عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2011, 11:39 PM
المشاركة 5
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي




خامساً: في أفق تجاوز التجاوز:

هابرماس J.Habermas هو الذي يخرج عن هذا الإجماع، إذ يحاول تأسيس طريق آخر كبديل لأزمة الحداثة، وكحلّ ممكن للخروج من فلسفة الذات. وهذا الطريق الذي يريد أن يدشنه ناتج عن المأزق الذي آلت إليه الطرق البديلة ذوات الجذر النيتشوي. لأن المآل الذي وصلت إليه هذه الطرق – حسب هابرماس - هو مآل أسوأ من الأزمة التي انتهت إليها الحداثة. ذلك أن رد الفعل العنيف تجاه العقلانية الحديثة التي تزاوجت مع العلمانية، أدى بأصحابه إلى السقوط في الاتجاه المضاد، أي في الطرف الأقصى للحداثة وهو اللاعقل.

كما أن محاربة النسق أدى إلى تدمير الذات المسجونة فيه، مما جعل الإنسان يغيب من مشاريع ما بعد الحداثة. لم ينتبه هؤلاء إلى أن سحقهم للأنساق، جرف معه انسحاق الإنسان أيضاً: إنهم ألقوا بالطفل والماء معا!


لهذا يرى هابرماس أن البديل الممكن للعقل الحديث ليس هو اللاعقل، بل هو "العقل التواصلي: La raison communicationnelle" أي يلزم البحث عن بديل لنوعية العقل، وليس إلغاء العقل كليا. فالعقل الخالص الذي حول الإنسان إلى ذرة روحية أو ماهية ميتافيزيقية، يمكن أن نقارنه بعقل آخر قادر على الربط بين هذه الذرات المنعزلة، وهذه الماهيات الراقدة وراء الوجود.

إذن فالقضية ليست هي: كيف نسحق النسق؟ بل هي: كيف نحرر الذات من سجن النسق؟

إن فشل خطاب ما بعد الحداثة ليس دليلاً على فشل الخطاب الفلسفي، بل هو دليل على فشل فلسفة الذات. هذا الفشل الذي لاحق العلوم الإنسانية بدورها، لأنها أرادت أن تنتج معرفة "علمية" عن الذات. وهوس معرفة الذات هو الذي أدى إلى فشل الخطاب المعرفي، وأدى أيضاً إلى معرفة الذات. لقد انتهت فلسفات الذات إلى سجن الإنسان داخل نسق ميتافيزقي وعزله عن العالم، وسلبت منه الوجود.

أما العلوم الإنسانية فقد انتهت إلى استعباد الإنسان –بعد أن كان الهدف هو تحريره- عندما وفرت نتائجها إمكانية إحكام القبضة على الإنسان، وبذلك سهلت عمل السلطة لتتحكم في الرقاب.


العقل التواصلي – كحلّ آخر للخروج من فلسفة الذات - لا يهدف إلى إنتاج معرفة علمية عن الموضوع أو عن الذات، بل هدفه هو إقامة أرضية صالحة للتفاهم بين الذوات وإخراجها من عزلتها. هدف العقل التواصلي هو إقامة الجسور القادرة على الربط بين الأنا والآخر، والبحث عن الوسائل الممكنة لتحقيق هذه المهمة. وذلك بإنشاء وتقوية فضاء المتخيل عند الإنسان، هذا المتخيل الذي تتأسس عليه العلاقات الاجتماعية أو هو الذي يجعل العلاقات الاجتماعية ممكنة بين فرد وآخر.


ولهذا يعود هابرماس إلى مرجعية أخرى في الثقافة الغربية تجد في هيجل Heggel منبعها الرئيسي، لأن هيجل هو الذي حاول إقامة التواصل بين الأنا والآخر بواسطة الجدل. فالذات القابعة في عمق النسق يمكن أن تتحول – بفضل المنهج الجدلي- إلى نقيضها أي إلى الموضوع، وبذلك تتمكن من تحقيق حريتها. إلا أن هيجل عندما أوقف حركية الجدل، انغلق النسق من جديد؛ وهذا ما انتبه إليه ماركس Marx فيما بعد حينما اعتبر الجدل الهيجلي مقلوباً يسير على رأسه بدل رجليه.


إذ يرى ماركس أن الأفراد قادرون على التحول إلى كائنات تواصلية بواسطة العمل، ومن ثم يتحول الإنسان من ماهية إلى ممارسة، ويتحول العقل إلى تاريخ. هكذا نفهم لماذا كانت المادية تجد لنفسها مأوى في الجدل، لأن الجدل هو القادر على تحرير الذات من النسق بتحويلها إلى نقيضها. وهذا ما يفسر لنا أيضا لماذا يقف أصحاب الخطاب البديل للحداثة عند نيتشه ولا يعودون إلى هيجل، رغم أننا نعثر عنده على نظرية السلطة والسيادة في "جدل العبد والسيد".


كما أننا نفهم أيضا لماذا لا يعودون إلى كانط بصدد نقدهم للعقل، لأن كانط هو أول من انتقد العقل الخالص. لقد حاول كانط أن يضع حدوداً للعقل لا ينبغي له أن يتجاوزها، وكان ذلك يعني وضع حدود لفلسفة الأنوار التي اندفعت بشكل متهور إلى استخدام العقل في جميع المجالات بدون تمييز بين الإيمان والعلم. لم يعد هؤلاء إلى كانط، لأن هذا الأخير قدم نقداً للعقل بواسطة مفاهيم عقلية أي أنه كان واقفاً على أرضية العقل وليس على أرضية اللاعقل.


أمام دعاوي موت الإنسان، وانتهاء الفلسفة، وتفكيك العقل، والانتصار للاعقل، يلاحظ هابرماس، بنوع من الهدود أنه "في العشر سنوات الأخيرة، أصبح النقد الراديكالي للعقل موضة". هذه الموضة نفسها طالت حتى هوامش الحداثة، وخاصة في الآداب؛ حيث ساد التأثر بكتابات ديريدا المستندة على البنيوية واللسانيات. وبذلك دخلنا في علاقة وحيدة الجانب مع الحداثة، نستقبل ما هو جديد وفاتن ومغرٍ!




C:\M.A.JABRI\Revue\Parus 21-40 – الحداثة








هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)