عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
160

المشاهدات
48984
 
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6


ناريمان الشريف will become famous soon enoughناريمان الشريف will become famous soon enough

    غير موجود

المشاركات
25,777

+التقييم
4.64

تاريخ التسجيل
Feb 2009

الاقامة

رقم العضوية
6405
09-17-2010, 10:05 AM
المشاركة 1
09-17-2010, 10:05 AM
المشاركة 1
افتراضي من روائع بدر شاكر السياب
من روائع هذا الشاعر ( سندباد العراق )
هذه القصيدة .. بعنوان ( حفار القبور )

( 1 )



ضوء الأصيل يغيم كالحلم الكئيب على القبور
واهٍ كما ابتسم اليتامى أو كما بهتت شموع
في غيهب الذكرى يهوم ظلهن على دموع
والمدرج النائي تهب عليه أسراب الطيور
كالعاصفات السود كالأشباح في بيت قديم
برزت لترعب ساكنيه
من غلرفة ظلماء فيه
وتثاءب الطلل البعيد يحدق الليل البهيم
من بابه الأعمى ومن شباكه الخرب البليد
والجو يملؤه النعيب
فتردد الصحراء في يأس واعوال رتيب
أصداءه المتلاشيات
والريح تذروهن في سأم على التل البعيد
وكأن بعض الساحرات
مدت أصابعها العجاف الشاحنات الى السماء
تومي الى سرب من الغربان تلويه الرياح
في آخر الأفق المضاء
حتى تعال ثم فاض على مراقيه الفساح
فكأن ديدان القبور
فارت لتلتهم الفضاء وتشرب الضوء الغريق
وكأنما أزف النشور
فاستيقظ الموتى عطاشى يلهثون على الطريق
وتدفع السرب الثقيل
يطفو ويرسب في الأصيل
لجبا يرنق بالظلام على القبور الباليات
وظلاله السوداء تزحف كالليالي الموحشات
بين الجنادل والصخور
وعلى القبور
وتنفس الضوء الضئيل
بعد اختناق بالطيوف الراعبات وبالجثام
ثم ارتخت تلك الظلال السود وانجاب الظلام
فانجاب عن ظل طويل
يلقيه حفار القبور
كفان جامدتان أبرد من جباه الخاملين
وكأن حولهما هواء كان في بعض اللحود
في مقلة جوفاء خاوية يهوم في ركود
كفان قاسيتان جائعتان كالذئب السجين
وفم كشق في جدار
مستوحد بين الصخور الصم من أنقاض دار
عند المساء ومقلتان تحدقان بلا بريق
وبلا دموع في الفضاء
هو ذا المساء
يدنو وأشباح النجوم تكاد تبدو والطريق
خال فلا نعش يلوح على مداه ولا عويل
الا النعيب
وتنهد الريح الطويل
وعلام تنعب هذه الغربان والكون الرحيب
باق يدور يعج بالأحياء مرضى جائعين
بيض الشعور كأعظم الأموات لكن خالدين
لا يهلكون علام تنعب ان عزرائيل مات
وغدا أموت غدا أموت
وهز حفار القبور
يمناه في وجه السماء وصاح رب أما تثور
فتبيد نسل العار تحرق بالرجوم المهلكات
أحفاد عاد باعة الدم والخطايا والدموع
يا رب ما دام الفناء
هو غاية الأحياء فأمر يهلكوا هذا المساء
سأموت من ظماء وجوع
ان لم يمت هذا المساء الى غد بعض الأيام
فابعث به قبل ااالظلام
يا رب أسبوع طويل مر كالعام الطويل
والقبر خاو يفغر الفم في انتظار في انتظار
ما زلت أحفره ويطمره الغبار
تتثاءب الظلماء فيه ويرشح القاع البليل
مما تعصر أعين الموتى وتنضحه الجلود
تلك الجلود الشاحبات
وذلك اللحم النثير حتى الشفاءه يمص من دمها الثرى
حتى النهود تذوي ويقطر في ارتخاء من مراضعها المغير
واها لهاتيك النواهد والمآقي والشفاه
واها لأجساد الحسان
أيأكل الليل الرهيب
والدود منها ما تمناه الهوى
واخيبتاهكم جثة بيضاء لم تفتضها شفتا حبيب
هل كان عدلا أن أحن إلى السراب
و لا أنال إلا الحنين و ألف أنثى تحت أقدامي تنام أف
كلما اتقدت رغاب في الجوانح شح مال
ما زلت أسمع بالحروب فأين أين هي الحروب أين السنابك و القذابف و الضحايا في الدروب
لأظل أدفنها فلا تسع الصحارى
فأدس في قمم التلال عظامهن و في الكهوف
فكأن قعقهة المنازل في اللظى نقر الدفوف
أو وقع أقدام العذارى
يرقص حولي لا عبات بالصنوج و بالسيوف
نبئت عن حرب تدور لعل عزرائيل فيها
في الليل يكدح و النهار فلن يمر على قرانا
أو بالمدينة و هي توشك أن تضيق بساكنيها
نبئت أن القاصفات هناك ما تركت مكانا
إلا وحل به الدمار فأي سوق للقبور
حتى كأن الأرض من ذهب يضاحك حافريها
حتى كأن معاصر الدم دافقات بالخمور
أواه لو أني هناك أسد باللحم النثير
جوع القبور و جوع نفسي في بلاد ليس فيها
إلا أرامل أو عذارى غاب عنهن الرجال
وافتضهن الفاتحون إلى الذماء كما يقال
مازلت أسمع بالحروب فما لأعين موقديها
لا تستقر على قرانا
ليت عيني تلتقيها و تخضهن إلى القرار
و كالنيازك و الرعود تهوي بهن على النخيل
على الرجال على المهود حتى تحدق أعين الموتى كآلاف اللآلي
من كل شبر في المدينه ثم تنظم كالعقود
في هذه الأرض الخراب فيا لأعينها و يالي
رباه إني أقشعر أكاد أسمع في الخيال
أغنية تصف العيون
تنثال من مقهى فأنصت في الزحام و ينصتون
و كأن ما بيني و بين الآخرين من الهواء
ثدي سخي بالحليب و بالمحبة و الأخاء
يا رب أسبوع يمر و لست أسمع من غناء
إلا النعيب
و تنهد الريح الرتيب
واخيبتاه ألن أعيش بغير موت الآخرين
و الطيبات من الرغيف إلى النساء إلى البنين
هي منة الموتى علي
فكيف أشفق بالأنام
فلتمطرنهم القذائف بالحديد و بالضرام
و بما تشاء من انتقام

من حميات أو جذام
نذر علي لئن تشب لازرعن من الورود
ألفا تروى بالدماء و سوف أرصف بالنقود
هذا المزار وسوف أركض في الهجير بلا حذاء
و أعد أحذية الجنود
و أخط في وحل الرصيف وقد تلطخ وقد تلطخ بالدماء
أعدادهن لأستبيح عدادهن من النهود
و سأدفن الطفل الرمي و أطرح الأم الحزينة
بين الصخور على ثراه
و لسوف أغرز بين ثدييها أصابعي اللعينة
و يكاد يحنقها لهاثي و هي تسمع في لظاه
قلبي ووسوسة النقود نقودها و اخجلتاه
أنا لست أحقر من سواي و إن قسوت فلي شفيع
أني كوحش في الفلاء
لم أقرأ الكتب الضخام و شافعي ظمأ و جوع
أو ما ترى المتحضرين
المزدهين من الحديد بما يطير و ما يذيع
مهما ادنأت فلن أسف كما أسفوا لي شفيع
أني نويت و يفعلون و إن من يئد البنين
و الأمهات و يستحل دم الشيوخ العاجزين
لأحط من زان انتهك الغزاة و ما استباحوا
و القاتلون هم الجناه و ليس حفار القبور
و هم الذين يلونون لي البغايا بالخمور
و هم المجاعة و الحرائق و المذابح و النواح
و هم الذين سيتركون أبي وعمته الضريره
بين الخرائب ينبشان ركامهن عن العظام
أو يفحصان عن الجذور و يلهثان من الأورام
و الصخر كالمقل الضريرة
و سيوثقون بشعر أختي قبضتي و كالظلام
و كخضة الحمى تسمرها على دمها صدور
تعلو و تهبط باللهاث كأنهن رحى تدور
يا مجرمون إلى الوراء فسوف تنتفض القبور و تقيء موتاها
و يا موتي على اسم الله ثورا
رباه عفوك إن قابيل المكبل بالحديد في نفسي الظلماء هب
وقر يعصره الملال
فالليل جاء و ما أزال
مستوحدا أرعى القبور و أنفض الدرب البعيد
و كأن يا بشرى كأن هناك في أقصى الجنوب
خطا كأذيال الظلام و لمعة كدم الغروب
لكأنه ضيف جديد
و بدا الجناز و راح يشهق و هو يدنو في ارتخاء
الأوجه المتحجرات يضيئها الشفق الكئيب
و الغمغمات الخافتات من انفعال أو رياء
و النعش يحجبه غطاء
ألوانه المترنحات كأنما اعتصر المغيب فيها قواه
و ذاب فيها كوكب واهي الضياء
حتى إذا انهال التراب و صفح القبر الجديد
و تراعش الألق الضئيل على الظهور المتعبات
حتى اضمحل و غيبتها ظلمة الأفق البعيد
كانت مصابيح السماء
تذر ضوءا كالضباب
بين القبور الموحشات
و على الخرائب و الرمال و كان حفار القبور
متعثر الخطوات يأخذ دربه تحت الظلام
يرعى مصابيح المدينه و هي تخفق في اكتئاب
وز يظل يحلم بالنساء العاريات و بالخمور
و تحسست يده النقود و هيأ الفم لابتسام
حتى تلاشى في الظلام




... يتبع باقي القصيدة