عرض مشاركة واحدة
قديم 02-25-2011, 12:13 AM
المشاركة 9
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي





أما المرحلة الثانية من شعره فتعكس معاناته الإنسانية أمام الحرب والظلم والديكتاتورية، وأمام مشاهد الجثث المعلقة على أعمدة التلغراف في الشوارع، وآثار التدمير والخراب، وأمام السجون والتعذيب والقتل بالجملة، حيث خرج الشاعر عن محيطه الضيق في صقلية خاصة وإيطاليا عامة، ليرتبط بالإنسان حيثما كان، تُجاه الظلم والحرب والمآسي.


يقول في قصيدته - ميلانو عام 1943:


لقد ماتتِ المدينةُ

وسمع آخرُ دويٍ في قلبِ نهرِ نافيليو

وسقط الحسونُ عن السلكِ الهوائي المرتفعِ فوقَ الديرِ

حيث كان يغرد قبلَ الغروبِ

لا تحفروا آباراً في أفنيةِ البيوتِ

فلم يعدِ الأحياءُ يعطشونْ

ولا تلمسوا الموتى الذين احمرت جسومهم وانتفخت

دعوهم في أرضِ بيوتهم:

فلقد ماتت المدينةُ. ماتت.


ويسخر من إنسان زمانه الذي سخّر علمه للإبادة دون حب، أو دون مسيح، ويشبهه بإنسان الحجر والمقلاع في العصور البدائية الأولى:


ما تزال إنسانَ الحجرِ والمقلاعِ

يا إنسانَ زماني.. لقد كنتَ في الطائرة

ذاتِ الأجنحةِ الشريرةِ، معاول الموت

- لقد رأيتك - داخل العربةِ الناريةِ مع الحرابِ

وعند عجلاتِ التعذيبِ. لقد رأيتك: كنتَ أنتَ

بعلمكَ الدقيقِ المسخرِ للإبادةِ

دون حبٍ، ودون مسيحٍ


ثم يصوّر الخراب والدمار اللذين خلفهما الإنسان المعاصر في المدن التي استحالت أنقاضاً، ولم يعد هناك من يصرخ (يا إلهي لماذا تركتني):


لقد انتهيتم من قرعِ الطبول

للموتِ الذي ينتشر في جميعِ الآفاقِ

خلفَ النعوشِ المتراصةِ تحت الأعلامِ

وفرغتم من نشرِ الجراحِ والدموعِ المتظاهرةِ بالرحمةِ

في المدن التي أصبحت دماراً وخرائبَ

ولم يعدْ ثمة من يصرخ قائلاً: «يا إلهي

لماذا تركتني؟ ولم يعدْ يجري حليبٌ ولا دمٌ

من الصدورِ الطعينة.. والآن

وقد أخفيتم المدافعَ بين أشجار المنوليا

دعونا نعشْ يوماً واحداً دون سلاحٍ، على العشبِ

ونصغي إلى خريرِ الماءِ الجاري...

فلا يتعالى في مطلع الليلِ

نذيرٌ بإطفاءِ الأنوار. أعطونا يوماً واحداً

يوماً واحداً فقط، يا سادةَ الأرضِ

قبل أن يعودَ فيمتزجَ الهواءُ والحديدُ

فتحرق جبيننا إحدى الشظايا الملتهبة




هكذا يدعو كوازيمودو شعوب الأرض إلى السلام، ويظهر نفوره وتبرمه واشمئزازه من إنسان زمانه، الذي داس القيم الرفيعة في الحياة، وتحول إلى محارب عنيد، لا هم له إلا الفتك والتدمير والإبادة.





هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)