حلم من قصب | صفاء الأحمد
حمت كل شوارع مدينتنا بحثا عنه،انتهيت بشارع يحمل نصف شرفتنا، أقدام الأطفال عارية تلاحق كرة مصنوعة من بقايا أقمشة، والأمهات يشعلن نارا لإعداد قوت اشداق مفتوحة للهواء.
أحببنا رغما عن الوقت،لمّنا بيت تشظى، لم يتبق منه إلا نصف شرفة وجدار،
في غمرة جنون توحدنا،ضم أصابعي إليه و همس لي:
"انظري يا صغيرتي..سوف تفيض هذه الشرفة حياة، سنلقم هذه الزاوية ياسمين، ونضع في تلك كرسيين من قصب، نرتشف القهوة كل صباح".
كان صوت الطائرات يتداخل مع همساته، بينما كانت عيونه تحلّق في السماء، اقترب مني حتى لم يعد بين شفتيه و أذني ممرا للهواء، سمعت صوت ريقه حين ابتلع غصته.
أردف :"لسنا بحاجة للراديو، سوف نغني لفيروز حتى يذوب صوتها في حناجرنا،وعندما أتوق للربيع سأرمي نظري في عينيك حتى تتسع أحداقي للحياة".
تلاشى صوته رويدا وهو يردد:
"لا يزال في الحياةِ متسع."
ذلك حين راح ليشتري كرسيين من قصب، لكنه لم يعد.
ابتعت كرسيين من قصب، ولا زلت أنتظره على ناصية شارع يكلأ أسرار بيوت تهدمت، و يحتسي ماء العيون،
ومنذ ذلك اليوم وصوت فيروز يذوب في حنجرتي وحدي.