قديم 10-19-2014, 10:27 PM
المشاركة 1231
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا

- يستعيد منجز عبد السلام العجيلي مجمل سمات الحكاية الشهرزادية، ولاسيّما كفاءته العالية في أسر قارئه حتى نقطة النهاية من كلّ نصّ من النصوص المكوّنة له، أو حتى يدرك العجيلي نفسه الصباح ويتوقف عن الكلام المباح

- وإلى حدّ يمكن عدّ العجيلي معه، عبر إبداعه عامة وليس الروائي وحده، آخر "الحكواتية" العرب في العصر الحديث، بالمعنى الفنّي/الجمالي للكلمة وليس بمعناها المستقرّ في الوعي الجمعيّ العربيّ.

- ولئن كان من أبرز ما يميز ذلك المنجز فيض المتفاعلات النصية فيه على المستوى الحكائي، بأنواعها وأشكالها كافّة، ولاسيّما التفاعل النصّي الذاتي، أي: تفاعل نصوص الكاتب الواحد بعضها مع بعض، فإنّ من أبرز ما يميزه أيضاً فيض تلك المتفاعلات نفسها على المستوى البنائي، وعلى نحو دالّ على أنَّ ثمَّة معماراً سردياً أثيراً لدى العجيلي ما ينفكّ يتردّد بين نصّ روائي وآخر، ويمثّل جذراً مركزياً في مجمل فعاليات صوغه لمواده الحكائية الخام.

- وقد عنيت نصوص العجيلي جميعاً برصد أكثر مفاصل التاريخ العربي الحديث حرارة على المستويين القومي والقطري، فرواية العجيلي الأولى:

-تصدّت "قلوب على الأسلاك" للحديث عن تجربة الوحدة بين سورية ومصر(1958-1961)، وعاودت "ألوان الحب الثلاثة" الحديث عن تلك التجربة ولكن من موقع آخر، ومجّدت "أزاهير تشرين المدماة" ما أبداه المقاتل السوري من استبسال في حرب تشرين (1973)، وتبنّت "المغمورون" قضية الفلاحين الذين تمّ تهجيرهم إلى مناطق بعيدة عن قراهم وأراضيهم إبان بناء سد الفرات في سورية، وتابعت "أرض السيّاد" مشكلات منطقة الغمر وقضاياها بعد بناء السدّ، وعالجت "أجملهن" علاقة الشرق بالغرب.

- والسمة المشار إليها آنفاً، أي التفاعل النصي الذاتي على المستوى البنائي في عالم العجيلي الروائي، لا تتحدّد بمكوّن وحده، بل تمتدّ لتشمل مجمل مكوّنات ذلك العالم، ولاسيّما: آليات السرد وتقنياته، ووسائل بناء الشخصيات، وفعاليات الوصف، والتضمين، والمنظور السردي أو "التبئير" بتعبير "السرديات"، التي تمثّل جميعاً حوامل أساسية لتجلّيات الخطاب في الأغلب الأعمّ من نصوص العجيلي الروائية، أو للتغيرات التي يحدثها الروائي في الموادّ قبل اللفظية لمحكيّاته، والتي تتضمّن في داخلها بآن ما يؤكّد أنَّ ثمة نسقاً جمالياً مهيمناً يضبط حركة تلك التغييرات.

- ولعلّ أهم ملامح المكوّن الأول، أي: آليات السرد وتقنياته، ما يبديه العجيلي من إلحاح واضح على تجزيء محكيّ نصّه الروائي إلى وحدات سردية يتصدّر بعضها العلامة الشائعة في الأغلب الأعمّ من السرد الفنّي العربيّ الحديث، أي: "فصول"، كما في "باسمة بين الدموع"، و"أرض السيّاد"، و"أجملهن"، أو "أجزاء" كما في: "قلوب على الأسلاك"، ويتصدّر بعضها الآخر أرقام، كما في: "ألوان الحبّ الثلاثة"، و"أزاهير تشرين المدمّاة"، و"المغمورون".

- وغالباً ما يلحق الروائي بالفصول المكوّنة لنصوصه التي تنتمي إلى المجال الأول علامة فرعية تختزل، أو تكاد، جوهر المحكيّ في كلّ فصل، ومن أمثلة ذلك العلامات الفرعية التالية الملحقة بالفصول الستة المكوّنة لرواية "باسمة بين الدموع"، الطريق الزلقة، عينان واسعتان وجديلة، وفي الحيّ القديم، وآراء الدكتور إلياس، ورسائل من دمشق، ودموع باسمة، وبقية الدموع، ومن أمثلته أيضاً مثيلاتها الملحقة بالفصول الثلاثة المكوّنة لرواية "أجملهن": أجملهن، وساليزبورغ، ورسالتان، وعامّة، فإنّ فعالية التقسيم والتجزيء تلك تترجح بين سمتين رئيستين: فنيّة /جماليّة تنهض بأداء وظيفة أو وظائف في بناء النص الروائي أحياناً، كما في: "باسمة بين الدموع"، و"قلوب على الأسلاك"، وزخرفية/تزينية لا تنهض بأداء أية وظيفة أحياناً ثانية، كما في: "أرض السيّاد"، و"أجملهنّ".

- ولا يكتفي العجيلي بتجزيء محكيّه إلى وحدات، بل يتجاوز ذلك أحياناً إلى تجزيء تلك الوحدات إلى وحدات أصغر، يتّسم معظمها بخلوّه من العلامات، كما في تجزئته لكلّ وحدة من الوحدات الثلاث والعشرين المكوّنة لمحكيّ "ألوان الحبّ الثلاثة" إلى وحدات صغرى، ويتخذ بعضها الآخر لنفسه صيغة الترقيم، كما في تجزئته لكلّ فصل من الفصول الستة المكوّنة لمحكيّ: "باسمة بين الدموع"، ولكلّ جزء من الجزئين المكوّنين لمحكيّ: "قلوب على الأسلاك"

- . وبهذا المعنى، فإنّ الروائي لا يقدّم محكيّات نصوصه على نحو متتابع زمنياً، ولذلك فإنّ تلك النصوص غالباً ما تمتلئ بمفارقات سردية على مستوى البنية الزمنية، وغالباً أيضاً ما تمتلئ تلك المفارقات نفسها بمختلف تقنيات بناء الزمن، كالاسترجاع والاستباق، والخلاصة، والحذف، والاستراحة أو الوقف، والاستغراق، وسوى ذلك ممّا يشير، كلاً أو أجزاء إلى أنّ العجيلي كما يبدي حرصاً على بناء نصّ حكائي بالمعنى التقليدي يبدي، بآن، حرصاً واضحاً على تحرير ذلك النصّ من أسر الحكائية بمعناها المتواتر ليصير النصّ معه فناً كما هو حكاية معاً. ومن أمثلة ذلك، وفيما يخصّ تقنية بعينها هي "الاستباق" ما يقوله سعيد، في: "أجملهن"، لسوزان قاصداً ندى: "فارقت الحياة، كما سنفارقها جميعاً". الذي يؤذن بما ستنتهي ندى إليه قبل أن يكمل سعيد حكايتها.

- وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى ولع العجيلي اللافت للنظر بتعيين الحدود الزمنية للأغلب الأعمّ من الأحداث المكوّنة لكلّ نصّ من نصوصه الروائية، وممّا يمكن عدّه قرائن دالّة على ذلك إشارة الراوي، في "باسمة بين الدموع"، إلى مرور "ثلاثة أعوام أو ما يقاربها"، على أوّل إيقاع لصوت باسمة في أذني سليمان، وإلى عقد قرانها على مطلّقها قبل ثلاثة عشر عاماً، وحين كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وتحديد الروائيين لقطيعة نديم مع سميحة، في: "ألوان الحبّ الثلاثة"، بعام واحد، وقول سوزان لسعيد، في: "أجملهن"، على نحو مباشر يجهر بالزمن الذي تجري فيه أحداث الرواية: "نحن الآن في مطلع النصف الثاني من هذا القرن، القرن العشرين"، الذي وسوى ذلك ممّا يتجاوز كونه سمة مميزة لفعاليات البناء الزمني في عالم العجيلي الروائي إلى كونه كناية عن الإحساس الفادح لمعظم شخصيات ذلك العالم بوطأة الزمن حولها من جهة، وعن حال الثبات والعطالة في مواجهة تحوّلاته المثيرة من جهة ثانية.

- كما تجدر الإشارة أيضاً، إلى ما يتردّد بين تضاعيف السرد في مجمل عالم العجيلي الروائي من مناظرات فكرية، وحوارات ثقافية، وسجالات معرفيّة ثنائية أحياناً كثيرة ومتعددة الأطراف أحياناً أقلّ، كما في حوار باسمة وسليمان حول الشعر في: "باسمة بين الدموع"، وحوار سليمان والدكتور إلياس في الرواية نفسها، وبمشاركة باسمة أحياناً، حول القوى الجسدية للإنسان، وتجهر تلك السمة بنفسها فيما يفرد له الروائي فصلاً خاصاً في ""باسمة بين الدموع" أيضاً بعنوان: "آراء الدكتور إلياس"، الذي يبدو أشبه ما يكون بمعرض للأفكار أكثر منه جزءاً من نصّ روائي، ويمكن تبيّن السمة نفسها في رواية "ألوان الحب الثلاثة"، كحديث نازك لنديم عن كتاب لأندريه مالرو، وكتاب "ماندارين" لسيمون دوبوفوار، وكحديث سعيد لسوزان، في: "أجملهن"، عن الدين وآرائه فيه ومواقفه من حدوده وتعاليمه.

- وكما لا يكتفي العجيلي بتجزيء محكيّه إلى وحدات، بل يتجاوز ذلك أحياناً إلى تجزيء تلك الوحدات إلى وحدات أصغر، فإنّ كلّ نصّ من نصوصه الروائيّة يتضمّن، بالإضافة إلى ما يمثّل حكاية مركزية فيه، وحدات حكائية أصغر يبدو بعضها لصيقاً بالحكاية المركزية أحياناً ويبدو بعضها الآخر حوافز حرّة أحياناً ثانية. وتتجلّى هذه السمة في رواية "أجملهن" خاصة، فبالإضافة إلى حكاية سعيد مع سوزان التي تمثّل الحكاية المركزية في الرواية، ثمّة حكايات عدّة تنتمي إلى المجالين المشار إليهما آنفاً. كحكاية سعيد مع ندى والطبيب عبد العزيز، المبعثرة بين أكثر من موقع من حركة السرد الروائي، عبر استرجاعات واستباقات عدّة، والتي ينهض سعيد بروايتها لسوزان، وحكاية ولي عهد النمسا وحبيبته، التي ترويها سوزان لسعيد، وحكاية الرهبان والراهبات السيستريين، التي ترويها سوزان لسعيد أيضاً، وحكاية ابن نبهان وطيره، التي يرسلها عبد العزيز إلى صديق دراسته في الجامعة الدكتور سليمان، الطبيب الجرّاح المشهور في العاصمة، وحكاية عبد العزيز مع من يسميهم: "الجماعة اللئيمة" من أبناء بلدته.

- وباستثناءات قليلة، فإنَّ العجيلي غالباً ما ينوّع في وسائل بنائه لشخصياته الروائية، وغالباً أيضاً ما تتوزع تلك الوسائل لديه بين ثلاث فعاليات مركزية: ما تقدّمه الشخصيات عن نفسها، وما تقدّمه عن سواها، وما يقدّمه الراوي عنها. وممّا ينتمي إلى الفعالية الأولى في رواية:"باسمة بين الدموع" ما تقوله باسمة/ناتاشا في إحدى رسائلها لسليمان مفصحة عن جانب من شخصيتها وعلاقتها بالمجتمع حولها: "أنا لستُ ضعيفة... فلقد أحببتُ وتحدّيت الجميع بحبّي، فلا التقاليد رغم قسوتها على أمثالي قيّدتني، ولا المجتمع وأقاويله وضجتها أثَّرت بي... إني بطلة لأني طبقت فكرة ترويّت فيها عمري، فكرة فناء الأنثى في حبّ الرجل"، وممّا ينتمي إليها في: "قلوب على الأسلاك" ما يقوله أحمد بك لعبد المجيد عمران وما يتضمّن في داخله جهراً بمنظومة الوعي لديه، ولاسيّما موقفه من الجيل الشاب: "علينا أن نترك لهؤلاء الناس الذين نسميهم الشباب دنياهم. إنها لهم فليفعلوا بها ما شاؤوا. إذا طلبوا منا النصح نصحنا لهم، وإن أرادوا أن يقوّضوا ما يسكنون حتى يتهدّم السقف على رؤوسهم فليفعلوا ما يريدون"، ثمّ ما يقوله سعيد عن نفسه لسوزان، في: "أجملهن" مشيراً إلى واحدة من القيم المكوّنة لشخصيته: "في أعماقي رواسب من التربية.. تقول لي إنَّ كلّ جنس دون شرعية هو محرّم".

- وممّا ينتمي إلى الفعاليات الثانية، في: "ألوان الحب الثلاثة" قول الطبيب لنديم: "إنك شخص مرهف الإحساس، حادّ البصيرة والبصر، كثير التجارب، كثير التنقّل، شاهدتَ مئات الوجوه الجميلة والملامح النبيلة، فأنت إنسان عاهق للجمال، وركضك وراء اللذاذات لم يدمّر صفاء نظرتك للجمال"، ويمكن القول إنّ رواية: "أجملهن" هي أكثر منجَز العجيلي الروائي صلة بتلك الفعالية، فالأغلب الأعمّ ممّا يفصح عن السمات المميزة للشخصيات فيها لا يتمّ عبر الشخصيات نفسها بل عبر سواها من الشخصيات الأخرى، كما في هذه المقبوسات التي تتدافع على لسان سعيد أحياناً وندى أحياناً ثانية على شخصية الدكتور عبد العزيز: "كثير المعارف، وواسع الثقافة"، ويرى: "أنَّ المجهولات في هذا الكون لاتزال أكثر من المعلومات"، و"يستشهد بحكايات قديمة هو كثير الحفظ لها"، و"مسافر كبير، غير أنَّ أسفاره كلّها بين الكتب"، وأنَّه "طراز خاص من الرجال"، و"شاعر"، وسوى ذلك ممّا يشي بشخصية العجيلي نفسه.

- ومما ينتمي إلى الفعالية الثالثة، أي ما ينهض الراوي بأدائه في رواية: "باسمة بين الدموع" التي يتكفّل الراوي المفارق لمرويّه بتقديم مجمل الصفات المادية والنفسية لشخصيات الرواية، قول الراوي عن سليمان عطا الله بأنه: "يعرف من نفسه أنَّ كلّ صدمة تصيبه تبلّد أعصابه إلى أمد، ثمّ لا تلبث بعد ذلك الأمد أن تنفجر فيها فتترك آثاراً مضاعفة". ومنها في: "ألوان الحب الثلاثة" قول الراوي معرّفاً بجدّة سميحة: "لقد عاشت حياتها في هدوء ودعة وراحة، وهي تنتمي لعائلة من تلك العائلة التي بدأت بالانقراض.."، ومنها، في "المغمورون"، وممّا يبدو استباقاً ويضمر في داخله بآن إشارة إلى سمة التمرّد التي طبعت شخصية ندى في بداية شبابها، ما يصدّر به الروائي الوحدة السردية الثانية من الجزء الأول في الرواية، أي قول الراوي: "عرف أهل ندى.. في ابنتهم.. منذ طفولتها عنادها الذي تحوّل عندما شبّت إلى ميل إلى التفرد"، ثمّ قوله: "وعندما كبرت.. أصبح جمالها الفنيّ المقرون بذكاء.. خير شفيع لها في النزوات التي كانت تُخرج تصرّفاتها، بين الحين والحين، عن مألوف تصرفات مثيلاتها في السنّ والثقافة والطبقة الاجتماعية". ومن أمثلة ما يدور في فلك الفعالية نفسها في: "أرض السيّاد"، ما يفتتح به الروائي الوحدة السردية التاسعة من الفصل الأول، وممّا يكشف عن وجه من وجوه النظام العقلي الصارم في شخصية أنور، أي قول الراوي عن الأخير، بأنه: "يتلقّى الأمر الذي يعرض له، أو الفكرة التي تُطرح عليه بخاطر هادئ وعقل متأنٍ، فلا يحكم على الأمر أو الفكرة إلا بعد مراجعة وتردّد".

- ولعلّ أبرز ما يميز صنيع العجيلي فيما يتصل بمكوّن الشخصيات في مجمل نصوصه الروائية، وما يبدو قانوناً أو أشبه ما يكون بالقانون في فعاليات بنائه لتلك الشخصيات، الرئيسية خاصة، حرصه الواضح على التعريف بالصفات الخارجية للأغلب الأعمّ منها.

- ومن اللافت للنظر ترجّح أعمار الشخصيات الذكورية الرئيسية في عالم العجيلي الروائي بين عقدين، العشرينيات والثلاثينيات، فسليمان "باسمة بين الدموع" بلغ "الثانية والثلاثين من عمره أو أنه في سبيل بلوغها"، ونديم "ألوان الحب الثلاثة" كان "شاباً فتياً كأنضر ما يكون عليه الشباب"، وطارق عمران "قلوب على الأسلاك" في "الرابعة والعشرين"، وعثمان"المغمورون" فتى يمور بحيوية الشباب، وأنور "أرض السيّاد" متخرّج لتوّه في الجامعة، وعُمْر سعيد "أجملهن" ثمانية وعشرون عاماً. وتتجلّى هذه السمة نفسها في شخصيات الروائي النسوية الرئيسية أيضاً، فباسمة في السابعة والعشرين من عمرها تقريباً، وصفية في نهاية العشرينيات، وسميحة في الرابعة والعشرين، وسوزان في التاسعة والعشرين، وسوزان في الثالثة والعشرين.

- ومن اللافت للنظر أيضاً، وفي هذا المجال نفسه، أنَّ مجمل الشخصيات النسوية في عالم العجيلي الروائي شخصيات خالبة على مستوى الشكل، فلباسمة، في "باسمة بين الدموع" عينان واسعتان "يبدو اتساعهما غريباً في امتدادهما عرضاً كأنَّ ملتقى أجفانهما كائن في الصدغين لا في الوجه، طويلتي الأهداب، يزيدهما غرابة وسحراً حاجباهما اللذان يبدوان في كثافتهما كأنهما حاجباً رجل لولا دقّة خطيهما وانتظام استدارتهما". وقامتها: "متوسطة الطول.. ولكن كتفيها المستويتين وما يتبين من التفاف قدّها توحي بتناسق بديع في الجسم"، ولها: "عنق مستقيم يملأ نقرته زغب خفيف الشقرة. أمّا شعرها.. فقد كان أميل إلى السواد مرفوعاً على رأسها بطريقة غير مألوفة"، وسميحة، في: "ألوان الحبّ الثلاثة"، مستقيمة "القدّ، مستقيمة الملامح"، وسوزانا "بيضاء البشرة فيما عدا وجهها المورّد، ذات عينين عسليتين واسعتين وشعر قليل الميل إلى الشقرة"، وهدى، في "قلوب على الأسلاك" سكرتيرة عبد المجيد عمران: "فتاة طويلة القامة، سوداء الشعر، دقيقة تقاطيع الوجه"، ولسوزان، في رواية "أجملهن"، عينان واسعتان، عسليتان، في محيّا أزهر أميل إلى الشقرة، شعر كستنائي طويل يضرب إلى كتفيها وتنفرج خصلاته عن عنقها الأغيد الطويل"، وسوى ذلك ممّا يعزّز القول إنَّ ثمة نظاماً محكماً وواحداً يضبط الإيقاع العام لتقنيات السرد في عالم العجيلي الروائي.

- ويتجاوز النفوذ الذي تمارسه تقنية الوصف في ذلك العالم الشخصيات إلى مكوّناته الأخرى أيضاً، ولاسيّما الأمكنة التي تتحرّك فيها الأحداث والشخصيات، وغالباً ما تتسم تلك التقنية بانبثاقها من السرد نفسه، وبوصفها استكمالاً له وليست فائضاً فيه أو معوّقاً لتدفّق الزمن. كما في وصف الروائي في: "قلوب على الأسلاك" لوادي بردى بقوله على لسان عبد المجيد عمران: "إنه الجنّة، مياه تنحدر في شلالات متراكبة بعضها فوق بعض، وغابات من الحور والصفصاف وبساتين من الأشجار المثمرة، وهواء عليل وسماء صافية شفافة"، وكما في وصفه، في "المغمورون"، لمنزل جابر المبروك: "بـ"المنعزل، القائم على مرتفع من الأرض، والمبنية جدرانه باللبن النيئ والمسقوف بصفائح خشبية تسندها أعمدة من جذوع الغرب الملتوية"، والذي يقوم على كتف مرتفع على سطح النهر، بعيداً بعض الشيء عن بيوت قرية المزيونة الأخرى، وبأنه منزل نظيف على تواضع بنائه وبساطة محتوياته من الآنية والأثاث، وكما في وصفه، في رواية "أجملهن" لبحيرة "سالتزي"، الأعجوبة بتعبير بطله، بأنها: "سطح مائي واسع لايبلغ البصر نهايته لاتساعه ولضآلة النور الذي يصل إليه من مصابيح متباعدة وشاحبة الضياء. تباعدت عن هذا السطح صخور الجبل حواليه وفوقه مسافات، بما يتناقض مع ما كانت تخلقه تلك الصخور في أنفاق الجبل وسراديبه من ضيق وثقل وحسّ بالاختناق. وفوق هذه البحيرة كان الجبل منحوتاً بشكل قبة تبدو ملساء السطح، سامقة العلوّ، ليس لها مرتكز في وسطها أو على حواشيها".

- وتمثّل تقنية الرسائل مكوّناً يكاد يكون مركزياً من مكوّنات السرد في معظم روايات العجيلي، كما في روايته الأولى: "باسمة بين الدموع" التي تشغل رسائل سليمان وباسمة فيها فصلاً بأكمله، وفي: "ألوان الحب الثلاثة" التي تتضمن الوحدة السردية الثالثة عشرة منها مجموعة من الرسائل المتبادلة بين "جارنجا كامانجي"، و"هينداما كاماشاني ياهي"، وفي: "أرض السيّاد" التي تتوزّع تلك التقنية فيها على أكثر من فصل، بين أنور وسميرة في الفصلين الأول والثالث، وبين المحامي شكيب مجد الدين وأنور وبين صبحي زيدان وأنور أيضاً في الفصل الرابع، وقد خصّ العجيلي الفصل الثاني من رواية: "أجملهن" بتلك التقنية، فقدّم فيها رسالتين: الأولى كتبها الدكتور عبد العزيز لسعيد بعد أن غادره الثاني في زيارة لبلدة الأول، كتبتها سوزان لسعيد رداً على رسالة كان قد أرسلها إليه يعزّيها بفقدها أمّها، ويطلب يدها للزواج.

- ويهيمن في الأغلب الأعمّ من عالم العجيلي الروائي راوٍ عالم بكلّ شيء، وعلى الرغم من بروز تلك السمة في مجمل فعاليات صوغ المحكي لمجمل ذلك العالم، فإنه أبرز مايكون في روايتي: "باسمة بين الدموع"، و"ألوان الحب الثلاثة" اللتين يبدي الراوي العالم بكلّ شيء فيهما كفاءة خارقة في النفاذ إلى أعماق الشخصيات، ثمّ في رواية "المغمورون" التي يبسط فيها الراوي نفسه نفوذا‌ً واضحاً على مجمل حركة السرد، ويستبد بها ويحدد مآل الشخصيات والأحداث بآن، ويفصح عن حضوره على نحو جهير في أكثر من موقع، كما في قوله: "أعني أن الأفكار والأحاسيس، والأقوال والمشاهد، هي التي سببت الأرق لندى وأطارت من عينيها النعاس"، حين انتابت ندى هواجس مؤرّقة ممّا قاله عثمان عن لا معقولية ارتباطها بفلاّح، وغالباً ما يبدو هذا الراوي أكبر من الشخصية الحكائية في الرواية، "الرؤية من خلف"، حسب تصنيف "تودوروف" لأنواع الرواة أو زوايا رؤية الراوي، أو ما يسميه الشكلاني الروسي: "توماتشفسكي"، "السرد الموضوعي".

ويغصّ عالم العجيلي بمتفاعلات نصيّة عدّة تشغل، في عدد من الروايات، مكانة لافتة للنظر من حركة السرد، وهي لا تكتفي بالتعبير عن سعة المخزون المعرفيّ لدى الروائي فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى استعادة أساليب السرد القديمة أيضاً. ولعلّ رواية العجيلي الأخيرة: "أجملهن"، أكثر نصوصه الروائية جهراً بتلك السمة، فبالإضافة إلى حكاية ولي عهد النمسا وحبيبته، وحكاية ابن نبهان والطير، وحكاية الرهبان والراهبات السيستريين، تتردّد بين تضاعيف السرد متفاعلات نصيّة كثيرة: من الشعر العربيّ القديم، ومن الأمثلة الشائعة، ومن آراء عدد من الفلاسفة والمفكرين و الفنانين، أمثال: باسكال، وشوبان، وبيتهوفن، وشتراوس، وموزارات، وآخرين...
....................................
من مقال بقلم: نضال الصالح
عن صحيفة "الأسبوع الأدبي" ـ العدد 991 تاريخ 28/1/2006م

قديم 10-19-2014, 10:28 PM
المشاركة 1232
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا


- ثم أهم مافي الرواية مطلعها الأول، وحده يجذب القارئ إلى المتابعة. أي أن كتابة الرواية فن رفيع حقاً، فن يتفوق على كل الفنون من هنا للبداية قيمتها، وحدها تشد القارئ إلى الاندماج فيها وقال لي عبد السلام العجيلي مرة إن نصف نجاح الرواية جاذبيتها في اللحظات الأولى ثم يأتي الشكل والمضمون.‏

- في الحديث عن عبد السلام العجيلي قبل كل شيء إنه إنسان بكل ما تعني هذه الكلمة، وحضاري أيضاً، وعندما كان نائباً في المجلس النيابي عام 48، ترك النيابة والتحق بجيش الإنقاذ الذي كان يقوده. فوزي القاوقجي، على أمل تحرير فلسطين منه، حسب العصابات الصهيونية وطبعاً كان ذلك بالنسبة للشاب المتحمس عبد السلام العجيلي مغامرة غير محسوبة أيضاً، أي إنه كان يمكن له أن لا يعود، لكن دللت على عمق وطنيته، ونحن –كما نعرف- أنه كالأمير، إذا لم يكن بالفعل أميراً وعائلة العجيلي تكاد تكون مقدسة في هذه المنطقة، أي أنه كان ممسكاً بالمجد من كل أطرافه، ومع ذلك ذهب إلى تلك المغامرة التي كان يمكن له فيها أن يستشهد بالطبع، كما نعرف جميعاً عاد خائباً عندما قررت الدولة العربية إبعاد جيش الإنقاذ عن المعركة التي لو استمر بها لكنا الآن لم نسمع بشيء اسمه "إسرائيل". دخلت الجيوش العربية، وللأسف لم تكن جيوشاً صالحة للقتال، وكان دخولها مؤامرة على طريقة(ماكو أوامر) وجاءت وراء ذلك الهزائم تلو الهزائم.‏

- كان عبد السلام العجيلي مناضلاً بكل المقاييس، ودوداً متواضعاً وإنساناً رامياً، فلم يشمخ بأنفه على أحد وهو في السلطة أذكر أنه لمجرد استلامه وزارة الخارجية في عهد من العهود السابقة أصدر أول قرار بإنقاذ الشاعر الراحل نزار قباني من الموت البطيء، في الصيف عندما كان مستشاراً ثقافياً لسفارتنا في بكين، أبرق له نزار، أنقذني، فلم يتأخر العجيلي، ونقله إلى القاهرة على ما أذكر.‏

- قبل ثلاث سنوات تقريباً استضافه اتحاد الطلبة السوريين في الجامعة الأميركية في بيروت، وقدمته بكلمة مختصرة بأنه كان وما زال أمير القصة القصيرة، وبهذه المناسبة أريد أن أقول إنني أحببت قصص العجيلي القصيرة، قبل رواياته، هذا الرجل خُلق كاتب قصة من طراز رفيع، وإنني أؤكد ليس هناك كاتب عربي بمستوى قصص العجيلي القصيرة، فهو رائع فيها إلى حد كبير، وكل قصة تترك في النفس أبلغ الأثر متماسكة شكلاً ومضموناً ولغة، وأهم مافي قصص العجيلي لغته العربية ليست في فصاحتها وحسب، بل في إنزالها الموقع الذي لا يمكن أبداً تغييره، إنها المعنى حفراً وتنزيلاً في المكان المطلوب في قصص عبد السلام العجيلي لا يمكن أن تحذف منها كلمة أو سطراً. إنها مشدودة وملزوزة بعضها ببعض كما لو أنها سلسلة أو سبحة إذا فقدت حبة منها انفرطت كلها.‏

- وإذا كان لي أن أتذكر من بين قصصه الرائعة قصة قرأتها قبل أربعين عاماً. أؤكد قبل أربعين عاماً ما زالت ماثلة في ذاكرتي إلى اليوم، هي بعنوان: "مصرع أحمد بن محمد حنطي" قصة من عشر صفحات أو أكثر أمسكت بي حتى اللهاث والرعب أيضاً، إنسان أصيب برصاصة أو عدة رصاصات في منطقة نائية في الصحراء، ولم يجدوا وسيلة لإنقاذه إلا حمله على شاحنة تحمل أكياساً من الطحين، أظن إلى دير الزور أو ما أشبه –لم أعد أتذكر القصة كلها- إنه يتداعى بأفكاره كمنولوج حيث يموت أو لا يموت، ينقدونه أو لا ينقدونه، وكيف تسقط حباته كلها في لحظة واحدة كتبت بأسلوب فلاش باك، بتوتر عال كما هو توتر الكهرباء العالي. بحيث يجد القارئ نفسه كأنه هو القتيل، وبالفعل كنت أتحسس جسدي كأنني كنت أنا القتيل.‏

- معظم قصص العجيلي على هذه الشاكلة، إنها حياة زاخرة بحياة الناس ومستوحاة بعمق من أعماق وجودهم وتفاصيل عيشهم اليومي، وإن أردت الاختصار أقول إن العجيلي نفسه هو قصة كبيرة، إنه يتلبس الحالة إلى حد الانعجان بها بل الالتحام بتفاصيلها. هكذا تخرج القصة من يديه بناءً محكماً إلى آخر الحدود شكلاً ومضموناً.‏

- إنه عالم ساحر بامتياز. لا يمكن لغير العجيلي أن يقدمه لنا، وكنت أعتبر دائماً أن القصة القصيرة هي تمرين على الرواية. فالقصة تعلم الكاتب الاختزال. بحيث كل كلمة في مكانها. كما تعلمه ضبط الزمن. هذه قضية مهمة جداً كما ذكرت. وأكثر كتابنا لا ينتبهون إلى هذه الناحية. لكن العجيلي كان منتبهاً لها تماماً، فإذا ألقينا نظرة عجلى على إنتاجه القصصي نجد أنه كان يطوّر القصة من القصيرة إلى الأطول قليلاً إلى القصة الطويلة، ثم أخيراً إلى الرواية. هذا واضح في مجموعته "رصيف العذراء السوداء" التي ضمّت فقط ثلاث قصص طويلة. أو كما عبر عنها على الغلاف الأخير "ثلاث قصص قصيرة طويلة"، والقصص هي إلى جانب رصيف العذراء السوداء قصتا: كوكب الغيرة، والأحجية، قصة العذراء وسمعناها منه في دمشق، قبل أن نقرأها منشورة عام 1960. بينما نشر القصتين الأخريين وقرأهما قبلاً عام 1983. فرق كبير بين تاريخ كل قصة. وأنا صنفت "رصيف العذراء السوداء" رواية قصيرة، وليست قصة طويلة، لأنها محبوكة جيداً، وبالنسبة لي الأحب، بل لا أتعاطف مع الرواية التي تلبس ثوباً فضفاضاً ومسترخية على كيفها، وأتمناها ممسوكة جيداً، لأن الرواية في الثرثرة التي لا طائل منها تترهل وتتفلت بحيث تضيع الفكرة التي يريد الكاتب التعبير عنها، وباختصار فإنني من هواة قراءة الرواية ذات الحجم المعتدل. وهذا أدركه الكاتب العجيلي. فلم تتجاوز أطول رواية عنده الـ250 صفحة من القطع الوسط، العذراء السوداء، لنأخذ منها هذا المشهد الذي تبدو اللغة فيه عادية بسيطة، ولكن من يمعن النظر ينتبه إلى العمق الذي يعبر عنه العجيلي بتلك البساطة:‏

حيث يمرر أفكاره والأشياء التي يؤمن بها ضمن السياق، تقول تلك العذراء: هذه كتابة عربية.. فهل باستطاعتك أن تعرفني بما تعنيه؟ وكانت بذلك تشير إلى جملة.. لا شيء أجمل من الحب" فقرأ لها عباس الجملة بالعربية وترجمها لها ثم قال ضاحكاً: "كل ينادي على ما عنده. ترى كم يكون عدد رواد هذا المكان لو أنهم كتبوا في هذه المستطيلات الشعار الذي كان يحتلها جدران الحمراء (يقصد قصر الحمراء في الأندلس): لا غالب إلا الله؛ لقد استبدلوه بشعار أكثر جلباً للربح وأقرب إلى قلوب من يجيء وصديقته إليهم في آخر الليل. لا غالب إلا الله.. لا شيء أجمل من الحب، ما أبعد مابين الشعارين؟ فالتفتت ماريا لينا إلى عباس وقالت، وكل ملامح الجد على وجهها: ما أبعد. أنا لا أدري بعداً يا صديقي.. فالله محبة. فابتسم عباس لحرارة لهجة ماريا لينا ولم يقل شيئاً، فعادت هي تقول: الله محبة.. أليس هذا صحيحاً يا عباس، أنا مؤمنة بهذا.. ويجدر بك وأنت في زهرة عمرك أن تؤمن مثلي. فالتفت عباس الصدر الملهى حيث كان أحد أفراد التخت يعلن عن راقصة جديدة ستبرز مغدقاً عليها كل نعوت الفتنة والرشاقة والإبداع الفني وقال: أنت يا عزيزتي حرة في أن تؤمني بما تشائين: الله عندك محبة. أما أنا فالله عندي معرفة... نعم.. الله معرفة. وهنا بيت القصيد، ففي هذا الحوار الممتع يصل إلى الفلاش باك بشعار مخالف لـ"الله محبة" إلى الله معرفة. وهكذا انتقل العجيلي إلى كتابة الرواية بتلك الحرفية المتقنة التي علمته إياها القصة القصيرة.‏

- كتب العجيلي حوالي عشر روايات أو تسع: باسمة بين الدموع، قلوب على الأسلاك، أرض السياد، حب أول وحب أخير، أجملهن، مجهولة على الطريق، قلوب على الأسلاك، أزاهير تشرين المدماة، المغمورون، وتجربة جديدة في الرواية العربية، وهي كتابة رواية مشتركة مع كاتب آخر عنوانها: "ألوان الحب الثلاثة" مع كاتب لم نر اسمه فيما بعد في أي عمل، وهو أنور قصيباتي. قلت تجربة جديدة بالنسبة للعجيلي وليست جديدة بالنسبة للآداب الأخرى، فهناك رواية مشتركة كتبتها كل من الشاعرة الراحلة هيام نويلاتي وصديقتها التي توفيت بعدها بأكثر من ثلاثين عاماً هي الراحلة خديجة الجراح النشواتي التي كانت توقع إنتاجها باسم: أم عصام، وفي الأدب الغربي ثمة تجارب من هذا النوع، بل حتى في الشعر في شاعرين يشتركان في كتابة قصيدة واحدة.‏

- الحب هو الترسانة المسلحة في كل قصص وروايات عبد السلام العجيلي وعليه بنى معظم أعماله، ولكن ليس هذا معناه أنه لم يكتب في أمور أخرى، فهناك قصص وطنية أيضاً وروايته: أزاهير تشرين المدماة وطنية بامتياز حيث استلهمها من حرب تشرين التحريرية التي انحرف عن أهدافها –وياللأسف- الرئيس المصري أنور السادات.‏

- إن الحياة عند عبد السلام العجيلي بكل تداعياتها سجلها العجيلي بقلم رهيف وصادق وأصيل، إنه كاتب مقروء من مختلف طبقات الشعب وهنا تتجلى أهميته، يقرأه الخاصة فيظنون أن الكاتب يتوجه إليهم فقط، ويقرأها العامة فيظنون نفس الظن، لا غموض، سلاسة باهرة، حوار جذاب، وحوار بالفصحى المفهومة جيداً للجميع. لم يكتب العجيلي حوار بالعامية أبداً، إنه كاتب يعتز بلغته العربية الفخمة المبسطة في آن، ويمكن لأي امرئ أن يقرأ نصاله من دون اسمه يعرفه على الفور، وبالطبع فإن العجيلي كان منتبهاً على الدوام في أعماله القصصية أو الروائية بالزمن، بالإيقاع التاريخي والجغرافي، ليس من خطأ واحد في هذا المجال، إنه يعي عمله الفني جيداً. لم يكن يكتب للتسلية، وإن كان البعض ظن ذلك، وقد أفادته رحلاته في أصقاع الأرض كثيراً، فلم يكتب الرواية المحلية بل كتب الرواية المحلية العربية العالمية في وقت واحد.

- فأي قارئ في أي بلد يندمج بأعماله ويُعجب بها ويشعر أنه يعرف هذه البيئة أو تتعرف عليه، المستشرقون أدركوا هذه الخاصية في أدب العجيلي وتحدثوا مطولاً عنها. ومن قرأ أدبه المترجم إلى الغرب من سكان الغرب أشاروا إليه بإعجاب. لقد عبر عن بيئته العربية بامتياز. فإذا كان بعض كتابنا تناولوا من هذه البيئة الصورة القبيحة وجسدّوها في كتاباتهم، فإن العجيلي لم يفعل ذلك أبداً، لأنه كان يعتز بأهله. يعتز بعشيرته، بمدينته الرقة التي ظل فيها حتى هذا اليوم –أطال الله عمره-بوطنه. بل بكرامة الإنسان العربي سواء كان صغيراً أم كبيراً.‏

- أتذكر ذات يوم في أواخر الثمانينات وكنت أعمل في مجلة تصدر في لندن أن اتصل بي مسؤول كبير في العراق وقال: ما رأيك أن نعلن جائزة صدام حسين هذا العام للعجيلي. قلت: إياكم أن تفعلوا... وإلا سيرفضها. فطلب مني أن أسأله. فهتفت للدكتور العجيلي اقترح عليه ذلك. فقال لي: مالي والجوائز يا أخي ياسين، قل لهم لست بحاجة لها. وجميعكم كان يعرف ماذا صنع الحداد في ذلك الوقت بين سورياوالعراق. وأذكر أن الجائزة منحت في ذلك الوقت بديلاً عن العجيلي للشاعر السوداني محمد الفيتوري.‏

......................................
من مقال بقلم: ياسين رفاعية
*جريدة الاسبوع الادبي العدد 999 تاريخ 25/3/2006م.

قديم 10-23-2014, 08:46 AM
المشاركة 1233
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 66- عائشة- العابرون البشير بن سلامة تونس

- رباعية «العابرون» واحدة من أهم روايات الأدب التونسي المعاصر.

- تدور أحداثها في القرن الذي يسبق استقلال تونس. وتتناول في ذلك تاريخ عائلتين تونسيتين اختار الكاتب من بين أفرادهما أربع شخصيات، وضع علي كل رواية من الرباعية اسم إحداها. وجاء ترتيب صدورها كالتالي: «عائشة» 1982، «عادل» 1991، «علي» 1996، «الناصر» 1998. «العابرون» بأبطالها وشخوصها العديدة هي نوع من التاريخ الروائي للمجتمع التونسي في تلك الفترة المهمة من تاريخ البلاد.

-ولدت «عائشة» لأب كان قد انتقل حديثًا من الفقر والضعف إلي الغني والسُّلطة بعد ارتباطه بالحكّام التونسيين. لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث أن انقلبت رأسًا علي عقب حينما هاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغيّر - أول ما غيّر - في نفسيات البشر وعلاقاتهم. «عائشة» نفسها وقعت في حب سالم فأفقدها عذريتها لتظل رهينة ذلك الخوف - الذي يقدم وجهًا آخر لمجتمعاتنا - حتي جاءت لحظة الزواج من خالد.

-في رواية «عائشة» نقرأ عن الأنثي صانعة الأحداث وراوية الحكايات التي عادة ما تتخفي وراء الرجال.

-هنا نري وجه الأب وهو يكبر فتعلوه الشيخوخة بضعفها من ناحية وجبروتها من ناحية أخري. وفي الخلفية هناك «عائشة» وإخوتها الذين يكبرون بين أيدينا مع الوقت ومع الحكي.

- عاش «الناصر» طفولته في ألم واضطهاد، وشبابه في سجن وانحراف، وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسيحتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل، فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلال الوطن.

- أضافت رواية «الناصر» إلى هذه الرباعية تنويعة عميقة على سؤال الهوية التي قد تختفي ثم تظهر

- في مرحلة أولى يجتمع الابطال الاربعة في رواية "عائشة" ربما لعديد نقاط الارتباط والتواصل فيما بينها ثم تنفرد فيما بعد كل شخصية بخصوصيتها في عمل روائي منفرد دون ان تتفكك الاحداث والوقائع لكل من اجزاء الرباعية.

- عائشة ولدت لاب انتقل حديثا من الفقر والضعف الى الغنى والسلطة بعد ارتباطه بالحكام التونسيين لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث ان انقلبت رأسا على عقب حينما هاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغير - فيما غير - في نفسيات البشر وعلاقاتهم.

- عادل ظهر أولا في رواية "عائشة" شخصا ينزع الى العزلة والتأمل. وبعد انضمامه في مرحلة أولى للحزب الدستوري لاعتقاده بان الحبيب بورقيبة ورفاقه يمثلون مستقبل الامة عاد في مرحلة لاحقة الى الهامش حتى جاء يوم 9 افريل 1938 فيتم القبض عليه في احدى صالات القمار في حين ان تهمته الحقيقية انه شوهد في احدى المظاهرات التي عمت البلاد يومها مطالبة ببرلمان تونسي فكان ما حدث ايذانا بالتغيير في تاريخ البلد كما كان تغييرا في حياة البطل.

- علي كان على موعد مع الاحداث الكبرى حتى يوم وفاته في احداث جانفي 1978 يوم قامت أكبر تحركات الطبقة العاملة التونسية وواجهتها السلطة بالقمع. تصلنا مسيرته ومجرياتها من خلال مذكراته التي يعثر عليها حفيده عبد اللطيف ليعيد صياغتها في شكلها الروائي وينقل للقارئ شهادة على قرن مشحون بالاحداث والصراعات .

- أما الناصر فقد عاش طفولته في ألم واضطهاد وشبابه في سجن وانحراف وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسي حتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلال الوطن.

- “كان الأحرى بالدمع أن يتناثر مفجرا معه هذا الألم ليتلاشى، ولكن الألم عندما يدفن في القلب بهذه الصورة هو كالميت يوضع في القبر فتتآكله الديدان، وتذهب بكيانه، فيصير هباء. الألم الساكن بالحي كالدودة الآكلة للميت كلاهما متلف لصاحبه”

- “غريب أمر هذه الدنيا كلما اشتدت بالانسان، وأذاقته مرارة العيش، وسقته من الذلة والمهانة ألوانا و ألوانا، وصبر على ذلك، وقدر على الصمود إلا وانتشلته في آخر الأمر، وبدلت عسره يسرا. الشرط الوحيد هو الصمود، والدوام والوقوف في وجه الكوارث من دون التردي في هوتها والاستسلام لها كذه الحنايا الماثلة على مر الدهر”

― البشير بن سلامة, عائشة .. رباعية العابرون

قديم 10-25-2014, 01:58 PM
المشاركة 1234
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ..... العناصر التي صنعت الروعة في رواية 66- عائشة- العابرون البشير بن سلامة تونس


- عائشة رواية تحكي قصة فتاة عاشت في خضم من الاحداث القاهرة تتقاذفها أمواج مجتمع متقلب مهزوم، أضاع فيه افراده وراحوا يعبرن هذه الحياة تجرفهم عواصف لا طاقة لهم بها و توحركم نوازع لا قدرة لهم على السيطرة عليها.

- الأسلوب مختلف و جديد كما ان التفاصيل نفسها للحياة في تونس في ذلك الوقت جديدة جدا ..

- شعرت اني كاجنبية تقرأ لمحفوظ مثلا!

- تفاصيل الحياة و البيوت و الناس .. حتى الألفاظ المستخدمة في الرواية و المفردات كانت جديدة و شيقة بالنسبة لي

- و اسلوب الكاتب في السرد و الطريقة التي أنهى بها الرواية لكي يدفعك دفعا لشراء باقي اجزاء الرباعية لكي تتضح لك الصورة الكلية لتلك العائلة "الغريبة" ان جاز لي القول.

- فحقا هناك الكثير من التصرفات التي صدرت من كثير من الشخصيات لم يكن لها مبررا و لا دافعا اللهم إلا ان كان يقصد التأكيد على مبدأ الإزدواجية في نفوس البشر كما في الحياة و كما في السياسة و كما في كل شيء تمسه يد الانسان

- و ان كانت هذه حقيقة في كثير من الأحوال مع كثير من الناس إلا اني لم اقتنع بالطريقة التي عرضت من خلال الرواية للتأكيد على حقيقة الإزدواجية تلك .. بل تكاد تكون أشعرتني بالنفور من الشخصيات و لم أجد أي تعاطف داخلي تجاه اي منهم مهما كانت مأساته.

- و لكني أظن اني ساستكمل اجزاء الرباعية فقط لأكون رأيا شاملا منصفا و لاني اعجبت بالجو الذي وُضعت فيه من خلال اول الأجزاء .

- تحكي رواية "عائشة" حكاية عائشة التي ولدت لأب انتقل حديثاً من الفقر والضعف إلي الغني والسلطة عقب ارتباطه بالحكام التونسيين. لكن الحياة الناعمة لم تدم وانقلبت رأساً علي عقب مع هجوم الاحتلال الفرنسي، فغيّر نفسيات البشر وعلاقاتهم.

-ويقترب الراوي في هذا العمل من شخصية عائشة، فيسرد قصة حبها لسالم وفقدها عذريتها لتظل رهينة الخوف، الذي يقدم وجهاً آخر للمجتمع، حتي تأتي لحظة الزواج من خالد في هذا العمل، يمكن أن نقرأ عن الأنثي صانعة الأحداث وراوية الحكايات التي تتخفي عادة وراء الرجال.

- كذلك نقرأ صورة الأب الذي يكبر وتعتليه الشيخوخة بضعفها وجبروتها من ناحية أخري. وفي الخلفية، نجد عائشة وإخوتها حيث يكبرون مع تطور الحكي.

- تعد رباعية "العابرون" كما قدمت لها دار الشروق المصرية واحدة من أهم روايات الادب التونسي المعاصر.

- تدور أحداثها في القرن الذي يسبق استقلال تونس وتتناول في ذلك تاريخ عائلتين تونسيتين اختار الكاتب من بين افرادهما اربع شخصيات وضع على كل رواية من الرباعية اسم احداها. وجاء ترتيب صدورها كالتالي : "عائشة" سنة 1982 - "عادل" سنة 1991 - "علي" سنة 1996 - "الناصر" سنة 1998.

- في مرحلة أولى يجتمع الابطال الاربعة في رواية "عائشة" ربما لعديد نقاط الارتباط والتواصل فيما بينها ثم تنفرد فيما بعد كل شخصية بخصوصيتها في عمل روائي منفرد دون ان تتفكك الاحداث والوقائع لكل من اجزاء الرباعية.

- عائشة ولدت لاب انتقل حديثا من الفقر والضعف الى الغنى والسلطة بعد ارتباطه بالحكام التونسيين لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث ان انقلبت رأسا على عقب حينما هاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغير - فيما غير - في نفسيات البشر وعلاقاتهم.

- عادل ظهر أولا في رواية "عائشة" شخصا ينزع الى العزلة والتأمل. وبعد انضمامه في مرحلة أولى للحزب الدستوري لاعتقاده بان الحبيب بورقيبة ورفاقه يمثلون مستقبل الامة عاد في مرحلة لاحقة الى الهامش حتى جاء يوم 9 افريل 1938 فيتم القبض عليه في احدى صالات القمار في حين ان تهمته الحقيقية انه شوهد في احدى المظاهرات التي عمت البلاد يومها مطالبة ببرلمان تونسي فكان ما حدث ايذانا بالتغيير في تاريخ البلد كما كان تغييرا في حياة البطل.

- علي كان على موعد مع الاحداث الكبرى حتى يوم وفاته في احداث جانفي 1978 يوم قامت أكبر تحركات الطبقة العاملة التونسية وواجهتها السلطة بالقمع. تصلنا مسيرته ومجرياتها من خلال مذكراته التي يعثر عليها حفيده عبد اللطيف ليعيد صياغتها في شكلها الروائي وينقل للقارئ شهادة على قرن مشحون بالاحداث والصراعات .

- أما الناصر فقد عاش طفولته في ألم واضطهاد وشبابه في سجن وانحراف وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسي حتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلال الوطن.

قديم 10-25-2014, 10:20 PM
المشاركة 1235
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع.....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 66- عائشة- العابرون البشير بن سلامة تونس


- تحكي رواية "عائشة" حكاية عائشة التي ولدت لأب انتقل حديثاً من الفقر والضعف إلي الغني والسلطة عقب ارتباطه بالحكام التونسيين. لكن الحياة الناعمة لم تدم وانقلبت رأساً علي عقب مع هجوم الاحتلال الفرنسي، فغيّر نفسيات البشر وعلاقاتهم.

-ويقترب الراوي في هذا العمل من شخصية عائشة، فيسرد قصة حبها لسالم وفقدها عذريتها لتظل رهينة الخوف، الذي يقدم وجهاً آخر للمجتمع، حتي تأتي لحظة الزواج من خالد في هذا العمل، يمكن أن نقرأ عن الأنثي صانعة الأحداث وراوية الحكايات التي تتخفي عادة وراء الرجال.

- كذلك نقرأ صورة الأب الذي يكبر وتعتليه الشيخوخة بضعفها وجبروتها من ناحية أخري. وفي الخلفية، نجد عائشة وإخوتها حيث يكبرون مع تطور الحكي.

- تعد رباعية "العابرون" كما قدمت لها دار الشروق المصرية واحدة من أهم روايات الادب التونسي المعاصر. تدور أحداثها في القرن الذي يسبق استقلال تونس وتتناول في ذلك تاريخ عائلتين تونسيتين اختار الكاتب من بين افرادهما اربع شخصيات وضع على كل رواية من الرباعية اسم احداها. وجاء ترتيب صدورها كالتالي : "عائشة" سنة 1982 - "عادل" سنة 1991 - "علي" سنة 1996 - "الناصر" سنة 1998.

- في مرحلة أولى يجتمع الابطال الاربعة في رواية "عائشة" ربما لعديد نقاط الارتباط والتواصل فيما بينها ثم تنفرد فيما بعد كل شخصية بخصوصيتها في عمل روائي منفرد دون ان تتفكك الاحداث والوقائع لكل من اجزاء الرباعية.

- عائشة ولدت لاب انتقل حديثا من الفقر والضعف الى الغنى والسلطة بعد ارتباطه بالحكام التونسيين لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث ان انقلبت رأسا على عقب حينما هاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغير - فيما غير - في نفسيات البشر وعلاقاتهم.

- عادل ظهر أولا في رواية "عائشة" شخصا ينزع الى العزلة والتأمل. وبعد انضمامه في مرحلة أولى للحزب الدستوري لاعتقاده بان الحبيب بورقيبة ورفاقه يمثلون مستقبل الامة عاد في مرحلة لاحقة الى الهامش حتى جاء يوم 9 افريل 1938 فيتم القبض عليه في احدى صالات القمار في حين ان تهمته الحقيقية انه شوهد في احدى المظاهرات التي عمت البلاد يومها مطالبة ببرلمان تونسي فكان ما حدث ايذانا بالتغيير في تاريخ البلد كما كان تغييرا في حياة البطل.

- علي كان على موعد مع الاحداث الكبرى حتى يوم وفاته في احداث جانفي 1978 يوم قامت أكبر تحركات الطبقة العاملة التونسية وواجهتها السلطة بالقمع. تصلنا مسيرته ومجرياتها من خلال مذكراته التي يعثر عليها حفيده عبد اللطيف ليعيد صياغتها في شكلها الروائي وينقل للقارئ شهادة على قرن مشحون بالاحداث والصراعات .

- أما الناصر فقد عاش طفولته في ألم واضطهاد وشبابه في سجن وانحراف وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسي حتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلال الوطن.

قديم 10-26-2014, 01:09 PM
المشاركة 1236
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان

- هذه الرواية هي آخر ما كتب الروائي اللبناني الكبير قبل رحيله، وهي ثالثة ثلاثيته التي تضم

- "أربعة افراس حمر"
- و"لا تنبت جذور في السماء".

- وهي شهادة على الحرب اللبنانية وغوص في أعماقها عبر شخصيات متوترة، قلقة ومضطربة.

- إنها من أبرز الاعمال الروائية اللبنانية التي تطرقت الى الحرب.

- أما الموقف الروائي اللبناني من الحرب التي توقعتها رواية عواد وعشنا مآسيها خلال خمس عشرة سنة، فإني أكتفي بالإشارة الى رواية «الظل والصدى (1989) ليوسف حبشي الأشقر الذي شارك معظم الروائيين اللبنانيين، الذين كتبوا عن هذه الحرب، رفضهم لها.

- لكنه كان الأقرب الى عواد، في تحذيره من الانقسام الطائفي وعواقبه المأساوية على اللبنانيين جميعا.

- يرفض اسكندر، بطل رواية «الظل والصدى»،الحرب.

- يرفض أن يكون مع المسلمين الذين يحاربون المسيحيين، أو يقضون، في هذه الحرب الأهلية، ضدهم ـ

- والمسلمون في الرواية هم أهل رأس بيروت حيث يسكن اسكندر ـ وكذلك يرفض اسكندر ان يقف مع أهل قرية «كفر ملات» ـ قريته ـ المسيحيين.

- يرفض الـ هنا والـهناك. لأن: «كلاهما يقتل، كلاهما يسرق، كلاهما يكذب، كلاهما بتعصّب» (ص190).

- يقف اسكندر ضد هذه الحرب ـ الأهلية ـ وخارجها. لأن الطرفين يتساويان فيها: المسلم والمسيحي.

- يتساويان في القتل والسرقة... وبهذا يلتقي الأشقر مع معظم كتّاب روايةالحرب في لبنان حول معنى هذه الحرب الأهلية والموقف منها.

- إلا ان اسكندر وإن رفض هذه الحرب، شأن الشخصية، في معظم روايات الحرب اللبنانية، فإنه يبقى مختلفا عنها، كونه ليس مثلها، مجرد شخصية، بل هو بطل يتفرّد بدعوته الى ثورة في الكيان.. كيف؟

- يشير خليل، احدى شخصيات الرواية، الى حوادث 1860 التي قُتِل فيها خاله،ويرى ان المسيحيين كانوا هم الضحية، وان المسألة هي مسألتهم في هذا الشرق المسلم،انهم «مجموعة خائفين».

- لكن، لئن كان هذا واقعا تاريخيا، أحد أسبابه الواقع الديمغرافي القائم، بهويته، على الانتماء الديني والذي يشكل فيه المسيحيون أقلية،فإن يوسف حبشي الأشقر، وكما يعبّر منظور روايته، يرفض ان تتحول الضحية إلى جلاد،

- لذا نجده يدعو الى هذه الثورة في الكيان والتي هي في معناها الأعمق ارتقاء بالذات البشرية الى الذات الالهية في الانسان.

- انها ثورة ترتكز الى اللوغس الديني المسيحي لتكشف، حسب المعنى العميق للرواية، بأن المشكلة، مشكلة المسيحية في لبنان، ليست كما يظن المقاتل صراعا بين المسيحي والمسلم، بل هي مشكلة الظل والصدى، أي هذا الفهم الخاطئ للمسيحية كدين وكتاريخ عريق في هذا المشرق.

- هكذا ينفتح سرد الرواية على ذاك التاريخ، وعلى المسيحيين فيه، لتحكي عن الأصول، أصول الأجداد الوافدين الى لبنان من حوران، وربما من أكثر من مكان.

- تبرز الرواية الجذر المشترك الذي يجمع بيناللبنانيين، وتشير ضمنا، الى انتماء متعدد، وهوية لا تفرق، الى تاريخ علينا ان لاننساه. الى ظل وصدى علينا ان نعي معناهما وتدرك دلالة العلاقة بينهما.

- فهلقرأنا، وهل تعلمنا؟ وهل علمتنا الحرب الأهلية التي عشنا درسا، أم اننا ما زلنا نسبح في دوامة العودة على بدء، دوامة الحروب التي تتكرر وتتركنا نحيا مآسيها!!

قديم 10-27-2014, 12:04 PM
المشاركة 1237
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان



- عاش يوسف حبشي الأشقر في الظل، موزعاً بين الميراث الريفي، ونداء المدينة.


- عاش مسكوناً بهاجس الموت، ورحل بصمت بعدما نقل الرواية اللبنانيّة من زمن إلى آخر.

- كيف يمكن للمرء أن يبقى خارج الحرب؟ أن يعيش ويموت بمعزل عن هذا الخطب الجلل الذي غيّر أفقه ومشاعره، وخلخل عالمه الداخلي ومشروع وجوده؟ ذلك أنّ الكاتب الراحل الذي تحتفي الأوساط الثقافيّة العربيّة اليوم بالذكرى الخامسة عشرة لرحيله، لم يكن فقط «ضدّ» الحرب، كما يردد الجميع استناداً إلى روايته -الوصيّة «الظل والصدى» (1989)، ومجموعته القصصيّة «المظلّة والملك وهاجس الموت» (1980). لقد حاول أن يبقى «خارج» تلك الحرب، أي على الحياد.

- «المحاولة» بحدّ ذاتها، إشكاليّة أدبيّة (وسياسيّة)، بل دراميّة أساساً، مقلقة، ومثيرة للإعجاب، وحافلة بالعلامات.

- هل كان إسكندر الحمّاني فعلاً على الحياد؟ بغض النظر عن نهايته الافتراضيّة، كما قرية كفرملاّت نفسها (نحن القرّاء مَن يقرّر فعل القتل). أليس فيه شيء من «الآخر»، كما يشي موقفه من أهل القرية المقتنعين بشرعيّة الحرب؟ وهو بذلك امتداد لشخصيّة المنشق في الوعي (المسيحي) اللبناني، وحفيد سلالة طويلة تبدأ من خليل الكافر ويوحنّا المجنون (جبران)؟ وفي المقابل، ألا يتماهى بطلنا مع «ربعه» في النظرة إلى «الفريق الآخر»، معبّراً عن خوف أقلّوي، متجذّر في اللاوعي الجماعي لأهله وبيئته، مهما كانت المسافة النقديّة، العقلانيّة، التي وضعها فعلاً بينه وبين تلك الجماعة؟

- هذه من التناقضات الخصبة في أدب الأشقر الذي سجّل انتصاراً للذاتيّة على الواقعيّة والبلاغة اللفظيّة.

- يمكن أن نبحث عن خلفياتها الفكريّة والوجوديّة في ذلك الصراع الأبدي بين الفرد والجماعة. وهو صراع له أهميّة خاصة لدى جيل واكب تفتّح مشروع الحداثة العربيّة، وشهد صعود المدينة كنواة وأرضيّة وفضاء وأفق لذلك المشروع الذي سرعان ما سيجهض، إذ أعادت الحرب بيروت إلى نقيضها الكامن فيها: مجموعة قرى ومناطق نفوذ تؤوي جماعات متناحرة.

- كيف كان سيموت إسكندر لو لم تنشب الحرب؟ (كان سيموت حتماً. ليس هناك مخرج آخر، سوى القطيعة النهائيّة مع عالم الريف، ومع الهويّة (الخطيئة) الأصليّة... وهذه الخطوة لم يكن الكاتب بطبيعته وتكوينه مهيئاً لها)؟

- ماذا يبقى من نصّ هذا القاصّ والروائي البارز، المحوري في الحركة الأدبيّة اللبنانيّة، إذا أخرج من سياقه التاريخي؟ إنه الفاصل (الرابط؟) الزمني بين مرحلتين وعالمين. يعبّر عن كثير من التناقضات التي تدخل في صلب الهويّة اللبنانيّة. ألهذا أيضاً يعتبر حبشي الأشقر أبا الرواية اللبنانيّة الحديثة؟ هو الذي انتقل من القصّة إلى الرواية، كمن ينزح من الريف إلى المدينة؟

- «لماذا نزحوا من كفرملّات إلى بيروت؟ لأن الناس كلّهم نزحوا، نزحوا ليشتغلوا الشغل الجديد، ليأكلوا الأكل الجديد، ليلبسوا اللبس الجديد، وليعيشوا العيشة الجديدة»... هذا التمزّق، تلك الثنائيّة الخصبة، حركة الذهاب والإياب الدائمين بين كفرملاّت (القريّة الافتراضيّة، النموذجيّة) ورأس بيروت (تحديد المدينة مباشر، لا يحتاج إلى عمليّة إعادة إنتاج مجازي)، يختصر جزءاً أساسياً من الوعي اللبناني، في الأدب والسياسة والحياة.

- المدينة ستنقله من زمن إلى آخر، وكان لا بدّ من الحرب، كي تبلغ تجربته الروائيّة ذروتها... وتعلن «نهاية مرحلة في الرواية العربيّة، رواية ما بعد طبيعيّة محفوظ وواقعيّته» بتعبير إلياس خوري. الحرب تدفع بالتناقضات إلى أقصاها.

- والحرب موت عالم وبروز آخر. هاجس الموت طالما خيّم على عالم يوسف حبشي الأشقر وكتاباته... إنّه تأثير الأدب الوجودي ربّما، لكنّه قبل ذلك نابع من تلك العلاقة الحميمة مع البيئة الريفيّة التي أخرجها من الحنين والرومانسيّة والفولكلور، وسلّط إليها نظرة نقديّة، تاركاً للشرّ والعنف والقسوة أن تحتل مكانها في هذا الإطار العذب والخلّاب والمطمئن.

- الطمأنينة المفقودة، هي إشكاليّة من إشكاليات هذا الأدب القريب من الوجوديّة (هل كفرملّات ما زالت ملجأً ممكناً؟). والبراءة المفقودة، هي حجر الأساس في عمارة أدبيّة خارجة من معطف مارون عبّود، من دون أن تصل إلى جرأة فؤاد كنعان وسلاطة قلمه! عمارة هي مفترق طرق بين جيلين وعصرين في تاريخ الأدب اللبناني.

- النثر الريفي لدى الأشقر هو بقايا تركة عريقة، اقتحمتها مشاغل فكريّة جديدة، فانعكست على السرد والبنية تحولاً واضحاً. لقد طرد التنميق الإنشائي نهائياً لصالح حساسيّة دراميّة، قوامها الحوار المسترسل، والجمل المبريّة برشاقة لتجسّد حالة نفسيّة، إيقاعاً سرديّاً، أو موقفاً دراميّاً.

- ومع ذلك ما زلنا مع يوسف حبشي الأشقر الذي اجتاز مسافة طويلة بين مجموعتيه القصصيّتين «طعم الرماد» (1952)، و«آخر القدماء» (1985)، أبعد ما نكون عن المغامرات الأسلوبيّة التي سيأتي بها جيل لاحق، لم يعد على الحياد، لا في الكتابة ولا في السياسة. بالنسبة إليه ستبقى القرية هي حدود العالم، هذا النموذج الجغرافي الذي يرى عبّاس بيضون أنّه لم يعد مكاناً «بقدر ما هو نوع من أولمب مصغّر»، حلبة صراع بين أفكار وهواجس.

- هناك شيء ما يعاند داخل النصّ، في صلب الرؤية الأدبيّة لدى الأشقر. شيء من العالم «القديم» الذي يعتبر وريثه، وقد أخذه إلى اشتباك مع حداثة الستينات في بيروت، منذ صدور الرواية الأولى في ثلاثيّته «أربعة أفراس حمر» (١٩٦٢).

- هكذا عاش ومات يوسف حبشي الأشقر، قدم في القرية وأخرى في المدينة. جذور في الريف وعين على الحداثة. مثل بطله إسكندر في «لا تنبت جذور في السماء» يقرأ موتزيل ويعاين صخب المدينة، علماً بأنّ جزءاً اساسياً منه ما زال مرتبطاً بالرحم، هو الباحث عن «الجذور».

- قل لي مما تهرب، أقل لك من أنت. إلى القرية سيعود ليموت، بعد رواية و١٧ سنة من الحروب. اندلاع الحرب يضع الزمن بين هلالين، ويغطي بالخيش الأبيض أثاث البيت إياه الذي شهد صولات الزمن السعيد وجولاته، وجوهه الأليفة «رفقة التيه في التفتيش عن الطريق». أيام الصراعات العاطفيّة والوجوديّة والحزبيّة، أيّام الشباب والكيف في فورة السبعينات، على حافة البركان... مع الحرب، صار «المطرح الحلمي، مطرح حزن وانحلال». لقد شاخ بطلنا ودخل في قطيعة مع العالم الخارجي، في عزلة صارمة هي الإدانة الوحيدة الممكنة لما يجري. إنّه أقرب إلى الأستاذ الجامعي، بطل رشيد الضعيف الذي بقي على هامش الحرب، حتى ابتلعته («المستبدّ» ١٩٨٣، أو بالأحرى «فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم»/ ١٩٨٦)، منه إلى بطل إلياس خوري في «الجبل الصغير» (١٩٧٧) الذي التحق بصفوف اليسار والمقاومة الفلسطينيّة، وهرب من الأشرفيّة...

- الحرب التي يدينها الأشقر مأساة ولعنةً. ترى يمنى العيد أنّ شخصيّة اسكندر المسيحي، تقوم على قاعدة مساءلة الذات، لا الآخر... ومحاكمة جماعته التي «تخلّت عن القيم الروح، وتركت الأرض، وقيم الآباء والأجداد، ساعية خلف المال والقشور». لكن إلى أيّ مدى تفلت «الظلّ والصدى» من النظرة التعميميّة إلى الحرب؟ فيما تبدو لدى توفيق يوسف عوّاد الذي تنبأ باندلاع الحريق («طواحين بيروت» /١٩٧٣) ثمرة فشل مشروع سياسي اجتماعي بديل، يحمله أبناء الجيل الشاب (جيل اسكندر أيام «لا تنبت جذور...») الذي انصهر في بوتقة الجامعة الوطنيّة، وراح يحلم بالتغيير.

- لا نعرف الكثير عن حياة يوسف حبشي الأشقر. نعرف أنّه ولد ودفن في بيت شباب التي أعارت الكثير من ملامحها لكفرملّات. درس الحقوق والفلسفة، وعاش حياة الموظّف الرتيبة في الضمان. نعرف أنّه كان يكتب في المقاهي، ويقرأ كثيراً في الليل. وأنّه عانى في سنواته الأخيرة من مرض الكلى، باختصار عاش في الظلّ، في ظلّ أدبه، منزوياً عن ضجيج الحياة العامة. نعرف غليونه الأبدي، وقصص بسيطة أخرى. نعرف أنّه من رموز ذلك العصر الذهبي لبيروت، شاهد عيّان على صعود المدينة وانهيارها، أحد روّاد الحداثة المستحيلة...

- عُرف الكاتب الراحل بابتعاده عن الإعلام، وبقلّة أحاديثه الصحافيّة. ونادراً ما تناول بالشرح والتعليق تجربته الأدبيّة. ومع ذلك فقد قبل ذات يوم أن يحصر الأسباب التي دفعته إلى كتابة القصة ثم الرواية. قال يوسف حبشي الأشقر: «هناك على الأرجح عوامل لاواعية جعلتني أبدأ من القصة للوصول إلى الرواية.

- أرجّح أن الأمر يعود إلى كوني تعودت في البيت على الفنّ القصصي. كان هناك ألفة بيني وبين هذا الشكل الأدبي. والدي إميل الأشقر كتب أربع عشرة قصة تاريخية... وهذه القصص كانت أول ما قرأت. يجوز أنّ هذا الأمر ترك أثره في نفسي. إذ رأيت أنّ القصّ يسمح لي أن أصنع ما أريد وكما أريد. القصة تتناسب مع كسلي... كما وجدت أنّ لديّ سهولة تعبيرية في القصة. أما حلمي الأساسي والقديم فكان كتابة رواية. وعندما وجدت في نفسي القدرة أقدمت على ذلك بلا تردّد».

من مقال بقلم : بيار أبي صعب

قديم 10-28-2014, 09:50 AM
المشاركة 1238
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان


- رغم أهميته اللبنانية، لم يحظ يوسف حبشي الأشقر بقراءة عربية مماثلة. ظلّ في أدبه نوع من المحلية، ما يذكّر بمجموعة من كتّاب الرواية العربية الذين يُتغنّى بدورهم في محيطهم، من دون أن يمتد تأثيرهم إلى المحيط العربي الأوسع.


- لا بد أنّ للمسألة أسباباً موضوعية تتعلق بأسلوب الكاتب ومواضيعه... وبسوق النشر التي لها أهمية لا يستهان بها.

- فمقروئية حبشي الأشقر عربياً تكاد تكون دون مقروئية أبناء جيلين من الروائيين اللبنانيين ممن جاؤوا بعده.

- وهو معروف بسبب تردّد اسمه في الدراسات الأدبية كمفصل في الرواية اللبنانية، أكثر من أي شيء آخر.

- ولعل جدل «المحلية» خصوصاً مقابل طوطم «العالمية»، غدا هوساً، خاصة في القسم الثاني من الثمانينيات، بعد فوز نجيب محفوظ بـ«نوبل».

- «كل ما هو عالمي خادع، الناس محليون أولاً»، يقول ريجيس دوبريه، ويضيف أنّ تجربته الشخصية في أميركا اللاتينية علّمته «أنّ على المرء أن يلتصق بأرض، بذاكرة أرض».

- ما يحدث في لبنان من تجديد الفرز الطائفي ـ-الذي تجاوزه إلى العراق وربما فلسطين بدرجة أقل ـ-يجدّد الاهتمام بأعمال كاتب مثل الأشقر، وخصوصاً أعماله الأخيرة التي ترصد الحرب الأهلية وتدينها.

- وعلينا فقط أن ننتظر «حبشيين شقر» ليكتبوا فظاعة الحرب الأهلية المتداخلة مع الاحتلال في العراق الآن، أو «حبشي أشقر» يطل من «غزة المنفصلة» ليسجّل وقائع الكارثة/ المهزلة، حيث يُدار نوع جديد من الحروب الأهلية بإشراف مباشر من المحتل.

- الحروب ليست جديدة على العراقيين والفلسطينيين. لكنّ رواية الحرب الأهلية اللبنانية التي كتبها الأشقر ومجايلوه، ومن جاؤوا بعده وصولاً إلى ربيع جابر، تعلّمنا أنّ فظاعة حرب الإخوة تتعدى «فطرة الحرب» وقوانينها.

- إنّها أساساً فساد اللغة، حين يقتلك ابن لغتك ويتحول اختلاف اللهجات إلى اختلاف في الهوية يستدعي القتل. بقراءة أدب الحرب الأهلية اللبنانية، ترى عبثية الحرب وانعكاساتها على لغة الرواية. في حين أنّ الحروب الاستعمارية والتصدي للعدوان كما يظهران في الأدب الفلسطيني تتحول فيهما اللغة إلى مصدّ يحمي من الانهيار. نذكر في هذا الإطار، روايات جبرا إبراهيم جبرا، وخصوصاً باكورته «صراخ في ليل طويل» ( 1946)، التي قد تكون أكثر رواياته «ريفية». في الحروب الاستعمارية، يحتمي المستعمَرون من فساد اللغة بالغنائيات، ويتم اختراع البطولة أو تسجيلها. بينما حرب الإخوة حرب فاضحة.

- لكن... أليست كل حرب هي حرب إخوة بالمعنى الإنساني؟ وبمَ تختلف رواية الحرب الأهلية عن رواية الحرب عموماً؟ السر في اللغة ربما، حيث الاختلافات اللغوية والثقافية تعمل كمسوّغات في الحروب عامة. وفي الحروب الأهلية، تُشتقّ مبررات وتُخلق اختلافات لغوية (لهجوية) وثقافية مزعومة. يظهر هذا في روايات الأشقر، وسيظهر في روايات العراقيين في السنوات المقبلة، والفلسطينيين أيضاً... ومَن أيضاً؟

- عمارة فنيّة مدهشة اشتغل عليها أربعين عاماً

- مدهش هذا القاص والروائي الكبير يوسف حبشي الأشقر!

- فهو ـ-في إبداعه القصصي الروائي ـ-يشتغل بشغف وتأنٍّ، في إشادة البنى الداخلية والظاهرة لكل عمل فني له.

- يمازج، في شغله الفني، بين ما يشبه العفوية والتدفق، وما يشبه الوعي التركيبي الصارم.

- وفيما نرى أنّ لكل عمل فني عنده، بنيته الخاصة، فإننا إذ نشمل بنظرنا سياق اعماله كلها، ننتبه ـ-بدهشة ـ-أنّه كان، في الوقت نفسه، يشتغل على تشييد بنية عامة تشمل أعماله هذه كلّها: فإذا نحن ننتقل بين ثلاثية أولى ـ-عفوية! ـ-تندرج فيها أقاصيص: «طعم الرماد» (1952)، و«ليل الشتاء» (1955) و«شقّ الفجر» (1956)... يغلب عليها المناخ الريفي، وهاجس البحث الايماني عن رعاية الله للانسان...

- بعدها، يدخلنا الأشقر في العوالم الشاسعة المعقدة المتشابكة لثلاثيته الروائية الكبرى: «أربعة أفراس حمر» (1964) ثم «لا تنبت جذور في السماء» (1971) و«الظل والصدى» (1989)... في هذه الثلاثية، ندخل في حومة العوالم المدينية: احتدام القضايا الفكرية/ الفلسفية، والأزمات الروحية والنفسية...، وصراع التيارات الفكرية/ الاجتماعية/ السياسية، والنزعات الوجودية، والتمزّقات الداخلية للفرد، وتصادمات الفرد مع التراكيب والمواصفات الاجتماعية
والطبقية...

- الشخصيات الرئيسية، هنا، هي من المثقفين ـ-كتّاباً وغير كتّاب ـ-المتفاعلين أو المنفعلين بشكل أو بآخر، بالقضايا الفكرية الفلسفية والنفسية الكبرى للعصر، وتياراتها المتصارعة: الوجودية، القومية، الماركسية، الايمانيّة المعاصرة (التي تؤرّق الأشقر، تحلّ فيه، تصارعه ويصارعها). ثم: الفوضوية، وحركات الشباب التي هي خليط حيوي مندفع ومتحمّس من هذه التيارات والأفكار كلّها.

- ولا بد من التأكيد هنا ـ-من الوجهة الروائية الفنية ـ-أنّ هذه القضايا الفكرية والنزعات تدخل في النسيج الداخلي للبناء الروائي ولحركة الأحداث، وفي خلايا التكوين الفردي، والمتناقض، للشخصيات، وتدخل حتى في جموحات الحب والجنس والتنابذ والموت، مع مَيلٍ ـ-في العمق ـ-الى ذلك اللون من الإيمانية المعاصرة التي تعود الى نزوعات الأشقر نفسه، وإلى نزوعات شخصياته الروائية.

- مدهش هذا الروائي والقاص الكبير. يكتب في مجموعته القصصية «الأرض القديمة»، عام 1963، عوالم الريف والشخصيات الريفية، والصراعات ذات الطابع الفردي البسيط والمبسَّط... ثم يعود ـ-بعد عشرين عاماً ـ-إلى تلك « الأرض القديمة»، ليرى هو ونرى معه، ماذا بقي منها، وما الجديد الذي دخل حياتها، وأمعن في تغيير النسيج الداخلي لحياتها القديمة، وجلب اليها نزوعات جديدة، تراها شخصياته القديمة غريبة عنها وغريبة عليها... فأصدر في عام 1983، «وجوه من الارض القديمة»، وأتبعها، في عام 1984، بمجموعة «آخر القدماء»...

- مدهش هذا الفنان الكبير: فقد تبيّن لنا أنّ هذه المجموعات القصصية الثلاث هي أيضاً مشادة في شكل ثلاثية قصصية، تكتسب كل قصة منها فرادتها و«استقلاليتها»، لكنّها تشترك مع أقاصيص آخرين في المجموعات الثلاث، بتداخل شخصيات من الأقاصيص في المجموعة الأولى، في النسيج الداخلي لأقاصيص في المجموعة الثانية أو الثالثة... وأنّ هذه المجموعات القصصية الثلاث تشكّل، معاً، وهو ما يشبه الرواية الواحدة: في الفضاء العام، والمناخ الريفي، ووحدة المكان ـ-وهو قرية «كفر ملاّت» ـ-حيث تتشابك الأحداث وتتصارع الشخصيات...

- ثم يتبين لنا أنّ المجموعتين الأخيرتين («وجوه من الأرض القديمة» و«آخر القدماء») تتميّزان بدخول أطراف من التيارات المدينيّة فيهما، من صراعات الأحزاب الحديثة الى مفاعيل الحرب الأهلية المدمّرة للعلاقات والمخلخلة لأيّ رؤى مستقبلية.

- وقبل أن يدعك يوسف حبشي الأشقر تظن أنّ هذه «الثلاثيّات الثلاث» هي لثلاثة كتّاب مختلفين، يصدر مجموعته «المظلة والملك وهاجس الموت» (1981) التي تتضمن أقاصيص عدة ولوحات قصصية وتأملات، تمازج بين المدينة والريف، ويصوّر فيها التأثيرات المدمرة للحرب الاهلية والتعصّبات الطائفية والنزوعات الوحشية في بنى البلد والعمران والناس والعلات وتكسّرات الروح.

- وتتجسّد مأساة الحرب الاهلية (التي مضت ـ-وقد تأتي؟!) في رواية «الظل والصدى» حيث تقتل الحرب، ووحوشها البشرية، ذلك المثقّف المتوحّد، المبدع الكاره للحرب والتقتيل، الحالم بعالم آخر، نوراني إيماني ينهض في هذه الأرض نفسها!...

- ... هذا البنيان الفنّي «الأشقري» السامق والمتشابك، المبنيّ بعناية وبمزيج من العفوية الإبداعية والوعي البنياني، قد يحتاج أيضاً وأيضاً وأيضاً، من النقد الى إعادة تأمّل فنّي فكري إنساني في هذه العمارة الفنّية المدهشة التي اشتغل عليها يوسف حبشي الأشقر طوال أربعين عاماً، فجاءت مكثفةً، وغنية، ومثمرة.

- أيقونة وأب تاريخي انتشر اسمه أكثر من أدبه

---
- لا بدّ من أن نصّ يوسف حبشي الأشقر هو أحد النصوص التأسيسية سواء في الرواية اللبنانية التي يراه كثيرون أباً حقيقياً لها، أو في الرواية العربية التي يبدو أنّه لم يحتلّ مكانه اللائق فيها بالنسبة إلى القراء والنقاد معاً.

- وهذا عائد إلى اعتبار يوسف حبشي الأشقر أيقونةً أو علامةً روائية استثنائية من دون الخوض في تفاصيل ممارسته الروائية التي جعلته كذلك. لهذا نشعر بأنّ اسمه منتشر ومعروف أكثر من أدبه.

- لعل الرجل قُرئ في زمنه وعرف مجايلوه دوره وقيمته وفرادته، لكن ذلك توقف تقريباً. الأجيال اللاحقة سرعان ما عاملته بوصفه ماضياً بعيداً. الروائيون الذين بدأت تجاربهم مع الحرب الأهلية وبعدها ابتعدوا بمسافات سردية وخيارات أسلوبية واضحة عن النبرة التي سادت في رواياته وقصصه. بالنسبة إلى هؤلاء، بدا أنه أب تاريخي أكثر من كونه أباً يمكن أن يستمر نسله السردي في أعمالهم.

- بقي يوسف حبشي الأشقر، أو أُبقي في زمنه هو. قلّما خضع أدبه لتجديد نقدي أو إعادة نظر، سلباً أو إيجاباً. إنه أثر روائي وكفى. إنه كاتب مهم وكفى. نقرأ اسمه هنا وهناك، لكنه غالباً ما يرد بالصورة عينها. صورته كأب للرواية اللبنانية الحديثة واسم شائع أكثر من أدب صاحبه.

- لعل نظرتنا هذه تسري على أسماء لبنانية أخرى أيضاً. ماذا نعرف عن الياس أبي شبكة سوى جحيميته وغلوّه الرمزي والسيكولوجي؟ ماذا أضفنا إلى «قرف» فؤاد كنعان؟ وماذا عن غطرسة سعيد عقل الشعرية؟... يبدو أنّ لدينا أمثلة أكثر مما يلزم للدلالة على أنّ يوسف حبشي الأشقر لا يمثل حالة فريدة في المعاملة التي لقيها.

- الواقع أنّ ما يحدث ليس كله عقوقاً وإهمالاً من الأبناء. ثمة سمات في كتابة يوسف حبشي الأشقر تجعل معاملة أدبه على هذا النحو ممكنةً ومبررةً أحياناً. فالحرب ومرحلة السبعينيات عموماً آذنت بالشروع في كتابة مختلفة عن الخصوصية الأزلية (والفولكلورية) للمدرسة اللبنانية. لم يحدث ذلك في الرواية فقط، بل لعل التغيّر الأكبر طاول الشعر الذي كُتب في تلك الفترة. الرواية والشعر الجديدان ولدا في وحل الحرب والأحلام الخاسرة مقارنة بغبطة الخمسينيات ووعودها الكبيرة.

- الأرجح أن صورة «لبنان الشاعر»، بحسب عنوان كتاب لصلاح لبكي، تحطمت في السبعينيات. حداثة الخمسينيات كانت حداثة بيانات وفتوحات. الحداثة الثانية كانت عملاً على ابتكار ترجمات أخرى لتلك البيانات وتذليل وعورة مسالكها وصولاً إلى شقّ دروب وشعاب خاصة.
يوسف حبشي الأشقر ينتمي إلى الصورة الأولى. إنه إحدى «المعجزات» اللبنانية العديدة. كتب الرواية كأنه يخترعها. استخدم سرداً معقداً، وأكثرَ من الحوارات. أدخل نكهة وجودية قوية في أعماله. لجأ إلى الأمثولات والترميز.

- عرض قدراته في تطعيم الكتابة بمقاطع ذات مزاج شعري. فعل الأشقر كل ذلك وأكثر. قد تكون كل هذه الممارسات منطقية ومبررة في لحظات التأسيس. لكن دوام ذلك يجعلها أقل قيمة وإغراءً بالتأكيد. هناك فرق بين أن تُرى هذه الممارسات في زمنها وبين أن تُرى راهناً.

- إذا تتبعنا أثر يوسف حبشي الأشقر لدى الجيل اللاحق، فإننا لن نجد هذا الأثر كاملاً. سنجده لكن مفتتاً وذائباً في نبرات هؤلاء. لقد دخل الأشقر في تحتانيات رواياتهم. صار مصدراً روائياً وإرثاً عاماً، واختلط بقراءات عربية وأجنبية أثّرت بمن جاؤوا بعده. بعضهم أخذ منه وبعضهم لم يفعل.
قراءة يوسف حبشي الأشقر ليست سهلة اليوم. نبرته السردية التي منحته الجزء الأكبر من خصوصية تجربته يمكنها أن تكون سبباً للعزوف عن قراءته أو إعاقة هذه القراءة على الأقل. رواياته وقصصه تطرد القارئ المسترخي الذي ينتظر من الرواية أن تقوده هي. لن يجد هذا القارئ حكاية تتدفق بسهولة وتشويق.

- وإذا حصرنا الكلام في القصة التي بلغ فيها ذروة فنّه في مجموعته «المظلة والملك وهاجس الموت»، نجد أن معظم قصصها لا تبدأ من بداية طبيعة أو تقليدية. المؤلف لا يقص حكاية عادية، والسرد لا يُبدي عناية كافية بالحدث ـ-هذا إذا كان ثمة حدث بالمعنى الحرفي للكلمة. ما أن يتقدم السرد قليلاً حتى يُخترق بأهواء فكرية ومونولوغات منفردة وخلاصات رمزية وتفلسف شخصي.

- لكن مهلاً، هل قلنا إن السرد يُخترق بكل هذا؟ الواقع أن السرد يكاد يكون مؤلفاً من هذه الاختراقات وحدها. إنه محمول عليها ومكتوب بموادها وخاماتها. السرد، بهذا المعنى، يعطّل نفسه. ولا بدّ من أن القارئ تنتظره مهمة صعبة. إذ عليه أن يتخلى عن فكرة التسلية والترفيه وأن يتلذذ، في الوقت نفسه، بما يقرأه.

- إذا كان لهذه الإشارات والملاحظات نصيب من الدقة، فإن يوسف حبشي الأشقر مرشح لتراكم أيقوني مضطرد. وهذا يعني أن يواصل حياته بيننا كاسم... لا ككاتب تُعاد قراءته من حين إلى آخر.



من مقال بقلم : نجوان درويش

قديم 10-28-2014, 02:18 PM
المشاركة 1239
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان



- يلفت في تاريخ الرواية اللبنانية المتعلّقة بالحرب الأهلية أنّ محمد عيتاني أنهى روايته «حبيبتي تنام على سرير من ذهب» بفصل عنوانه «نحو العاصفة»، إذ إنّ المجتمع اللبناني -كما تمثّل في الرواية -كان يتجه نحو عاصفة الشرّ (الموت).

- ما استشرفه عيتاني حدث، وقامت الحرب التي تدور أحداث رواية يوسف حبشي الأشقر «الظل والصدى» في فضائها ومناخها. وهو الفضاء/المناخ الذي أفضى إليه المسار الروائي لثلاثية الأشقر الممتدّ من «أربعة أفراس حمر» فـ«لا تنبت جذور في السماء» إلى مقدّمة «الظل والصدى».


- في هذه الرواية الأخيرة، يعاين القارئ الحرب (الشرّ)، بوصفها قوة قاهرة تتحكم بمصائر العباد والبلاد كأنها قدر لا يقاوم، وقد صُوّرت أدوات هذا القدر (أمراء الحرب) في الرواية في صور جعلت غير قارئ يسأل الروائي «كيف تجرؤ، وأنت تعيش بينهم؟». أجاب يومها: «من حسن الحظ...» ثم صمت لحظة، وأضاف بعدما هزّ رأسه وابتسم ابتسامة ساخرة: «... أو من سوئه أنهم لا يقرأون!».

- تعيد هذه الإجابة إلى الذهن صورة سياسي كان يقلّب ورقة بين يديه، على شاشة التلفاز، ويقرأ «مُستطيَر» وهي وصف لـ«شرّ» الحرب المستشرَف من سياسيّ آخر.

- فسواء كان هذا السياسي لا يجيد القراءة فعلاً أو كان يسخر، فإن الحرب/الشرّ التي عشنا ويلاتها وقرأناها، لم تعلّم، كما يبدو، أمراء الحرب القراءة التي تجعلهم يمضون في خط آخر، أراد إسكندر، الشخصية الرئيسية في «الظل والصدى»، أن يمضي الوطن فيه.

- فقد بقي من أبطال الثلاثية، في الجزء الأخير منها، إسكندر المثقف الثري الليبرالي المنفصل عن عالمه، وأنسي المثقف اليساري.

- قاتل أنسي ثم هاجر بعدما عرف حقيقة الحرب، ورفض مواصلة دور الأداة.

- وصعد إسكندر إلى كفرملات، موطن الميليشيات، ليحقّق هدفين: أولهما المشاركة في دفن أمه وثانيهما وهو الهدف الأساس، الاحتجاج على الحرب بفعل يدفع المشاركين فيها، أو بعضهم، إلى الإحساس بالإثم والندم...

- قديماً، في «أربعة أفراس حمر»، أقدم يوسف الخروبي وهو يحتج على عالمه، على إنقاذ غريق. كان يعرف أنه لا يجيد السباحة، فغرق... وها هو إسكندر يعيد ما قام به صديقه القديم، فيقدم على فعل يحتج به على عالمه، فيعود إلى عالم معادٍ، عالم الميليشيا، وهو يعرف أنه لا يجيد السباحة فيه ويعرف أنه سيغرق (يقتل). لكنه يمضي لأنه يُريد أن يحدث غرقه (قتله) إحساساً بالإثم/الندم يحرّك سعياً إلى الخلاص من الحرب/الشرّ.

- وهذا ما يحدث، إذ يعي يوسف خليل (الميليشياوي) الحقائق، فيترك الميليشيا، لكنه لا يهاجر كما فعل أنسي بل يسلّم نفسه للمخفر، ويكتب تجربته لمن يريد أن يقرأ في دفتر الحرب. وهكذا تحقق لإسكندر ما أراده، إذ إنه سعى إلى موت في خطّ أوّل يحرّك العالم الذي يتوجه إليه في خط ثان.

- فهل نجيد اليوم، ونحن نمضي «نحو العاصفة» من جديد، القراءة في دفتر الحرب الذي كتب يوسف خليل تجربته فيه، ونتحرّك في خط آخر سعى الروائي الكبير يوسف حبشي الأشقر، الذي لم يأخذ حقه من العناية بعد، إلى بيان معالمه في نص روائي ممتع وكاشف وراءٍ في آن؟



من مقال بعنوان: قراءة في دفتر الحرب- عبد المجيد زراقط






الاخبار
الخميس ٤ تشرين الأول 2007


===
- لا نعرف الكثير عن حياة يوسف حبشي الأشقر. نعرف أنّه ولد ودفن في بيت شباب التي أعارت الكثير من ملامحها لكفرملّات. درس الحقوق والفلسفة، وعاش حياة الموظّف الرتيبة في الضمان. نعرف أنّه كان يكتب في المقاهي، ويقرأ كثيراً في الليل. وأنّه عانى في سنواته الأخيرة من مرض الكلى، باختصار عاش في الظلّ، في ظلّ أدبه، منزوياً عن ضجيج الحياة العامة. نعرف غليونه الأبدي، وقصص بسيطة أخرى.

- نعرف أنّه من رموز ذلك العصر الذهبي لبيروت، شاهد عيّان على صعود المدينة وانهيارها، أحد روّاد الحداثة المستحيلة..

- لقد ظل يوسف حبشي الأشقر ابن القرية والجبل متأبطاً المدينة بركامها وأضوائها ودهاليزها لا يأبه لذلك إلاّ عندما يخترق بنظرته اللافتة وريشته المبلولة بالدمع والدم في رسم صورة لبنان يومذاك، متوارياً في رسالة لزوجة هجرتْ، أو لأبناء تمرّدوا أو لأم وأب ظلاّ مُحصَّنَين ضد الرصاص بالبراءة والحب، حتى الموت.


- عاش يوسف حبشي الأشقر في الظل، موزعاً بين الميراث الريفي، ونداء المدينة.

-عاش مسكوناً بهاجس الموت، ورحل بصمت بعدما نقل الرواية اللبنانيّة من زمن إلى آخر.

- رغم انه كان مسكونا بالموت وعاش في الظل ...وذلك يقول الكثير عن طفولته وحياته وشخصيته .

قديم 10-28-2014, 02:25 PM
المشاركة 1240
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

تابع ...

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان

- بالأمس وصلت "مظلّة الملك" ليوسف حبشي الأشقر، هذا الروائي العربي الرائد إلى ملايين القارئين تحت مظلة "كتاب في جريدة".

- وهو حدث روائي عربي بامتياز قبل أن يكون تحيةً وتكريماً لهذا المبدع الذي كان بعيداً عن الأضواء إلا ما تثيره الطلقات النارية والانفجارات من ضوء يخترق عزلته في "كفرملات" في جبل لبنان، أثناء الحرب الأهلية في أواخر القرن المنصرم والتي كان في كل حرف يكتبه يرفع يد إدانة وصمتَ صرخة بوجهها..

- لقد ظل يوسف حبشي الأشقر ابن القرية والجبل متأبطاً المدينة بركامها وأضوائها ودهاليزها لا يأبه لذلك إلاّ عندما يخترق بنظرته اللافتة وريشته المبلولة بالدمع والدم في رسم صورة لبنان يومذاك، متوارياً في رسالة لزوجة هجرتْ، أو لأبناء تمرّدوا أو لأم وأب ظلاّ مُحصَّنَين ضد الرصاص بالبراءة والحب، حتى الموت.

- إنها المرّة الأولى التي أكتب فيها عن كتاب أو كاتب صدر في "كتاب في جريدة" وتلك حيادية أحرص عليها وطبّقتها منذ الإصدار الأول ونحن اليوم بعد عشرة سنوات في الإصدار الـ105,.
ترى هل أن نص يوسف حبشي الأشقر وحده هو الذي حرّضني أم تقف وراء ذلك أسباب أخرى؟

- في الواقع أنني نادراً ما قرأت قصصاً بحساسية شعرية ولغة تكاد تتماهى مع الأحداث والأشخاص بهذه الشفافية والتلقائية وهو ما يمنح لهذا الروائي خصوصيّة أولى.

- ما زال حبشي الأشقر يتربع على قمة جبل عالٍ ناءٍ ليس في لبنان وحسب إنما في الرواية العربيّة،

- إنه المفاجئ الذي يستجوبك منذ الصفحات الأولى لتكتشف أنك متأخر جداً في علاقتك مع الفن الذي يقدمه والبلد الذي ينتمي إليه في حين لا تحس أن ما يحدث لك يعنيه في شيء ما..

- ثم تجد نفسك أنت الآخر تتماهى بسحر لغته ولقطاته في حيثيات قصصه وبانكفاءات أبطاله وانفعالات شخوصه.. يقودك بقوة إليه دون أن يشعرك ولا بأدنى حاجة لذلك.

- لم أرَه، وسمعت عنه الكثير، وقد لامني ـ أقولها الآن على حق ـ العديد من الأصدقاء اللبنانيين بالأخص الذين يعرفونه عن تأخر صدور عدد له في "كتاب في جريدة" ولا أريد الآن الدخول في هذا الشأن، ولكنني أريد أن أؤكد بهذه المناسبة بأن يوسف حبشي الأشقر كان يجب أن يكون الروائي الأول الذي يصدر عن لبنان في "كتاب في جريدة".. ليس في ذلك إساءة لأحد ولكن تصحيح لمسار.

- أستطيع أيضاً أن أضيف وهذه معلومة لا يمكن أن يقدمها أحد سواي في "كتاب في جريدة" وهي ردود الأفعال الخاصة بكل إصدار وفيما يخص هذا الإصدار فإنني تلقيت عربيّاً أصداءً وحماساً يرقى إلى فرادة وأهمية هذا النص.

- هذا من ناحية كما أنني أردت لهذا الإصدار أن يأخذ أهميّة مزدوجة لا تنبع فقط من مكانته الروائيّة كما هو معترف بها من كل من قرأ هذا النص ولكن هذه المرّة أردتها باسم "كتاب في جريدة" رسالة إلى كل لبناني يعيش اليوم هاجس ورعب الانزلاق نحو هاوية لم يخرج البلد بعد كليّاً من كوابيسها ومآسيها وهي الحرب الأهلية مع موكبها من المآسي والكوارث..

- وقد وجدت في قصص يوسف حبشي الأشقر أعلى نموذج لصرخة إنسانية من لبنان إدانةً للحرب وويلاتها ومن ثم لتعبر حدود لبنان إلى العالم العربي وكل إنسان..

-إنه نص اليوم في حاضرتنا التي تتشدق بالدم والدمع تحت شعارات وأقنعة لم تعد تخفي عمق الهول والمأساة التي تتخبّأُ وراءها.

- جاء نص حبشي الأشقر تواكبه رسوم رائعة لـ جنان مكي باشو الفنانة اللبنانية التي هي الأخرى عرفت كيف بشظايا القنابل أن ترسم صرختها ضد الحرب وكيف تصور خريطة بيروت مشطورةً كجسد يدمى لتقف مع نص الأشقر في عناق خلاّق من أجل لبنان.

- إن يد يوسف حبشي الأشقر التي ترتفع فوق ركام تراجيديا الحرب اللبنانية السابقة تواكبها شظايا" جنان مكي باشو يحملها "كتاب في جريدة" هذا اليوم لكي تكون الصوت اللبناني المتعدد الأعمق الذي يعلمنا أن لا ننسى وأن نمضي معاً

==
من مقال بقلم : شوقي عبدالأمير


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 21 ( الأعضاء 0 والزوار 21)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أعظم 50 عبقري عبر التاريخ : ما سر هذه العبقرية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 62 05-16-2021 01:36 PM
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2483 09-23-2019 02:12 PM
ما سر "الروعة" في افضل مائة رواية عالمية؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 523 09-09-2018 03:59 PM
اعظم 100 كتاب في التاريخ: ما سر هذه العظمة؟- دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 413 12-09-2015 01:15 PM
القديسون واليتم: ما نسبة الايتام من بين القديسين؟ دراسة بحثية ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 18 08-22-2012 12:25 PM

الساعة الآن 08:51 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.