لمحة عن كتاب : الإبادة الجماعية في غزة
كتاب الإبادة الجماعية في غزة (حرب إسرائيل الممتدة على فلسطين)
تاليف المؤرخ الاسرائيلي آڤي شلايم (وُلد عام 1945 في بغداد، العراق)
ترجمة شهد دعباس
الناشر منشورات تكوين ضمن سلسلة تساؤلات
تاريخ النشر 2025
تاريخ النشر بالانجليزية 2024 Genocide in Gaza: Israel, Hamas, and Long War on Palestine Avi Shlaim (Author)
✅مقدمة
الكتاب ليس دراسة أكاديمية منهجية بقدر ما هو موقف أخلاقي وسياسي معلن يعبّر فيه آڤي شلايم عن رؤيته للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بوصفه صراعاً استعماريّاً طويل الأمد يقوم على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وتثبيت بنية دولة تقوم على الامتياز القومي اليهودي.
يعلن شلايم بوضوح، بوصفه يهودياً وباحثاً مخضرماً، أنّ لديه واجباً أخلاقياً لفضح ما يسميه بـ"الفاشية الصهيونية" والدفاع عن الشعب الفلسطيني في لحظة معاناته القصوى.
يقدّم المؤلف شهادته بصفته "شاهداً من الداخل"، أي شخصاً نشأ ضمن الهوية اليهودية الإسرائيلية لكنه اختار تفكيك سرديتها القومية من موقع نقدي. يربط بين التاريخ والسياسة الراهنة ليظهر أن ما يحدث اليوم في غزة والضفة الغربية ليس حدثاً طارئاً، بل استمرار لسياسات تهدف إلى السيطرة الدائمة ونفي الوجود الفلسطيني.
يضع نفسه في صفّ المثقفين الذين لا يرون في الكتابة فعلاً معرفياً فقط، بل التزاماً أخلاقياً تجاه الضحايا. كما يسعى إلى إظهار أن الصمت أمام العنف هو شكل من أشكال التواطؤ، وأن المسؤولية الأخلاقية لا تُسقطها الهوية أو الانتماء الثقافي. في هذا الإطار، يتحوّل الكتاب إلى بيان موقف ودعوة صريحة إلى مقاومة البنى الاستعمارية التي لا تزال فاعلة في فلسطين حتى اللحظة.
✅ الفكرة المركزية
يُقدّم آڤي شلايم في هذا الكتاب سلسلة مقالات تأمّلية وتوثيقية تصوّر أن سياسة قطاع غزة – تحديدًا ما تمارسه اسرائيل تجاهها – ليست مجرد مواجهات عسكرية متكرّرة، بل تعبير عن منطق استعماري استيطاني (settler-colonialism) يسعى إلى التخلص – أو الاستئصال – من جماعة بشرية محليّة. يرى أن الهجمات التي تُنفّذ تحت شعارات “الدفاع” أو “القضاء على حماس ” ما هي إلا تجليات للعنف البنيوي الذي يسعى إلى محو الوجود الفلسطيني بقطاع غزة، حتى مستوى وصفه بـ”جريمة الإبادة”
يركّز شلايم أيضًا على دور القوى الغربية – خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي – في تزويد إسرائيل بالأسلحة والدعم الدبلوماسي، وبذلك المشاركة في ما يراه “تمكيناً” لهذا العنف المكثّف.
📚 المحاور الرئيسية
رغم أنّ الكتاب ليس مقسّماً إلى “فصول” تقليدية تفصيلياً بقدر كونه مجموعة مقالات، يمكن تمييز المحاور التالية:
الهجمات المتكرّرة على غزة:
يبدأ شلايم بتحديد أن عملية 7 أكتوبر 2023 التي شنّتها جماعة حماس وتلتها عملية إسرائيلية ضخمة"سيوف من حديد (Operation “Swords of Iron”) تشكّل نقطة مفصلية، وهي الهجوم الإسرائيلي الثامن على غزة منذ 2008.
منطق “قصّ العشب” (mowing the lawn):
يستخدم الكاتب هذه العبارة التي صوّرتها وسائل إعلام إسرائيلية أو عسكرية، للدلالة على أن الغارات الإسرائيلية المتكرّرة تُدار كجزّ لعشب يصل بالنهاية إلى إبادة تدريجية أو تعطيل دائم لفرص الحياة الطبيعية.
الاستيطان والعنف البنيوي:
يرى شلايم أن جذور السياسات تجاه غزة والضفة الغربية تكمن في مشروع استيطاني صهيوني – استعمار مستمر – يهدف إلى تطهير السكان الأصليين أو إخضاعهم إلى حالة بقاء شديدة القسوة.
الإبادة كخيار محتمل:
بناء على تحليل المؤلف للخطاب الإسرائيلي والدولي، يوصّل بأن ما يحدث في غزة قد يندرج تحت تعريف “الإبادة الجماعية” أو “جرائم ضدّ الإنسانية” – ليس فقط من حيث الأعداد، بل من حيث النية والنتائج.
مسؤولية الدول الغربية:
يناقش كيف أن الدعم العسكري والدبلوماسي الغربي لإسرائيل يجعلها شريكاً فعالاً في السياسة القائمة، وبالتالي لا يمكن فصل مُمارسات إسرائيل عن شبكة العلاقات الدولية والعسكرية-السياسية التي تغذّيها.
نداء أخلاقي وتوثيقي:
يُختتم الكتاب بدعوة للقراءة التاريخية المسؤولة، والاعتراف بأن ما يجري يتجاوز إطار “حرب” عابرة، بل هو أزمة إنسانية وتاريخية واسعة، تستوجب مراجعة سريعة للمواقف الدولية.
📝 الاستقبال النقدي
تلقّى الكتاب إشادة باعتباره “قراءة ضرورية” للمبتدئين والمطلعين على حد سواء، مع التقدير لكون شلايم مؤرخاً مخضرماً يتحدّث من تجربة ثلاثية (عراقي الأصل، إسرائيلي الجنسية، بريطاني المعيشة) ما يمنحه بعداً شخصياً يُعزّز المصداقية.
هناك إشادة بشجاعة شلايم ، وصراحته، وموقفه الأخلاقي العلني، خصوصاً بصفته يهودياً يعارض الرواية الإسرائيلية الرسمية.
لكن من جهة أخرى، يرى نقّاد مثل مناحيم كلاين Menachem Klein أن الكتاب يكشف موقفاً سياسياً أكثر مما يبني معرفة تحليلية داخلية عن المجتمعات.
لذلك يعتبر البعض أن الكتاب ضروري كوثيقة أخلاقية وسياسية، لكنه ليس مرجعاً اجتماعياً أو بنيوياً متكاملاً لفهم الصراع.
ومن جهة أخرى، وردت ملاحظات نقدية: بعض النقّاد يرون أن الزعم بـ “الإبادة الجماعية” يُثير جدلاً قانونياً وأخلاقياً – لأن السياق معقّد، ومصاعب التعريف الدولي لجريمة الإبادة تجعل التوصيف عرضة للجدل.
كذلك، يشير بعضهم إلى أن الكتاب رغم قوّته التحليليّة، يركّز على جانب توثيقي وانتقادي أكثر من تقديم مقترحات تفصيلية لسياسات بديلة أو حركات صلح.
🔍 المغزى الفكري
من الناحية الفكرية، يقدّم شلايم هذا العمل كمثال على التفاعل بين التاريخ، الذاكرة، والسياسة المعاصرة: كيف يُعيد مؤرخ مخضرم قراءة الحاضر من خلال ذاكرة الأرشيف والممارسات اليومية للعنف. يُبيّن أن استراتيجيات القوة العسكرية والسيطرة المستمرة تُولّد “حالة حرب طويلة” لا تنتهي، بل تتكرّر وتتصاعد. بذلك يدعو إلى إعادة التفكير في ما يُسمّى “الاحتلال” و”السلام النهائي” و”حلّ الدولتين” ضمن سياق يُظهر أن المنظومة الحالية قد أصبحت أكثر تشدّداً نحو فرض الإبقاء الدائم لـ(غزة كمخيم أو منطقة تجميد) وليس الدولة الفلسطينية الفاعلة.
القيمة الأساسية للكتاب ليست في أصالته النظرية ولا في تحليله البُنيوي، بل في تحويل المعرفة التاريخية إلى موقف سياسي.
شلايم يقدّم نموذجاً للمثقف الذي يرى أن الكتابة ليست وصفاً للواقع فقط، بل مشاركة في تغييره.
بهذا يصبح الكتاب جزءاً من معركة الخطاب العالمي حول تعريف ما يحدث في غزة: حرب؟ مقاومة؟ إبادة؟
👤 نبذة عن المؤلف
آڤي شلايم Avi Shlaim : وُلد عام 1945 في بغداد، العراق، من عائلة يهودية-عربية ثم هاجر إلى إسرائيل وبعدها إلى المملكة المتحدة، حيث أصبح أستاذاً مرموقاً في العلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد. هو بريطاني الجنسية/إسرائيلي الأصل (أي مزدوج الثقافات). يُعدّ أحد “المؤرخين الجدد” (New Historians) الإسرائيليين الذين تحدّوا الرواية القومية التقليدية لإسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين.
(تاريخ الميلاد والدولة: 1945، العراق الأصل، بريطاني/إسرائيلي الجنسية)
🔚 خلاصة نهائية
يُشكّل هذا الكتاب مساهمة مهمة في الأدب المعاصر حول الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، لا بوصفه تقريراً إخباريّاً فحسب، بل كتحليل تاريخي-سياسي عميق يُعيد طرح المفاهيم الأساسية: احتلال، استعمار، مقاومة، إبادة. يُقدّم شلايم قراءة واضحة، ربما حسّاسة، لكنها تتسم بالإلحاح الأخلاقي: إذا لم يُنظر إلى ما يجري في غزة بوصفه أكثر من “عمليات عسكرية” عادية، فلن يفهم أحد حجم الأزمة التاريخية التي يتعامل معها.
في الوقت ذاته، يُذكّرنا بأن تحليل الأحداث يتطلب العودة إلى الأرشيف، الدليل، والنظر في المسارات الطويلة وليس فقط في اللحظة الراهنة.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++ ++++++++++
هامش توسع
طبيعة الكتاب ومادته
الكتاب مكوّن من مقالات كتبت ونشرت بين 2021 و2024، جمِعت في مجلد واحد. هذا يجعل القراءة غنية بالتوثيق اللحظي، لكنها تؤدي إلى تكرار بعض الأطروحات، بما يعكس تطوّر الأحداث بدلاً من بناء حجاجي متسلسل.
الإطار التحليلي: الاستعمار الاستيطاني
يُطبّق شلايم مفهوم الاستعمار الاستيطاني settler colonialism بوصفه المفتاح لفهم الصهيونية وسياسات الدولة الإسرائيلية منذ تأسيسها.
غير أنه لا يخوض في بناء نظري موسّع، ولا يناقش مساهمات الفكر الفلسطيني الداخلي أو الأدبيات الأكاديمية المتراكمة. يقدّم حججاً سياسية مباشرة مرتبطة بالسياسات العسكرية والقرارات الأمنية.
نقد سياسات الحكومة الإسرائيلية
يصف شلايم حكومة نتنياهو وأحزاب اليمين المتطرّف بأنها مسؤولة عن:
منع قيام دولة فلسطينية مستقلة
توسيع المستوطنات بكثافة
فرض حصار طويل على غزة
تحويل القتل العشوائي إلى سياسة معتمدة في الحروب
وفقاً للمؤلف، هذا ليس انحرافاً لحظياً، بل استمرار لمنطق تأسيسي.
نقص التحليل الاجتماعي الداخلي
كما أشارت المراجعة، الكتاب لا يعالج البنية الاجتماعية الفلسطينية أو الإسرائيلية نفسها.
لا نجد فيه:
نقاشاً لتيارات الرأي داخل المجتمع الإسرائيلي
اختلافات الفلسطينيين بين الضفة، غزة، الداخل، والشتات
تحليل البنية الطبقية أو الحزبية أو الثقافية
السياسة عند شلايم تبدو صراع دولي وأمني أكثر من كونها صراعاً مجتمعياً.
حلّ الدولة الواحدة
يختم شلايم بالدعوة إلى دولة واحدة بين البحر والنهر بحقوق متساوية للجميع.
غير أن هذا الطرح:
يجد رواجاً بين فلسطينيي الشتات والمثقفين الدوليين
يلقى تحفّظاً لدى فلسطينيي الداخل والمناطق المحتلة الذين لا يرغبون في التخلي عن تصور الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة
لا يجيب عن سؤال كيف سيتم إرغام دولة قوية مدعومة غربياً على التخلّي عن بنيتها القومية الحالية.
* منقول عن موقع : افكار عن نظرية العدالة
التعديل الأخير تم بواسطة ثريا نبوي ; اليوم الساعة 03:54 AM
سبب آخر: تصحيح حرف في العنوان
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
رد: لمحة عن كتاب : الإبادة الجماعية في غزة
