عرض مشاركة واحدة
قديم 02-25-2011, 12:08 AM
المشاركة 8
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي





مختارات من الشعر الإيطالي المعاصر

إذا كان الدكتور حسن عثمان النافذة الواسعة التي أطل منها القراء العرب على أدب دانتي، من خلال ترجمته الجيدة للكوميديا الإلهية، فإن الدكتور عيسى الناعوري يعد بحق الكاتب العربي الثاني الذي سلك بعده المنهج نفسه؛ فتخصص في الأدب الإيطالي منذ عام 1960، وزار إيطاليا مراراً متعددة، وكتب في بعض صحفها، وتعرف بعدد كبير من أشهر أدبائها المعاصرين، وألقى محاضرات في بعض جامعاتها، واشترك في مؤتمرات عدة فيها، ونال منها وساماً رفيعاً وجائزة أدبية، وعضوية شرف في المركز الإيطالي العربي في روما، كما ترجم من الأدب الإيطالي كتاب(أطفال وعجائز) وهو مجموعة أقاصيص لعدد من المؤلفين الإيطاليين، ورواية "الفهد" لتومازي ديلامبيدوزا، ورواية (الرجال والرفض) لإيليو فيتوريني، بالإضافة إلى مئات القصائد لشعراء متعددين، وعشرات المحاضرات والمقالات والبحوث والقصص والموضوعات المختلفة في الأدب الإيطالي.



وها هو يتحفنا بباقة جميلة من أروع المختارات الشعرية التي ترجمها خلال سبعة عشر عاماً 1961- 1977 جمعها له الدكتور ألبرتو باديني، أستاذ اللغة الإيطالية في الجامعة الأردنية، والدكتور إنريكو جورداني، أستاذ اللغة الإيطالية في جامعة دمشق، ليعقدا الصلة بين القارئ العربي والشعر الإيطالي المعاصر؛ فقد جعل المترجم النص الإيطالي والنص العربي في صفحتين متقابلتين، ليكون بالإمكان التثبت من صحة الترجمة، وليتاح لمن لم يطلعوا على الأصل الإيطالي من قبل، أن يقرؤوه في مكانه الجديد.


ومن حسن الحظ أن الدكتور الناعوري كان يعرف القسم الأكبر من هؤلاء الشعراء الذين ترجم لهم، وقد ناقش شعرهم وحياتهم معهم مباشرة، وانعقدت بينه وبينهم صلات مودة ومراسلات، بعضهم مات، وبعضهم الآخر ما يزال على قيد الحياة. وبفضل صلته الشخصية بهم، استطاع أن يقتني مؤلفاتهم - وأغلبها هدايا- تلقّاها منهم، أو من ناشري كتبهم.




ومما يفخر به المترجم أن اثنين من هؤلاء الشعراء الذين يعتز بصداقتهم فازا بجائزة نوبل للآداب، وهما «سلفاتوره كوازيمودو» عام 1959، و«إيوجينو مونتالي» عام 1975، وكان العربي الوحيد الذي استطاع في هاتين المناسبتين أن يقدم الشاعرين العظيمين إلى القراء العرب في حياتهما وشعرهما.



على كل حال لم يكن الشعراء أونغاريتي، وأومبرتو سابا، ودييغو فاليري - ممن ترجم لهم في هذه المجموعة- دون زميليهم أهمية في الشعر الإيطالي المعاصر؛ بل لقد كان أونغاريتي في نظرالإيطاليين كلهم الشاعر العظيم والأجدر بالجائزة العالمية، لكنه مات من دون أن يفوز بها، مع أن اسمه ظل مرشحاً لها سنين عدة، ومثله أيضا أومبرتو سابا، ودييغو فاليري بشكل خاص.




كذلك قدم إلى جانب هذه الأسماء الكبيرة مجموعة أخرى من الشعراء الذين شاركوا مشاركة فعالة في الشعر الإيطالي المعاصر؛ فاستطاع بذلك أن يعطي صورة صادقة عن حركة هذا الشعر وأهدافه الإنسانية، وأساليبه الجديدة. ولكي لا يكون هؤلاء الشعراء مجهولين بالنسبة إلى القارئ العربي، فقد وضع مقدمة قصيرة لكل واحد منهم، تحدث فيها عن حياته وأبرز أعماله الشعرية والأدبية، وآراء النقاد فيه، كما زين الكتاب بلوحات عدة فنية رائعة لطائفة من الرسامين الإيطاليين، هي بمثابة استراحة قصيرة يقف عندها القارئ كلما انتهى من شاعر وبدأ بآخر.



يقع الكتاب في 303 صفحات من القطع الوسط، ويضم خمسة وعشرين شاعراً وشاعرة، هم بالإضافة إلى من ذكرت: إيلزا مورانته، سيرجيو سولمي، فيتوريو سيريني، نينو موتشيولي، إيرالدو ميشيا، تشيزاره بافيزه، لينا أنجوليتي، جوزيبي لونغو، إيليو أكروكا، بياجا مارنيتي، ألبينو بيرو، ألبريكو سالا، رفائيلي تشيكوني، ألفيتسيا فاللي، إنتسو فابياني، أنطونيو أوزناتو، رفائيلي كروفي، بيير باولو بازوليني، فنتشنتزو كارداريللي، ليوناردو سنيسغاللي.



وقد تفاوتت قصائد هؤلاء الشعراء في الغموض والوضوح، وترددت بين وصف حياة المدن الصاخبة، وحياة الفلاحين في الريف البسيط المتواضع، فمونتالي مثلاً كثير الغموض، وعبارته الشعرية - كما يقول المترجم- عبارة منوتالية صرف، وهو من أكبر شعراء الرمزية (الهرمتية) المغرقة في الغموض، فبالرغم من أنه يستهل قصيدته (نهر الفرات) استهلالاً عادياً واضحاً، إلا أنه لا يلبث أن يدخل في متاهات الرمزية، ويغوص في دهاليزها المعتمة ومنعطفاتها الوعرة:



رأيت نهرَ الفرات في الحلم

في جريانه البطيء مابين

منخفضاتٍ متآكلةٍ ووقفاتٍ عريضةٍ في فجوات

من الرمل مزدانةٍ بنسيجٍ من عناكبِ الشجر

تُرى ماذا رأيتَ أنتَ خلال ثلاثين سنة أو مئة..


أما شعر كوازيمودو فيعكس ارتباطه الوثيق بمسقط رأسه صقلية، ولا سيما بأبنائها الفقراء المحرومين المعرّضين للملاريا على ضفاف المستنقعات والأنهار:

لقد نسيت البحرَ والأصدافَ

وأغانيَ الرعاةِ الصقليين

وقرقعةَ العرباتِ على الطرق

التي يرتعش فيها الخرّوبُ في دخانِ القش

أواه لقد تعب الجنوبُ من حملِ الموتى


على جوانبِ مستنقعاتِ الملاريا

لقد تعب من الوحدةِ، ومن ثقلِ السلاسل.







هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)