الموضوع: أحلام التفاح
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
16

المشاهدات
4544
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
08-30-2014, 06:57 PM
المشاركة 1
08-30-2014, 06:57 PM
المشاركة 1
افتراضي أحلام التفاح
[tabletext="width:70%;"]

أحلام التفاح

بين أشجار التفاح يمشي مقوس الظهر بخطى مرعوبة متوكئا على عكاز يقيه السقوط ، فمه الأدرد إلا من نابين هرب عنهما لحاء الفك و تركهما عاريين يرتعشان كلما هم بقضم تفاحات في حجم حبات الكرز ، يضغط على الفاكهة فتفر يمينا أو يسارا من ضمة فكيه الواهنة سابحة في لعابه المنهمر ، يبتلع ريقه ولسانه يحول دون عبور التفاحة إلى عنقه مخافة أن تكتم أنفاسه أو توقظ سعالا يعنف كيانه ألما لكأنه يرغب في اقتلاع جذور الحياة من أحشائه ، رائحة قوية شهية عطرة تجذبه فيمد يده المترهل جلدها الطافح ببقع داكنة أتت على بياضه ، غزتها عروق منتفخة يشمئز من زرقتها ، يأخذ التفاحة ذات الحجم الضئيل و الحمرة الناصعة بين أنامله ، يقربها من أنفه منتشيا بأريجها الآسر فتهيج رغبته في ازدرادها ، لكن فمه يخونه ، فيزداد إصراره فيهوي عليها بكل ما أوتي من قوة فتتملص من جديد . هي بضع تفاحات لاغير جادت بها أشجار تنزع عنها رياح الخريف ثوب زينتها لتحنط أجسادها في مضجع الشتاء .
استسلم جالسا مادّا رجليه نافثا دماء ، متحسسا جروحا و انتفاخات تملأ فمه ألما ، تذكر نابيه فلم يجد لهما أثرا ، ملأت الحسرة جوفه و أحس بسكاكين العجز تفتك بهمته ، لأعوام خلت لم ينتبه هذا الكم العظيم من الحزن ، حتى عندما ماتت زوجته ذات السبعين ربيعا لا يزال يمني نفسه بتجديد حياته ، واعتماد سرير وثير يقيه برودة الليالي و طول الأيام ، خادمته رقية هي من تشجعه و ترسخ في عقيدته هذه القدرة على العيش في النعيم : * سيدي تزوج أختي ، فأنا و زوجي سنبقى دائما في خدمتك ، و نحافظ على أملاكك * كلما زارتها أختها أبدعت في تقريبها إلى نفسه العطشى ، فيتراءى له الحلم حقيقة ميسرة ، بل غنيمة بلا جهد . تأسره البنت بحيائها و رقتها ، يغمره حنانها أمنا و تمسح نضارتها عن عينيه غبشا كاد يسقطه في ظلمات اليأس ، أخيرا أصبح فارسا ذات ليلة ربيعية هادئة ، واستعاد عرشه المزين بالبهجة ، طوال الليل يحكي حكايات الشجاعة و يبني حدائق البسمة . في الصباح تسيدت الطفلة المنزل ، و ركبت على ظهر الشيخ تقتلع أسنانه بلجام القسوة ، تحبسه ، تجوعه ، تسوطه و أختها تتقمص دور الناصح و الساعي إلى إصلاح ذات البين ، حتى ريشتا أجنحته ، وقصمتا ظهره .
يقلب كيفيه الخاويتين ، و يمسح على جراحه بلسانه ، يودع تفاحه و أرضه ، يحاول استيعاب التهجير القسري ومسح الذاكرة ، تألم من حياته القاحلة التي لم تمنحه أبناء يحفظون تاريخه ويدافعون عن إرث الأجداد ، تأمل الأرض كيف تغرينا حتى تضمنا إليها ضما فتمتص أجسادنا وكأنها تقول هذا جزاء من أراد بي سوءا ، فكر في النهوض ، في القيام ، هبت ريح شرسة أسقطت عليه بقايا أحلام التفاح ، فانخرط في سعاله يقاوم بشدة رغبة الروح في التحرر .
[/tabletext]