روائع رمضانية
روائع رمضانية
– أسلم شخصٌ وكانت قصة إسلامه بسبب شهر رمضان الكريم، إذ قال إنه تعجَّب من المسلمين في قريته، كيف كانت وجوهُهُم تتقلَّب في السماء عندما انصرم الشهر الذي قبل شهر الصوم، كأنهم ينتظرون إشارة من خالق الكون من فوقهم ليقوموا بشيءٍ بعدها.
فلما رأوْا الهلال، فرحوا فرحا عظيما، كأنهم بُشـّروا بأعظم البشرى، ولم يتوقّع أن يكون فرحهم بأنهم سيمتنعون عن الشهوات طيلة شهر في النهار كلِّه .. هذه الشهوات التي يتقاتل بنو البشر عليها، وتخاض الحروب التي تفتك بالملايين من أجلها، وأنهم سيصلُّون بمناجاة ربهم في الليل.
واستحوذ هذا التعلق والتصرفات على قلبه، فصام معهم، وهو لا يعرف الإسلام، ولم ينطق بالشهادتين، بل اكتفي بالامتناع عن الأكل والشرب وإتيان زوجته، وإذا ذهب المسلمون لصلاة الصبح، وكان يفطر وإذا سمع أذان المسجد لصلاة المغرب، ذهب وصلى معهم في الليل صلاة التراويح ـ ويصنع مثل ما يصنعون، قياما، وركوعا، وسجـودا، غير أنه لا يتكلـم بشيء، فيجد راحة عجيبة، وسكينة لم تعرفها روحه من قبل، حتى إذا انتصف الشهر، لاحظ الإمام أنه غريب عن القوم، فسأله عن نفسه فدهش من قصته اندهاشا حمله على أن يجمع الناس ليسمعوا منه، فلما سمعوا قصته علموه الإسلام، فنطق بالشهادتين، فكبروا وقالوا أنت أسلمت على يد رمضان، وسموه رمضان.
– من المواقف المتعلقة بهذا الشهر الكريم من حياة زيد بن ثابت رضي الله عنه، ما ورد في صحيح البخاري عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: “تسحَّرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة، قلت كم كان بين الأذان والسَّحور، قال قدر خمسين آية.
ففي هذا الحديث أخبر زيد رضي الله عنه أنه تسحَّر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة، فلو تأمَّلنا سبب سَحور زيد بن ثابت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبخاصة أن زيد بن ثابت رضي الله عنه ما كان ينام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون سحوره عارضًا، بل كان مقصودًا، وأن السبب في ذلك من أجل أن يتعلم الهدي في السحور فيما يتعلق بوقته والسنة فيه.
ويدل على ذلك سؤال أنس بن مالك رضي الله عنه لزيد بن ثابت رضي الله عنه، كم كان بين الأذان والسحور؟ وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى، فعند البخاري في موضع آخر: عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت رضي الله عنه تسحَّرا، فلما فرَغا من سَحورهما، قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فصلى، فقلنا لأنس: “كم كان بين فراغهما من سَحورهما ودخولهما في الصلاة، قال كقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية”.
فهذه الروايات تدل على استحباب تأخير السَّحور، وفي هذا دليل على حرص السلف على تعلم الهدي النبوي، فقتادة سأل أنسًا، فتعلم منه، وأنس سأل زيد بن ثابت، وتعلم منه، وزيد تعلَّمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا الموقف حَثٌّ على جوانب كثيرة من الخير، ففيه تناول طعام السَّحور والاجتماع عليه، ولا سيما مع أهل العلم والفضل الذين ينتفع الإنسان من صحبتهم ومجالستهم، وكذلك في الحث على تأخير السحور، فهو أرفق للصائم وأدعى لحضور صلاة الصبح مع جماعة المسلمين، وفيه أيضًا اغتنام الفرصة بين السحور وإقامة الصلاة فيما يُقرِّب إلى الله سبحانه وتعالى وبخاصة بقراءة القرآن.
كما كان الصحابة يطيلون صلاتي التراويح والقيام، لا يقرؤون بآية أو آيتين كما يصنع بعض المسلمين، فقد ورد عن السائب ابن يزيد قال: “أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبَي بن كعب وتميم الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلاَّ في بزوغ الفجر”.
بل إن صحابة رسول الله كانوا يطيلون في صلاة التراويح الى مايقارب بزوغ الفجر وما يكاد أحدهم ينتهي من السحر حتى يؤذَّن للفجر، فعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: سمعت أبي يقول: “كنا ننصرف في رمضان من القيام، فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر”.
منقول : من الغد
التعديل الأخير تم بواسطة فيصل الغامدي ; 05-17-2020 الساعة 08:22 AM