منبر البوح الهادئلما تبوح به النفس من مكنونات مشاعرها.
أهلا وسهلا بك إلى منتديات منابر ثقافية.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.
كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
نقع في شِراك الحيرة، ونحن نتجوّل بفكرٍ تائهٍ بين مسالك الاختيار، لننتقي موضوعًا نطرحه على طاولة الحوار والنقاش؛ إذ غالبه طُرح وأُشبع بحثًا وردًّا، حتى غدا التكرار له نهجًا لا ينتهي ومسارًا لا يتغيّر، وكأنّ الأمر مُشرع بابه لكل عابر، وكأنّ الحلول لم يقبلها من أصابته ناره، فظلّ يكتوي في صمتٍ ويغلي من لهيب قراره.
هي الحياة تمضي بالواحد منّا، وهو يسحب ثوب الشقاء على جسد الأمل، والماء يتعثّر به بلا اكتراثٍ ولا وجل، كأنّ الدرب لا يعرف رحمة، وكأنّ الزمان لا يمنح فسحة.
في باحة الحياة صورٌ من معاناةٍ خرج من رحمها من سُطِّرت نجاحاتهم، فكانوا للتضحيات والنجاحات عنوانًا ومثالًا.
وفي غالب الأمر يشطح الفكر ويتسلّل في أضيق الاحتمالات، والمصيبة أنّ الفكر يتكلّس عند أول عقبة، فيجعل الحكم المتعجّل نهاية القصة ومسك الختام، دون أن يتريّث ليبصر ما تُخبئه الأيام.
ولقد وجدتُ الفائزين هم الذين امتطَوا صبرهم زادًا، واتّخذوا اليقين سلاحًا، وجعلوا حسن الظنّ بربّهم جناحًا، يطير بهم في كل وقتٍ وحين.
تعجّبتُ ممن تعتلي شفاهَه ابتسامةٌ عريضةٌ عند كل مطبٍّ يواجهه، كأنّه يلتقطها هديةً من دروب الكفاح، ويسقيها من ماء الطموح، وكأنّها وردةٌ نبتت على شوك العناء!
ويستوحش حين يسير في طريق النجاح من غير مصادفة الأخطار، كأنّه يستفزّها ليستنهضها، ويتحرّش بها ليستدعيها، وكأنّ يقينه أنّ المجد لا يُبلغ إلا على سلالم الألم، ولا يُقطف إلا من شوك العذاب والمكابدة.
والله...
لا أعجب حين يبلغ مبتغاه، كما أعجب كيف يستمرئ المعاناة، ويتلذّذ بالوجع كأنّه طَعم الحياة!
وكأنّه أدرك أن الطريق إلى النور لا يُضاء إلا بشرارة الألم، وأنّ المجد لا يُولد إلا من رحم الصبر والعزم والاحتساب.
هكذا هي الحياة...
تُدني من رحمها الأشدّ وجعًا ليكون الأبلغ أثرًا،
وتُخفي وراء كل عثرةٍ بابَ نهوض،
ووراء كل وجعٍ مهدَ فجرٍ جديدٍ فيوض.
فمن صبر على كدرها، أورثه الله صفاءها،
ومن صدق مع ربّه، أراه من خلف البلاء سناه وضياءها،
ومن سار بثقةٍ في دربها، وجد في نهاية المدى مفتاحها وبهاءها.
فطوبى لمن لم يَخَفْ من لهيبها، ولم يجزع من صخبها،
بل جابها بقلبٍ راسخٍ، وابتسامةٍ تكسو وجهه في وهجها،
حتى إذا بلغ مبتغاه، علم أنّه ما خُلق الوجعُ إلا ليهذّب،
ولا كُتبت المعاناة إلا لتُقرّب،
ولا طال الطريق إلا ليُظهر في المسير من صدقَ في التوكّل ومن كذب.
لعلَّ الحياةَ اقتضت أن تُغيِّر ذاك النمطَ الرَّبَّاني، وكأنها أرادت أن تُنبِّه الغافلين بأن السكونَ ليس من سُنن الأكوان، فالبعضُ يجعلُ من المقولةِ علّةً وحيلةً وعذرًا يتذرَّع به، هروبًا من جوهر الحقيقةِ وعمق المعنى!
كثيرونَ لا يُدركونَ ما وراء تلك اللمساتِ اللطيفةِ، واللطائفِ الدقيقةِ الخفيّة، التي أودعها المولى عزَّ وجلَّ في صنوفِ الموجودات، أكانت ماديّةً أم معنويّةً، فهي إشاراتٌ لا يقرؤها إلا من رقَّ حسُّه، وأبصر قلبُه، ووزنَ الأشياءَ بميزانٍ من نورٍ وعرفان.
"وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا"
نغمةٌ ربّانيةٌ تُذكّر بأن التوازنَ هو سرُّ البقاء، وأن الأرضَ لم تُبسَط لتكونَ ساحةَ عبثٍ، بل ميدانَ ابتلاءٍ وعدلٍ وامتحان.
فما حلَّ بالأرضِ من أمراضٍ وكوارثٍ ونِقَم، إلا بما جَنَتْهُ أيدي البشر، وما زاغَ من عقولهم حين اغترّوا بقوّتهم، فاستغنوا عن خالقهم.
وقد قال الحقُّ سبحانه:
ومع هذا كلّه، تراهم يطلبون الخلاصَ من البلاء ببلاءٍ أعظم، ويستجيرون من الرمضاءِ بالنار!
كأنهم لم يتّعظوا بسنن الكون، ولم يفهموا أن الحلولَ في أيديهم، لكنّهم يُعرضون عنها استكبارًا وغرورًا.
هي قاعدةٌ لن تتحرّك ولن تتبدّل:
ما بدّلَ قومٌ أمرَ الله، ولا استبدلوا حكمَه بحكمٍ من صنعهم، إلا حاقت بهم سنّةُ الزوال، وذاقوا من مرارةِ الاختلال ما لا يَعرفُ له دواء.
فما خلقَ اللهُ الخلقَ عبثًا،
ولا تركهم هملًا،
بل جعلَ لكلِّ شيءٍ قدرًا، ولكلِّ انحرافٍ جزاءً، ولكلِّ توازنٍ بقاءً.
فسبحانَ من أقامَ نظامَ الوجودِ بالعدل،
وأدارَ رحاهُ بالحكمةِ،
ليعلمَ الإنسانُ أنَّ الإصلاحَ ليس خيارًا… بل فريضةُ الحياة.
رُوحٌ في موطنِ الغُربةِ مَنفِيَّةٌ،
تسكنُ بينَ الأنينِ والحنينِ،
ليس لها موردُ انتماءٍ،
ولا في الزمانِ شفاءُ التِّيهِ والابتلاءِ،
وليس لها في المكانِ مقامٌ،
إلّا ظلُّ حُلمٍ يلوذُ بهِ السَّلامُ إذا نامَ الكلامُ.