++ حين تلتقي الأرواح ++
* الجزء الأول *
طرقات متتالية على باب الدار . . تجاوز الوقت منتصف الليل . . الكــل نيـام . .
إنه شيء لا شك يدعو إلى القلق . .
كنت أول من سمع الصوت . . وكان علي أن أقرر . . هل اوقظ والدي ! ! . . ولكنه في الدور العلوي . . أم هل أفتح الباب ! ! . . يحتاج الموقف إلى جرأة
من فتاة في التاسعة عشرة من عمرها . .
تجاوز فضولي خوف الموقف . . تقدمت إلى الباب . . وبجرأة لم أعهدها في نفسي . . فتحته . .
عينان وجلتان فاجأتاني . . قشعريرة باردة سرت في جسدي . .
" لم يفتح لي الباب أحد . . أنا مطارد وأنا بريء . . لم أرتكب أية جريمة " . .
سكت الغريب . . ونظر إلى الأرض . . نظرة صادقة في عينيه . . وضحت لي الطريق . . ودفعتني للتصرف فوراً . . وبدون تردد . .
ثوان مرت كأنها عمر . . لملمت قميصي على جسدي . . وفتحت الباب . . دخل الهارب إلى البيت . . أغلقت الباب خلفه . . ثم تواجهنا . . مرتبك . . ينظر إلى الأرض . . لا يعرف ما يفعل . . كدت من هول الموقف أن أبكي . .
" أرجوك . . تعال معي . ."
وتوجهنا إلى المطبخ . . وضعت أمامه كأس ماء . . ووضعت الإبريق على النار . . لأجهز مشروباً دافئاً . .
" ســــــأوقظ والدي . . ! ؟ . ."
كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة صباحاً . . واقترب انبلاج الفجر . . والفجر يغري النهار . . والنهار يكشف المستور . .
" والدي . . والدي . . ! ! "
تململ الوالد مبتعداً يريد أن يكمل نومته الدافئة . .
" والدي . . والدي . . لدينا في الأسفل ضيف . ." . .
" - - - - - - - - .
" إنه مطارد وخائف . . لا أدري ما أفعل . . أرجوك . . استيقظ وساعدني . . " .
ومن تحت الغطاء الثقيل . . هب جسد ينتفض . . وبلحظة . . أصبح واقفاً . .
" ماذا . . ! ! ماذا قلت . . ! ! " .
" لدينا في الأسفل ضيف . . إنه هارب وخائف . . أرجوك أن تتصرف . . ولكن أرجوك . . لاتطرده مهما حصل . . " .
أسرع الوالد إلى الأسفل . . وأسرعت أنا معه . .واجه الوالد الغريب المطارد بنظرة ساكنة . . ووقف الغريب احتراماً . .
" إني مطارد . . وأنا بريء . . لم أرتكب أي جرم ! ! ".
الوالد : - - - - - - - - .
" ليس لي مكان ألجأ إليه ! ! " .
" لو طلبت مني أن أغادر . . فسوف أغادر فوراً . . لابأس إنه قدري . . لابأس . . أرجو أن تغفر لي وجودي في بيتك ! ! " .
" هناء . . جهزي لنا الشاي . . وطعاماً للافطار ! ! " .
" حسناً . . حسناً ياوالدي . . شكراً لك ! ! " .
بإشارة من يده . . تبع الهارب الوالد إلى الداخل . . أعطاه ملابس جافة . . وأومأ إليه . . " إن الله موجود . . وسيظهر الحق . . اطمئن . . خذ حماماً دافئاً . . وتعال للفطور ! ! " .
شارفت الساعة على السابعة صباحاً . . النشاط يدب في البيت . . والغريب محرج من وجوده بينهم . . الجميع فهم الموضوع . . ولم يعلق احد . . ولم يعترض أحد . . ولم يتضايق أحد . . فنظرات هذا الغريب توحي بالصدق . .
مكث الوالد في البيت . . لم يذهب إلى عمله . . عليه أن يتصرف . . تساعده في ذلك ابنته هناء . .
"ليس لدينا متسع في البيت . . وسوف يتنبه الجيران . . لا يمكننا المخاطرة ! !"
" والدي . . الموضوع خطير . . والمسألة مسألة حياة أو موت . . أرى أن نفرش السقيفة ببعض المستلزمات . . لن يشك في ذلك أحد . . ولنتوكل على الله . . الوقت يداهمنا ! ! . . " .
لمعت عينا الأب . .
" والله لا أرى أفضل من هذه الفكرة . . دعينا نقوم بما يلزم "
عينا الغريب . . امتلأتا حباً . . انقلب كيانه . . لم يسألوه شيئاً . . صدقوه . . وثقوا به . . منحوه الأمان . . وتقبلوا الخطر . .
أحضرت هناء السلم . . تم افراغ السقيفة من محتوياتها . . وتم تنظيفها . . فرش فيها بساط عريض . . وضع فوقه مرتبة نظيفة . . جهزت مع مسـتلزماتهـا ومذياع . . كما تم نقل التلفاز من غرفة الأولاد أيضاً . .
مأوى مؤقت . . أهم ما فيه أنه مملوء بالمحبة والأمان . . ومر اليوم سريعاً . . وكأنه ساعة واحدة . . وبعد أن أخذ الغريب قسطاً من الراحة . . وفي سهرة اليوم الثاني . . بدأ يقص حكايته . .
" كان والدي من الأغنياء المعروفين . . وله منصب شرفي كبير في الوزارة . . طلبوا منه تنفيذ أمور خارجة عن القانون . . وتضر بأشخاص معينين . . وقد تؤدي إلى إعدامهم - - . . رفض والدي وترك الوزارة . . دبروا له تهماً كثيرة . . قبضوا عليه وسجنوه . . وبعد عدة أشهر . . مات في سجنه كمداً . . - - . . قاموا بمصادرة كل أملاكنا . . وقاموا بالحجز على ثروتنا . ."
يتبع. . الجزء الثاني والأخير