عرض مشاركة واحدة
قديم 05-17-2016, 11:36 PM
المشاركة 4
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ذات ليلة شتوية باردة في أواخر شهر دجنر 1972 ازدان منزل الحاج موسى بمولود جديد اختير له من الأسماء نورالدين ، جدّي يومئذ يؤدي مناسك الحج بالديار المقدسة ، جدّتي تستعد رفقة ولديها محمد وعبد الله و زوجتيهما فاطمة و خديجة لإعلان الأفراح عند العودة المكلّلة بالحجّ المبرور والسعي المشكور، كانت الفرحة فرحتان مولود جديد و زيارة لأطهر بقاع الأرض ، كان والدي يومها في الثانية والثلاثين من عمره و أمي في الرابعة والعشرين و قد استكملا عشر سنوات من الزواج لم يغنما فيها غير بنت تكبرني بسنتين و سبعة أشهر بعد أن حصد الموت ثلاثة من إخوتي الذكور تباعا ، على أيّ حال كنت المولود الذكر الثاني من أحفاد جدي الأحياء ، ولده عبد الله له بنت أيضا تكبرني بتسعة أشهر و الموت أخذ منه ولده البكر ، هو الموت كان مصاحبا لهذه العائلة يفترس أفرادها بنهم شديد في تلك الآونة ، عمي عمر الحافظ للقرآن الكريم والذي يغترف علوم الفقه من مدرسة عتيقة وافته المنية في شبابه ، عمتي اختطفها الموت في بيت زوجها في ريعان شبابها بعد أن ولدت صبيا يكبرني و صبية في مثل سني.
وجدت قصبة الأجداد التي كانت تسكنها عائلة إدموسى كاملة منذ أيام السيبة في القرن التاسع عشر في آخر أيامها بعد أن غادرها قاطنوها و سكنوا بيوتا متفرقة على أطراف القرية و تمزقت العائلة الكبرى و ذهب كل إلى حال سبيله إيذانا ببدء زمن آخر، زمن تتخلله بذور التشرذم و التقوقع .
أبي قروي في طباع مدني أو مدني في طباع قروي ، غادر القرية منذ أن بلغ الرابعة عشر من عمره واستوطن مراكش ، المدينة الحمراء ، الفائحة بعبق التاريخ ، تبتعد عن موطني بمئتي كيلومتر تقريبا جهة الشمال ، لاشك كنت مدلّلا في المنزل كما عمّي الأصغر عبد السلام الذي يكبرني بعشر سنوات و يتابع دراسته في السلك الابتدائي ، ربما كنت قريبا إلى قلوبهم جميعا على ما يبدو، فالذكر الأول في البيت من الأحفاد تكون له حظوة كبيرة ، كما آخر العنقود من الأبناء .عودة إلى أبي الذي استهل سنوات زواجه الأولى بقّالا في مراكش ، والدتي تتنقل بين القرية و مراكش مرة تسكن هناك ومرة تعود عند جدّي في القرية ، مرض والدي ذات مرة فغادر إلى القرية بصفة قطعيّة و اختار أن يكون قرويا ليشتغل بسيارته في النقل السري متنقلا بين الأسواق والمداشر ، لكن الأمور لم تجر وفق المشتهى ، فقرر الاشتغال في الفلاحة .
والدتي فاطمة بكر جدّي محمد فقيه إمام ، ما ذكره شخص إلاّ رفع قدره إلى علياء السماء ، لم تتح لي فرصة ملء عينيّ من وقاره و حسن طلعته ، وإن كان هو استبشر بمولدي و رقاني بلسانه الطاهر وحملني بين يديه و أنا أشاغب لحيته . تقول أمي :" عندما أصبت بذلك المرض العضال وبتّ في رحاب الهبل كان جدك يأتيني فيقرأ و يقرأ عسى الله يخفّف مصابي " سألتها : ماالذي جعلك تسقطين في براثين المرض يا أماه؟ ردّت :" الظروف كانت قاسية و كنت برعمة طرية , أولادي يموتون تباعا ". مات جدي وانضم إلى القافلة التي اجتاحها الموت و لم يتسن لي رؤية وجهه الباسم .