الموضوع: *** أمنوفيس ...
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
6570
 
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


سحر الناجي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,001

+التقييم
0.37

تاريخ التسجيل
May 2009

الاقامة

رقم العضوية
6969
02-05-2011, 05:33 PM
المشاركة 1
02-05-2011, 05:33 PM
المشاركة 1
افتراضي *** أمنوفيس ...
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

* ومضة ..
مجرد حلم ..
وأمل في الفؤاد يتغلغل .. وطيف
يقفز من الأحداق الناعسة ..
معطرآ ذاك الطموح ..
وجرم ..
كأنما شموعه .. قد ذوت .. وتلاشت
في مهب الريح .. وأنفاس الهزيمة ..
عندها فقط ..
.. يكون السقوط ..
أو الفلاح ..

* أمنوفيس ..

** لا ينتبه من نومه إلا بقهقهة تمزق نسيج الصبح الذي تهلهلت خيوط الضوء فيه .. صوته المتساقط بالضحك يهوي مع قامته المتكورة وشروع أحداقه المحمرة دهشة ,
كان يتلمظ في اللاوعي عتمة دست إلى حواسه برأس يناوشه مسرة , فجأة .. يدلق ضحكات يلوكها الهوس .. وتكتنز يقظة يومه بتجعيدة فرح على محياه الناعس ..
ينحتها بهمهمات وزافرات متتالية , ثم يصحو على اندثار الدقائق التي كان يعج به إدراكه النائم وسط ضجيج حلمه العجيب ..
غالبآ هو هكذا , غافيآ في يقظته ويتسكع مع أطياف باهظة .. أرقآ ويأبى الشرود إلا أن يزج بوعيه في إغفاءات النوم .. فقط ترتسم بسمة على ثغره الذي يهذي بالفرح .. تتمدد وتندفع رويدآ حتى تتحول إلى صدحات يشوبها الرجاء ..
هاجسه دومآ يحلق في أفاق المجد , هاجسه ورزمة من الآمال .. وذاك الفأل حيث شواهق السعد يقبع على سفحها المصير .. هاجسه والفوز.. وخطوة ينحتها في قلب الضباب .. أدخنة المجهول الساخنة , لم تكن أمنية تلك ما تغويه .. لم تكن أوهام .. ولكن خاطر يلكز حواسه فيرجفها .. وقد يصحو أو لا يفعل على دغدغة النجاح .. لكنه اليوم يخنق ضحكاته .. يخفيها , وكأن الشؤم ما يناوش وعيه .. أو قهر يبدد اليقظة فلا يصحو إلا عابسآ ..
سار خالد بقدميه الناعستين إلى حيث أعدت له امرأته الطعام , فتناول منه لقيمات على عجل .. وبدل ملابسه ثم أسرع في المغادرة يطارد الحظ على طرقات المدينة , كان ثمة غلام يبيع المناديل الورقية على الطريق بمحاذاة الرصيف.. وإلى الجنوب من الشارع تجمع رجال قد علا صوتهم في حديث كان أقرب ما يكون من الجدل العقيم , وأمام أنظاره الشاردة عبرت امرأة مسنة تقطع الطريق في الوقت الذي تحرك هو منصاعآ للون الإشارة الأخضر , لأجل ذلك فرمل بشدة يلوث وجه الصباح بصرير حاد نجم عن وقفته المفاجئة , في حين وقفت المرأة العجوز تلوح له بقبضتها متوعدة إياه بالويل والثبور , فابتسم إليها شاحبآ وأشار إليها أن تمر بسلام .. ثم انطلق يشق غمار المجهول بفرملة جديدة ..
بعد حين من الدهر .. خرج من مركبته يحمل أوراقه المتنفسة بالمعجزة .. وحفنة من صور التقطها بمنظاره للقمر والشمس .. وكواكب مترامية بجوار الشمس , تأمل زحل بحلقاته المضيئة .. وحدق مليآ ب "تيتان " قمره الذي يتوارى خجلآ بجوار جميل الأفلاك , فامتلأت نفسه زهوآ وهو يخرج إلى حلمه ..ويسير في دهاليز مشرقة عبر ممرات المبنى الأنيق .. وعلى أعتاب الباب المنحوت بالزخارف توقف لبرهة يجدد قواه .. ثم اندلق إلى قلب الحجرة الفارهة حيث الرجل الغامض منكبآ على أوراق يوقعها برتابة ..
- ماهو إنجازك ؟
- أمنوفيس الثالث .. وصور خاصة بنجوم وأقمار ..وزحل
- أمنوفيس ؟
تساءل الرجل دون أن يرفع نظره إليه , فقد كان منشغلآ بالتوقيع ..
- أجل .. الفرعون الشمس .
- ولماذا أمنوفيس بالذات ؟
- لأنه الخرافة التي لونت التاريخ بالفخامة .. إنه إله وكوكب .. بل هو مجموعة من الأفلاك ..
قال يدافع عن فكرته .. بينما علق الرجل بامتعاض :
- ولكن أمنوفيس ...
توقف الرجل المهيب للحظات .. وتراجع إلى الوراء متفكرآ , ولأول مرة ينظر إلى خالد ساهمآ .. قال بعد قليل بفتور :
- ولكن التاريخ ملئ بنماذج أخرى .
- ليست كالفرعون الذي جاء بعد تحرير الأرض من " الهيكسوس "إنه مثل زحل .. فرعون فريد .. وكوكب عجيب ..
- لا أرى أن هذا يخدم المعالجة المعلن عنها .
- ولكن .. عصره الذهبي كان بداية الإمبراطورية الحديثة للسلالة الثامنة عشرة ..
أجاب بحماس .. فرمقه الرجل بنظرة باردة وعلق :
- يبدو أنك مهووس بالفرعون ..
- ولما لا .. فهو والد أخناتون الذي تبنى فكرة التوحيد الديني بعد الثورة الثقافية ..
والتقط أنفاسه وتابع :
- وهو أيضآ زوج تي- بي الملكة العظيمة التي دعمت تاريخ الفراعنة بالأعاجيب .
- حسنآ .. حسنآ .. سنرى..
قال الرجل يصرفه بإشارة من يده , فخرج يترك قلبه مع حفنة من الأوراق والصور على المكتب الرخامي , حيث كانت السحب تنقشع في قلب الظهيرة , فتكومت قطرات مالحة من العرق تندلق على جبينه ..
في انصرافه .. تذكر البداية .. منذ أشهر فقط , انسكب المداد على أوراقه يلهج بذكر الإمبراطور العظيم , لم ينس المرة الأولى التي صادفته بالإسطورة , كان القصر الكبير في "باريس " يزدحم بالوجوه ..ووجه أمنوفيس وحده كان يتربع على قمة المتحف ,, شاب فتي مستدير القسمات , أكحل العينين , صغير الأنف , وعلى شفتيه ابتسامة ساحرة , راح يتأمل التمثال بشغف والأجساد تتراكم من حوله .. والحدقات تتحطم , والجموع تهرول صوب الوجه الخرافي , بقي حينئذ أمام التمثال وقتآ طويلا .. وهو يمني نفسه بمكاسب مفعمة بروائح الخرافة .. تحدث إليه وهمس في أذنه ..كان يصنع من ذاته سفيرآ لأمنوفيس في زمن ضحلت فية روعة الأساطير .. كان يحمل معه قصة الفرعون وهو يبارح إلى قلب باريس .. فانقلبت حياته رأسآ على عقب ..
- أمنوفيس أسطورة قد ماتت وتعفنت في لحد التاريخ !
صاحت المرأة ملتاعة , فرمقها مليآ وقال :
- صحيح .. ولكنها ستصنعني ..
- ومتى يصنع الأموات أحياء ؟
- عندما تؤازرهم المعجزة ..
لملمت إمرأته حضورها من المكان ممتعضة , وانسابت إلى حجرتها .
سؤالها بقي منزويأ في وعيه .. في جزيئات يومه الحافل بالرتابة .. مرتسمآ على تحركات طفلته المشاكسة ..وفي صوت الشمس الغاربة بالأنين على المدى .. أجل سؤالها ..بقي معلقآ حتى في وجه جاره الأستاذ " حسونة " .. ومع القناديل الشاحبة فوق الأرصفة ..في سرمدية العتمة التي تظلل قلبه ولا تنجلي .. من تحت لحافه يأتيه أمنوفيس باشآ , لكنه يجلس صامتآ على غير عادته ..الفرعون يضاحكه بعد العبوس فيصحو مرة أخرى على قهقهة أخرى مزقت صمت الصباح الغافي على وجه المدينة
- لابد وأن في الأمر سرآ .. إنه لا يكلمنا ويتمادى في غروره ..
- وما السر وراء موظف معدم مثله ؟
- لا بد من سر .. لابد من سر ..!
همسات زملائه في العمل أشعلت بسمة واهنة على ثغره الجاف , أينعت تفاصيل الحلم في رأسه .. لذلك راح يرمقهم بنظرة ضبابية وهو يدلف إلى مكتبه متمتمآ :
- السر يأكله أمنوفيس ..
الحلم الليلة يأتيه مغايرآ , وأمنوفيس يطالعه بنظرة ملؤها الخوف متفوهآ بكلمات خاوية , لم يكن ضاحكآ , فقط ينظر إليه وينكس جمجمته , دون أن يفرح .. كان الذبول يكسو قسمات الفرعون .. وقد أزف الوقت ولم يبق على اللقاء المنتظر سوى ساعات قليلة..كان الحلم جاف من الأمل , فبدا أمنوفيس في منامه كالشبح ..
- تاريخك يافرعون بدأت تنهض روائحه.
- روائح قد لا تروقك ..والصباح ملئ بالروائح !
الساعي يبدو كعظام تتحرك أمامه .. رجل مهزوم في بقاع الشظف يمارس عمله كالآلة .. بينما هو يزحف به الوقت متسللآ إلى الساعة التاسعة والنصف .. الوقت متخم بالقلق المجنون .. بأنفاس قبيحة للترقب والظنون .
- متى يصل صاحبنا ؟
- هو على وشك الوصول ..
وحين يصل المسؤول يتوقف كل شئ , تأففه وتأملاته الشاردة .. حتى قلبه ظن أنه توقف عن الخفقان .
بعد قليل يخرج إليه أحد الرجال , ويطلب منه الدخول ..
- أمنوفيس أسطورة جيدة , ولكن ..
يغوص إحساسه بالتبلد .. فيهتف :
- ولكن ماذا ؟
- إنها لا تعالج المطلوب ..
- ولكن المعالجة تطلبت إنجاز تاريخي مدروس ..
- أجل .. إنجاز تخصصي معقول .
- وهل أمنوفيس .. نموذج غير معقول ؟
- هو كذلك .. ولا نجده مناسبآ
وقبل أن يغادر سأل الرجل بوهن :
- وماذا عن الصور.. ألا تصلح للمسابقة الفلكية ؟
- هي جيدة .. بل ممتازة.. لكنها بحاجة إلى مزيد من الحرفية .
ينسحق وهو يلوذ بالسواد .. الدنيا الآن تحتجب بالعذاب .. الدنيا وعثرات السقوط .. وإحباط يكفنه اليأس .. وروائح للهزيمة أوحى بها أمنوفيس .. روائح كهاجس يمسخ الأحلام ..كأسطورة تشوه كل الحكايات .. كانت قدماه تستعين بالصمود .. وحدقاته المكتظة بالعبرات لا ترى سوى السراب حتى زحل انفلت من بين يديه ولم يهديه الفوز .. فخرج هائمآ يرمي الأوراق والصور فوق بقاع المدينة
بقلم : سحر الناجي