عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2014, 06:48 PM
المشاركة 16
د. زياد الحكيم
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


في ما يلي مقالة لي عن انطون تشخوف لعلها تلقي مزيدا من الضوء على ادبه :

تأثر به جورج برنارد شو وجيمس جويس وكاثرين مانسفيلد وفرجينيا وولف وارنست همنغواي وكثيرون اخرون. وكتب سمرست موم في سيرته الذاتية يقول انه شاع في العشرينيات من القرن العشرين ان على كل من يريد ان يكتب قصصا قصيرة ان يقلد انطون تشيخوف. ولا يزال القراء يقبلون على قراءة اعمال تشيخوف اقبالا واسعا. ولا تزال مسرحياته تعرض في بلاد كثيرة. وترجمت اعماله الى لغات لا عد لها.

وعلى الرغم من ان تشيخوف كان واسع الشهرة في روسيا عند وفاته فان شهرته لم تنتشر في العالم الا بعد الحرب العالمية الاولى عندما ترجمت اعماله الى اللغة الانكليزية وغيرها من اللغات. ووجد النقاد ظاهرة غريبة في اعماله وهي ان هذه الاعمال توحي بمواقف وافكار ايحاء قويا دون ان تنص عليها بكلمات. وقالوا ان ما لا يقال في اعمال تشيخوف اهم بكثير غالبا مما يقال. وواجه النقاد عنتا في تحليل هذه الظاهرة وواجه الكتاب تحديات كبيرة في محاولة تقليد اسلوب تشيخوف. ولم تفلح السينما في نقل افكاره في الافلام السوفياتية وغير السوفياتية التي اقتبست قصصه ومسرحياته.

ولد تشيخوف (1860-1904) في بلدة تاغانروغ في جنوب روسيا، وكان جده من الاقنان الذين اشتروا حريتهم بانفسهم، وكان ابوه يعمل بقالا، وكانت امه ابنة تاجر ميسور الحال. التحق بمدرسة يونانية بتوجيه من ابيه فقد كان ثمة جالية يونانية كبيرة في المنطقة. ولا نعرف الكثير عن مطالعاته وتنوعها في سنوات حياته الاولى، ولكن رسائله التي في حوزتنا منذ سن السادسة عشرة تشير الى انه كان يطالع بشكل واسع، وانه كان يتمتع بشعبية واسعة بين زملائه في المدرسة الذين كانوا يحبون الاستماع الى قصصه الهزلية. واحب تشيخوف المسرح وتمكن من حضور العديد من العروض بالرغم من طلاب المرحلة الثانوية في ذلك الحين كانوا يمنعون من الذهاب الى المسرح. وكان يخرج عروضا مسرحية في البيت بمساعدة اخوته.

في عام 1876 افلست تجارة ابيه فانتقلت الاسرة الى موسكو بحثا عن حياة جديدة، ولكن كاتبنا ظل في تاغانروغ حيث تعين عليه ان يكسب رزقه بنفسه وان يساعد الاسرة وان يواصل تعليمه. في بادئ الامر راح يكتب مقالات صغيرة للصحف والمجلات المحلية كسبا للمال مع مواصلة تعليمه باجتهاد كبير في كلية الطب. وقال في ما بعد: "لا ريب في ان دراستي للطب كان لها اثر كبير في انشطتي الادبية." وعندما تسلم شهادته عام 1884 كان قد حقق شهرة ككاتب في المجلات الهزلية كمجلة سبوتنيك، وكانت اولى قصصه الهزلية بعنوان "رسالة الى جار متعلم" 1880. وفي عام 1882 بدأ يكتب في افضل المجلات الهزلية. ونشر عام 1884 على نفقته الخاصة مجموعة من ست قصص هزلية تحت عنوان "حكايا ملبومين الخيالية" تحت اسم مستعار هو انتوشا تشيخونتي، وهو الاسم الذي ظهرت تحته جميع الاعمال التي نشرها حتى ذلك الحين. ولم يلتفت النقاد الى تلك المجموعة. ولكن مجموعته الثانية "قصص موتلي" كانت حدثا ادبيا مهما مما حدا بسوفيرين محرر صحيفة "العصر الجديد" اليومية الكبيرة الى ان يطلب من تشيخوف ان يسهم في تحرير الصحيفة. واصبح المحرر سوفيرين وتشيخوف صديقين حميمين. وتشكل رسائل تشخوف الى صديقه جزءا مهما من مجمل رسائله.

اصيب كاتبنا بالسل الرئوي عام 1885، ولكنه واصل الكتابة والنشر حتى آخر حياته. ثم تدهورت صحته، واصيب بحالات مرضية من الكآبة، واضطر الى الاكثار من زيارة المنتجعات الصحية في يالطا. وشارك في الانشطة السياسية ولازال يعتقد ان تشيخوف وتولستوي وغوركي هم المفكرون الليبراليون العظام الثلاثة الذين قاوموا النظام الرجعي للقيصر. وعندما فصلت اكاديمية العلوم التي تسيطر عليها الدولة غوركي من عضويتها قدم تشيخوف استقالته من الاكاديمية احتجاجا على ذلك.

في عام 1901 تزوج تشيخوف من اولغا نيبر احدى ممثلات مسرح موسكو للفن. وكان زواجا سعيدا مع ان الزوجين عاشا بعيدين احدهما عن الاخر معظم الوقت، اذ كان على اولغا ان تقيم في موسكو لمتابعة عملها في المسرح، وكان على تشيخوف ان يقضي وقته في يالطا بسبب مرضه. وفي يوليو 1904 توفي الكاتب في احد المنتجعات في المانيا، ودفن في موسكو.

الف تشيخوف في السنوات العشر الاخيرة من حياته روائعه الدرامية الاربع: "النورس" و"الخال فانيا" و"الاخوات الثلاث" و"بستان الكرز". وعرضت مسرحية "النورس" على مسرح بطرسبورغ عام 1896، وسميت خطأ بمسرحية كوميدية. ومع ان واحدة من امهر الممثلات الروسيات قامت بالدور الرئيسي في المسرحية الا ان المسرحية فشلت، وخرج تشيخوف من المسرح مستاء من موقف الجمهور. وقرر ان لا يكتب للمسرح مرة اخرى. ولكن بعد مرور سنتين على ذلك قدم المخرج الروسي الشهير كونستانتين ستانيسلافسكي عرضا للمسرحية على مسرح موسكو للفن، وحققت المسرحية نجاحا باهرا ساعد في اعادة الاحترام لتشيخوف ككاتب مسرحي.

في "الاخوات الثلاث" يتحدث تشيخوف عن حياة بلا هدف، حياة مملة راكدة لاشخاص غزت عقولهم جرثومة الاحساس بتفاهة كل شيء. وهو يرينا ان هذه الجرثومة الخطرة تشق طريقها الى قلوب الناس فتقضي على احلامهم وتفسد حياتهم. تعيش الاخوات الثلاث على امل واحد وهو ان يتمكـن من العودة الى موسكو للاقامة في بيت الاسرة هناك. وتمثل موسكو لهم الحياة كما يجب ان تعاش، الحياة الطيبة الممتعة الكريمة.

هذه اولغا احدى الاخوات الثلاث ترثي للوضع الذي آلت اليه وتعبر عن املها:

"اني مصابة بصداع دائم لاني اذهب الى المدرسة كل يوم واعطي دروسا حتى المساء. ونتيجة لذلك غدت افكاري مثل افكار امرأة عجوز. حقا اشعر طيلة السنوات الاربع الماضية التي درست فيها بان قوتي ونضارتي تفارقاني كل يوم قطرة بعد قطرة. ولكن هناك حلما واحدا ينمو ويقوى كل يوم."

فترد عليها اختها ايرينا قائلة:

"ان نعود الى موسكو، ان نبيع البيت هنا ونقطع علاقتنا بكل شيء هنا، وان نعود الى موسكو. ان حياتنا نحن الاخوات الثلاث كئيبة وقاسية. انها تخنقنا كما تخنق الاعشاب المتطفلة غيرها من النباتات. اني ابكي ويجب ان لا ابكي. يجب ان نعمل. اننا نعاني من الضجر ونظرتنا الى الحياة قاتمة."

واستمع الى اندريه شقيق الاخوات الثلاث الذي فقد القدرة على الاخذ بزمام المبادرة ، فلا يعرف ما يجب ان يفعله، ولا يعرف كيف يوقف عملية الهدم التي يشعر بها في داخله. انه لم يعد قادرا على اتخاذ اي قرارات، ولا هو على يقين من شعوره نحو زوجته. انه يهتف احتجاجا:

"انا امين سر مجلس المقاطعة. انا امين سر، واقصى ما يمكن ان اطمح اليه هو ان اغدو عضوا في مجلس المقاطعة – انا الذي احلم في كل ليلة ان اغدو استاذا في جامعة موسكو، عالما مشهورا تفخر به روسيا كلها."

اما مسرحيات تشيخوف ذات الفصل الواحد كمسرحيتي "الدب" و"الخطوبة" فهي تصور مواقف درامية تقضي فيها الحماقات الانسانية على جدية المناسبات الاجتماعية. ونجد في هذه المسرحيات القصيرة ان الحوار والاهتمام بتصوير الشخصيات يطغيان على الحدث.

كان الشعر والرواية هما النمطين الادبيين السائدين في روسيا عندما بدأ تشيخوف يكتب القصة القصيرة والمسرحية. ولذلك يعتبر تشيخوف رائدا في كتابة القصة القصيرة والمسرحية في الادب الروسي. ومع تقدم تشخوف في فنه القصصي لم يعد الهزل اطارا للموقف من الحياة في قصصه كما كان الامر في المراحل الاولى. واصبح الهزل دليلا على قدرة الانسان الفذة على تحمل اعباء الحياة وهمومها. وركز تشيخوف في القصص التي ألفها في السنوات الاخيرة من حياته على تصوير الوحدة والانعزال والخوف من الحياة كما في "قضية صعبة" وعلى تصوير الحزن الذي يسببه عدم اغتنام الفرصة عندما تطرق السعادة على الابواب كما في قصة "فيما يتصل بالحب". ويكشف تشيخوف عن النتائج المترتبة على حب المال. ففي قصة "تاريخ قضية" تحاول الطبقة الارستقراطية عزل نفسها عن الطبقات العمالية والفلاحية. وفي قصة "الفلاحون" يأخذنا الكاتب الى الارياف، وهنا تبزر المادية والجشع كاسلحة يستخدمها الاقوياء ضد المستضعفين.

تتميز الشخصيات في هذه القصص عموما بالتقلب والانانية، وتعيش حياة يغلب عليها القنوط والاستغراق في التأمل في الذات، ويسود فيها الاحساس بالتفاهة، ويصعب فيها التواصل والتفاهم، ذلك ان كل شخصية منشغلة بهمومها ومنكفئة على ذاتها. وبالرغم من ان تشيخوف كان ميالا الى التشاؤم فقد كان مع ذلك مؤمنا بامكانية تحقيق تقدم، وكان يشفق على شخصياته اليائسة فاوجد فيها بالرغم من كآبتها شوقا الى حياة افضل.


zedhakim@yahoo.co.uk