قاهر المرض.. - منتديات منابر ثقافية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
:: قصص قصيرة جداً---إبراهيم عدنان ياسين (آخر رد :إبراهيم ياسين) :: نجونا (آخر رد :إبراهيم ياسين) :: أنا المنفيُّ في عينيكِ (آخر رد :إبراهيم ياسين) :: كُلُّ الحِكَايَةِ (آخر رد :أحمد فؤاد صوفي) :: العنزة والحمار \ تولستوي (آخر رد :أحمد فؤاد صوفي) :: " في حضرة الكتاب " (آخر رد :أحمد فؤاد صوفي) :: هوى الإهرام (آخر رد :أحمد فؤاد صوفي) :: قلْ ،، ولا تَقلْ (آخر رد :ثريا نبوي) :: دمعتي على خدي .... أين أنت يا منابر ؟ (آخر رد :ثريا نبوي) :: بيت شعر أعجبني أو مثل راق لي (آخر رد :ثريا نبوي)

احصائيات



الردود
6



المشاهدات
5869







ريما ريماوي

من آل منابر ثقافية



المشاركات
801



+التقييم
0.16



تاريخ التسجيل
Sep 2011



الاقامة
الأردن.



رقم العضوية
10476

03-21-2015, 01:13 PM

المشاركة 1

03-21-2015, 01:13 PM

المشاركة 1

قاهر المرض..

قاهر المرض (أبي)..

عملية التبوّل بدأت تزعجه، رغم عدم إحساسه بالألم، إلاّ أن منظر الدم المصاحب للبول ويتبعه بغزارة أصبح يقلقه.. بالعادة وضعه الصحّي جيّد، ولم يبلغ الأربعين بعد
من عمره.

راجع أحد الأطباء وقد تعرف عليه بحكم عمله السابق في الدعاية الطبيّة، صديقه الدكتور سامي؛ اختصاصي الأمراض البولية والتناسلية... استقبله بحرارة، بعد فحصه بعناية.. قال وعلامات القلق بادية على محيّاه: - آسف ياصديقي، المؤشرات تدل على إصابتك بذلك المرض، تحتاج الإقامة في المستشفى، لكي تجري الفحوصات
وما يلزم لعلاجك.

بعد ظهور النتيجة قدم الطبيب عنده في غرفته، تبادلا المجاملات المعهودة، وأخبره مستغربا عن ممرض، قام بإيقاظه من النوم لكي يتناول حبة المنوم.. ضحك الطّبيب، قائلا: - إنّ هذا الأمر يا صديقي.. لا يحدث إلا في مستشفياتنا!
ثمّ شرح له تشخيص حالته مستعينا بصورة الأشعة:
- سبب نزفك حصوتان صغيرتان بالكلية.. نأمل أن يتمكن الدواء الذي سأصفه لك من تفتيتهما دون جراحة... تستطيع مغادرة المستشفى وتناول العلاج في البيت.

فرح لكون الأمر غير خطير.. عاد إلى بيته، وحرصت ابنته وزوجته على تذكيره بالدواء في مواعيده. لكنّه لم يتحسّن، واستمرّ نزفه.. وصار لا بدّ من استشارة طبيب آخر...

أصرّت ابنته على مرافقته في زيارة طبيب ذي سمعة جيّدة.

في غرفة الفحص استطاع رؤية النزف ينبض من على جدار المثانة عبر الشاشة.
تركه الطبيب يرتدي ثيابه، وذهب إلى غرفة المكتب حيث تنتظر ابنته، سمعه:
- (شدي حيلك يا ابنتي).. هنالك خطر أن يكون والدك مصابا بالمرض الخبيث..

انضمّ إليهما، فوجد ابنته اليافعة الصغيرة شاحبة، حزينة.. نظراتها تتساءل تكاد
دمعتها تفر: "هل سأتحمّل فقدانك، أبي؟!" فابتسم لها مشجّعا.. بيّن له الطبيب خطورة الوضع، وحثه على ضرورة الإسراع في العلاج، فالمماطلة ليست في
صالحه...

هو مدير مصنع وعنده التزامات كثيرة، فأجّل الأمر إلى ما بعد انتهاء أحد المؤتمرات المزمع عقدها في قطر عربيّ آخر، ينوي المشاركة به وتقديم ورقة عمل تخص مصنعه. في نفس الوقت نسّق مع صديق له يعمل في لندن، من أجل ترتيب
موعد مع أحد الاختصاصيين هناك، فمرضه لن يحتمل خطأ آخر.

أنهى المؤتمر، وعاد ليجد رد صديقه، الموعد قريب جدا، فاستحصل الفيزا وبطاقة السفر، وسافر إلى لندن ليصل في الموعد.

قابل الدكتور "سنيلل" وكان في منتهى الإنسانية.. أوعز بادخاله المستشفى.
ثمّ أجرى له عملية استئصال الورم باستخدام المنظار. طمأنه الطبيب أن طبيعة
قوامه تدل على كونه ورما حميدا.. لكن الحسم سيأتي بعد ظهور نتيجة الزراعة.

توتّره خلال الانتظار . لم يمنعه من التعرف على معالم لندن الأثرية ومرافقها
الحيوية، ولم يمنعه أيضا من شراء معطف جديد ثمين أعجبه.

ظهرت النتيجة في موعدها؛ إيجابية/ تؤكد وجود السرطان الخبيث...

شرح الطبيب وضعه قائلّا:
- رغم مرضك الصعب، الشفاء ليس مستحيلا. آمل أن نتمكّن من مدّ عمرك
خمس سنين على أقل تقدير، الأمر بيدك ويعود إلى مدى حرصك على تطبيق
التّالي:
- أولا ترك التدخين نهائيا.
- ثانيا عليك تناول جرعة كبيرة عيار ألف (1000) من فيتامين سي
يوميٍّا لتقوية مقاومتك.
- ثالثا مراجعتي شهريّا، لاستئصال ما قد يتكوّن من أورام جديدة.

تأكّد أن مراقبة المرض وحصره من أهمّ وسائل العلاج، أمّا الكيماويّ فلست بحاجة حاليا له. وأضاف:

- يجب أن تتشبّث بالحياة.. لا ندري، لربّما يتمّ في المستقبل القريب اختراع علاج فعّال للقضاء على مرض السرطان نهائيّا.

غادر المستشفى، يطوف شوارع لندن، غارقًا في هواجسه، والأهمّ السيجارة، يفكّر:

"الطبيب كان واضحا معي، الاستمرار في تعاطي التدخين يعني الموت المحتم.."
تناول من العلبة لفافة وضعها بين شفتيه، لم يجرؤ أن يشعلها، فكّر في قرارة نفسه: "يجب أن أعيش لم ينته عمري بعد، هنالك الكثير لأفعله في حياتي" مرّت طيوف عائلته وأهله "نعم سأهجرها لا أسفا عليها."

اتّصل بابنه الذي يدرس في أمريكا وأخبره. جاء صوت الأخير حزينًا، قال بصوت
متحشرج يغالب دمعه :
- أبي، ما أصعب التفكير في إمكانيّة فقدك، لهذا أرجوك التزم بأوامر الطبيب،
وعن نفسي، صرت أدرك مدى هذه الصعوبة. لهذا تضامنا معك سألقي سيجارتي
أنا الآخر، وأعدك أن لا أعود لها مستقبلّا، سنصمد وسننجح بإذن الله.

عاد إلى أحضان أسرته، وبات فخورا يحدّث النّاس عن موقف ابنه الإيجابي بخصوص مرضه، وتركه للتدخين. حرصت زوجته وابنته على تقوية معنوياته، لم تذرفا الدمع
أمامه على الرغم من سماعه نشيجهما الخفيّ من بعيد، هذا وقد تخلّصت ابنته
يوم عودته من كلّ ما له علاقة بالتدخّين.

إلتزم بمراجعاته الدورية للندن عدّة سنوات، خلالها استقال من عمله في المصنع، بهدف تخفيف عبء المسؤولية عن كاهله... مكتفيا بالعمل شريكا مع زوج ابنته في شركته الخاصة الصغيرة.

بعد انهيار السوق المالي، وازدياد التضخم الاقتصادي وغلاء المعيشة.. أصبح السفر إلى لندن مرهقا ماديّا.. في نقاش مع الدكتور سنيلل حول الأمر، أخبره عن طبيب عندهم بالأردن: - الدكتور "نادر يونس" نطاسيّ بارع، تخرج من عندنا وقد درّبته بنفسي، راجعه، فأنا أثق به، سيعالجك مثلي إن لم يكن أفضل.

فور عودته حصل على رقمه بسهولة، من خلال إعلان له بالجريدة، راجعه بالعيادة، رحّب الطبيب به بودّ، واهتم به جيدا لمّا عرف أنه من طرف الدكتور سنيلل. فحصه وأثنى على عمل د. سنيلل ومهارته، لكنه لم يكترث بأمر فيتامين سي، لم يسمع سابقا عن أهميّته العلاجية.

صار صديقا للطبيب، واستمر في زياراته الدورية واستئصال الحبّات القليلة المتكوّنة، وكلما امتدّ الزمان تباعدت فترات المراجعة ولم تعد تظهر حبيبات جديدة.

بعد بضعة سنوات، فوجئ بعودة النزف من جديد، هذه المرّة سافر إلى لندن تحت ضغط العائلة، سأله الدكتور سنيلل:
- هل عدت للتدخين؟ نفى بشدّة.
- من المؤكد إذن أنك لا تتناول فيتامين سي بانتظام، ردّ بالإيجاب، نعم أهمله
لعدم اهتمام د. نادر به.

أجرى له الدكتور سنيلل الاستئصال بالتنظير ، شارحا له:
- وضع مثانتك جيّد، طبيبك قام بعمله على أكمل وجه، لكني استأصلت اثنتي
عشرة حبة صغيرة تسبب نزفك. حان أوان البدء في العلاج الكيماوي، يمكن
تعاطيه في بلدك هناك أرخص، ويجب عليك العودة لتناول فيتامين سي.

حصل على الكيماوي المدعوم من الحكومة لوجود تأمين صحيّ لمرضى السرطان، ثمّ راجع طبيبه الخاص الدكتور نادر، رحّب به مبتسمّا:

- أنت مريضي المحظوظ.. بالأمس فقط عدت من دورة في أوروبا، تعلّمت فيها علاج الكيماوي الموضعي داخل المثانة، أنت أوّل من سأطبقها عليه.

كان محظوظا حقّا ولم يتعبه الكيماوي؛ لم يتساقط شعره، ولم يصبه الغثيان.
لكن بعد ثلثي الجرعات، سافر د. نادر في إجازة، فتولّى معالج آخر حقنه مباشرة في الوريد، كانت حقنة مؤلمة ومتعبة جدّا أنهكته، كرّهته المرض ونفسه والحياة، واتّخذ قراره؛ لا كيماويّ بعد الآن.

أثناء مراجعاته المتكرّرة لعيادة الطبيب، وقسم معالجة السرطان تحديدا، قابل العديد من المرضى. وتجاذب أطراف الحديث مع مريضة اسمها "ماري" تعاني نفس المرض، مع أنّ حالتها كانت تتدهور بسرعة، لكنها لم تفقد الأمل، وواظبت على الكيماوي. جرعاتها الأخيرة كانت تلك التي تبرع لها بها. لقد ضربت خير مثال له عن الإرادة وحب الحياة والصمود في مواجهة المرض الغدّار. رغم تمكّنه من جسدها لم يستطع كسر روحها.

أيضأ الطفلة "أمل" الصلعاء الجميلة، لم تتجاوز ربيعها الخامس.. راقبها زهرة تذوي والإبتسامة رغم شحوبها تملأ ثغرها.. أخبرته: "لن أصبح دكتورة، بل شاعرة كبيرة..
لا أرغب في بيع الأمل الزائف.. بل يكفي نشر الحبّ والأمل..."

فكّر في نفسه "سأتقوّى وأتمسّك بالحياة، لن أيأس وأضعف، الأعمار بيد الله، وعمري لم ينته بعد. "

لجأ إلى كل الوسائل المساعدة؛ الرقيّة الشرعيّة وقراءة القرآن والتعبّد، قرأ الكتب وحضر المقابلات عن طرق العلاج النفسيّة، تناول الأعشاب والعسل المخلوط بالمكسّرات وحبة البركة، والوجبات المتوازنة والفواكه. مع الإنصات لخبرات كل من تمكنوا من النجاة.

عاش بين أهله حياة أقرب ما يمكن للطبيعية. يغضب ويحزن ويفرح. لكن في المرض
إن ارتفعت حرارته. يدب الذعر ويخشون عليه من النهاية القريبة، حتى
في أمراض البرد الخفيفة..

ذات شجار قال لزوجته:
- سأهجرك، وأتزوّج عليك... فأجابت باسمة بسخرية:
- حاول.. سنرى من ستقبل بك زوجا في مرضك (المنيّل.)
لم يغضب إنّما صالحها ممتنًّا لها.

في مرضها الأخير لم يتخلّ عنها، بل كان يحملها بنفسه إلى الحمّام...
هو شفي وهي فاضت روحها لباريها.

نعم شفي، ولم يعد له المرض الخبيث بعدها..

مرّت مدة طويلة تربو عن عقدين من الزمان.. عبر خلالها الألفيّة الثالثة وكان متشوّقا لبلوغها طوال حياته، رحل خلال هذه المدّة بالإضافة إلى زوجته العديد من أهله وأصدقائه الأصحّاء، والمرضى، وما زال صامدا، يرفل بحول الله بالصحّة.

مؤخرا راجع طبيبه الذي تقدّم به السن، بعد فحصه بالتنظير، قال له الطبيب:
- يا عزيزي.. يبدو أننا سنقضي بمرض الشيخوخة.. ما زلت مثلي الأعلى في تحدّي المرض، وما زلت أدعم من خلال نجاحك مرضاي الجدد.

ملاحظة: النص واقعيّ، يستند على أحداث وطرق علاج حقيقيّة مع والدي
حفظه الله.

أنين ناي
يبث الحنين لأصله
غصن مورّق صغير.

رد مع الإقتباس

الموضوع	كاتب الموضوع	المنتدى	مشاركات	آخر مشاركة
نعمة الشفاء و نعمة المرض و المرض المزمن	د محمد رأفت عثمان	منبر الحوارات الثقافية العامة	2	04-07-2016 03:49 AM
الأرض ترد على سارقها بيوم الأرض	أشرف حشيش	منبر الشعر العمودي	0	03-30-2016 12:30 AM

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)

أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق

منتديات منابر ثقافية

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »