عرض مشاركة واحدة
قديم 02-10-2011, 12:50 AM
المشاركة 9
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قولك:
(ولم يكن الخلط في المواقف النقدية سمة العقاد فحسب ...)
سنطالبك بالدليل من قوله و إلا فلا قيمةَ لِهذا الادعاء.
قولك:
(بل تعدى الأمر ذلك إلى إطلاق الكلام جزافاً وعدم التحري في الأحكام التي يطلقا؛ فالعقاد يتكلم في مقدمة ديوان شكري الثاني عن السامي والآري : " والساميون أقوام نشأوا في بلاد صاحية ضاحية ، وليس فيما حولهم ما يخيفهم ويذعرهم . فقويت حواسهم و ضعف خيالهم.ومن ثم كان الآريون أقدر في شعرهم على وصف سرائر النفوس. وكان الساميون أقدر على تشبيه ظواهر الأشياء ، وذلك لأن مرجع الأول إلى الإحساس الباطن ، ومرجع هذا إلى الحس الظاهر ".1
لم أجد تفسيراً لما يقصده بأن الآريين نشؤوا في أقطار طبيعتها هائلة ، وحيواناتها مخوفة ، ومناظرها فخمة رهيبة . و الساميين نشؤوا في بلاد صاحية ضاحية وليس فيما حولهم ما يخيفهم ويذعرهم . فلست أدري أأخْرَجَ العرب من زمرة الساميين أم اعتقدَ أنّ ما من حيوانات في الصحراء سوى الخيل و الجمل ؟ بل كيف يمكنه تفسير الرسوم والمنحوتات والنقوش السامية التي تكثر من تشخيص حيوانات كالأسد و الأفعى كدليل على قوة من تظهر معه؟ . وهل يدرك أن الحيوانات المستأنسة لم تكن كذلك في بادئ أمرها فكل الحيوانات كانت تثير الخوف إلى أن استأنس الساميون بعضها؟. )
أخي الكريم العقاد هو هرم الأدب و بحر الثقافة المتوسط بين الغرب و العرب بما اساله قلمه فقرب البعيد و فسر الغامض و قاد العصر ,
و كلامه له ثقله في ميزان الأدب شعره و نثره , و يا ليتك أيُّها الكريمُ
حين نقلت عنه ما نقلت ذكرت لنا لم سطر العقاد هذه الفكرة حتى يتبين القارئ الكريم معالم الحدث .
و إليكم سادتي , و سيداتي مناسبة المقالة من المجلد االخامس و العشرين من كتاب (مطالعات في الكتب و الحياة ) من مقالة عنوانها (الشعر و مزاياه) * ص 400:
(... قال لي بعض المتأدبين إنَّ شعر شكري مُشَرَّبٌ بالأسلوب الافرنجي
و لا أعلم ماذا يعني هؤلاء بقولهم الأسلوب الإفرنجي و الأسلوب العربي.
فإن المسألة على ما أعتقد ليست مسألة تباين في الأساليب و التراكيب و لكنها مسألة تفاوت في جوهر الطبائع , و اختلاف بين شعراء الافرنج و شعراء العرب في المزاج كاختلاف الأُمتينِ في الملامح و السَّحناء .
و أشبه بالحقيقة عندي أن نقسم الشعر إلي أسلوب آري و أسلوب سامي لأن هذا التقسيم أدل على جهة الاختلاف بين شعر الافرنج و شعر العرب من كلِّ تقسيم .
فالآريون أقوامٌ نشأوا في أقطار طبيعتها هائلة و حيواناتها مخوفة و مناظرها
فخمة رهيبة. فاتسع لهم مجال التخيل و كَبر في أذهانهم جلال القوى الطبيعية .
و الساميون أقوامٌ نشأوا في بلاد صاحية ضاحية ...)
لم تنصفِ الرجل حين بترت مقالته فشوهت فكرته ,
ثم سأجيبك بل سيجيبك العقاد عمَّا أشكل عليك في مقالته حين سألت :

(
لم أجد تفسيراً لما يقصده بأن الآريين نشؤوا في أقطار طبيعتها هائلة ، وحيواناتها مخوفة ، ومناظرها فخمة رهيبة . و الساميين نشؤوا في بلاد صاحية ضاحية وليس فيما حولهم ما يخيفهم ويذعرهم . )
يقول العقاد رحمه الله:في المجلد الرابع و العشرين في كتاب (الفصول)
في مقالة بعنوان (أساطير العرب) ص 217:
( و عسيت إن كان هذا هكذا فملكة الأساطير مستقرة في كل نفس , مشاعة في كل جنس . فما بال أمم نراها لا تَلْزَمُ حَدَّاً , و امم أخرى كالعرب مثلا تنزر بينها جِدَّا , و تُعدُّ فيها مشخصات الطبيعة عدّا؟
نقولُ:إنَّ هذه الملكة و إن كانت من الملكات المشاعة إلا أن ظواهرها الطبيعية التي بها تتلبس الأساطيرُ و تدورُ عليها حوادثها لا تتراءى في كلِّ أقليم على وتيرة واحدة و لا تطرق خيال الأمم على نسقٍ فرد , و إنما تتفتق الملكَةُ و تسخو على قدر ما يعروها من هولِ تلك الظواهر و توالي طوارقها عليها .
و مَا أحسنَ ما كتب المسعودي في هذا المعنى إذ يقول:
(( إن ما تذكره العرب و تكني به من ذلك إنَّما يعرضُ لها من قبيل التوحد في القفار و التفرد في الأودية و السلوك في المهامه الموحشة , لأن الإنسان إذا صار في مثل هذه الأماكن يوجد له تفكر و وَجَل و جبن و إذا هو جبن داخلته الظنون الكاذبة و الأوهام المؤذية الفاسدة فصورت له الأصوات و مثلت له الأشخاص و أوهمته المحال بنحو ما يعرض لذوي الوسواس – و قُطُبُ ذلك و أُسُّه سوء التفكير و خروجه على غير نظام قويٍّ أو طريق مستقيمٍ سليم لأن المتفرد في القفار
مستشعر للمخاوف متوهمٌ للمتالف متوقع للحتوف , لقوة الظنون الفاسدة على فكْرِهِ و انغراسها في نفسهِ فتوهم ما يحكيه من هتف الهواتف )) .
فهذا الكلام سديد و لكنه شتانَ مخاوفُ البطحاء المكشوفة و الأودية المعروفة , و مخاوف بلاد الهند مثلا – بلاد تجللها الأسرار فكل ما فيها رائع فخم – فمن أطواد سامقة يعمر سفوحها الخراب , و ينقطع دون رؤوسها السحاب , إلي آجام تمادى بها القدم حتى غاب من جذوعها في التاريح أكثر مما غاب في التراب , إلي بروق و رعود فيها من الوعيد أضعاف ما فيها من الوعود , إاي تماسيح في الأنهار و تنانين في القفار إلي أسود و نمور و بزاة و نسور و كهوف و صخور و طوفانات و بحور إلي غير ذلك مما يجسم الوهم الطفيف , و يفسح للمخيلة مجال التصوير و التكييف .
ألم تر أن العرب لما ابتدعوا أساطيرهم كانت مما يجيء من قبل الحواس لا من قبل الخيال و كانت هواتف و أصداء و هاماً تسمعها الأذن و لم تكن أشباحاً تبر للمخيلة ؟
و ما هكذا كانت أساطير الآريين الذين يصفون لك الشبح من أشباح الأساطير و صف العيان و التحقيق, ... )

سؤالك بارك الله فيك:
( ... فلست أدري أأخْرَجَ العرب من زمرة الساميين أم اعتقدَ أنّ ما من حيوانات في الصحراء سوى الخيل و الجمل ؟ ...)
فالقسم الأول من السؤال لا يمكن لعاقل أن يدرك ما رميت إليه إلا حين نكرر مقالة العقاد التي أغفلتها (...و أشبه بالحقيقة عندي أن نقسم الشعر إلي أسلوب آري و أسلوب سامي لأن هذا التقسيم أدل على جهة الاختلاف بين شعر الافرنج و شعر العرب من كلِّ تقسيم ...)
فأقول لك الجنس السامي يشمل العرب و غير العرب كالعبريين
و الجنس الآري يشمل الفرنجة و غيرهم كالهنود, و إنما ضرب العقاد للجنس الآري مثلا و هو الافرنجي و للجنس السامي مثلا مقابلا و هو العربي لأنهم الأظهر و الأشهر عند من يقرأ للعقاد.
أمّا القسم الثاني فقد أجابك العقاد بما ورد أعلاه.

ثم هناك كلام غير مفهوم ربما مرده العجلة من الكاتب أو لمشاكل فنية تخص جهاز الحاسب
أعني : (
بل كيف يمكنه تفسير الرسوم والمنحوتات والنقوش السامية التي تكثر من تشخيص حيوانات كالأسد و الأفعى كدليل على قوة من تظهر معه؟ . وهل يدرك أن الحيوانات المستأنسة لم تكن كذلك في بادئ أمرها فكل الحيوانات كانت تثير الخوف إلى أن استأنس الساميون بعضها؟. )

على العموم لتوضيح هذه النقطة لدى العقاد سنقرأ ما سطره في المجلد الرابع و العشرين في كتابه (الفصول) في مقالة عُنوانها (خطرات و شذور) تحت قوله الشرق و الغرب:
( الفرقُ بين أساليب الشرقيين و الغربيين في التفكير كثيرة , و لكن لعلَّ أوجزها و أجمعها فرقُ واحدٌ : هو أن الشَّرقي طًبع على النَّظرِ إلي غايات الأشياء , و أنَّ الغربي طُبع على النَّظر إلي عللها , و ربما كان سببُ هذا الاختلاف أنَّ الشرقي وجدَ ثمرات الطبيعة مُجَهزة أو سهلة التجهيز فنظر إلي معناها و فحواها , و أنَّ الغربي احتاج إلي استخراجها فنظرَ إلي أسبابها و مناشئها )


و شكرا لك.
--
* مقدمة الجزء الثاني من (( ديوان شكري )) الذي طبع عام 1913