الموضوع: الأدب الأرمني
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2010, 02:57 PM
المشاركة 5
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الأدب الأرمني

أنشودة السور العظيم

من سهول الشمال التي يستبيحها الزمهرير ، من جباله الملفعة بالجليد ، كانت قطعان المتوحشين الرحل ، الملتئمين بصهوات جيادهم الزوبعية الأعراق تحاصر منذ قرون طويلة ربوع الصين الزاهرة.
بحوافر خيلها تدوس المروج و الرياض و تنهب المدن و القرى العامرة ، ثم تؤوب محملة بالغنائم إلى سهولها التي يستبيحها الزمهرير ، إلى جبالها الملفعة بالجليد.
وطد إمبراطور الصين تسين شي هوانغ تنغ العزم على قطع دابر هذه الغزوات الغاشمة ، فأمر ببناء سور متين لا متناه يمتد بين البحر الأصفر و رمال صحراء غوبي الصفراء ..ليكون حاجزا منيعا ، و معقلا حصينا يصد غارات القبائل الشمالية الغادرة.
كان للإمبراطور المتجبر إرادة لا تنثني و طبع مكابر غطريس ، فهو ينتحل كنية ابن السماوات ، و يطمع في سريرته ان يكون ربا للأقوام البشرية بل ربا لقوى الطبيعة ذاتها حتى انع عاقب ذات يوم جبلا لم يعترض طريق الإعصار!
و كان لزاما على معماري البلاد و بنائيها ، تنفيذا لأمر الإمبراطور ، أن يشيدوا خلال أعوام عشرة جدارا لا نهاية له يشبه في ملامحه التنين .كان يراد لشعار الصين القومي -التنين-أن يرتسم فوق ذرا الجبال و بين أحضان الوهاد و البوادي.كان على الجدار أن يمتد و يتلوى مثلما التنين حين يتمطى .ليحتضن بالتواءاته كل ارجاء الصين بحيث لا يبقى شبر منها خارج أحضانه العملاقة.
شانغ -شينغ ، السور المنيع ، سوف يغدو إلى الأبد مبعث هلع و تطير جحافل المغول التي ستحطم جباهها إذا تجاسرت و أغارت على أضلاع التنين الحجرية .
أرسلوا كل عاشر من أبناء الصين لبناء السور بأمر الإمبراطور.
ثلاثة ملايين من البشر اتخذوا أماكنهم بحذاء موقع السور ، ثلاثة ملايين من البشر حملوا طوال عشر سنين مضنية ، و بلا انقطاع ، نير العمل القسري القاهر
و ظلت الصين كلها ، بأمر الإمبراطور ، طوال عشر سنين مضنية تمد البنائين بالطعام و بكل ما يلزم لإنشاء شينغ-شانغ العملاق .
و أمر الإمبراطور الرهيب البنائين ، مهددا بالعقاب الصارم بأن يرصوا حجارة السور رصا محكما، بحيث يتعذر إدخال إبرة بين حجرين.
و كم شنق من البنائين على شواهق الصخور حين خيل إلى مشرفي الإمبراطور أن الأمر الصارم لا ينفذ بدقة!
ثلاثة ملايين من الصبيان و الشبان و الكهول من أبناء القرى و المدن ، ظلوا يعملون بلا كلل من إطلالة الفجر و حتى وقت متأخر من الليل ، تحت لهيب الشمس المحرق و رياح السهول الشمالية التي يخترق زمهريرها العظام.
كانوا يشربون الماء العكر الممزوج بالرمل و يقتاتون بالرز الجاف ، و ينامون جياعا على حصران قذرة ، تكتم الكوابيس أنفاسهم .
يعملون تحت سياط المشرفين العتاة ، يحفرون الأخاديد العميقة ، ينقلون على ظهورهم الصخور الثقيلة ،و ينثنون من لذع السياط، منحنين ينوؤون بأحمال لا تطاق. و كم هلك من هؤلاء البائسين تحت لذع السياط التي لا تعرف الرحمة.
كانوا يهلكون مستنزفين معذبين بلا نهاية تحت الصخور المنهارة في مقالع الحجر، أو يسقطون من فوق الجدران فتتهشم جماجمهم على الصخور. و كانت جثث هذه الضحايا التي لا يحصى لها عدد ترمى في الخنادق و الأخاديد.
خمسمائة ألف تعيس دفنوا في أسس السور و أحشائه ، حتى كان من الإنصاف أن ينعت شانغ-شينغ بأنه أطول مقبرة في العالم.
كان الفارون يهلكون في الصحارى العقيمة المرة فتنهش رفاتهم البواشق الجائعة أبدا و تذرو رياح البراري الغاضبة عظامهم التعبة.
ثلاثة ملايين من الكادحين شيدوا شانغ-شينغ العملاق بمعاناتهم و دمائهم و عظامهم على تلال راسخة من الحجر . كان طول هذا التحصين زهاء ثلاثة آلاف كيلومتر و ارتفاعه اثني عشر مترا بجدران ثنائية و ثلاثية.و بما لا يحصى من البوابات و صفوف المزاليج الحديدية و بالكثير من الأبراج و الكوى و المزاغل.
ولو صفت الصخور و الآجر المرصوفة في شانغ-شينغ لطوقت الكرة الأرضية مرتين.
و هكذا تم بعهد الإمبراطور تسين شي هوانغ تنغ تجسيد شعار الراية الصينية-التنين- في سور ، و زحفت هذه الأفعى العملاقة اللامتناهية على ذرى الجبال الزرقاء و انزلقت في المضايق الجبلية المظلمة و امتدت جسرا على النهار الهادرة و السيول العرمة و اخترقت المستنقعات و قطعت متعرجة ملتوية الحقول المترامية الأطراف و اختفت متوارية في رمال صحراء غوبي.
خلال عشر سنوات من الضنى و العذاب و الآلام ، خلال هذا الدهر الكامل امتص التنين شانغ-شينغ ثروة الشعب الصيني التي لا تعد و لا تحصى و اعتصر قواه و طاقاته الروحية و البدنية.
من كان مكتوبا له ان يهلك ، هلك و دفن تحت ثقل الجدران الحجرية ، و من قدر له أن يحيا ،عاد إلى داره متعبا هرما ليجد البساتين قد جفت و الوجاقات قد انطفأت و أقفرت و اكتفى الجيران بإرشاده إلى قبور ذويه؟
كان قلب الشعب الصيني العظيم يتمزق و يقطر دما بسبب ما اقترفه التنين شانغ-شينغ الشرس من فظائع وحشية ، و أجهش هذا القلب في بكاء مرير ، فانهمر كل هذا الكمد الذي لا حدود له ، و كل غضب الشعب الكادح في " أنشودة السور العظيم"
"أول شهر من الربيع وادع مفعم بالطراوة
في أبواب الدور فوانيس حمر
أزواج الكثيرات عادوا ، و زوجي مازال
يكدح في شانغ-شينغ
الشهر الثاني ،حطت سنونوتان في سقفنا
سنونوتان تغفيان فوق شباكنا
لكن داري حزينة خاوية
الشهر الثالث، تشع أزهار الدراق و تلتمع
الصفصافات الخضر
ويوقد الجيران أعواد البخور فوق مواقد
الأجداد
هاهو الشهر الرابع ثم الخامس
عيد الورد و التوت ، موسم الرمان و الأجاص
الجيران يعملون في الحقول
و ليس لحقلي ، و يا للأسف من يحرثه!
مر الشهران السادس و السابع عبر الحزن
و النحيب
و هل الشهر الثامن ، يزهر اللوتس
و تعود الحمائم برسائل الأحباء مت الأصقاع
النائية
لكن المرأة الوحيدة لا رسالة لها من زوجها
البائس
الخائر القوى بعيدا عن دياره
لا يدري أحد في أي البراري و أي من
المستنقعات
في الشهر التاسع شد الحجاج رحالهم
و أهل القرية يجمعون الرز لتسديد عبء
الضرائب
و يأتي الشهران العاشر و الأول بعد العاشر
يحملان الزمهرير و الريح القارسة
و يلتمع ندى الثلج على أغصان الشجيرات
الذاوية
و يسقط الثلج بحزن ليغطي الدروب
هاهو ذا الشهر الثاني بعد العاشر
يتأهب الكل لاستقبال عيد العام الجديد
بينما تبكي الأرملة الثكلى
أرملة البناء الذي مات في شانغ-شينغ
تبكي بمرارة و تصعد آهاتها الآسية إلى السماء
و حتى الجدران العملاقة
تتنهد ، إذا ما سمعت تلك الآهات"
انقضى ثلالثة و عشرون قرنا على تلك الأيام المحزنة ، و الشعب الصيني الكادح يغني طوال هذه القرون بمرارة هذه الأغنية البريئة عن السور العظيم.
الراعي يعزفها في الجبال على ناي من القصب و الفلاحون يرددونها واقفين حتى الركبتين في مياه حقول الرز ، يترنم بها الحمالون و هم ينوؤون تحت أعبائهم الثقيلة و يغنيها العمال في قيظ المناجم و المصانع .
هذه الأنشودة انفصلت عن السور و تسامت عاليا لتغدو رمزا لعذاب الفقراء
أصبحت سبابا ساخطا يوجهه الثوار للظالمين و باتت مسيرة ظافرة للشعب الناهض.
طارت هذه الأنشودة فوق الأسوار لتغدو راية النضال التحرري ، الراية التي ترف في سماء الصين المترامية الأطراف
باريس 1935
افيتيك اساهاكيان
مجموعة " حكايات العم اوهان "
ترجمة " موفق الدليمي
"