أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.
كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
يحكى أن شابّا تفطّن بعد دهر لعطب في روحه ، فغادر الدّيار بحثا عن نفسه التائهة ، فوصل إلى عين دافقة في مرج أخضر ، شرب منها حتى ارتوى ، و مد رجليه فاستعذب الانتعاش السّاري في بدنه ، فاستحمّ خالعا بؤسه، سرت قشعريرة جسده المبلّل فدبّت الحياة في عروقه ، شعر بنفخة تزيح عن نفسه وحشتها ، و ببسمة تداعب قلبه البارد .
آوى إلى ظل شجرة مورقة ، مدّ بصره مستكشفا المكان ، أرهف سمعه مستمتعا ببهجة الطيور ، فاجأه شيخ بهي الطلعة ، تعلو سحنته مهابة ، و يشع من عينيه وقار ، أقرأ الصبيّ السلام سائلا إيّاه عن بغيته ، و سرّ مجيئه إلى الروضة ، فقال الصبي شارحا : أيها الشيخ الحكيم ، بحثت عنها في المدارس فما وجدتها ، و في الأسواق فما عاينتها ، وفي كل مجمع فما آنستها . روحي أيها الوقور عليلة و نفسي عن ذاتي غريبة و فسحة الودّ في قلبي زهيدة ، يا من علّمته الأيام سر النجاة و شرب من حقول العرفان أقداح المعاني ، و خلا بذاته أعواما حتى خبرها ، خذ بيدي عساني أصل روحي فأمسح عن خدّها دموع الضياع ، أضمّها كضمّ الأمّ لرضيعها في الليالي القارسة مانحة إياه دفء صدرها الفيّاض ، مالئة جوفه حياة و أمنا. أيها المعلم الودود كم اشتقت إلى بسمة من شفتيها ، و نغمة من لسانها تذهبان عنّي هذا السّأم الذي صحّر حدائقي ، و صخّر مشاعري ، فغدوت ضريرا يمشي بغيرهدى .
قال الشيخ : أرأيت هذا الطائر المزركش ريشه ، العذب لحنه ، و الرشيقة حركته ، أينما حل كان للبهجة رمزا ، و للأمل إماما ، و للتحرر عنوانا ، انظر نحوه ، اسرح مع حركاته الخالية من كل أصناف الكدر ، ما أفقدته جماعته رونقا ، و ما ثقلت عليه نفسه في وحدته ، الجمال عينه يزرعه في المقل و البشر نفسه يهديه للنّفوس .
قال الصبيّ : سيدي ما أظنك فهمت قصدي ، و ما وصلت إلى يقين مصيبتي ، شكوت إليك شحّا في دخيرتي ، وجفافا اعترى نبع آمالي ، وخريفا أسقط زينة ربيعي ، و ظلمة عطلت كل مصابيحي ، أيها المعلم ، أتظن نظرة إلى طائر غرّيد يطرب حالي و نطّا من غصن لغصن يفتح شهيّة أحلامي ، تلك قشور خفيفة ضئيلة ، وما أصابني أعظم و أعظم ، إن كان هذا كل ما تملك فسأواصل سيري بحثا عن روحي التي فقدتها .
تبسم الهرم قائلا : قبل أن تغادر دياري ،خذ تذكارا من هذه الروضة ، لعلك به تتذكرني .
أقفل الفتى راجعا و الهمّ يثقل مشيته ، يا لغباء الحكماء ، يا لبساطة أفكارهم ، ما هذه الباقة الزهرية التي أحملها ؟ ألقلة الزهور في موطني ؟ لكن الشيخ لا يملك شيئا غير وجه باسم و لحية بيضاء مرصّفة ، غارق هو في متعة زائفة و هلوسة ناعمة ، وجنون خفي . ضحك الفتى مقهقها مردّدا تغريدة طائر و باقة زهور يا لسوء حظي يا لسوء مآلي .......
قبل أن تستقبله أول قرية في طريق عودته و الشمس مائلة للمغيب ، وجد فتاة تركض وراء غنيماتها الطائشة في محاولة لتهدئتها و إعادتها إلى القرية ، سعى في مساعدتها حتى اجتمعت و مشيا صوب القرية فقالت الفتاة : " من سعيدة الحظ تلك التي أحضرت لها زهورا ؟ " تبسم الفتى وقال : " لن تكون إلا أنت ما دامت الباقة نالت رضاك ." احمر وجهها خجلا و استعصى عليها الردّ و كذلك ثقل عليه لسانه و سار في كل السبل باحثا عن كلمة يوصل بها خيط الكلام ، تعجب من ضياع ثروته اللغوية ، نظرت إليه و نظر إليها و سرعان ما فرّت بعينيها منه ، أطرق رأسه وخيبة العجز تطارده ، ما بال لسانه انعقد و ما بال هذه الحيرة التي اقتحمت أسواره ، تنهد و حنحن وقال : " خذي الباقة " فقالت : "لا آخذ إلا ما كان من نصيبي فأخلص لتلك التي تعلقت بها " صمت ولم يعقّب حتى دنوا من أول مسكن من مساكن القرية إذ ذاك قالت : "حان وقت الفراق " حرك رأسه بالإيجاب و ركن إلى جانب الطريق جالسا ، خفيفة هي رشيقة ، صوتها عذب ناعم و وجهها بدر مليح ، وعندما ابتعدت قليلا قال : " هذه الباقة سأحتفظ بها لتذكرني بك ، و لأخلّد بها هذه الذكرى الغالية ، هذا اليوم السعيد ، أتعلمين ، ما أشرقت شمس في حياتي كما اليوم ، ما سمعت أذني تغريدة بلبل كما أنت ، ما رفرف طائر أبدا كما ترفرف روحي اللحظة . "
رجعت على استحياء و قالت ، لمست الصّدق في عينيك منذ أول نظرة ، أما وقد انطلق لسانك و تحرّرت روحك و عمّ الدّفء فؤادك فالآن الآن أقبل الباقة . لأننا لا نسمع في تغريدة البلابل إلاّ شدو أرواحنا و لا نهدي في الزهور غير مشاعرنا .
الأديب ياسر علي
وانا اقرأ هذا الحرف وهذه القصة التي عبرت عن روح البشر التي نفتقدها في هذا الزمان
وكيف ننسى ونضيع الكثير في غمرة الحياة وكيف لا نقف على مواطن الجمال وما تسكن اليه
النفس والروح
هذه القصة بمثابة رسالة لنا نحن البشر لكي ندرك أهمية الأشياء في ايدينا وان نتمسك بعض الأمور
التي ربما تكون مفتاحا لعالم أخر
أتمنى عليك اديبنا أن تنشر القصة ايضا في منبر القصص هذه القصة لوحدها حكاية ولو أنني أجيد النقد لفعلت
لكنها وبكل مصداقية قصة رائعة وذات معزى كبير
وَصدِّى أَصْوَاتٌ مَا زَلَّتْ أَسْمَعَهَا كَلَّمَا مَرَّ قِطَارٍ في محطات انتظاري يتخيل لي أَنَّ أَحَدُهُمْ يُنَادينني ، صوت أبي ، جدي ، لا أذكر أَيَادٍ مِنْ بَعِيدٍ تلوح لي .... وَأَنَا فِي مَكَانِي لَا أُحَرِّكُ سَاكِنًا... تسكني الوحدة ...
عصفورتان تتجاذبان
بوح الرسائل ،
تهدي إلينا نفحات كلمات
تمر علينا مرور الدمع في المآقي ،
تذكرنا بماض كان وميضا ،
ثم تناهى إلينا طيفا
من عطور وجدائل .
أفاطم مهلا ، بوحك حزن وألم
في قسمات الوجه والمحاجر .
درر حروفك لا يقابلها
نسيج ذهب أو ماس
أضفى الجمال على الجمال ،
واللب في الوصف حائر .
والجليلة ، رعاك الله ،
ورودك تلامس شغاف القلب
التي أدماه عطر الرسائل ،
منذ عقود قتلته
أوراق ورسوم وبلابل .
لقد جاءت رسائلكما انجاز أدبي متميز فيه المعاني الراقية والكلمات الرائعة التي تنم عن إحساس وذوق عميقين ، وتقف الكلمات عن الوصف ، ويبقى هذا الأدب يتحدث عن ذاته بذاته سجلا يروي لنا معاني الحياة بكل تجلياتها .
احترامي وتقديري ومودتي لشخصيتيكما الكريمتين ولكل من شارك هذه الرسائل القيمة .