي البسيطة لها شعرت بكمية الإنسانية الصادقة التي حاول من خلالها القصيبي الاعتراف بأن المواسم ركضت به بعيداً جداً حتى وقفت به على أعتاب الخامسة والستين. مع المواسم انطلق القصيبي يروي بقلمه المبدع شجونه المتناثرة يقول:(تسكنك هواجس الرحيل ، تشعر أن المسافة بينك وبين نهاية الطريق تهرب بسرعة غير مألوفة، تشكو أشياء لم تكن تشكو منها، تلمس في جسدك ضعفاً لم يعهده من قبل، تصحو مكدوداً وتأوي إلى فراشك مرهقاً لا يجيء النوم الذي كان لا يغيب، تأتي أفكار معتمة كدخان أسود وتتقلب حتى يملك الفراش، وتملك صفحات الكتاب الذي رجوته حليفاً للنوم فانقلب صديقاً للأرق، تصحو متثاقلاً وتتخيل في نظرات الذين يحبونك إشفاقاً لم يكن يسكنها وتتخيل في نظرات الآخرين حسناً دعك من نظرات الآخرين هي صدمة الشيخوخة جاءت بعد ربع قرن من الصدمة الأولى , صدمة منتصف العمر. والفرق بين الصدمتين شاسع جداً. في صدمة منتصف العمر كنت تحس بشيء في النفس , شيء غامض شيء أسيف كئيب تحسه في نفسك ولكنه لا يصل إلى روحك. أما الآن وفي الخامسة والستين فبلاؤك في الروح).
كيف استطاع هذا الهرم وهذه الطاقة الجبارة أن يشعر بكل هذه الأحاسيس تسكنه ؟ من أين وصلت له ؟ وكيف استطاع أن يلقي القبض عليها ؟ الوقوف مع النفس ومصارحتها هي قمة الحقيقة التي يفشل الكثيرون منا في إيجادها، ولكنه يصدم بها عندما يكتشف انه أصبح غير قادر على مجابهة الزمن، وكأن غازي يستشرف المستقبل في حواره مع نفسه، ويمهد الطريق لكبريائه الذي سكنه أمداً طويلاً ويقول له لا تتفاجأ عندما يرحل عنك الآخرون ويدعونك تعارك ما تبقى من وقتك وحيداً. ويستمر القصيبي في مواسمه يجذب شريط الذكريات الذي كان يتمرد عليه بين الحين والآخر فهاهو يطوف مع الموت الذي غيب وجوهاً افتقدها كثيراً في حياته. تجرد غازي من كل المناصب ولبس ثوب الإنسان الذي هده الشوق لإخوته الذين غابوا عنه خلال فترة زمنية متقاربة. القصيبي ذلك الرجل الحديدي يكتب بدموعه , يعود طفلاً يحن ويشتاق ويتحسس الوجوه التي حفرت في قعر ذكرياته صوراً لم تمض بها المواسم كما فعلت مع بقية الأشياء. مع المواسم يبحر بنا القصيبي وكأنه يقول لنا مهما تعددت الأشكال والألوان وكثرت المناصب إلا أن النهاية هي ذاتها. في زاوية من زوايا حروفه يقول (وأنت في الخامسة والستين تحمل ألف جرح بعضها ينزف وبعضها جف وبعضها يتكون، تشعر بالإرهاق يملأ جسدك وروحك. وأنت في الخامسة والستين تشعر أنك غصن بقي بمفرده على الشجرة، طائر رحلت الأطيار وتركته عاجزاً عن اللحاق بها. وأنت تنوء بالسنين ولا تحاول إنكار عددها تحس وطأتها في كل خلية من خلاياك). المواسم هي وجه آخر لقصيدته (حديقة الغروب) أو العكس لا أدري، فكلاهما يسيران في نفس الطريق، ويحملان نفس المعاناة .. معاناة السنوات ورثاء الذات للذات.
يقول في قصيدته الجميلة حديقة الغروب:
خمسٌ وستون في أجفان إعصار أما سئمت ارتحالاً أيها الساري
أما مللت من الأسفار ما هدأت إلا و ألقتك في وعثاء أسفارِ
أما تعبت من الأعداء ما برحوا يحاورونك بالكبريت والنارِ
والصحب أين رفاق العمر هل بقيت سوى ثمالة أيامٍ وتذكارِ ؟
أيها القارئ الكريم قد تعتقد أن ما كُتب في المواسم مجرد سيرة، ولكنها مشاعر مزجت برثاء النفس الطموحة لبدن هدته السنوات كلما حاول النهوض سقط. هذه الملحمة الشجية تُظهر تلاطم المشاعر بداخل قلب اعتدنا صلابته وقوة بأسه خلال الفترة التي تنقل فيها بين كراسي الوزارات وحقائب السياسة، ولكنه هنا يقف وقد تجرد من عباءة السلطة ليتحسس ما بداخله من ضعف لا يملك له حيلة. لم يكن قلم القصيبي هنا كما كان، أعتقد أن حبره بدأ يجف، أو أن اليد التي تمسك بالقلم قد بدأت ترتعش من أثر المواسم.
هذه الوقفة مع مواسم القصيبي جعلتني أعيد صياغة نظرتي وتحييد مشاعري والفصل بين رجل الحكومة ورجل الوجدانيات.. شفاك الله يا أبا يارا من كل بأس.
*جريدة البلاد السعودية

قديم 08-22-2010, 04:21 PM
المشاركة 37
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مواسم (القصيبي).. الحزينة
أنور عبد المجيد الجبرتي



* هذه ليست مراجعة لكتاب غازي القصيبي (المواسم)، أو تلخيصاً أو مناقشة له..
* كيف تفعل ذلك، وأنت تقرأ نحو مئة صفحة من البَوْح الحميمي المتدفق، والحزن المنهمر، والأنين المدوِّي في خطاب مباشر لاهث يتحدث فيه الكاتب إلى نفسه، أو تتحدث نفْسُه إليه.
* هذا كتاب للدكتور غازي القصيبي، يختلف عن كتبه كلها، ليس ديوان شعر يستعمل فيه الشاعر كلَّ مواهبه لإغراقك في دفْق الكلمة وهلامية المعنى واحتمالاته وإيقاع الوزن وطبل القافية، وليس هو رواية يوزع فيها الروائي نفسه وأفكاره وظنَّه ويقينه وعواطفه على أشخاص الرواية وأحداثها وليس هو مجموعة مقالات عن الحياة والعمل والسياسة، وكتابات الآخرين. وليس هو مختارات شعرية أو حكماً مختصرة.
* هذا كتاب يتحدث فيه غازي على نحو غير مألوف عن مواسمه الذهبية ومواسمه الحزينة، ولكنه كتاب المواسم الحزينة حقاً.
* والذين يعرفون غازي القصيبي عن كثب، يعرفون أنه لا يتحدث عن خصوصياته كثيراً، لا يتحدث عن عائلته وأحوالها إلا حديثاً عابراً يجعلك تشعر أنه لا يريد أن يخوض في مثل هذه الشؤون، لا يعرف الكثير عن أفراد عائلته إلا ما يقرؤون في قصائده عن (يارا) ابنته وبعض الأحفاد (مثل غازي وسلمان) ولا يبوح (غازي) بأحزانه الحميمية ولا يبث شجونه الخاصة، حتى ولو كنت تلمح شيئاً من آثارها على وجهه الذي يخلع عليه دائماً تلك الابتسامة المرحة الطازجة، ويضفي عليه بريق عينيه الطفولي البريء رغم تلك الإشاعة المؤكدة عن المحارب الشرس والفارس المقدام والمشاغب الإداري العتيد، وصاحب (المذابح) الإدارية الدامية.
* عندما قرأت الكتاب الحزين حزنت مع غازي ا لقصيبي كثيراً وحزنت له أكثر وفوجئت به وظننت أنها أوراق اعترافات خاصة يتحدث فيها الإنسان إلى نفسه ويودعها أدراج مكتبه السرية، إلا أنها ضلَّت طريقها إلى الناشر والقارئ في غفلة من كاتبها ولكنها بالطبع ليست كذلك، فقد قرر غازي القصيبي كما يبدو أن ينفث زفراته العميقة ويشرك القارئ الحبيب إلى نفسه في خواطره وخطراته ويعترف له اعترافاً صريحاً بآلامه الدفينة التي عاشت معه منذ طفولته الأولى ثم جاءت الخامسة والستون لتحمل معها موجات حزن وفُقْدان متتابعة جعلت ذلك البوْح المؤلم ضرورة ملحة لمراجعة في سجل الأحزان ورصد تتابع المواسم وتداخلها واستعادة التوازن الداخلي في مواجهة عواصف الحياة الداخلية وفيما حولها.
* فقد غازي القصيبي أخته حياة وإخوانه فهد، وعادل، ومصطفى خلال شهور قليلة ورحلت شقيقته (حياة) وشقيقه (عادل) خلال خمسة أيام رحمهم الله جميعاً. كان تدفق الموت مؤلماً وكنا نسمع بالأخبار المؤلمة ونشفق عليه من كلمات العزاء التي قد تبدو ركيكة وباهتة ومكررة وكنا نتساءل ماذا يدور في أعماق تلك النفس الرهيفة المفعمة بالعاطفة والشعر والتفاؤل، وكنا نمارس الإشفاق والخوف ونحن نراه يحاول التصرُّف على نحو عادي ويبدي التجلّد والتماسُك على نحو يثير القلق والتوجُّس.
* لكن ذلك الموت المتتابع الجديد بعث من الأعماق والذاكرة ذكريات كل موت قديم وكرَّس الخامسة والستين عاماً لفراق الأحباب ومراجعة الأماكن القديمة والأزمنة الراحلة والموتى القدماء.
* يسرد غازي القصيبي أسماء الموتى القدامى جميعهم الإخوان والأخوات وزوجات الإخوان وأزواج الأخوات وأبناء الإخوان وأبناء الأخوات، أولئك الذين رحلوا فجأة دون موعد مسبق أو تمهيد معلن، وأولئك الذين رحلوا بعد معاناة ومرض متألمين منهكين، الصغار والكبار، الأقران وغير الأقران.
وخلال هذا الاستطراد الكئيب القائم تتفتَّق آلام وصرخات يُتْم جديد لتبعث آلام وأحزان يُتْم كامن هائل قديم. (بدأ الأسبوع ولك شقيق وشقيقة وانتهى الأسبوع وأنت بلا شقيقة ولا شقيق وأنت في الخامسة والستين تحمل ألف جُرْح بعضها ينزف وبعضها جفَّ وبعضها يتكوَّن، وتشعر بإرهاق يملأ جسدك وروحك)... (تتظاهر أن الذي رحل عنك لم يكن لصيقاً بقلبك رفيق عمرك كله. تتظاهر أنك لا تكاد تعرفه، وتحس في القرار بيُتْم لاذع، وتحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه. وأنت في الخامسة والستين تشعر أنك غُصْنٌ بقي بمفرده على الشجرة، طائر رحلت الأطيار وتركته عاجزاً عن اللحاق بها، بلا شقيقة ولا شقيق.
* يُتْمٌ لاذع كامن في القرار وغُصْنٌ منفردٌ عارٍ حزينٌ وطائرٌ وحيدٌ رحلت عنه الأطيار يتيمٌ في الخامسة والستين ولكن هذا الشيخ اليتيم لم يكن يوماً إلا يتيماً، رحلت أمه وتركته وهو ابن تسعة شهور. تسعة شهور من العشرة في جوفها، وتسعة شهور أخرى حوْلها ثم الرحيل، ومنذ أن كان الرحيل كان اليتم الحقيقي الكامن حياةً ورحلةً وشوقاً.
* يتيم الأم هو اليتيم حقاً لم تكن هناك لتحضر الفِطام ولم تكن هناك لتشهد الوقوف الأول على قدمين متعثرتين، ولم يُسْمعها مناداة (أمِّي) عند انطلاقة اللسان، لم يكن هناك حضن يعدو إليه، وكتف يرتمي عليه، ويغرقه دموع حزن أو انتفاضة خوف وفزع، أو تمرُّغ دلال واحتماء.
* لنحمل هذا اليُتْم في أعماقنا ونمشي به مشاوير أيَّامنا ونتشاغل عنه بهموم حياتنا وأفراحها وأحزانها ومعاركها وهزائمها وانتصاراتها وبالأصدقاء والأعداء، والأزواج والأبناء ونحاول التعالي عليه باندفاع الشباب وحكمة الكهولة ووقار الشيوخ وهيبة المنصب وعلو المكانة لكنَّه يُدركنا ويحْضرنا ويفْجئنا حتى في الخامسة والستين فنعود مرة أخرى أطفالاً صغاراً يتامى حزانى، نبحث عن تلك الأحضان الدافئة التي لم نركن إليها واللمسات الحانية التي نستمتع بها ونداءات الأمومة الخالدة التي لم نمارسها ويصرخ في عمق أعماقنا وكينونتنا ذلك الفُقدان العظيم.
* يقول غازي: (وماذا تذكر عن أمِّك؟ لا شيء كنت في شهرك التاسع عندما رحلت كيف يمكنك ان تتذكر شيئاً؟ وماذا تعرف عن أمك؟ أقل من القليل، في طفولتك كان الحديث عنها يثير المواجع ولم تكن تريد أن تثير المواجع... وماتت في عامها الثامن والعشرين ذهبت دون أن تعرف كيف كانت تتعامل مع الوجود ومع الناس، ولا كيف كانت تضحك وكيف كانت تبكي، ولا تعرف شيئاً عن طباعها أو مزاجها أو عاداتها أو هواياتها، والصُّوَر الفوتوغرافية البكماء تقول شيئاً وتعجز عن قول أشياء، ما تعرفه أن موتها ترك غمامة صغيرة من الحزن لا تزول عن أفق العائلة الصغيرة... وكنت أنت بين الحين والحين تلجأ إلى الابتزاز، لو كانت أمِّي حية لما حصل هذا).
* حديث كأنه يبدو عابراً عن الأم لكنه كالعادة يخفي الحزن الكامن النازف المستديم المتجمد القديم نحاول أن نتحاشاه أو نتجنبه.
* فقد غازي الصغير أمَّه، ومنذ أن فقدها وهو يحاول بكل إبداعاته على التظاهر أن يجدها ويحتضنها ويبكي بكاءه المستحق منذ الزمن الأول على كتفيها.
* ووجد غازي شيئاً من الأم في جدته (سعاد) التي رحلت منذ زمن بعيد، وفي أشقائه وشقيقة زوجه (حياة) واطمأن ردحاً من الزمان إلى هذا البديل الدافئ واستقر في رحابه ليعوض عن اليتم القديم المكين.
* لكنهما - رحلا معاً وفي أسبوع واحد كأنهما كانا على اتفاق ليتركا غازي طفلاً يتيماً شيخاً في الخامسة والستين فيصرخ ب(المواسم) صرخته المؤلمة الحزينة.
* هذا موسم يُتْم جديد قديم لكن المواسم تأتي وتذهب ويبقى رجلُ (المواسم) ذو الخامسة والستين مرتدياً عباءة الحزن الوقور، لكنه قادرٌ على إعطاء هذه الحياة وهذا الوطن وكل الأصدقاء والمحبين القصيدة الجميلة والضحكة الصافية و(مواسم) زرع وحصاد وحب ومطر.
****

http://www.al-jazirah.com.sa/2007jaz/feb/27/ar2.htm
-----------

تعليق :
مقال مكتوب بشكل جميل وعميق ويتضح ان الكاتب قد بذل جهدا مشكورا في الغوص في اعماق الكتاب واعماق الحزن واليتم الذي صنع غازي القصيبي الظاهرة.

تخيلوا كل هذا الكم من الالم!!!!!...وهناك في الواقع موت الاب في الطفولة ايضا والذي لم يذكر هنا...تخيلوا ....ما يفعله هذا الالم في دماغ الطفل اليتيم .
- الم يحفز الدماغ فتبدأ عملية بحث لا نهاية عن الاسرار والحقيقة والحكمة...
- الم يحفز الدماغ فيكون البوح وسيلة لتحقيق التوازن
- الم يحفز الدماغ فيبدع في خلق عالم اقل الما.
- الم يحفز الدماغ فتكون ابتسامة تخفي وراءها وجع الكون...

نشاط استثنائي لان الوجع استثنائي...

نعم هكذا يصنع العظماء...


قديم 08-22-2010, 04:36 PM
المشاركة 38
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

"اليتيم شخص يعمل عقله بطريقة استثنائية ولا يعرفه تماما الا يتيم اشد منه يتما والما، او ربما اجيال قادمة، اذا ما عادت للسجلات، والكتب فتعرفت على روعة ما انتجه عقل ذلك اليتم من: اكوان، وعوالم، وافكار، واقمار، واشعار، وابداعات، وحكايات...يكون العامل المشترك الاعظم فيما بينها...الالم الخفي ووجع السنين".



قديم 08-23-2010, 01:45 PM
المشاركة 39
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
غازي ومواسم الحزن والموت
الرياض السعودية
gmt 0نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة00 2010 الأحد 22 أغسطس

حسناء القنيعير

غازي هكذا دون ألقاب ، لن أكتب عن غازي الإنسان ، ولن أكتب عن غازي المواطن ، ولن أكتب عن غازي الكريم نظيف اليد في زمن صارت فيه النزاهة والنظافة عملة نادرة ، لن أكتب عن مزاياه التي كتبها كثير من محبيه وسالت أقلامهم بصفاته ومناقبه فلم يتركوا زيادة لمستزيد ، ولن أكتب لأرثيه ، وكيف يُرثى سيد الرثاء ؟ بل كيف يُبكى من بكى واستبكى كل من قرأ قصائد الحزن وبكائياته التي فاضت بها دواوينه ، إذ عرف الهموم مذ كان رضيعا :

عرفتُ عصارةَ كلّ الهموم ِ رضيعاً ... وعاصرتها أمردا

وهل ثمة حزن أكبر من فقد رضيع أمه قبل أن تتفتح عيناه وأحاسيسه على الحياة ،

اليتم حالة لا يعرفها إلا من ذاقها طفلا !

فلا غرو أن يتلبس الحزن بغازي مذ كان رضيعاً وتظل الهموم ملازمة له حتى آخر سنيّ عمره:
وجربتها وحسامُ السنين مشيب ٌعلى مفرقي عربدا

الحزن حالة إنسانية يصاب بها معظم الناس ويتفاعلون معها كلٌ بطريقته ، أما الشعراء المبدعون فيوظفونه توظيفاً فنياً وجماليًا وفلسفيًا ، بأدوات شعرية وقدرة إبداعية وغنائية عذبة ، فلا عجب أن يقول غازي عن نفسه ( أنا إنسان طفا على سطح الحياة ، فرأى الكثير الكثير من الدموع والقليل القليل من الابتسامات ، فحاول أن يمسح من الدموع دمعة ، وأن يضيف إلى الابتسامات ابتسامة ، وأن يتحدث عمّا مرّ به شعرًا ، فنجح حيناً ، وأخفق أحياناً ) !

هذا هو غازي الشاعر الإنسان ، مواسم ألم وحزن ودموع وموت ! وليس ثمة أصدق من شاعر يرثي أقرب المقربين إليه ، ولم يكن غازي بدعاً في هذا ، فقد سار على نهج من سبقه من شعراء العربية قدامى ومحدثين ، لكنه في نظري ربما تفرّد في كثرة من رثاهم من أهله وأفراد عائلته من الدرجة الأولى ، فرثى جدته وأباه وخمسة من إخوته وأصهاره وأبنائهم ، ثم رثى نفسه وتلك قصة أخرى .

يسجل الشعراء في قصيدة الرثاء ما بقي من الراحل في الأذهان ، أحاديثَ وصورًا وذكرياتٍ تنثالُ دموعًا وآهات ٍ، فتأتي القصيدة تعبيراً عن شحنة الألم ، وصورة ناطقة عن اتساع مساحة فراق لا تُرجى معه عودة غائب ، ولا لقاء راحل لم تبق منه سوى ذكريات حزينة لا تمحوها السنون.


- تقول الكاتبة هنا بأن غازي القصيبي قد رثا جدته واخته واخاه والكثير من اقاربه، لكننا لا نجد اي رثاء لامه وهي التي كانت قد ماتت بعد والدته فكانت موته الاول...فهل يكون مجموع ما انتجه غازي القصيبي من ابداع على كافة اشكاله هو عبارة عن محاولة غير واعية لرثا امه؟؟؟؟؟

يفسر غازي في سيرته الشعرية مشاعر الحزن التي تتجلى في شعره بقوله:( ولدت في أحضان بيئة نفسية حزينة ، قبل أن أولد بشهور توفي جدي لوالدتي ... وبعد ولادتي بتسعة شهور توفيت أمي ... فتكفلت بتربيتي جدتي لوالدتي ، وكانت في حالة نفسية بالغة الكآبة بعد وفاة زوجها ثم ابنتها الوحيدة ...أعتقد أن هذا الجو المأساوي الذي أحاط بولادتي وبنشأتي الأولى قد ترك بصمات لا تنمحي في أعماقي من الكآبة الخفية ،

- فهل يكون الابداع نتاج تلك الكآبة الخفية فتكون بمثابة المحرك للذهن؟ وهل هي التي تقوم على تفعيل الدماغ؟ هل تؤدي تلك الكآبة الى افرازات هرمونية او زيادة في نشاط الدماغ الكهرومغناطيسي او الكهربي فيكون الابداع؟

وإذا كنت قد نجحت في إخفائها حتى عن أقرب الناس إليّ فإنها فيما يبدو قد نجحت في التسلل إلى أشعاري ...

الحزن بطبيعته عاطفة حادة مشتعلة بخلاف السعادة فهي عاطفة هادئة لا نكاد نحس بها إلا إذا فقدناها ... إن مشاعر الحزن قد لا تكون هي الغالبة علينا ، ولكنها عندما تمرّ بنا تمرّ عنيفة قوية تترك أثراً واضحًا على حياتنا وعلى شعرنا إن كنا من الشعراء) ص52 .

في كتابه (المواسم 2006) يروي طفولته وذكرياته وما راعه من حزن بالغ بموت مَن أحبهم ، فقد كان الموت موسمًا من المواسم التي مرت به وأكثرها حفرًا في وجدانه ورؤيته للكون والحياة ، يستفتح كتاب المواسم الذي كتبه وهو في الخامسة والستين متوسلاً ضمير المخاطب

( تسكنك هواجس الرحيل ، تشعر أن المسافة بينك وبين نهاية الطريق تهرب بسرعة غير مألوفة ، تشكو أشياء لم تكن تشكو منها ، تلمس في جسدك ضعفًا لم تعهده من قبل ، تصحو مكدودًا وتأوي إلى فراشك مرهقًا ، لا يجيء النوم الذي كان لا يغيب ، تأتي أفكار معتمة كدخان أسود ، وتتقلب حتى يملّك الفراش ... ، ليس لك من شؤون الحياة والموت شيء، له الخلق والأمر )

هكذا كان يوطن غازي نفسه للرحيل فيطرح جدلية الموت والحياة. ولأن الموت موسم من مواسمه نجده يصف أول مواجهة له معه حين ماتت جدته التي (كانت تموت في بيروت ... وجئتَ إلى بيروت ... لتجدها قد ماتت ودفنت ، ولتقف باكيًا أمام قبرها ... في خريف سنة 1965 كنتَ في الخامسة والعشرين تواجه الموت لأول مرة ، كنتَ تخافُ عليها من الموت ، تخافُ عليها وتخافُ على نفسك ، تخافُ أن تواجهَ الحياة بدونها) ،

- هل كان موت الجدة هي اول مواجهه مع الموت ..ام ان موت الام قبل ذلك بحوالي خمسة وعشرين عاما هو الذي حفر في الذهن وفعل الافاعيل؟ وهل ايقظ موت الجدة الم موت الام؟
- وان كان الموت في سن الخامسة والعشرين للجدة فجيعة وصدمة والم ...فماذا نقول عن موت الام في الطفولة المبكرة؟ ثم موت الاب؟

أما شقيقته حياة فيقول عن موتها (وأنت في قبضة الصدمة الخانقة تبتلى بموت من تحب ، تسير القافلة الحزينة الدؤوب بشقيقتك حياة ... وفاطمة تصر على أن تأخذك لتوديعها وأنت تمانع لا تريد أن ترى الموت حيث كانت الحياة).

إن التلازم بين الشعرية والزمنية تلازم حتمي لأن الزمان يتحكم بكل شيء من جهة ، ولأن أجمل صياغة للزمن وإعادة تشكيله لا تأتي إلا عبر اللغة الشعرية، وهذا ما تقوم به الذات الشاعرة بما لها من خصائص تختلف عن البشر العاديين ، ففيها تتعايش الطفولة والحياة والموت والأزل والفناء والخلود . وهاهو يحكي معاناته النفسية والجسدية تحت وطأة ثقل السنين على كاهله.

- قليلون هم الذين يتمكنون من التصالح مع الالم ..الم الموت فيُخرجون مكنونات صدورهم ويسجلونها على الورق على شكل قصائد ومرثيات وابداعات ومواسم ...
وكثيرون يعجزون عن التعامل مع الالم فيكبتون المهم ويتحدثون عن كل شيء الا عن مسبب ذلك الالم. ..لان ذلك الالم لا يطاق.

لقد ساهم غازي القصيبي بكتابته لـ "مواسم" في القاء الضوء على العلاقة بين الم اليتم والموت المتكرر والابداع..وحتى في هذه كان مبدعا فذا عبقريا سابقا لغيره.

قديم 09-29-2010, 09:09 AM
المشاركة 40
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
غازي القصيبي بعد الطاهر وطار: شهود نصف قرن من الحياة الفكرية العربية
د. إبراهيم صحراوي


2010-09-28


بعد شيخ الروائيين الجزائريين الطاهر وطار الذي رحل عن هذه الدنيا منذ أزيد من أربعين يوما، شدَّ الرِّحال إلى العالَم الآخر ( يوم 15/ 08/ 2010) الأديب الشاعر والروائي السفير والوزير د. غازي القصيبي في المملكة العربية السعودية رحمهما الله.
ومثلما كان الطاهر وطار ظاهرة ثقافية يصعب تجاهلها أو تجاوزها في الجزائر كان القصيبي في السعودية أيضا قامة ثقافية وسياسية دبلوماسية واجتماعية لا سبيل إلى إهمالها أو غضّ الطرف عنها.
ومع ثراء شخصية القصيبي وتعدُّد جوانبها وكثرة مؤلَّفاته التي لم تنحصِرْ في الأدب بأجناسه وفنونه فقط، فإن ما يشدَّني فيها شخصيا هو جانبها الروائي على الرَّغم من أنَّ الشِّعر يغلب على تجربته الأدبية فيبرُز تبعا لذلك شاعرا أكثر منه روائيا لدى الكثيرين.
للقصيبي أعمال روائية عدّة أحدث بعضُها ضجة عند صدوره وشغل بال القراء والنقاد في العالـَم العربي وحُظـّر في السعودية لسنوات. فمن ' شقة الحرية' إلى ' الجنية' مرورا بـ ' العصفورية' وأبي شلاخ البرمائي وغيرها من الروايات والقصص الأخرى، كان الواقع العربي من المحيط إلى الخليج هو الفضاء الروائي الذي جال فيه القصيبي وجعله موضوع تأمُّلاته وتحاليله. ففي ' شقة الحرية' تناول فورة الشباب العربي وتوقه إلى الحرية ومقارعته للاحتلال في الخمسينيات والستينيات إلى ما قبل النكسة، مع اختلاف الأفكار والمبادئ والتوجهات في العالَم العربي حينها الذي جسَّدته الشخصيات، لا سيما وأن الفترة شهدت بلوغ صراع الجبارين الغربيين أوجه فيما عُرف آنذاك بـ ' الحرب الباردة'. اختلاف رؤى الشخصيات وخلافاتها كان صورة للاختلافات والخلافات التي كانت تميِّز الواقع العربي وتقطِّعُ أوصالَه وتسير به إلى ما يعيشه اليوم من تشرذُم وتفرُّق وتفكُّك وتشنُّج في المواقف والقرارات وتوزُّع في الولاءات والتحالُفات وحتى التواطؤات وآثار كلّ ذلك من تخلُّف وضعف وخيْبات وهزائم مادية ومعنوية في كلّ المجالات.
أمَّا ' العصفورية' ـ وهو بالمناسبة اسم مستشفى الأمراض العقلية في بيروت - فقد سارت في النهج نفسه لكن بطريقة مغايرة ومنهج مختلف فرضته الظروف والتغيرات التي اعترت الواقع العربي. قدَّمت ـ في منتصف التسعينيات - قراءة نقدية ساخرة لهذا الواقع على لسان ' البروفيسور' نزيل المستشفى ـ وهو الشخصية الرئيسية - في حوار بينه وبين الطبيب النفساني سمير ثابت ـ الشخصية الثانية في الرواية. حظيَت هذه الرواية باستحسان كثير من النقاد والقراء النوعيين العرب وتقريظهم معتبرينها قطعة جميلة من الأدب الساخر الذكي المثقَّف الهازل اللماح المليء بالرموز خصوصا السياسية منها. هنا لا بدَّ من الوقوف لحظة عند عنوان الرواية، وعند الفضاء المكاني المُفترَض لأحداثها. فالعصفورية كما سبقت الإشارة هو اسم مستشفى الأمراض العقلية في بيروت ومحبس مجانينها وأحد معالمها كما هي الروشة أو شارع الحمراء - أو بالأصحّ ما تبقَّى منه - أو الجامعة الأمريكية مثلا، وهو من اشهر المؤسَّسات المتخصِّصة في هذا المجال في الشرق الأوسط والعالَم العربي عامَّة. والواقع أن لاختيار هذا المكان إطارا لما ورد في الرواية حيثيات كثيرة أهمّها التقاليد المتَّبعة في مجال النقد السياسي في الأدب بالابتعاد عن المباشرة واللجوء قدر الإمكان إلى الرمز والغرابة ممَّا يُبعِد المسؤولية ويُخفِّف من نِقمة من يثيرُهم هذا النقد، ثمَّ إن الأدبية كما نعلم تستهجن التقريرية والمباشرة. هذا إضافة إلى الجنون الذي أصبح يُميِّز الحياة العربية ويقضي على كلّ اثر للتعقُّل فيها جملة وتفصيلا حكاما ومحكومين نُخبا وعامَّة، فالعصفورية في نهاية الأمر ليست سوى صورة مُصغَّرةٍ عن مثيلتها الكبيرة التي تمتدّ من الخليج إلى المحيط. أمَّا بيروت فهي العاصمة العربية الوحيدة التي ـ كانت وما زالت، إلى حدٍّ ما - تُتيح أكثر من غيرها - من أخواتها - هامشا من الحرية يمكِّن من قوْل ما أوردته الرواية. هذا دون نسيان الجانب الفُكاهي الهزلي الذي يعطي للنقد نكهة خاصَّة عندما يَرِدُ على ألسنة المجانين. ثمّ ألا يقول المثلُ عندنا ' خذوا الحكمة من أفواه المجانين'؟ ويقول رسولُنا الكريمُ صلَّى الله عليه وسلَّم: ' الحكمة ضالَّة المؤمن، حيث وجدها فهو أحقّ بُها؟'.
تنتهي رواية ' العصفورية' بإشارة ( السفر إلى عالَم الجنّ) ستكون موضوعا لآخر روايات الراحل: ' الجنية'. تضيع الحدودُ في هذه الرواية بين الواقع والخيال والغرابة والاعتيادية والمعقول واللامعقول وعوالم الإنس والجان والعلاقات المُفتَرَضة بينهما إذْ تتناول موضوع زواج جنية وإنسي مما تتداوله العامَّة في الوطن العربي من حين لآخر. تبدو الحكاية وكأنها هاربة من ' ألف ليلة وليلة ' أو من عصور الضعف والانحطاط التي شهدت ظهور الكمّ الكبير من اللامعقول في الحياة الفكرية العربية الذي يستعرض بعضَه د. زكي نجيب محمود في كتابه الشهير ' المعقول واللامعقول'. وكأن القصيبي استشرف الاستغراب والاندهاش اللذين سيصيبان كثيرا من قرائه في مستويات متعدِّدة فاستعان بعدد كبير من المصادر والمراجع التي تناولت الظاهرة ودرستها وذيَّل بها الكتاب.
وكغيره من كبار الكتاب والأدباء كان القصيبي ـ مثلما كان وطاَّر- في قلب الجدل والمعارك الأدبية والثقافية الفكرية، كما كانا موضوعا للدراسة والانتقاد وتبادل الآراء واختلافها.
نشير أخيرا إلى أن ما يزيد من متعة أدب القصيبي القصصي، خصوصا الانتقادي الساخر منه، ويُعطيه شيئا من النكهة والتميُّز هو كونُه، عاش في الغرب هو أيضا ـ طالبا في الولايات المتحدة وسفيرا لبلاده في لندن - فأخذ عنه فكرة أوضحت له الفروق الكبيرة بين الشرق والغرب ممَّا لا غنى عنه لأيّ مُثقَّف عربي معاصِر.
رحِم الله غازي عبد الرحمن القصيبي والطاهر وطار فقد كانا ـ على غِرار كثير من أمثالهما - شهودا لنصف قرن من الحياة العربية خصوصا الفكرية الثقافية الأدبية منها وعلامات مُضيئة فيها ومن أنشط فاعليها وصانعيها وقادة الرأي وصُنَّاعِه فيها.

' اكاديمي جزائري
saahraoui@hotmail.com



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: << أستاذ أيوب >> آخر يتيم مبدع غازي القصيبي >>
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
★ قصيدة مومياء لــ غازي القصيبي ★ إيمان البلوي منبر ديوان العرب 16 11-05-2019 10:30 PM
الآثار الكاملة لأدب ذي النون أيوب .. الروايات - ذو النون أيوب د. عبد الفتاح أفكوح منبر رواق الكُتب. 0 05-04-2014 12:50 PM
حديقة الغروب((للشاعر غازي القصيبي))رحمه الله لجيــن خالد منبر ديوان العرب 7 08-07-2011 12:14 PM
الراحل غازي القصيبي ~ أمل محمد منبر ديوان العرب 33 09-19-2010 11:52 PM

الساعة الآن 01:51 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.