قديم 12-19-2011, 10:51 AM
المشاركة 151
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وألان مع سر الأفضلية في رواية :
21- الوباء هاني الراهب سوريا

الوباء - روايةالروائي المتميزهانيالراهبواحدة من أفضل الروايات فيتاريخ الأدب العربي.
رواية الوباء: اختارها اتحاد الكتاب العرب كواحدة من الروايات المائة الأوائل فيتاريخ الأدب العربي.

فيرواية الوباء .. فتبدأ الحكاية هناك في الشير فيتلك الفسحة المربعة بين كتلتين من الجبال. تنتهي آجال... وتولد أجيال، وما بينالولادة والموت فسحة الحياة التي تتلون بألوان يضفيها عليها المناخ والمسرحوالأفاق.
ضمن هذه الأجواء يتنقلهانيالراهبمتابعاً دورة الزمان لهذهالعائلة السنديانية الآتية من ذلك المكان الممتد بين مرابع الصحراء إلى بلاد الشاموزمان ينحدر من السفر برلك إلى يوم حاضر.
يتتابع الأشخاص يتغيرون بتغير أماكنهم وأزمانهم يموت أشخاص ويولد غيرهمويبقى وجه الحياة وحسها الآتي من معانيها قابعاً في كل حياته...
وتبقى حسرة في قلب خولة "كما يهدرمن عمر الإنسان في هذا النمط من الحياة؟ كل هذه الأعوام سبعة وأربعون... ولم تتعلمأن الزهرة تظل أجمل إذا لم تقطف... ولكن ماذا لو أنها تحت الحرية واكتملت؟ لو هذاالهدر لم يكن... لكان بوسعها أن تخيط ألف فستان زيادة... وتحب ألف شيء آخر... وتشعربألف فرح آخر..."
وتبقى ماذا لو؛لغز السعادة الآفلة... فيروايةالوباءالآتية من ثناياحكاية الحياة.
رابطتحميلروايةالوباء >>
http://www.4shared.com/file/98473427...rahib____.html
المصدر: منتديات ارجوان

قديم 12-19-2011, 10:52 AM
المشاركة 152
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قراءة في الروائي (هاني الراهب) بقلم : شاكر فريد حسن
مجلة الرواية

هاني الراهب روائي عربي سوري من أصحاب الكلمة الممنوعة والمقموعة والمغيبة. اقتحم بوابة الرواية بثقة وجواز مرور واحتلت نصوصه موقعاً واضحاً في الأدب القصصي والروائي السوري والعربي المعاصر.وقد نحى منحى جديداً في الكتابة الروائية واستفاد كثيراً من مطالعاته وقراءاته في الآداب والثقافات العالمية المختلفة ووظف كثيراً مما اكتسبه في آثاره وأعماله.
عاش هاني الراهب في زمن الانقلابات والعواصف والصراعات الفكرية التي اعقبت نكسة حزيران ، ومات في الرمال التي غطت أرض الوطن العربي بعد عاصفة الصحراء والهزيمة الكبرى في العراق ، تاركاً ومخلفاً وراءه الصدق والوهج وألم الفقدان ووجع الغربة والأسئلة عن الذات والحالة العربية الراهنة.
صدرت له عدة ترجمات لاعمال نقدية عالمية ولرواية "غبار" لياعيل ديان وألف كتاباً عن الشخصية الصهيونية في الرواية الانجليزية ، وله في القصة القصيرة "المدينة الفاضلة" وفي الرواية "المهزومون، شرخ في تاريخ طويل، ألف ليلة وليلتان، الوباء، التلال ، المستنقعات " وغيرها.
ويعبر هاني الراهب عن حالة وبؤس الواقع العربي المأزوم والمهزوم على لسان "أسيان" بطل قصته "المعجزة" فيقول: "ان حياتنا اليومية مطبوعة بطابع النذالة والتفاهة والغيظ والمماحكة، وعلينا أن نتخلص من هذا الطابع لتصبح الحياة ممكنة . أعرف انني أعمق نذالة من الجميع وأكثرها تفاهة وغيظاً وإني فارقت من الخطايا ما يبتلعكم كلكم، لكني من جانب آخر معذور لأني أردت أن أعرف حقيقة الإنسان، اننا جميعاً خطاة ولكننا لن نضيع وقتنا في المحاكمات واصدار عقوبات الاعدام فالشر بذلك يبقى شراً".
ويحاول هاني الراهب في نصوصه رسم ونقل هموم وعذابات أبناء جيله ووصف حالة الانهزام والسقوط والتكيف في ظل الهزيمة ، ونجده في قصة "الخامس الدائم من حزيران " يحكي عن مجموعة من الشباب المرح الذي يستسلم للهو والرقص للهروب من الواقع ونسيان ما يقلق البال وتنتهي حفلة الرقص بحادثة تقضي على الفرح الكاذب عندما تظهر لاجئة فلسطينية طالبة الخبز لأطفالها الجياع.
وفي رواية "الوباء" يطرح هاني الراهب أسئلة هامة وكثيرة لم يجد لها جواباً في الواقع الحياتي عن الديمقراطية والحرية ، وموقع المثقف في المجتمع المدني ودوره في عالم تنقرض فيه الثقافة ويقتل الوعي النقدي.
أما في رواية "المهزومون" فيروي ويسرد حكاية المهزومين الذين يثرثرون في المقاهي ويصنعون الفراغ من الحلم الوجودي.
وشخصيات هاني الراهب ملتبسة وقلقة ومضطربة تعاني القمع والاغتراب والتهميش وغير قادرة على مواجهة السلطة السياسية، التي تغتال الإبداع وتصادر حرية الكلمة.
أخيراً يمكن القول أن قصص وروايات هاني الراهب فيها الكثير من التفاصيل الزائدة والرموز السياسية ، وتستوعب الواقع اليومي الممل ، وذات أبعاد سياسية وفكرية عميقة ،وهي تصور التكوين والتشكيل الطبقي والسياسي في المجتمع العربي البطريركي ، وتغلب على أجائها مسحة الحزن واليأس ، وتحكي القهر والألم والتفجع لكاتب عربي أصيل أصيب بالخيبة وفقدان الأمل، وعايش الإخفاقات والانتكاسات والهزائم، ومات في رحاب المهزومين
==
في رواية الوباء يطرح هاني الراهب أسئلة هامة وكثيرة لم يجد لها جواباً في الواقع الحياتي عن الديمقراطية والحرية، وموقع المثقف في المجتمع المدني ودوره في عالم تنقرض فيه الثقافة ويقتل الوعي النقدي.وتبحث الرواية بجرأة في تاريخ الحركة السرية للمناضلين من أجل الديمقراطية وبداية نشاطهم وتشكل الوعي الثوري لديهم، وبنفس الوقت ترصد حركه العسكر الذين اغتصبوا السلطه وطموحاتهم وسيطرتهم على البلد وبمعنى آخر نشوء البرجوازية البيروقراطية والطفيلية التي لاتملك شيئاً

قديم 12-19-2011, 10:54 AM
المشاركة 153
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هانىالراهب
كان هانىالراهبكاتبا استثنائيا امتلك حدسابالمستقبل لم يرق إليه سواه، وقد ظل يتناول في كتاباته الشأن العربي العام، ولميقارب الأدب الذاتي قط، فقد ظل مأسورا للحالة العامة للناس.. لمآسي البشر في طولالوطن العربي وعرضه.
ولد الأديبهانيالراهبعام 1939م في القريةالبديعة الجمال (مشقيتا) التي تبعد قرابة 20 كم عن مدينة اللاذقيةبسوريا.
درس الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق ونال شهادة الماجستير من الجامعةالأمريكية في بيروت.
نال شهادة الدكتوراه من بريطانيا.
مارس التدريس لسنوات في جامعة دمشق.
عاش فيالكويت وكان عضوا في الهيئة التدريسية في كلية الآداب لمدة عشر سنوات منذ 1988 وحتى 1998 .
ثم عاد إلى دمشق وتوفي فيها إثر مرض عضال أصابه في 6 شباط /فبراير2000م.
يعتبرهانيالراهبأنموذجا للروائي المجددوالمتجدد، عمل على تطوير الرواية السورية من خلال اشتغاله وبحثه الدؤوب عن التعبيرالروائي والتقـنية الروائية واقتصاد اللغة.
بدايته كانت عام 1960 حين أعلنت دار الآداب عن مسابقةللرواية العربية اشترك فيها أكثر من مئة وخمسين كاتبا عربيا.. وكانهانيالراهببين هؤلاء ولما يتجاوز عمرهوقتذاك الثانية والعشرين، وكان ما يزال طالبا فى جامعةدمشق.
وحدثت المفاجأة بأن فازترواية(المهزومون) بالجائزة الأولىليبرزالراهبكفنان يمتلك رؤيامن نوع خاص.. يمتلك حدسا بالمستقبل يقترب من النبؤة فى بعضملامحه.
وأخذ بعدها يطلق صرخاته المتمردة على الواقع المتردي، وبدأ مسيرتهالإبداعية الطويلة التى رصد خلالها هموم ملايين الناس فى هذا الوطنالكبير.
أعماله :
مارس كتابة الرواية والقصة والنقدالأدبي.
له ثماني روايات وثلاثمجموعات قصصية صدرت آخرها بعيد رحيله:
- المهزومون- رواية- بيروت 1961
- بلد واحد هوالعالم- روايةدمشق 1965.
-المدينة الفاضلة- قصص - دمشق 1969
-شرخ في تاريخ طويل - رواية- 1970
-ألف ليلة وليلتان - رواية- 1977
-جرائم دونكيشوت - قصص -1978
- التلال -رواية- بيروت 1989
- خضراء كالمستنقعات- رواية
- (خضراء كالحقول) - رواية.
- خضراء كالبحار - رواية
- رسمت خطا في الرمال- رواية- بيروت-1999
- خضراء كالعلقم- قصص- بيروت ( بعدوفاته)
- الوباء-رواية -1981 - (اختارها اتحاد الكتاب العرب كواحدة من الروايات المئة الأوائل في تاريخالأدب العربي)
1- كتبهانيالراهبرواية (المهزومون)بنوع من الجنون وخلال ثلاثين يوما متتاليامقتحما وبجرأة نادرة عالم الرواية العربية وعالم المحرمات العربية الثلاثالجنس- الدين - السياسة) .. في المهزومون التى غلفتها نفحة منالسارترية والعبثية فى آن واحد، قدمهانيالراهبتصوراً عميقا للحالةالعربية التي تعاني التفكك والانعزال وتوقع سلسلة من الهزائم تبدأ بسقوط الشعاراتالواهية التي كانت تطلقها الأنظمة العربية آنذاك.. هذه الشعارات التي جعلها غلافاًلروايته ليخبرنا عن مدى هشاشة هذه الأنظمة وشعاراتها الزائفة، وهذا ما حدث فيما بعدحيث توالت الهزائم العربية داخلياً وخارجياً على نحو مأساوىمفجع.

قديم 12-19-2011, 11:18 AM
المشاركة 154
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هاني الراهب
30 تشرين الثاني 2010
المقدمة
من غيمة تُدعى مشقيتا، هطل هاني الرّاهب، مثل مطر نيسان في أيار عام 1939، خافضاً درجة حرارة الرّواية التّقليديّة، مُنْعِماً بخيراته على قمح الرّواية الجديدة، وهو في طور الإزهار والإثمار، فزاد حبّاته امتلاءً واكتمالاً، جاعلاً إياها تنمو وتنضج، مطوّراً محصول الإبداع الرّوائي كمّاً وكيفاً.
ولادة هاني الراهب وحياته
حين شعرت أمّه «نزهة» بالمخاض، تركت الغرفة التي تسكنها عائلتها، المكوّنة من تسعة أشخاص، والتجأت إلى المطبخ الذي تشترك باستخدامه خمس عائلات، وأغلقت بابه من الدّاخل، ثم تمدّدت في إحدى زواياه منفردة، بآلامها وبالمخاطر التي تهدّد حياتها، إلى أن ولدت هاني محمّد علي الرّاهب، وذلك في عام 1939.
ما إن فتحت الأم باب المطبخ، حتى ارتفع صوت المولود، وأقبل عليها زوجها ببشاشته المعهودة، وهو الأبكم والأصم، ذو اللّحية البيضاء، المسترسلة على صدره، حتّى خصره النّاحل.
عانى هاني الراهب في طفولته من ترحال عائلته بين قريته ومدينة اللاذقية، ومن آثار عواصف الحرب العالمية الثانية، التي كانت تهب من كل اتجاه وتنذر بتدمير العالم، وقد خزّن الكاتب في قبو ذاكرته مشاعر الخوف، الظلم، القلق والنّقمة لتنعكس صوراً في رواياته، وجراحاً لم تندمل حتّى وفاته.
أمضى هاني طفولته في رعاية أمّه وأبيه وبعض أخوته، وبدأ دراسته في مدرسة القرية الابتدائية، إلى أن توفي أخوه عليّ، الذي كان يعمل في اللاذقية ويتولّى رعاية العائلة بكاملها، عن عمر لم يتجاوز الاثنين وعشرين عاماً.
تولّى أخوه سليمان، رعاية هاني الصغير، حتّى حصل على الدرجة الثانية في الثانوية العامة، فمنح مقعداً مجانياً في جامعة دمشق، قسم اللغة الإنكليزية، كما منح راتباً شهرياً قدره 180 ليرة سورية.

في أواخر عام 1957 سكن هاني الراهب مع اثنين من رفاقه في غرفة واحدة في حي الشعلان، ثم دعاه أخوه هلال الرّاهب للعيش معه.‏
تخرّج هاني الراهب من كلية الآداب وعُيّن معيداً في قسم اللغة الإنكليزية، ثم ما لبث أن منحته الأمم المتحدة مقعداً في الجامعة الأمريكية في بيروت، وخلال عام واحد، حصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي، وحصل في لندن على شهادة الدكتوراه خلال سنتين ونصف.
المهزومون
أعلنت دار الآداب في عام 1960، عن مسابقة للرواية العربية اشترك فيها أكثر من مئة وخمسين كاتباً عربياً، وكان هاني الراهب طالباً في جامعة دمشق، لم يتجاوز عمره الثانية والعشرين. وكانت المفاجأة بأن فازت روايته «المهزومون» بالجائزة الأولى، ليبرز الراهب ككاتب يمتلك رؤيا من نوع خاص، يمتلك حدساً بالمستقبل يقترب من النبوءة فى بعض ملامحه. ففي «المهزومون» التي غلفتها نفحة من السارترية والعبثية في آن واحد، قدم تصوراً عميقاً للحالة العربية التي تعانى التفكك والانعزال، وتوقع سلسلة من الهزائم تبدأ بسقوط الشعارات الواهية التي كانت تطلقها الأنظمة العربية آنذاك، هذه الشعارات التي جعلها غلافاً لروايته، ليخبرنا عن مدى هشاشة هذه الأنظمة وشعاراتها الزائفة، وهذا ما حدث فيما بعد حيث توالت الهزائم العربية داخلياً وخارجياً على نحو مأساوي مفجع.
المتمرد والمتأمل
رفض هاني الرّاهب الكتابة الكلاسيكيّة، ونادى برواية جديدة بتقنياتها، تتجاوز حدودها الوطنيّة، دافعاً بها إلى آفاق جديدة، مكوّناً لنفسه مجرى خاصاً به، مستقلاً، وبالغ الأهميّة في العالم العربي والعالمي، في وقت، اكتفى فيه الكتّاب، بالقصة والرّواية الكلاسيكيّة التي تهدف إلى كتابة تاريخ الإنسان، كمؤرّخين، يكرّسون أنفسهم كشاهد أمين على حياة بعض الأشخاص، ناقلين تجاربهم المعاشة. فالشاهد المباشر في رواية هاني الرّاهب، ينتمي إلى عالم الخيال مهما كان شكله، وشأنه في ذلك شأن الوقائع التي يرويها، لتنحو منحى تأمّلياً، بنبرات وجودية واضحة، بغية استخلاص معنى، والتعبير عن أسلوب للحياة، وعن هويّة، بلغة بسيطة قريبة من لغة الحياة اليومية من حيث المفردات وقواعد النحو، وهي تجسّد طابع التفتّت بتراكم الجمل القصيرة، وتتجنّب إلى أبعد الحدود إقامة صلات سببيّة، وإبراز بعض العناصر على حساب أخرى. وهناك تعابير ومفردات تعود باستمرار مثل لحظة عابرة، تشير إلى الزمن الذي يمضي، وخيبة وضجر وغربة وقصور، للتأكيد على قلق الأشخاص.
يبدو بناء القصة عند هاني الراهب مفكّكاً دونما اتساق. ففي الرواية الكلاسيكية تشكّل الأحداث الهيكل العظمي للرواية، وهي تتسلسل وفق ترتيب زمني ومنطقي، وتتواصل بصورة لا يمكن فصل بعضها عن البعض الآخر، وتتضافر على إيصال القصة إلى نهايتها. إنها تشكل ما يشبه حلقات سلسلة، إذا غابت إحداها تأثرت القصة بمجموعها. على أن هاني الراهب لم يعد يرضيه هذا النموذج الذي لم يعد يعكس الواقع العربي المعاش. وهو يرفض الحوارات الهامشية جداً في هذه الرواية. ويعطي وظيفة جديدة للحدث على الأخص، عن طريق طبعه بخاتم التفتّت. يضع هاني الراهب النص بصورة رئيسة على المسرح، كمجموعة من الطلاب تضم أدباء، وهؤلاء الأشخاص يتناولون في مرّات متكرّرة موضوعات أدبيّة بصورة خاطفة. وحين يصل النقاش إلى الحدَث يجري التّأكيد على أنّه فقدَ أهمّيته: «من يكتب عن مجدّد يكتب رواية مشتّتة. حياته ليست سلسلة، بل حفر ومطبّات وبقع ضوئيّة، الحادثة لاتهم لأنها لا تمثّل حياته. كلّنا لا نطرح أنفسنا من خلال الحياة اليومية لأننا نعتبرها غريبة عنا وليست الحياة التي نحلم بها»، وقد نادى هاني الراهب بهذه الأفكار منذ عام 1965 في مجلة «المعرفة»، والتي تتمثل في أنه يبحث عن أسلوب جديد للكتابة، أشبه بلوحة تنقيطيّة، عن طريق تكديس لمسات صغيرة، ومشاهد من الحياة اليوميّة، حتى أكثرها تفاهة، أو أكثرها سخفاً، وهذه تتضافر لإعطاء المعنى العام للمؤلَّف، وهو أن العالم ليس إلا فرقة، حزناً، ضجراً، خيبة، وقصوراً.
ينفجر الحدَث في روايته عبر عواطف وأحوال، وفي شخصياتٍ ومعانٍ، فالحدث ليس أحد العناصر الجوهرية في القصة، بمعنى أنه لم يعد المحرّك المباشر للحبكة، ولا تعبّر عن عوامل تغيير، أو وقائع فريدة تطوّر الوجود الجماعي، أو الفردي للأشخاص. إنها تنقل محيطاً، جواً عاماً يمتد على طول النص من أوّله إلى آخره. وليس لهذه الأحداث معنى بذاتها، ولكنها تكتسب معنى بالعلاقات التي تقيمها مع الأحداث الأخرى، وترابطها مع أفعال أو عواطف، وبالتعليقات أو الصور التي ترافقها، من دون تسلسل للأحداث، حتى أن الروابط تضيع بينها، فإن حذفت عدداً كثيراً من صفحاتها أو قليلاً من أي مكان، لن تشعر بنقص في تسلسل أحداثها.
تتأرجح شخصيات هاني الراهب، بين احترامها للتقاليد وإرادتها للتقدّم والحرية، بالرغم من ظروفها الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي لا تسمح لها دائماً بالازدهار والعيش في سلم ورخاء. يتحكّم هاني الراهب في المعنى، ويختفي بصفته سلطة تعبيرية ليترك الأشخاص يستولون على الكلمة، ويتيح للقارئ الاستيلاء على المعنى، كما في روايته «شرخ في تاريخ طويل»، وهذا القارئ في الحقيقة، هو الذي سيستخلص من التجارب طابعها العام، ويربطها بالزمن الجماعي، ألا وهو زمن التاريخ.
لقد كتب هاني الراهب في كانون الأول 1969 أن العالم العربي يواجه مشكلتين رئيسيتين: التجزئة والتخلف. ولهذه الأسباب كانت هزيمة 1967 مكتوبة سلفاً في الحياة العربية اليومية، قبل أن تتحقق في ساحة المعركة، وأكّد أن على الأدب أن يأخذ بالحسبان هذه العوامل، وأن يعمل لتلبية حاجات التغيير في المجتمع: «الثورة خلق وتكوين جديدان، كذلك يجب أن يكون الأدب». ففي رواية «المهزومون» يؤكد على خط الأشخاص المشبعين بالرغبة في الحياة، والمتحرّرين من الضغوط الفكريّة والاجتماعية التي تعيق وجود السوريين: «أريد أن أشرب الحياة، أعبّ الحياة، أمتصّها، وأنسفح على أعصابها، وأنغمر في أعماق لذائذها ووجودها».

شرخ في تاريخ طويل
هي رواية قصص حب خائبة، أقامها الراوي والبطل أسيان على التوالي مع سوزي، ومرام، ولبنى. ويعود السبب الرئيسي لهذه الإخفاقات إلى النظام الاجتماعي العام الذي يمنع الأفراد من التعبير عن أنفسهم بحرية، وإظهار انفعالاتهم بصورة عفوية.
إن الحب مستحيل، لأن المحيط يتفنّن في إقامة الجدران التي لا يمكن اختراقها بين الناس ذوي الأخلاق الحسنة. ونصادف هنا من جديد نقد القوى الاجتماعية المحافظة السائدة، تلك القوى التي تتمسك بالمظاهر، بدلاً من القيم الاجتماعية الإيجابية، وتمنع الناس من أن يعيشوا كما يرغبون، في فرح وتفتّح.
ولما كان الحب ممنوعاً، فإنه لا يبقى أمام المرء لعلاج كبته إلا الخُطبات الخاطئة، أو العلاقات الجنسيّة التجارية، أو العادة السريّة. لأن هذه التيمة المحدودة للحب ليست إلا عرَضاً من أعراض الجو العام للضغط وعدم الرّضا السّائد. فالنظام الاجتماعي يمنع الصدق والحرية في جميع أحوال الحياة. وتغيير ذلك يعني أن ندق إسفيناً في الحالة الراهنة، ونعمل من أجل ثورة شاملة تمس جميع قطاعات الوجود العربي، وهذا ما يحاول أسيان شرحه لأحد أصدقائه.
«أسيان، لماذا تضيع حياتك متقطّعة. أنت موهوب وفهمان، اعمل ليستفيد منك وطنك. الوطن في حاجة لك، لجميع المخلصين، أليست بلادنا في حاجة إلى ثورة شاملة؟
ـ أريد امرأة أعيش معها ثورتي وبعدئذ أنطلق إلى ما هو أوسع. أكوّن أسرة وأنشئ أطفالاً أصحّاء.
ـ عصرنا لا يسمح لك بهذا الترك. هذه قضية صغيرة. أنت للوطن ولست لنفسك.
ـ عندما أعيش مع امرأة لا تتمزّق علاقتنا أكون قد صنعت ثورة كاملة. خدعتنا الشعارات الكبيرة، وغفلنا عن قصورنا الشّخصي».

ومدينة دمشق، المكان الاجتماعي بامتياز، تجسّد في معظم الأحيان هذا الانقسام، هذا التفتّت، عن طريق وضع حواجز داخلها: حواجز ماديّة أو رمزيّة تقيمها بين الناس وبين الجنسين بصورة خاصّة.
"رأيت البيوت المنظّمة حولي ـ بعضها غارق في الظلام، وبعضها مغلق على أنواره ـ والشوارع المنظّمة. عوالم سحيقة صامتة مفصولة بآلاف السدود والسنين. صبوات وخيبات أعلت بين الناس جدراناً من القيم والتقاليد وملأتها بالنوافذ والستائر، وصاروا يتحرّكون داخلها ويضاجعون ويأكلون ويلبسون الثياب ويتكلّمون في شؤون الدّنيا وأكثر من ذلك يطلقون أحكاماً». هذا الفصل قائم يومياً، وفي جميع الأنشطة الاعتيادية. والناس يعيشون في مكان وزمان يفصلان بعضهم عن بعض. هذه الجدران تقف حاجزاً أمام الحاضر، فأسيان يضطر إلى التصرّف كغريب حين يزور سوزي، المرأة التي يحبّها، وهو يشعر بأنه مستبعد من المشهد الذي يدور أمام عينيه، ولم يعد إلا متفرّجاً خارجيّاً، والأشخاص الذين يرون أنفسهم محصورين بين ماضٍ يفرض قوانينه الخاطئة، ومستقبل يبدو أنه لا يقدم فرصة للأمل، هؤلاء الأشخاص يستمرّون في الحياة بانتظار الموت. شيء واحد يمكن أن ينقذهم من الوحدة، ألا وهو الصّداقة التي تُسقط بعض الحواجز وتجعل المدينة غير معادية: «في دمشق لا توجد جدران ولا رمال. ثمّة مجد وسوزي ولبنى ومسعود وبعض لعاب العنكبوت القليل الأهميّة». كل هذا كتبه هاني الراهب بأسلوب العودة إلى الخلف.
يؤدّي الزّمن دوراً مهيمناً، ولكن دون أن يُنظر إليه من الناحية الكمّية التتابعيّة. إنه على العكس من ذلك، كيفي، نفسي، إنه الزمن البشري، الشعور الذي يحسّه كل إنسان باللحظة التي تمر، ويحيله إلى نشاط ذهني لإعادة البناء، من خلال استدعاء أحداث تشكل حياة. هكذا تصبح الفئات الزمنية للحاضر والماضي زاخرة. ففي الرواية يصبح الحاضر «شيئاً معاشاً» يقدم نفسه للقراءة. مروراً بآلية الذاكرة يقدم الماضي نفسه في حالة «حاضر»، يخضع للعلاقات الشعورية واللاشعورية التي تبني ذهن الإنسان.
التلال
هي تاريخ مدينة (وربما تاريخ مدن أخرى، لأنّ مصيرها مترابط) بعليتا، الواقعة في وادي «النهر الكبير»، أي النيل. ويأتي السرد التاريخي حول المدينة ليمثل، بالدرجة الأولى، التقلبات التي عاناها السكان، وطموحاتهم، وآمالهم، وإنجازاتهم: «معظم هذا التاريخ مرشوش الآن على ذاكرة العالم وفي متاحفه. لم يبق منه إلا القليل الذي رأيناه أطفالاً، القليل الغائب عن البصر والبصيرة، الذي يعيشه فقط ورثته، الغائبون هم أيضاً عن البصر والبصيرة. ولكن ما بقي هو الأهم. إنه التاريخ السري الذي تشاء الكتب والمخافر أن تنساه، الذي كلما تقادم اقترب من اللغز والهلوسة والمستحيل».
وهكذا فإن الأدب الخيالي واللجوء إلى الأسطورة والسخرية والرمز وأشكال السرد، يأتون لنجدة التاريخ، ويعيد للمنسيين مكانتهم. فطريقة الكاتب تجمع بين التاريخ «العلمي» والتجربة الشّخصية. فالتجربة الشخصية تسمح بالولوج إلى هذا التاريخ السرّي الذي لا يعرفه التاريخ الرسمي، والذي يعطي مكانة للتاريخ «الشعبي» على أن حضور شخصية «فيضة» يسمح بتجاوز هذا الإطار التاريخي الصرف وإعطاء معنى لحركة الحياة، وزحزحة السّرد نحو هذا «التاريخ السرّي» الذي يحمل في طياته قيماً عالمية، تتجه نحو غرض واحد، ألا وهو الحديث عن الممارسة المعاصرة للسلطة في العالم العربي لإبراز الجوانب السلبية فيها، والمطالبة بقدر أكبر من الديمقراطية. والرؤية التي يقدمها عن هذا العالم ما تزال متشائمة. فالبلدان العربية لم تنجح في إرساء الديمقراطية والسلم على أرضها. ومن خلال القصص الخاصة بالأشخاص تطالعنا خيبة الآمال الكبرى التي حرّكت التقدميين العرب في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وحركات التحرر. وقد عبّر الكاتب عن هذا في مجلة ألف قائلاً: «بمعنى أنا أريد أن أحشد أكبر كمية، أكبر حجم ممكن من التجربة ومن البشر في خلق فني ما، فماذا أفعل، أتساءل عندها:
أيها الأقدر على تقديم هذا الحشد، الواقعية أم الأسطورة؟ ويأتيني الجواب: الأسطورية. الواقعية أم الرمزية؟ يأتيني الجواب: الرمزية. هل أهجر الواقع؟ أبداً، الواقع عنصر قائم ونحن لسنا منصرفين تماماً إلى الرمز والأسطورة لأنهما بالأساس نشآ من الواقع».

ألف ليلة وليلتان
نقد للتاريخ العربي في القرن العشرين، وصعود البورجوازية الصغيرة إلى السلطة في بداية الستينات، وإخفاقها في مهمتها لتحقيق التقدم والإصلاح. والأشخاص يمثّلون هذه الطبقة الجديدة المسيطرة، ويظهرون غير قادرين على تلبية توقعات الشعب. فقد جرى تجميد الإصلاح الزراعي، وهيمن الفساد والمحاباة، واحتل الجنس الأولوية أمام الحب الحقيقي، وبقيت التقاليد الأكثر رجعية تحكم العلاقات الاجتماعية، وقد تأثرت المرأة بشكل خاص بهذه الأوضاع، وبقيت خاضعة لسلطة عائلتها التي ترى فيها سلعة للتبادل، وسلطة زوجها الذي يفرض عليها أن تخدمه بصورة عمياء. صحيح أن الفروق الاجتماعية زالت، ولكن الانقسام القائم بين الأغنياء والفقراء ازداد اتساعاً. والمجتمع الاشتراكي التقدمي الموعود بقي بعيداً عن الواقع الممثل في الرواية: «إن اختلاط الأزمنة في الرواية مقصود به الإشارة إلى استمرار عالم ألف ليلة وليلة العربي خلال ألف سنة وسنة، وإن هذا الاستمرار بلغ ذروته عام 1967 عبر هزيمة حضارية أزاحت العرب عن هامش الزمن ووضعتهم في الليلة الثانية بعد الألف: وهذا الزمن الجديد الذي تنتهي الرواية ببدايته سيكون سداة رواية قادمة».
يبرز في الرواية عنصر رئيسي وهو «النعاس» وحياة الناس منظمة فيه، كما هي الحال في الحياة الواقعية، بالتناوب بين النوم واليقظة، ولكن هذه اليقظة ليست إلا جسدية، فالواقع أن المجتمع العربي استكان إلى النعاس، ولن يستيقظ إلا بعد الهزيمة، حيث يقرر قسم من الأشخاص مغادرة عالم ألف ليلة وليلة ومعيشة حياتهم الخاصة. وتنتظم القصة حول فعل «أفاق» الذي يفتتح الرواية، «في زمن ما يفيقون»، وكأن الأشخاص يعيشون في حالة من «النوم، التعب، ليلة بدون صباح، نوم أبدي، الخدر الدائم»، وكأن الزمن قد توقف بالنسبة إليهم، وهم لا يفعلون إلا تكرار النماذج الماضية، غير قادرين على إيجاد حل للأزمات التي يجتازونها، فعالمهم لا يملك من الحداثة إلا المظاهر، فهو يتزين بالكلام الجميل، ولكن مساوئ الماضي ما تزال مستمرة في القلوب، وهو متجمد في أساليب قديمة من التفكير، على غرار الزمن المتوقّف، فالعالم تكبّله التقاليد والديمقراطية الغائبة، وضيق هوامش الحرية بسبب الضغوط السياسية والعقائدية والفنية التي يخضع لها.

قديم 12-19-2011, 11:19 AM
المشاركة 155
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع،،،

رسمت خطاً في الرمال

واستمر الراهب في نقد وتعرية الواقع العربي الفاسد في روايته الأخيرة «رسمت خطاً فى الرمال» والتي تعتبر من أفضل ما كتب خلال مسيرته الروائية، حيث تناول فيها الوضع العربي ككل من خلال رسمه لملامح الغزو العراقي للكويت وما تبع ذلك من احتلال الجيوش الأمريكية للكويت بذريعة حمايتها من العدو.
«كان قد مضى عليّ ثلاثة أشهر دون أن أتلقّى دولاراً واحداً، وعشرون شهراً وأنا بلا عمل. عندما انقطع رزقي بسبب الطول السياسي للساني، انفضّ من حولي تسعون بالمئة من أصدقائي ومئة بالمئة من دخلي. وبعد أشهر بدأت أبيع مقتنياتي، وأقترض. الصحف والمجلات التي كنت أكتب لها ـ أنا عيسى بن هشام ـ وجدت أن مقاماتي باتت تفتقر إلى النّكهة والنّكتة والطّعم واللون والرّائحة (كلّها دفعة واحدة). وتأسّف رؤساء التحرير لعدم استطاعتهم نشرها».
وقد استخدم الراهب في هذه الرواية نفس الأسلوب الذي استخدمه في رواية «ألف ليلة وليلتان» حيث استعان بالتراث ليستحضر شخصيات منه و يلبسها ثوب المعاصرة ليحملها أفكاره الثائرة على الواقع، حيث نجده يسخر من الماضي والحاضر والمستقبل عبر شخصيتي بديع الزمان الهمذاني وأبو فتح الإسكندري، لنقرأ معاً هذه الصورة الساخرة:
«وهكذا جثمت على خاطري معضلات الحياة الجاثمة على مدينة لماذا. كنت مسترخياً على الحصيرة في غبش البرودة والتهويم. أسندت ظهري إلى الجدار. نقلت عيني الغافلتين بين المحراب والمنبر وحروف الذهب البديعة على الجدران الأخرى: أنا عيسى بن هشام، الذي تمرّد على خالقه بديع الزّمان وقال له: "إما أن تجعلني غنيّاً بالمال أو غنياً بالكرامة، أما لا ذاك ولا تلك، فهذا فراق بيني وبينك.
أبو الفتح الإسكندري طويل اللسان. نحن لم نتكوّن في رحم أمّ واحدة. لكننا توأمان في كل شيء. لقد تكوّنا في رحم آخر هو مخ خالقنا بديع الزّمان. كان طبيعياً أن نبقى أسيري لغته إلى يوم القيامة. لكن لحظة انفطار واحدة، الانفطار الكبير، غيّرت كل شيء. هذا التكرار، تلك النمطية، ذلك السجع. تلك هي لغة بديع الزمان التي اعتبرها فقهاؤنا معجزة. أدخلنا فيها وتركنا هناك. وفي مدينة بخارى اتفقنا أن نغادر وجدان خالقنا وأن نتأبى عليه إلى الأبد. وأخذ أبو الفتح ينشد:
ويحك هذا الزّمان زور فلا يغرّنك الغرور
لا تلتزم حالة ولكن در بالليالي كما تدور
ويمّم شطر مدينة الإسكندرية.
أما أنا فهوت عن كاهلي قشور الأبدية وشممت روائح الزمن في مدينتي النديّة، هناك استقريت، وعزمت أن أكسب لقمتي بكرامتي. جلست بين شجرة المشمش وشجرة الورد. انتظرت مجيء دنيازاد لنحتفل معاً بشرب فنجان قهوة (تكرّمت جارتنا بإعارتنا أوقية من البن). الشجرات المثمرات التي زرعتها في الحديقة صارت مجرد عيدان، فأولاد الجيران تربّصوا بكل غصن ينبت فيها أو ورقة، وأسعدهم اقتطاعها، بقيت فقط صنوبرة ودفلى وزيتونة».
وهنا أيضاً يناجي الأخطل قائلاً:
«واندهش وهتف: ماذا دهاك أيها الأخطل؟ أراك عدت إلى عقلية الحجاج بن يوسف.
قلت: هات الحجاج بن يوسف وهو يهدم الكعبة فوق رؤوسهم.
قال: إما انك أسرفت في معاقرة الخمرة أو أنك استمعت إلى حكاية من شهرزاد، اقتلهم وهم في الحرم الشريف؟ لدينا وسائل أرقى بكثير لعلك نسيت أننا في القرن العشرين.
قلت: بل أنت نسيت أننا في القرن السابع.
فنبر بصوت ودود: بئس الشعراء إذ يعاقرون السياسة، حتى أنك لا تعرف أن الحجاج فتح دكاناً خاصاً به ولم يعد يخدمنا».
بعد ذلك ينتقل الكاتب للحديث عن الواقع العربي والتغير الذي اعتراه بعد حدوث معجزة النفط، وسعي أميركا للحصول على هذه الثروة بأي شكل، في هذه الصورة نرى الأمريكي يخاطب ربه ويطلب منه أن يباركه في الحرب التي سيفتعلها بين العرب للحصول على النفط منهم (ويقصد بها حرب الخليج الثانية)، يقول:
«ماذا نفعل بمعجزة النفط هذه؟ هؤلاء الجمالون أنفسهم يشترون ويشترون كل مشتقات الجنس والتكنولوجيا والترف، ومع ذلك تبقى لديهم بلايين الدولارات من مشتقات النفط. ويدعون أن هذا فضل منك، يجب أن نجد وسيلة لسحب هذا الادعاء. البترودولار يهدد الدولار.
نحن يا أبي- الأميركي مخاطباً ربه - مضطرون لتصحيح أخطاء المصادفات الجيولوجية. منذ سبعة عشر عاماً ومليارات البترودولار تتراكم في حسابات الجمالين هؤلاء، إننا نجعلهم يشترون ثلث ما يشتريه العالم كله من الأسلحة ومع ذلك لا تنضب ملياراتهم. وإذا حدث وتصالح حاكم واحد منهم مع شعبه فسنكون في خطر، سوف لن يكون مضطراً لطلب حمايتنا ولا لإيداع دولاراته في مصارفنا. (...) وأنا شخصياً لم أجد وسيلة لتعديل هذا الخلل المستطير في الجيولوجيا المالية إلا أن أجعل هؤلاء الجمالين يتحاربون فيما بينهم كما كانت عاداتهم من قبل محمد، ومن ثم يطلبون المساعدة منا. لأجل هذا يا أبى أعتقد أنك ستمنحني بسهولة البركة التي أطلبها لأمضي قدماً في هذه الحرب. ليتقدس اسمك. ليتعال ملكوتك كما في السماء كذلك في الأرض».
قراءة في أدب هاني الراهب (شاكر فريد حسن)
هاني الراهب روائي سوري من أصحاب الكلمة الممنوعة والمقموعة والمغيبة. اقتحم بوابة الرواية بثقة وجواز مرور واحتلت نصوصه موقعاً واضحاً في الأدب القصصي والروائي السوري والعربي المعاصر. وقد نحى منحى جديداً في الكتابة الروائية واستفاد كثيراً من مطالعاته وقراءاته في الآداب والثقافات العالمية المختلفة ووظف كثيراً مما اكتسبه في آثاره وأعماله.
عاش هاني الراهب في زمن الانقلابات والعواصف والصراعات الفكرية التي أعقبت نكسة حزيران، ومات في الرمال التي غطت أرض الوطن العربي بعد عاصفة الصحراء والهزيمة الكبرى في العراق، تاركاً ومخلفاً وراءه الصدق والوهج وألم الفقدان ووجع الغربة والأسئلة عن الذات والحالة العربية الراهنة.
صدرت له عدة ترجمات لأعمال نقدية عالمية ولرواية «غبار» لياعيل ديان، وألف كتاباً عن الشخصية الصهيونية في الرواية الإنجليزية، وله في القصة القصيرة «المدينة الفاضلة» وفي الرواية «المهزومون»، «شرخ في تاريخ طويل»، «ألف ليلة وليلتان»، «الوباء»، «التلال»، «المستنقعات»، وغيرها.
ويعبر هاني الراهب عن حالة وبؤس الواقع العربي المأزوم والمهزوم على لسان «أسيان» بطل قصته «المعجزة» فيقول: «إن حياتنا اليومية مطبوعة بطابع النذالة والتفاهة والغيظ والمماحكة، وعلينا أن نتخلص من هذا الطابع لتصبح الحياة ممكنة. أعرف أنني أعمق نذالة من الجميع وأكثرها تفاهة وغيظاً وإني فارقت من الخطايا ما يبتلعكم كلكم، لكني من جانب آخر معذور لأني أردت أن أعرف حقيقة الإنسان، إننا جميعاً خطاة ولكننا لن نضيع وقتنا في المحاكمات وإصدار عقوبات الإعدام فالشر بذلك يبقى شراً».
ويحاول هاني الراهب في نصوصه رسم ونقل هموم وعذابات أبناء جيله ووصف حالة الانهزام والسقوط والتكيف في ظل الهزيمة، ونجده في قصة «الخامس الدائم من حزيران» يحكي عن مجموعة من الشباب المرح الذي يستسلم للهو والرقص للهروب من الواقع ونسيان ما يقلق البال وتنتهي حفلة الرقص بحادثة تقضي على الفرح الكاذب عندما تظهر لاجئة فلسطينية طالبة الخبز لأطفالها الجياع.
«خضراء كالبحار:
الحرب لم تنته...
الحرب مثل أمواج البحار..
لا تنتهي ...
أنت تعيش بين الناس في حالة حرب...
وأنت وهم في حالة حرب مع أناس آخرين..
الحياة نفسها حالة حرب «السلام حالة موت»..
ولكن من هذه الحالة يولد الحب والفن وتولد الإنسانية...
بعيد سفرها راح يهلع في المدينة.. واكتشف أن الحياة..لعنة ضرورية.
إذا فشل الإنسان في الحب عشرين مرة.. فكيف لا تقوم الحرب؟؟
إذا لم يكن الإنسان آمناً على عيشه وهو في الخمسين.. فكيف لا تقوم الحرب؟؟
إذا لم يكن أحد حراً في اختيار مكان صلاته... فكيف لا تقوم الحرب؟؟
عندما تتراكم الحلول التي لا تحل...تقوم الحرب!
ها هنا مجتمع يعلق أخلاقه على الستائر..ويطلق ثعابينه وراءها...
مجتمع أنتج زوجاً لاتهمه براءة الروح.. وإنما عفة الجسد..
عرفت أن الجسد والروح ينبثق أحدهما من الآخر.. وليس يلغي أحدهما الآخر..
وإنهما يكونان مئة و ألفاً.. عندما يكونان واحداً».

الوباء
اختارها اتحاد الكتاب العرب كواحدة من الروايات المئة الأوائل في تاريخ الأدب العربي، يطرح فيها هاني الراهب أسئلة هامة وكثيرة لم يجد لها جواباً في الواقع الحياتي عن الديمقراطية والحرية، وموقع المثقف في المجتمع المدني ودوره في عالم تنقرض فيه الثقافة ويقتل الوعي النقدي. تبدأ الحكاية هناك في الشير في تلك الفسحة المربعة بين كتلتين من الجبال. تنتهي آجال، وتولد أجيال، وما بين الولادة والموت فسحة الحياة التي تتلون بألوان يضفيها عليها المناخ والمسرح والآفاق.
ضمن هذه الأجواء يتنقل هاني الراهب متابعاً دورة الزمان لهذه العائلة السنديانية الآتية من ذلك المكان الممتد بين مرابع الصحراء إلى بلاد الشام وزمان ينحدر من السفر برلك إلى يوم حاضر.
يتتابع الأشخاص، يتغيرون بتغير أماكنهم وأزمانهم، يموت أشخاص ويولد غيرهم ويبقى وجه الحياة وحسها الآتي من معانيها قابعاً في كل حياته.
وتبقى حسرة في قلب خولة «كما يهدر من عمر الإنسان في هذا النمط من الحياة؟ كل هذه الأعوام، سبعة وأربعون، ولم تتعلم أن الزهرة تظل أجمل إذا لم تقطف، ولكن ماذا لو أنها تحت الحرية واكتملت؟ لو أن هذا الهدر لم يكن، لكان بوسعها أن تخيط ألف فستان زيادة، وتحب ألف شيء آخر، وتشعر بألف فرح آخر». وتبقى «ماذا لو؟» لغز السعادة الآفلة، في رواية الوباء الآتية من ثنايا حكاية الحياة.
وشخصيات هاني الراهب ملتبسة وقلقة ومضطربة، تعاني القمع والاغتراب والتهميش، وغير قادرة على مواجهة السلطة السياسية التي تغتال الإبداع وتصادر حرية الكلمة.
أخيراً يمكن القول أن قصص وروايات هاني الراهب فيها الكثير من التفاصيل الزائدة والرموز السياسية، وتستوعب الواقع اليومي الممل، وذات أبعاد سياسية وفكرية عميقة ،وهي تصور التكوين والتشكيل الطبقي والسياسي في المجتمع العربي البطريركي، وتغلب على أرجائها مسحة الحزن واليأس، وتحكي القهر والألم والتفجع لكاتب عربي أصيل أصيب بالخيبة وفقدان الأمل، وعايش الإخفاقات والانتكاسات والهزائم، ومات في رحاب المهزومين.
تكريم هاني الراهب
كتبت لمى يوسف في شؤون ثقافية عن تكريم هاني الراهب بتاريخ 9 أيار 2006:
احتفى اتحاد الكتاب العرب ومديرية الثقافة بالكاتب الروائي هاني الراهب خلال مهرجان نيسان الأدبي في عيده الفضي.
شارك في هذا التكريم الأديب عبد الكريم ناصيف، د. عبد الله أبو هيف، الناقد والروائي نبيل سليمان وأدار الندوة الأديب محمد حطاب.‏
اللامنتمي

‏استعرض أ. عبد الكريم ناصيف ظاهرة «اللامنتمي» في أدب هاني الراهب - «المهزومون» أنموذجاً – قائلاً: «طغت على المكتبة العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي موجة من كتب الأدب التي تنتمي للوجودية، إذ سعت دور النشر في بيروت خصوصاً والقاهرة ودمشق عموماً إلى ترجمة كتب سارتر، ولسن، وغيرهم من الكتاب، لتعرض في أبرز الأمكنة من واجهات المكتبات، ولينتشر بين بعض الناس - من ذلك الجيل - نمط من السلوك يحاكي النمط الوجودي ذاك، ويعمل على اقتفاء أثره في كثير من الجوانب والميادين الفكرية الاجتماعية وحتى السياسية. في تلك المرحلة من الزمن استقبل ذاك الجيل رواية هاني الراهب «المهزومون» بالحماسة والاندفاع، واعتبرها الكثيرون فتحاً في عالم الرواية وخروجاً على الموروث الروائي في تلك الأيام، وفتح باب جديد للإبداع الروائي على صعيدي الشكل والمضمون، وكان واضحاً كم كان الراهب متأثراً بتلك الموجة الوجودية واللاانتمائية التي جاءت من أوروبا، واستطاع أن يعبر في روايته عن انتشار تلك الأفكار بين الشباب المهزومين الذين يثرثرون في المقاهي ويصنعون الفراغ من الحلم الوجودي، وهو ما فسر يوم ذاك سبب تلقف سهيل إدريس مباشرة لرواية الراهب، ونشرها في دار الآداب - التي كانت تتبنى التيار الوجودي ـ مبشرة القارئ العربي بميلاد روائي عربي واعد. وأثبت هاني بعد ذلك أنه عالم من الإبداع قائم بحد ذاته لا يفتأ يتنقل بين عوالم مختلفة يبرع كثيراً في إعادة بنائها جميعاً، هو الفنان والمهندس الماهر في التشكيل والبناء».‏

ويضيف الأستاذ ناصيف: «ابتعد الراهب في "المهزومون" عن الاتباعية والمحاكاة في ميدان الرواية العربية لينفرد بذاته شاهداً على عصر بدأت فيه تحولات جذرية في المجتمع من أجل صنع مجتمع جديد بصيغ وعلاقات جديدة. فها هو بشر بطل "المهزومون" وطالب الجامعة يعلن عن أفكاره التي في مقدمتها النقمة على المجتمع والثورة عليه، فقد أعلن في أكثر من مكان أن المجتمع صفر، أي أن البطل يدين المجتمع ككل، يلغيه باعتباره لا قيمة له كالصفر».‏

تقانات جديدة‏


واستعاد د .عبد الله أبو هيف عبر مداخلته أغلب أعمال الروائي المحتفى به مستهلاً حديثه بالقول: «هاني الراهب من الروائيين العرب القلائل الذين جددوا السرد الروائي، وحدثوا تقاناته نحو التعبير الاستعاري الشامل عن تأزم الذات العربية ومحن الوجود العربي من خلال تعاضد رؤاه الفكرية مع تعليقاته الوجودية والتاريخية. فصارت غالبية رواياته مثار وعي بالتاريخ ومدار وعي بالذات إزاء اشتراطات الواقع المؤسسية. في مجموعته الثانية "جرائم دون كيشوت" (1978) صياغة سردية، أقرب إلى ممهدات لرواياته وتفكيره الروائي من حيث التزام الواقعية الجديدة وثراء الدلالات التناصية وتعدد المستويات السردية كما هو الحال مع قصة "وسوى الضبع" أنموذجاً، فهي مكتوبة ترميزاً عن هيمنة المحتلين والغزاة وتحالفهم مع العدوان الداخلي فيما بين العرب أنفسهم. فلا سبيل لمواجهة العدوان الخارجي ما لم يواجه العدوان الداخلي قبل ذلك. ويكرر الراهب في روايته "شرخ في تاريخ طويل" (1969) الموضوع نفسه، وتكاد الرواية تشبه لوحات متتابعة لحوارات سياسية وثقافية عن وعي الجيل الجديد وضغوطات السلطان السياسي عليه، حتى غدت الرواية مشاهد للجدل العقائدي والفكري والذي يتلفع كثيراً بلبوس وجودي حيناً وتاريخي حيناً آخر، وتلتزم ببعض تقانات الرواية الجديدة التي مارسها آلان روب جرييه وميشيل بوتور وكلود سيمون».
ويضيف د. أبو هيف: «لفت الراهب النظر إلى إبداعه الروائي الحديث بقوة في روايته "ألف ليلة وليلتان" التي وسع استخدام تقاناته الروائية الجديدة فيها، ولاسيما الشاعرية والكثافة وانفتاح المنظور السردي على مصراعيه لتعدد مكونات الفضاء الروائي من الواقعية إلى المرجعية التاريخية».
اللاتعيين

أضاء الناقد والروائي نبيل سليمان على إضافات هاني الراهب الأكثر أهمية، إن كان بالنسبة لتجربته الروائية أو بالنسبة للرواية العربية، كما تجلى ذلك في روايتيه «خضراء كالبحار» و«رسمت خطاً في الرمال»، وكان الراهب قد استخدم في رواية «التلال» إستراتيجية اللاتعيين كما يسميها الناقد سليمان. ويضيف: «تعثرت تجربة الراهب في "التلال" من هذه الناحية، لذلك لم يتابع مشروعه في الجزأين الثالث والرابع منها، وظل ذلك إشكالاً مريراً بينه وبين نفسه، وعرفت ذلك من أحاديثي الطويلة معه. في روايته "خضراء كالبحار" يشتغل من جديد على تطبيق هذه الإستراتيجية، لكن يمكن للقراءة أن تستعين ببعض المؤشرات، فالبلد قد يكون لبنان أو سورية من خلال وجود ضابط أسير لدى إسرائيل. كما اشتغلت الرواية على التلاقح مع الفن التشكيلي ومع الموسيقى، والرواية كما نعلم فن بلا تخوم تتفاعل مع الفلسفة والاقتصاد والتاريخ ومع الفنون كافة، وإن كان تلاقح الرواية العربية مع الفن في التشكيل والموسيقى ليس بغزارة تفاعلها مع التاريخ، لكن هاني راهن في روايته هذه على ما يمكن أن يقدمه التفاعل بين السرد وبين الفن التشكيلي والموسيقى، وليس المقصود هنا أن تكون الشخصية الروائية أو تلك رسامة أو عازفة مع أن الشخصيات المركزية فيها كلها تشتغل بالفن، واحدة منها تبدو قناع الكاتب ليدلي بدلوه وبآرائه بالفن التشكيلي. شخصية الفنان التشكيلي المزواج المطلاق، الذي يبدو كقناع للكاتب ليجسد التجربة الإبداعية. ودائماً الخلفية هي الموسيقى خاصة الكلاسيكية منها».
أخيراً‏ أغلقت هذه الندوة التكريمية، وفتحت أمامها مهرجاناً سنوياً لهاني الراهب في مشقيتا، كما فتحت باب تكريم أدباء اللاذقية الذين أصبحوا نسياً منسياً.

الراهب وجائزة نوبل
عندما سئل الراهب ذات يوم عن مغازلته جائزة نوبل وموقفه منها أجاب: «بالنسبة لجائزة نوبل، أنا لست مرشحاً لها والذي كتبته حتى الآن هو ثماني روايات اثنتان منها فقط جديرتان بالقراءة، والست الأخريات لا بأس بهن، ولدي كذلك مجموعتان قصصيتان، وهذه الجائزة إذا استثنينا منها الجانب المالي، وهو جانب لعله الشيء الإيجابي الوحيد فيها، جائزة سيئة السمعة جداً نظراً لتدخل السياسة فيها بعيداً عن الاعتبارات الثقافية، ومن ذلك بشكل خاص ترويجها قيماً إمبريالية ورأسمالية لا تناسبني أنا العربي الذي أعتز بتراثي وحضارتي».
الخاتمة
أقام بيننا هاني الراهب ليرحل، حاملاً بخفّة خيمته، بحثاً عن ماء بهي، يكون جديراً بعطشه، تاركاً آثار خطواته تغوص في ثلج الحقيقة، ممتثلاً لأوامر الرّيح، تحمله إلى أماكن بعيدة، واسمه ما يزال على طرف ألسنتنا، نريد أن نناديه، نودّعه، لنقول له: هاني الرّاهب، شكراً لقلمك، الذي بعث الشباب في وجه الرواية المعاصرة في سورية، موقظاً إيّاها من سباتها العميق، معيداً الألق والشّعلة لنظراتها، مطالباً بالديمقراطية والأمل على التغيير.
ارتاح هاني الراهب في السادس من شباط عام 2000 من صخب الحياة وهمومها، ونام بجانب تلك الصّومعة التي كانت مصدر إلهامه، في لحدٍ نديّ التّربة، طاهر الجنبات، يحرسه ضريح رخامي أنيق التّكوين، يرتفع فوق تلةٍ عالية، قريباً من مزار قبر جدّ أبيه الشّيخ سليمان الراهب، ليطلّ إلى الأبد، على بحيرات، غابات وجبال قرية مشقيتا، الممتدّة حتّى الحدود التركيّة.‏
أعماله
- المهزومون، رواية، بيروت، 1961.
- بلد واحد هو العالم، رواية، دمشق، 1965.
- المدينة الفاضلة، قصص، دمشق، 1969.
- شرخ في تاريخ طويل، رواية، 1970.
- ألف ليلة وليلتان، رواية، 1977.
- جرائم دون كيشوت، قصص، 1978.
- الوباء، رواية، 1981.
- التلال، رواية، بيروت، 1989.
- خضراء كالمستنقعات، رواية.
- خضراء كالحقول، رواية.
- رسمت خطاً في الرمال، بيروت، 1999.
- خضراء كالعلقم، قصص، بيروت، (نشرت بعد وفاته).

المصادر
1ـ موقع الروائي والأديب هاني الراهب (منتديات كفرنبل العامة).
2ـ مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر.
3ـ وزارة الإعلام.
4ـ الإبداع الروائي المعاصر في سورية، تأليف إليزابيت فوتييه، ترجمة: د. ملكة أبيض.
5- مواقع إلكترونية.



إعداد: أميرة سلامة


اكتشف سورية

قديم 12-19-2011, 02:41 PM
المشاركة 156
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هاني الراهب
بعد إلحاح مطول من أخي السليم في كتابة سيرة حياةهاني الراهب حاولت جمع أشتات هذه الرجل في هذه الأسطر، ولكن ما إن بدأت حتى تحدرتدموع محرقة من عيني ذهبت كل محاولات قمعها سدى .
ربما لايحسنبي بوصفي "مشروع ناقد أدبي" إطلاق أحكام القيمة، ولكن بعيداً عن هذه الاعتباراتكلها سأقول: إن هاني الراهب هو سيد الرواية السورية بدون منازع، هو السيد الذيحاولت مسح اسمه وحضوه عقول قاصرة ونفوس متقزمة لن تظهر للعين إذا ما قيستبه.
في "مشقيتا" التي تبعد عن اللاذقية 20 كم ولد هاني الراهب عام 1939 وأنهى دراسته ما قبل الجامعيةفيها ثم انتقل إلى جامعة دمشق طالباً في قسم الأدب الإنجليزي، وفي سنته الرابعةتعلن دار الآداب البيروتية عن مسابقة للرواية العربية شارك فيها أكثر من 150 كاتباًمن أهم الكتاب العرب وقرر هاني ابن الـ 22 عاماً المشاركة فيها، وكتب رواية خلال 30يوماً وأعلنت النتائج 1961، وكان هاني بمحاولته الجنونية "المهزومون" الفائز الأولىفي المسابقة.
في العام نفسه فاز بالجائزة الثانية لمسابقة القصة القصيرة في كليةالآداب بجامعة دمشق. أنهى هاني دراسة الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق ودبلوم التأهيلالتربوي ثم حصل على بعثة للماجستير في الجامعة الأمريكية ببيروت بين عامي 1963 – 1965 ثم فاز بمنحة حكومية لمتابعة الدراسات العليا في جامعة إكستر ببريطانيا وهناكحصل على الدكتوراه في الأدب الإنجليزي عن بحثه "الشخصية الصهيونية في الأدبالإنجليزي" بين عامي 1971 – 1973، عاد بعدها للتدريسفي جامعة دمشق وبدأت رواياتهفي التتالي فأصدر مجموعته القصصية الأولى عام 1969، بعنوان "المدينة الفاضلة" ثمرواية "شرخ في تاريخ طويل" 1970، ثم رواية "ألف ليلة وليلتان" 1977، ثم مجموعتهالقصصية الثانية "جرائم دون كيشوت" 1978، فـ "الوباء" 1982 التي فازت في العام نفسهبجائزة اتحاد الكتاب العرب كأفضل رواية عربية، و "بلد واحد هو العالم" 1985، و "التلال" 1989، وفي عام 1990 فاز بمنحة روكفلر من جامعة "آن أربر" لتقديمه دراسة عنصورة المرأة في الرواية العربية خلال العام الجامعي 1991 – 1992.

بدأ مشروعاًلكتابة رواية نهرية "أي رواية من عدة أجزاء" أراد تسميتها "كل نساء المدينة" وأرادها من خمسة أجزاء ولكن ذلك لم يتحقق فأصدر منها: "خضراء كالحقول" 1991، و "خضراء كالمستنقعات" 1992، و "خضراء كالبحار" 1999 وتوقف المشروع. ثم أصدر روايتهالأخيرة: رسمت خطاً في الرمال" 5 حزيران 1999، وتوفاه الله في دمشق بعد معاناةطويلة مع مرض السرطان في 6 شباط 2000 ودفن في مسقط رأسه بمشقيتا، وبعيد وفاته ظهرتمجموعته القصصية الثالثة "خضراء كالعلقم" 2000.
كما ترجم عدداً من الكتب عن الإنجليزية منها: ثلاثةروائيين فلسفيين: جويس - جيد - مان، تأليف: جوزيف برينان - 1975، الرمزية والأدبالأمريكي، تاليف: تشارلز فيدلسون - 1976، مدخل إلى الرواية الإنجليزية، تأليف: أرنولد كيتل - 1977، ييتس، تاليف: هارولد بلوم - 1979، الكاتب الأمريكي الأسود،تحرير: كريستوفر بيغزني - 1982، عنف، تأليف: فيستس إيابي - 1984، صورة سيدة، تأليف: هنري جيمس - 1989.

وسنردد معالكاتب والباحث محمد جمال باروت: هاني الراهب كاتب إشكالي ويعتبر أنموذجاً للروائيالمجدد والمتجدد, عمل على تطوير الرواية السورية من خلال اشتغاله وبحثه الدؤوب عنالتعبير الروائي والتقنية الروائية واقتصاد اللغة, وكان لكتاباته تأثير مميز علىالرواية العربية شكلاً ومضموناً وشكلت علامة بارزة في مسيرة الرواية العربيةالمعاصرة وتطورها.

ويمكن القول: إنه ما من عمل روائي أصدره الراهب إلا وأثار جدلثقافياً وفكرياً كثيفاً، وهذا يعود إلى طبيعة كتابة الراهب الإشكالية، بالمعنىالفني، وبالمعنى السياسي.
عمل الراهب فيعدة جامعات منها اليمن والكويت التي درس فيها عشر سنوات من 1988 إلى 1998.
في بداية السبعينات ترجم هاني الراهب إلى العربية رواية "غبار" ليائيل دايان الكاتبة الإسرائيلية والرواية تصور العربي بصورة "الأهبل، اللاحضاري، الجبان، سلاحه خنجر الغدر لا سيف المواجهة" وكانت هذه الترجمة من منطلق: "علينا أن نعرف كل شيء عن عدونا حتى في الثقافة, فهذا العدو كان وما يزال متفوقاً علينا في كل المجالات حتى في الإبداع وإن لم نكن على الأقل في مستواه فإننا لن ننتصر عليه" ولكن هذه الخطوة كانت كفيلة بفتح بوابات الجحيم عليه،فاتهم بالدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل الأمر الذي نفاه مراراً وتكراراً ولكن دونفائدة، فطرد من اتحاد الكتاب العرب كما كان قد طرد قبله أدونيس ونزار قباني والماغوط ومعظم الأسماء الكبيرة لأسباب تافهة، ثم طرد من جامعة دمشق وامتنعت معظم الدوريات عن نشر كتاباته وسحب جواز سفره منه في مطار دمشق، حتى كاد يهلك جوعاً كما يصور في روايته الأخيرة.
والجدير بالذكرأنه وبعد رحيله بحوالي 10 سنوات ما يزال هذا الاسم محارباً على صعدين، الأول: الدراسات الأكاديمية العليا فهاني الراهب اسم غير مرغوب فيه لأنه سيسبب "وجع راس"،والثاني: هو "منطقة الخليج" التي عرى الراهب كثيراً من زيفها وإفلاسها الحضاري فيروايته الأخيرة "رسمت خطاً في الرمال".
هاني الراهب أيها الوباء الذي أخاف الأقزام المهزومينوما يزال أهلاً بك بيننا هنا كاتباً كبيراً وعملاقاً سورياً نريد منه أن يرسم شرخاًفي تاريخنا الطويل المتكدس تلالاً من البؤس كاتباً لن ندخر جهداً في تقديمه لمتصفحيالشبكة الإلكترونية عبر تقديم رواياته وقصصه ودراساته وربما ترجماته مستقبلاً وكلما كتب عنه حتى يستحيل هذا القسم جزيرة خضراءكالحب.

قديم 12-19-2011, 02:42 PM
المشاركة 157
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هاني الراهب الكاتب المجدد الذي اختار هوية المثقف الإشكالي
.... حاول كتابة الرواية وهو في الرابعة عشرة من عمره ,بعدها كتب (المهزومون) بنوع من الجنون وخلال ثلاثين يوما متتاليا مقتحما وبجرأة نادرة عالم الرواية العربية وعالم المحرمات العربية الثلاث(الجنس,الدين, السياسة) ,ونال في العام1961 جائزة مجلة الآداب البيروتية عن هذه الرواية التي ستعلن عن ولادة روائي سوري جديد ستكون له مكانته الروائية والأدبية والنقدية الهامة ,ذلك كان الروائي السوري الراحل (هاني الراهب)(رحل في 6/فبراير/2000).

ولد هاني الراهب في قرية (مشقيتا) باللاذقية عام 1939 ,درس الأدب الإنجليزي في الجامعة الأمريكية في بيروت ونال شهادة الدكتوراه من بريطانيا, مارس التدريس لسنوات في جامعة دمشق , واثر ظروف عديدة سافر الراهب إلى دولة الكويت في الخليج العربي,عاد إلى دمشق وتوفي فيها اثر مرض عضال أصابه,مارس كتابة الرواية والقصة والنقد الأدبي, له ثماني روايات وثلاث مجموعات قصصية صدرت آخرها بعيد رحيله.

يعتبر هاني الراهب أنموذجا للروائي المجدد والمتجدد, عمل على تطويرالرواية السورية من خلال اشتغاله وبحثه الدؤوب عن التعبير الروائي والتقـنية الروائية واقتصاد اللغة , فالتوتر اللغوي عنده يستمد نسيجه من تصور موحد للغة باعتبارها هيولى لاتزال في حالة الصيرورة,وفي هذا قال الراهب يوما : (ما دامت الرواية ظاهرة تكاد أن تكون حديثة العهد في تراثنا الأدبي, فينبغي أن يحتويها بناء لغوي وأسلوبي جديد), وقد كان لكتاباته تأثير مميز على الرواية العربية شكلا ومضمونا وشكلت علامة بارزة في مسيرة الرواية العربية المعاصرة وتطورها.

بعد روايته الأولى (المهزومون) يقول الراهب:خفت خوفا شديدا من الشهرة أن تؤثر على إجادتي لكتابة النص فرحت أعمل على تكثيف النص لغويا و بنيويا إلى درجة أن الفصل الأول من روايتي الثانية(شرخ في تاريخ طويل) أخذ سبعة أشهر والرواية كلها استغرقت سبع سنين بدل شهر واحد,هذا هو قلق المبدع الحقيقي المسكون بالهواجس الحياتية والروائية والأسئلة الوجودية وحسب تعبيره (نحن سكان مدن الأسئلة).

شكلت روايته (ألف ليلة وليلتان) واستفادته من التراث القصصي الشعبي واللغة والتقنية الروائية التي كتبت بها الرواية وبنية السرد المميزة والتي تدل على رغبة الراهب في التجريب والتجديد ,شكلت انعطافة هامة في مسيرته الروائية, فهي ذات طموح فني وتقني كبير للسيطرة على الحقيقة التاريخية, وعنها يقول الروائي والناقد السوري نبيل سليمان: (يقترب أسلوب هاني الراهب في هذه الرواية من أسلوب الروائية الإنجليزية (جين اوستن).

في الحرص على تقديم العادي ودقة النثر وهجائيته الحادة) فهاني الراهب كثير الاهتمام باللغة والأسلوب الروائي.

وقد حاول الراهب فيها أن يحكي قصة ثلاثين شخصا على الأقل وكل واحد منهم يظن نفسه قائما بذاته إلى أن تلطمه هزيمة حزيران (يونيو) فيكتشف أنه جزء صغير من مجتمع مهزوم وعمر هذه الهزيمة ألف عام , ولهذا لم يستطع الراهب تقديم هذه الرؤية عبر تقنيات السرد والوصف والحوار والحبكة المحكمة وخاصة الحبكة , ذلك أن المجتمع الذي ه زم هو مجتمع متفكك ,منقسم على نفسه, وقد تمثلت الرواية في بنيتها شكل هذا المجتمع, والزمن فيها هو زمن تجاوري أو تزامني ,وعنها يقول الراهب: (أحسست بالثقة الكافية لتقديم حطام رواية , أنا مدين إلى حد ما إلى بنية (ألف ليلة وليلة) التي تحكي ألف حكاية) ,لكن البحث الأساسي بالنسبة له ظل يلاحق بنية جديدة للرواية سماها البنية الجماعية , وسنجد في روايته (التلال) تقديمه للعبة زمنية وبطريقة خاصة , حيث رأى فيها حاجة ماسة لعنصري الأسطورة والرمز, واعتبارهما التقنية الأنجع في التعبير عن شمولية التجربة , ويؤكد فيها على مقولته الأساسية في العمل الروائي وهي أن شكل وبنية التجربة التي يكتب عنها يفرض شكل وبنية الرواية.

كتب هاني الراهب روايتي (خضراء كالمستنقعات) و(خضراء كالحقول) وهو في حالة وعي متأزم بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وانهيار التقدم العربي وانهيار النظام الإقليمي العربي, أحس وكأن كل شيء ينهار, وقد انعكس هذا الإحساس على أدواته الفنية وأسلوبه في الكتابة (بدأت ألعن اللغة التي استخدمتها خلال ثلاثين عاما , كانت باهرة لغة شعرية , لغة ارتيادية , لغة تقدمية...لكن الشعر والتقدم والارتياد كله انهار, فلماذا أنا محتفظ بهذه اللغة التي باتت الآن وكأنها مجرد زينة, مجرد حلية...) لذلك سعى الراهب لكتابة رواية بلغة ميتة, تحت ضغط جملة من الظروف الذاتية الداخلية والخارجية , وعكف على كتابة مجموعة من الروايات الصغيرة بعنوان (كل نساء المدينة) وعندما صدر منها (خضراء كالمستنقعات) ظن البعض أنها رواية قائمة بذاتها واستغربوا وضعها على هذه الحالة, لقد كان لديه طموح روائي أن (خضراء كالمستنقعات) ستليها خمس خضراوات تكمل الحلقة وتصدر ذات يوم في رواية واحدة.

لا يعتبر الراهب نفسه كاتب قصة قصيرة , وهو يقول أنه إذا نجحت عندي بعض القصص وهي أربع أو خمس قصص فهذا بالصدفة, ويعتبر نفسه كذلك قصير الباع بها وي فضل تسميتها بالأقصوصة, وهو يعبر على الدوام عن عدم استيائه من هذا الموضوع ,فقد كان يكتب القصة كنوع من استراحة المحارب بين رواية وأخرى(عندما أعايش الحياة وأرى فيها أو ألتقط منها ما يمكنني التعبير عنه تعبيرا أدبيا , لا يخطر في بالي أن أفعل ذلك عن طريق الأقصوصة وإنما عن طريق الرواية), وقد كتب الراهب خلال حياته ثلاث مجموعات قصصية (المدينة الفاضلة) و(جرائم دونكيشوت) و(خضراء كالعلقم) والأخيرة نشرت بعيد وفاته عن دار الكنوز الأدبية التي ستعيد طباعة كل أعماله الإبداعية وترجماته ودراساته المختلفة, وقد كتب معظم قصص المجموعة الأخيرة بين مطلع الثمانينيات وأوائل التسعينيات, وقد تميزت القصص فيها بالحبكة المحكمة وبلغة متفردة ومميزة استطاع عبرها أن يدخل إلى أعماق الشخوص ويستنبط دواخلها الإنسانية والتباسات ضياع فرصها في الحياة دون أن يبتعد فيها عن الهم القومي والاجتماعي لتلك الشخوص, لقد كان الراهب هنا حكاء بارعا خفيف الظل وعميق المعنى.

رواية (التلال) التي نشرت عام 1989 في بيروت,رواية جديدة في بنائها الفني ورؤيتها للعمل الروائي, وهي تسقط من حساباتها الحوار وتستعيض عنه بالدلالات ,فيها جرأة غير عادية,فهي تتناول عالمين متناقضين ظاهريا عالم الأسطورة والأحلام والرغبات والهواجس المول دة من عذابات المجتمع وقحله كما يصفها الروائي حسن حميد وفي الجانب الآخر هناك عالم التاريخ الواقعي تماما والمعروف, والتلال رواية تهز الداخل الجواني عند القارئ وتحثه على التعامل معها بأكبر جدية ممكنة, إنها حفنة من التاريخ والواقع والأسطورة , غنية بإحساس كاتبها بأهمية النص الأدبي ودوره في الحياة, , ففي (التلال) عدة أزمنة متداخلة يفجر بعضها الآخر , فهناك الزمن التاريخي المشار إليه مباشرة في الرواية (الحرب العالمية الأولى والثانية, وعام 1946 ) وهناك الزمن النفسي الذي يبدو جليا في العديد من شخصيات الرواية ,وهناك الزمان الأسطوري(الذي تمثله فيضه) وهناك أيضا ما أسماه الراهب زمن اللازمان والذي يمثله الدراويش, وهي رواية تتكلم عن العرب ,عن تجربة التقدم في تاريخ الأمة العربية المعاصر, وهي لا تخص قطرا عربيا دون آخر, وكمعادل روائي فقد وضع الراهب مكانا يتكون مما هو عام ومشترك , وكذلك أسماء الشخصيات والبلدان ذات الدلالة الخاصة والمستمدة من تاريخ المنطقة , وقد رأى الراهب في روايته هذه رهان حياته الأدبية , وكان يطمح أن تكون لها أجزاء لاحقة تكملها.

المكان عموما في روايات هاني الراهب إشكالي, فهو موجود ومحدد في بعضها,وفي الآخر مبهم , فنجد في رواياته الثلاث الأولى أن المكان هو دمشق, وفي الوباء هو اللاذقية, وفي بلد واحد هو العالم يبدو المكان وكأنه حارة عربية وفي التلال هو مدينة ,قد تكون دمشق أو القاهرة أو بغداد...

عندما س ئل الراهب ذات يوم عن مغازلته جائزة نوبل وموقفه منها أجاب: (بالنسبة لجائزة نوبل أنا لست مرشحا لها والذي كتبته حتى الآن هو ثماني روايات اثنتان منها فقط جديرتان بالقراءة والست الأخريات لابأس بهن ولدي كذلك مجموعتان قصصيتان, وهذه الجائزة إذا استثنينا منها الجانب المالي وهو جانب لعله الشيء الإيجابي الوحيد فيها , جائزة سيئة السمعة جدا نظرا لتدخل السياسة فيها بعيدا عن الاعتبارات الثقافية ومن ذلك بشكل خاص ترويجها قيما إمبريالية ورأسمالية لا تناسبني أنا العربي الذي أعتز بتراثي وحضارتي..), فشغل الراهب الروائي وترجماته الهامة واهتمامه بالأدب الصهيوني ودراسته بعمق شديد كان الشغل الشاغل لفكره وأدبه وحياته.

روايته الأخيرة (رسمت خطا في الرمال) حققت قفزة نوعية في مسيرة الراهب الروائية ففيها تحول المجاز اللغوي إلى مجاز بنائي تركيبي, ففيها يتداخل المحكي مع نصوص أخرى, في مزج التراث الشعبي مع الواقع الاجتماعي مع ثقافة الراوي وعصره والتي تنعكس جميعا في مستوى الكتابة,وفيها يرسم الراهب خارطة تراجيدية للواقع العربي وسط عالم يتفكك ويتقوض, وفيها يستخدم الروائي خيالا خارقا , ومع ذلك لا يمكن وصف الرواية بأنها خيالية أو فانتازية, فقد استطاع الراهب توظيف الفانتازيا توظيفا دقيقا لتكون خاضعة لعمل عقلي منظم ش يد من خلاله البناء الروائي المحكم والمتنامي وحيث تتداخل العوالم الحكائية الخيالية ببعضها وتتداخل شخصياتها.

فعالم الرواية هو عالم الدول العربية النفطية في لحظة حرجة وحاسمة من تاريخها وتاريخنا العربي بشكل عام,وهذه اللحظة هي بداية التسعينيات وحرب الخليج الثانية, وعنها يقول الدكتور حسان عباس : (معمار الرواية الفسيفسائي وتجاوره للأصوات والأدوار وأنماط الكتابة يؤكد رغبة الراهب بكتابة رواية أصوات يرتفع فيها مستوى الحكاية من مستوى المشهدية إلى مستوى المفهومية ), فعبر متاهات الرواية الدائرية يقارب الراهب سيرة أمة , ويرسم صورة قاتمة لحاضر لا يبعث على التفاؤل, وحيث الزمان يمتد عبر ألف عام وأكثر الشخصيات حرة في المكان , حرة في الزمان , ستبقى مشدودة إلى الصحراء كل ذلك عبر سخرية لا تثير ابتسامنا بقدر ما تزيد إحساسنا بالألم والمرارة.

إن زماننا هذا أخيولة هاني الراهب المدهشة يضعها بين أيدينا في (رسمت خطا في الرمال) كما يرى عباس فيها.

كان لدى هاني الراهب دائما شعور حاد بأنه ميت أو ربما يموت دون أن يتمكن من الإمساك على التغيرات العاصفة والعنيفة في شرقنا العربي , روائيا ودون أن يكتمل تعبيره عن هذه الرؤية, رؤية التقدم العربي وانكساره وإعادة إنتاج الطغيان بدلا عنه , وما الميل إلى تغيير التقنيات الروائية من رواية إلى أخرى سوى اختلاف الرؤية الذي يتطلب بالضرورة اختلاف الشكل,لكن الزمن والمرض العضال لم يعطيا هذا الجسد المقاوم وتلك الروح الوقادة والوثابة مزيدا من الوقت وفسحة الحياة , فثمة مشاريع مؤجلة وأحلام تنتظر التحقق, على الورق المتناثر على الطاولة وفي خلايا الروح والجسد والدم الذي لا زال حارا طازجا ونظرا فيما كتب الراهب وأنتج من روايات وقصص وترجمات ودراسات وأحاديث صحفية وتفاصيل حياة.


قديم 12-19-2011, 02:44 PM
المشاركة 158
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
هانى الراهب
- من غيمة تُدعى مشقيتا، هطل هاني الرّاهب، مثل مطر نيسان في أيار عام 1939،
- حين شعرت أمّه «نزهة» بالمخاض، تركت الغرفة التي تسكنها عائلتها، المكوّنة من تسعة أشخاص، والتجأت إلى المطبخ الذي تشترك باستخدامه خمس عائلات، وأغلقت بابه من الدّاخل، ثم تمدّدت في إحدى زواياه منفردة، بآلامها وبالمخاطر التي تهدّد حياتها، إلى أن ولدت هاني محمّد علي الرّاهب، وذلك في عام 1939.
- والد هاني الراهب كان أبكم واصم، وكان عند ولادة هاني ذو لّحية بيضاء، مسترسلة على صدره، حتّى خصره النّاحل.
- عانى هاني الراهب في طفولته من ترحال عائلته بين قريته ومدينة اللاذقية، ومن آثار عواصف الحرب العالمية الثانية، التي كانت تهب من كل اتجاه وتنذر بتدمير العالم، وقد خزّن الكاتب في قبو ذاكرته مشاعر الخوف، الظلم، القلق والنّقمة لتنعكس صوراً في رواياته، وجراحاً لم تندمل حتّى وفاته.
- أمضى هاني طفولته في رعاية أمّه وأبيه وبعض أخوته، وبدأ دراسته في مدرسة القرية الابتدائية، إلى أن توفي أخوه عليّ، الذي كان يعمل في اللاذقية ويتولّى رعاية العائلة بكاملها، عن عمر لم يتجاوز الاثنين وعشرين عاماً.
- كان هانىالراهبكاتبا استثنائيا امتلك حدسابالمستقبل لم يرق إليه سواه، وقد ظل يتناول في كتاباته الشأن العربي العام، ولميقارب الأدب الذاتي قط، فقد ظل مأسورا للحالة العامة للناس.. لمآسي البشر في طولالوطن العربي وعرضه.
- ولد الأديبهانيالراهبعام 1939م في القريةالبديعة الجمال (مشقيتا) التي تبعد قرابة 20 كم عن مدينة اللاذقيةبسوريا.
- درس الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق ونال شهادة الماجستير من الجامعةالأمريكية في بيروت. نال شهادة الدكتوراه من بريطانيا. مارس التدريس لسنوات في جامعة دمشق.
- عاش فيالكويت وكان عضوا في الهيئة التدريسية في كلية الآداب لمدة عشر سنوات منذ 1988 وحتى 1998 .
ثم عاد إلى دمشق وتوفي فيها إثر مرض عضال أصابه في 6 شباط /فبراير2000م.
- كانت اول رواية له وعمره 22 سنة بعنوان " المهزومون".التى غلفتها نفحة منالسارترية والعبثية فى آن واحد، قدمهانيالراهبتصوراً عميقا للحالةالعربية التي تعاني التفكك والانعزال وتوقع سلسلة من الهزائم تبدأ بسقوط الشعاراتالواهية التي كانت تطلقها الأنظمة العربية آنذاك
- أخذ بعدها يطلق صرخاته المتمردة على الواقع المتردي، وبدأ مسيرتهالإبداعية الطويلة التى رصد خلالها هموم ملايين الناس فى هذا الوطنالكبير.
- بعد موت اخوه علي تولّى أخوه سليمان، رعايته ، حتّى حصل على الدرجة الثانية في الثانوية العامة، فمنح مقعداً مجانياً في جامعة دمشق، قسم اللغة الإنكليزية، كما منح راتباً شهرياً قدره 180 ليرة سورية. وفي أواخر عام 1957 سكن هاني الراهب مع اثنين من رفاقه في غرفة واحدة في حي الشعلان، ثم دعاه أخوه هلال الرّاهب للعيش معه.‏ وفي ذلك إشارة إلى غياب الأب طبعا إما بالموت الفعلي او بالعجز.
- الراهب ككاتب يمتلك رؤيا من نوع خاص، يمتلك حدساً بالمستقبل يقترب من النبوءة فى بعض ملامحه. ففي «المهزومون» التي غلفتها نفحة من السارترية والعبثية في آن واحد، قدم تصوراً عميقاً للحالة العربية التي تعانى التفكك والانعزال، وتوقع سلسلة من الهزائم تبدأ بسقوط الشعارات الواهية التي كانت تطلقها الأنظمة العربية آنذاك، هذه الشعارات التي جعلها غلافاً لروايته، ليخبرنا عن مدى هشاشة هذه الأنظمة وشعاراتها الزائفة، وهذا ما حدث فيما بعد حيث توالت الهزائم العربية داخلياً وخارجياً على نحو مأساوي مفجع.
- هاني الراهب روائي سوري من أصحاب الكلمة الممنوعة والمقموعة والمغيبة. اقتحم بوابة الرواية بثقة وجواز مرور واحتلت نصوصه موقعاً واضحاً في الأدب القصصي والروائي السوري والعربي المعاصر.
- عاش هاني الراهب في زمن الانقلابات والعواصف والصراعات الفكرية التي أعقبت نكسة حزيران، ومات في الرمال التي غطت أرض الوطن العربي بعد عاصفة الصحراء والهزيمة الكبرى في العراق، تاركاً ومخلفاً وراءه الصدق والوهج وألم الفقدان ووجع الغربة والأسئلة عن الذات والحالة العربية الراهنة.
- يعبر هاني الراهب عن حالة وبؤس الواقع العربي المأزوم والمهزوم على لسان «أسيان» بطل قصته «المعجزة» فيقول: «إن حياتنا اليومية مطبوعة بطابع النذالة والتفاهة والغيظ والمماحكة، وعلينا أن نتخلص من هذا الطابع لتصبح الحياة ممكنة.
- يحاول هاني الراهب في نصوصه رسم ونقل هموم وعذابات أبناء جيله ووصف حالة الانهزام والسقوط والتكيف في ظل الهزيمة، ونجده في قصة «الخامس الدائم من حزيران» يحكي عن مجموعة من الشباب المرح الذي يستسلم للهو والرقص للهروب من الواقع ونسيان ما يقلق البال وتنتهي حفلة الرقص بحادثة تقضي على الفرح الكاذب عندما تظهر لاجئة فلسطينية طالبة الخبز لأطفالها الجياع.
- يرى فيما كتبه ان الحياة نفسها حالة حرب «السلام حالة موت»..ومن هذه الحالة يولد الحب والفن وتولد الإنسانية...
- أقام بيننا هاني الراهب ليرحل، حاملاً بخفّة خيمته، بحثاً عن ماء بهي، يكون جديراً بعطشه، تاركاً آثار خطواته تغوص في ثلج الحقيقة، ممتثلاً لأوامر الرّيح، تحمله إلى أماكن بعيدة، واسمه ما يزال على طرف ألسنتنا، نريد أن نناديه، نودّعه، لنقول له: هاني الرّاهب، شكراً لقلمك، الذي بعث الشباب في وجه الرواية المعاصرة في سورية، موقظاً إيّاها من سباتها العميق، معيداً الألق والشّعلة لنظراتها، مطالباً بالديمقراطية والأمل على التغيير.
- ارتاح هاني الراهب في السادس من شباط عام 2000 من صخب الحياة وهمومها، ونام بجانب تلك الصّومعة التي كانت مصدر إلهامه، في لحدٍ نديّ التّربة، طاهر الجنبات، يحرسه ضريح رخامي أنيق التّكوين، يرتفع فوق تلةٍ عالية، قريباً من مزار قبر جدّ أبيه الشّيخ سليمان الراهب، ليطلّ إلى الأبد، على بحيرات، غابات وجبال قرية مشقيتا، الممتدّة حتّى الحدود التركيّة.‏
- في بداية السبعينات ترجم هانيالراهب إلى العربية رواية "غبار" ليائيل دايان الكاتبة الإسرائيلية والرواية تصورالعربي بصورة "الأهبل، اللاحضاري، الجبان، وكانت هذه الخطوة كفيلة بفتح بوابات الجحيم عليه.
- طرد من اتحاد الكتاب العرب ، ثم طرد من جامعة دمشق وامتنعت معظمالدوريات عن نشر كتاباته وسحب جواز سفره منه في مطار دمشق، حتى كاد يهلك جوعاً كمايصور في روايته الأخيرة.
- بعدروايته الأولى (المهزومون) يقول الراهب:خفت خوفاشديدا من الشهرة أن تؤثر علىإجادتي لكتابة النص فرحت أعمل على تكثيف النص لغويا و بنيويا إلى درجة أن الفصلالأول من روايتي الثانية(شرخ في تاريخ طويل) أخذ سبعة أشهر والرواية كلها استغرقتسبع سنين بدل شهر واحد,هذا هو قلق المبدع الحقيقي المسكون بالهواجس الحياتيةوالروائية والأسئلة الوجودية وحسب تعبيره (نحن سكان مدن الأسئل
-كان لدىهاني الراهب دائما شعور حاد بأنه ميت أو ربما يموت دون أن يتمكن من الإمساك علىالتغيرات العاصفة والعنيفة في شرقنا العربي .


ابن رجل أبكم واصم وأم تلده في مطبخ تشترك فيه خمس عائلات دون وجود احد على ما يبدو برفقتها، هو الابن الأخير على ما يبدو ( التاسع أو العاشر ) والده كان له لحية بيضاء عندما ولد، الأخ الأكبر ( على ) كان يقوم على رعايته حتى مات وهو في الحادية والعشرين من عمره وفي ذلك ما يشير إلى أن هاني كان طفلا صغيرا خاصة أن أخاه الثاني أصبح هو جهة الرعاية التي تقف معه إلى أن انهي الصف التوجيهي. وفي دمشق وخلال دراسته عاش بعيدا عن الأسرة ...واضح أن حياته كانت أشبه بحياة البؤس التي عاشها حنا مينه إن لم تكن اشد وطئا. لا نعرف تفاصيل عن متى فقد والديه لكن على الأرجح أن ذلك حصل وهو طفل وحتى وإن لم يحصل فقد اختبر الفقد بموت أخاه الأكبر وهو صغير، ولا شك أن لعجز والده الأبكم والأصم كان أثرا مزلزلا...فجر في ذهنه طاقات هائلة...جلعت منه كاتبا استثنائيا امتلك حدسا واستشرافا بالمستقبل لم يرق إليه سواه ولا عجب ان يظل مأسورا للحالة العامة للناس.. ولمآسي البشر في طول الوطن العربي وعرضه...وقد اختبر عن قرب اثر البؤس الذي أصابه شخصيا.


يتيم اجتماعي

قديم 12-20-2011, 09:18 AM
المشاركة 159
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وألان مع سر الأفضلية في رواية:

22- الحرام يوسف ادريس مصر

الحرام هي إحدى روايات يوسف إدريس التي صور فيها حياة عمال التراحيل وهم فئة مهمشة من طبقة الكادحين في المجتمع القروى المصري.
فكري أفندي

فكري أفندي هو ناظر التفتيش الزراعى في العزبة، وبالتالى فهو المسؤول عن أراضي التفتيش، كانت له علاقات غير شريفة مع كثيرات من النساء. كان فكري أفندي يحتقر الغرابوة(عمال التراحيل) ويعاملهم معاملة فظة سيئة مستغلا سلطته كقائد لفرق العمل.لقد ساعد فكري أفندي في كشف الحقيقة بما كان لديه من حب استطلاع وتركيزه لفكره في قصة اللقيط فتوصل إلى(عزيزه-أم اللقيط)عندما أبصرها مستلقية تبادر لذهنه على الفور بأنها أم اللقيط ثم سأل فتيقن.
لقد تحدث يوسف إدريس عن (الغرابوة) في الرواية عندما حدثت واقعة أم اللقيط، فقد شك في أن تكون أم اللقيط هي واحدة منهم. والغرابوة هم عمال التراحيل الفقراء الغرباء عن العزبة وأهلها الذين يأتون من بلادهم للعمل في الموسم الزراعي بمنطقة العمل في التفتيش من أجل أن يحصل كل منهم على بضعة قروش لا تكاد تقيم أوده، هذا الاسم "الغرابوه" يطلقه أهل العزبة(أهل التفتيش)على هؤلاء البؤساء، فأهل التفتيش يملكون النقود والأرض والبهائم ويرتدون الملابس النظيفة لذا فهم يحتقرون الغرابوة وينظرون إليهم وكأنهم مجرد نفايات.
أهم الامور التي تعالجها الرواية
  1. الرواية إدانة للنظام الاجتماعي حيث لا حقوق أو ضمانات تؤدي للفلاح الأجير عامل الترحيلة بينما هو في حقيقته عماد هذا المجتمع.
  2. الرواية وصف واقعي دقيق لشريحة من المجتمع المصري وهي الترحيلة في علاقتها بأهل التفتيش،و قد أذابت المأساة الفوارق بين الفريقين، فنساءهما معا أصبحن محل شك وريبة.
  3. تطرح الرواية رؤية خاصة لمفهوم الخطيئة، هذه الكلمة التي اخترعها الناس بعفوية مطلقة لتعبر عن حقيقة تعيش في حياتنا حتى يومنا هذا.
  4. في الرواية تحليل للنوازع البشرية في الشك. كما تتمثل في مسيحة أفندي وشكه في زوجته وابنته، كما نلاحظ التطفل وحب الاستطلاع والبحث عن الاشباع الجنسي وسيطرته على القلوب الفظة الغليظة عند ابن القمرين وفكرى أفندى.
==
رواية الحرام - يوسف إدريس
تتلخص الخطوط العامّة للواقعية عند الأدباء العرب بخطين أساسيين هما:العناية المفرطة بالفئات الكادحة من الشعب،والتأكيد على أن "الخير" هو السمة الأساسية للجنس البشري،وإن توارت أحياناً تحت ركام الظروف الاجتماعية السيئة.
ولقد أسهم تطور الأحداث الاجتماعية والسياسية في المنطقة العربية،في تكوين تيار نقدي تخصص تماماً في صياغة الاتجاه الواقعي في ذلك الإطار السابق،واتخذ من القصاص يوسف إدريس نموذجاً ممتازاً لدراساته.والحق أن هذا الاختيار لم يكن عبثا،وإنما كان تجسيداً حقيقياً لأزمة الاتجاه الواقعي،حين يقصر نظرته للواقع على الفئات الاجتماعية الدنيا،والخير الكامن في أعماقها.

القصة :
جاءت المقدمات الطويلة في منتهى التشويق والإثارة،حول حياة العزبة وحياة الترحيلة.فلقد أجاد الفنان في إبراز تلك الفئة الاجتماعية على وجداننا،إجادة رائعة.وهذه هي الحصيلة النهائية للقصة.إذ اكتشف مأمور الزراعة لقيطاً عثر عليه عبد المطلب الخفير بمحض الصدفة.ويستهلك الفنان عشرات الصفحات متتبعاً اهتمام أهل العزبة بهذا الحدث.ويستغل هذه الصفحات في تشريح العلاقة بين المأمور والكتبة من جانب،وأهل العزبة من جانب آخر، والترحيلة من جانب ثالث. فنعرف أن هوّة تفصل بين هذه الفئات الثلاث. ونعرف أن كل فئة تشك في أن تكون الأخرى هي صاحبة اللقيط،إلا أن منزلي المأمور والباشكاتب،كانا بعيدين عن مجرد الاحتمال،بالرغم من العلاقة - التي يشيعها البعض - بين بنت الباشكاتب وابن المأمور.

لا شك أننا نلاحظ مسحة من الرمزية في جميع أحداث القصة، فجذر البطاطا لا يدل فحسب على رغبة مريض يتدلل على زوجته، إنه رمز حقيقي لكسرة الخبز. ولكنه ليس رمزاً بسيطاً. فقد استراحت عزيزة بين أحضان الرجل وقاومته بيأس في المرة الأولى،ولم تقاومه في المرة الثانية. فهو رمز مركب،يرمز ثانية إلى أزمة الجنس. بل إن شجرة الصفصاف في نهاية القصة تحمل هذه الرموز مجتمعة.ولقد أضفت هذه الرمزية عمقاً أصيلاً على القصة،فلم تشطح بها مشكلات هذه الشخصية أو تلك،ولم تنفجر المعادلة الإدريسية انفجاراً،وإنما تمددت في بطء بين ثنايا الأحداث،حين أخذ الفنان يستعرض لأول مرة في تاريخنا الأدبي،حياة أولئك "التملية" أو "التراحيل" أو "الغرابوة" كما يسميهم أهل التفتيش.فجاءت الخطيئة نتيجة غير مباشرة للقحط الاجتماعي الذي عاشت فيه أسرة عزيزة.كما جاء جنونها مأساة ضارية تنشب مخالب الموت في العقول الخاوية إلا من ذهول اللقمة:في غيابها وحضورها.

كذلك توازنت قصة لنده-بنت الباشكاتب-مع أزمة أحمد سلطان من ناحية وأزمة صفوت ابن المأمور من ناحية أخرى-فقد نالت أزمة الجنس من كيان لندة حتى النخاع.فكان صراعها ضد مجموعة القيم المتوارثة تعبيراً حاداً عن أزمة الضمير الكامنة في أعماق أجيالنا في مختلف مستوياتها الاجتماعية والفكرية.على أن الكاتب آثر البعد عن التقرير والمباشرة في تصوير البنيان الداخلي للنده وصفوت وأحمد.إذ اعتمد اعتمادا مطلقاً على انعكاس ذلك البنيان في سلوكهم اليومي.ومن هنا تعانقت خيوط قصة لنده مع خيوط قصة عزيزة،برباط وثيق من الرمزية الأصيلة،حتى أننا لا نقارن أبداً بين "خطيئة" لنده-من وجهة نظر والدها- وخطيئة عزيزة من وجهة نظر الجميع.إن الفنان يهمس لنا من خلال هذا البناء التراجيدي الناجح،بأن الخطيئة اسم على غير مسمى،إنها كلمة اخترعها الناس بعقوبة مطلقة،لتعبر عن حقيقة تعيش في كياننا حتى الأعماق.حقيقة قدرية في ظل المخطط الاجتماعي الذي رسمته الظروف من أجلنا.وهي حقيقة مطلقة بالنسبة إلى جوهرنا البشري.وهي حقيقة نسبية حسب اختلاف ظروفنا.

قديم 12-20-2011, 09:19 AM
المشاركة 160
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يوسف إدريس علي

، كاتب قصصي، مسرحي، وروائي مصري ولد سنة 1927 في البيروم التابعة لمركزفاقوس، مصر وتوفي في 1 أغسطس عام 1991 عن 64 عام. وقد حاز على بكالوريوس الطب عام 1947 وفي 1951 تخصص في الطب النفسي.
حياته في سطور

طبيب بالقصر العيني، القاهرة، 1951-1960؛ حاول ممارسة الطب النفساني سنة 1956، مفتش صحة، صحفي محرر بالجمهورية، 1960، كاتب بجريدة الأهرام، 1973 حتى عام 1982. حصل على كل من وسام الجزائر (1961) ووسام الجمهورية (1963 و 1967) ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (1980).
سافر عدة مرات إلى جل العالم العربي وزار (بين 1953 و 1980) كلاً من فرنسا، إنجلترا، أمريكا واليابان وتايلندا وسنغافورة وبلاد جنوب شرق آسيا. عضو كل من نادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ونادي القلم الدولي. متزوج من السيدة رجاء الرفاعي وله ثلاثة أولاد المهندس سامح والمرحوم بهاء والسيدة نسمة.
السيرة

ولد يوسف إدريس في 18 مايو1927 وكان والده متخصصاً في استصلاح الأراضي ولذا كان متأثراً بكثرة تنقل والده وعاش بعيداً عن المدينة وقد أرسل ابنه الكبير (يوسف) ليعيش مع جدته في القرية.
لما كانت الكيمياء والعلوم تجتذب يوسف فقد أراد أن يكون طبيباً.
وفي سنوات دراسته بكلية الطب اشترك في مظاهرات كثيرة ضد المستعمرين البريطانيين ونظام الملك فاروق. وفي 1951 صار السكرتير التنفيذي للجنة الدفاع عند الطلبة، ثم سكرتيراً للجنة الطلبة. وبهذه الصفة نشر مجلات ثورية وسجن وأبعد عن الدراسة عدة أشهر. وكان أثناء دراسته للطب قد حاول كتابة قصته القصيرة الأولى، التي لاقت شهرة كبيرة بين زملائه.
منذ سنوات الدراسة الجامعية وهو يحاول نشر كتاباته. وبدأت قصصه القصيرة تظهر في المصري وروز اليوسف. وفي 1954 ظهرت مجموعته أرخص الليالي. وفي 1956 حاول ممارسة الطب النفسي ولكنه لم يلبث أن تخلى عن هذا الموضوع وواصل مهنة الطب حتى 1960 إلى أن انسحب منها وعين محرراً بجريدة الجمهورية وقام بأسفار في العالم العربي فيما بين 1956-1960. في 1957 تزوج يوسف إدريس.
في 1961 انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال وحارب معارك استقلالهم ستة أشهر وأصيب بجرح وأهداه الجزائريون وساماً إعراباً عن تقديرهم لجهوده في سبيلهم وعاد إلى مصر، وقد صار صحفياً معترفاً به حيث نشر روايات قصصية، وقصصاً قصيرة، ومسرحيات.
وفي 1963 حصل على وسام الجمهورية واعترف به ككاتب من أهم كتّاب عصره. إلا أن النجاح والتقدير أو الاعتراف لم يخلّصه من انشغاله بالقضايا السياسية، وظل مثابراً على التعبير عن رأيه بصراحة، ونشر في 1969 المخططين منتقداً فيها نظام عبد الناصر ومنعت المسرحية، وإن ظلت قصصه القصيرة ومسرحياته غير السياسية تنشر في القاهرة وفي بيروت. وفي 1972، اختفى من الساحة العامة، على أثر تعليقات له علنية ضد الوضع السياسي في عصر السادات ولم يعد للظهور إلا بعد حرب أكتوبر1973 عندما أصبح من كبار كتّاب جريدة الأهرام.
مؤلفاته

قصص
  • أرخص ليالي، رة، سلسلة "الكتاب الكبير الذهبي"، روز اليوسف، ودار النشر القومي، 1954.
  • جمهورية فرحات، قصص ورواية قصة حب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1956. مع مقدمة لطه حسين. صدرت جمهورية فرحات بعد ذلك مستقلة، ثم مع ملك القطن، القاهرة، دار النشر القومية، 1957. وفي هذه المجموعة رواية: قصة حب التي نُشرت بعدها مستقلة في كتاب صادر عن دار الكاتب المصري بالقاهرة.
  • البطل، القاهرة، دار الفكر، 1957.
  • حادثة شرف، بيروت، دار الآداب، والقاهرة، عالم الكتب، 1958.
  • أليس كذلك؟، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1958. وصدرت بعدها تحت عنوان: قاع المدينة، عن الدار نفسها.
  • آخر الدنيا، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1961.
  • العسكري الأسود، القاهرة، دار المعارف، 1962؛ وبيروت، دار الوطن العربي، 1975 مع رجال وثيران والسيدة فيينا.
  • قاع المدينة، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1964.
  • لغة الآي آي، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، روز اليوسف، 1965.
  • النداهة، القاهرة، سلسلة "رواية الهلال"، دار الهلال، 1969؛ ط2 تحت عنوان مسحوق الهمس، بيروت، دار الطليعة، 1970.
  • بيت من لحم، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
  • المؤلفات الكاملة، ج 1:القصص القصيرة، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
  • ليلة صيف، بيروت، دار العودة، د.ت. والكتاب بمجمله مأخوذ من مجموعة: أليس كذلك؟
  • أنا سلطان قانون الوجود، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.
  • أقتلها، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.
  • العتب على النظر، القاهرة، مركز الأهرام، 1987.
  • نظرة
روايات
  • الحرام، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، دار الهلال، 1959.
  • العيب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، دار الهلال، 1962.
  • رجال وثيران، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة، 1964.
  • البيضاء، بيروت، دار الطليعة، 1970.
  • السيدة فيينا، بيروت، دار العودة 1977.
  • نيويورك 80، القاهرة، مكتبة مصر، 1980.
  • (نظرة) حارة في القاهرة
مسرحيات

1- ملك القطن (و) جمهورية فرحات، القاهرة، المؤسسة القومية. 1957 مسرحيتان.
2- اللحظة الحرجة، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، روز اليوسف، 1958.
3- الفرافير، القاهرة، دار التحرير، 1964. مع مقدمة عن المسرح المصري.
4- المهزلة الأرضية، القاهرة سلسلة "مجلة المسرح" 1966.
5- المخططين، القاهرة، مجلة المسرح، 1969. مسرحية باللهجة القاهرية.
6- الجنس الثالث، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
7- نحو مسرح عربي، بيروت، دار الوطن العربي، 1974. ويضم الكتاب النصوص الكاملة لمسرحياته: جمهورية فرحات، ملك القطن، اللحظة الحرجة، الفرافير، المهزلة الأرضية، المخططين والجنس الثالث.
8- البهلوان، القاهرة، مكتبة مصر، 1983. 9- أصابعنا التي تحترق
مقالات

1- بصراحة غير مطلقة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال"، 1968.
2- مفكرة يوسف إدريس، القاهرة، مكتبة غريب، 1971.
3- اكتشاف قارة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال"، 1972.
4- الإرادة، القاهرة، مكتبة غريب، 1977.
5- عن عمد اسمع تسمع، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.
6- شاهد عصره، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.
7- "جبرتي" الستينات، القاهرة، مكتبة مصر، 1983، وهو متضمن حوار بينه وبين الأستاذ محمد حسنين هيكل.
8- البحث عن السادات، طرابلس (ليبيا)، المنشأة العامة. 1984.
9- أهمية أن نتثقف.. يا ناس، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.
10- فقر الفكر وفكر الفقر، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.
11- خلو البال، القاهرة، دار المعارف، 1986.
12- انطباعيات مستفزة، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1986.
13- الأب الغائب، القاهرة، مكتبة مصر، 1987.
14- عزف منفرد، القاهرة، دار الشروق، 1987.
15- الإسلام بلا ضفاف، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989.
16- مدينة الملائكة، القاهرة، الهيئة المصرية…، 1989.
17- الإيدز العربي، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1989.
18- على فوهة بركان، محمود فوزي، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1991. حوار.
19- ذكريات يوسف إدريس، القاهرة، المركز المصري العربي للنشر والصحافة والتوزيع، 1991.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 44 ( الأعضاء 0 والزوار 44)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 02:17 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.