عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-2013, 10:21 PM
المشاركة 7
أسرار أحمد
( سارة )
  • غير موجود
افتراضي القصة السادسة القنفذ والأسد
ياسر علي
القنفذ والأسد
زعموا أن رجلا جاء على بغلته البيضاء المنقطة ببقع بنية مختلفة الأحجام ، لابسا جلبابه الرمادي المزخرف بخطوط عمودية تتناوب ألوانها البيضاء والسوداء ، يظهر سرواله الفضفاض الواسع الذي تشد أزرار طرفيه تحت الركبة فتجلت ساقان لفحتهما أشعة الشمس و اعتلتهما سمرة خافتة ، ينتعل بلغتين صفراوين ، ويشد رأسه الأصلع بعمامة زرقاء يلف بها وجهه اتقاء الشمس و غبار السفر ، أوقف دابته عندما سمع أنينا صادرا من كيس صوفي أسود ، صوبت البغلة أذنيها نحو الكيس الأسود أتبعتها زفرة قوية فتوجهت أذناها نحو الخلف مستديرة مرسلة ركلات جهة الكيس ، لكن صاحبها لجم ثورتها مترجلا ، ثم ربطها بشجرة بعيدة وتوجه نحو مصدر الأنين .
سل خنجره من غمده المشدود بحزامه ، بحركة سريعة مزق بشفرته الحادة حبالا كانت تلف الكيس كما تلف خيوط العنكبوث ذبابة علقت بشبكتها ، تحرك الكيس فجأة ليفصح عن ساكنه كما تخرج القبور أثقالها يوم الحشر ، وقف الأسد منسلا من الكيس كما تنسل الثعابين من قشرتها ، هز جسده هزا شديدا و مد أطرافه كما يمد الصبي يديه ورجليه وهو يطرد بقايا النوم صباحا ، زأر زيرا أرعب قنفذا جاء يركب دجاجته متوجها إلى السوق ، فقال للرجل : " هكذا أنتم بعضكم يؤذي وبعضكم يبلسم ، بعضكم يذنب والآخر يكفر ، تعلنون الحرب ثم ترسلون من ينشر السلام ، لا ثم لا ، أنت غدائي وبغلتك عشائي ، فرد عيه الرجل : " سيدي الأسد ، لا علاقة لي مع من سجنك وعذبك وأعلن عليك الحرب " . فقال الأسد بزهو و جبروت : " أنا ملك الغابة ، والقول قولي والرأي رأيي ، من أعطاك حق الكلام ، من هذا الذي يتكلم ويدافع ، إمعة من الإنس ، تريد مجادلة ملك الغابة ".
قدم القنفذ تحية إجلال وأومأ إيماءة الإكبار لملكه و قلبه تتزاحم دقاته و قاقت الدجاجة مقدمة آيات الولاء ، فقال القنفذ :"بعد إذنك سيدي ماذا يفعل هذا العدو هنا ، هيا سيدي لقنه درسا لا ينسى ، فهم أعداء الغابة ، يقطعون أشجارها ويصطادون طيورها ويعبثون بخيراتها ، هؤلاء مجرمون أجرموا ودنسوا رحابنا و دجنوا فصائلنا ، أرأيت بغله سيدي ، لم يقدم لك الولاء ..." ، انتشى الأسد بتملق القنفذ و اطمأنت نفسه بإنزال حكمه العادل على الآدمي ، أمام مرآى و مسمع شاهدين عدلين ينقلان لكل الرعية هذا المشهد وهو يقول : " أنتم تعلمون يا رعيتي ، أني عادل ، لا آخذ أحدا بجريرة أحد ، فهذا الرجل وفصيله من أدخلوني هذا الكيس ، و كنت سأموت هنا لولا مشيئة القدر ، فأرسلوا هذا الغبي وهم يظنون أنهم سيتقون شري بفعلتهم ، وربما ما جاء إلا ليتأكد من موتي أو أراد أن يذبحني بخنجره ، أرأيتم إنه جاء مسلحا ؟ و يريد أن يسلخ جلدي ليصنع منه ألبسة وزينة يتزينون بها ، وربما جعلوا من جلدي غشاء طبل يتراقصون على إيقاعته " فقال القنفذ ، " أصحيح سيدي أن هذا الكيس الصغير يستطيع أن يحتوي جسمك الكبير؟ " غضب الأسد من هذا التحدي وهو يقول : " أتظنني أكذب أيها الضئيل ؟ " فارتعب القنفذ وارتعشت ساقا الدجاجة ، وهو يردد : " عفوا سيدي ليس هذا ما أقصد ، فقط أريد أن يطمئن قلبي لحكمك العادل ." فما كان من الأسد إلا أن استجاب للقنفذ حماية لسمعة عدالته فقال : " تلزمونني الحجة ، أنا الأسد العادل ، أنا لا يظلم عندي أحد قط ، فانظر أيها القنفذ ، هذا الكيس كبير وإن بدا لك صغيرا ."
رجع الأسد إلى زنزانته الضيقة محاولا التكوم لكن أطرافه ماتزال ظاهرة ففسر الأمر للقنفذ ،:" لف الحبال و سترى بعينك أن الكيس يسعني " طلب القنفذ من الرجل مساعدته على لم جسد الأسد داخل الكيس وإحكام عقد الحبال وخياطته باحكام فقال له :" ماذا تنتظر اغرس خنجرك في جسده و اغتنم الفرصة ، فلولا مجيئي في الوقت الحاسم لكنت في عداد الأموات " انهال الرجل على الأسد بهراوته وطعنات خنجره حتى هدأت حركته ، فقال للقنفذ ، أعجبتني حيلتك وحكمتك ، لكن الذي راق لي أكثر هو منظرك ومظهرك ، فلي طلب أتمنى أن لا ترفضه ، دجاجتك السمينة وجبة شهية لي ولعيالي ، وأنت لعبة جميلة لأبنائي " لم يبد القنفذ قلقه للرجل بل أجابه بجدية :" أحب كل ما دعوتني لأجله لكن عندي صغاري ، ألاتحب أن يكون لكل طفل من أبنائك لعبة . فرد الرجل : " حسنا هذا أفضل "
ركب الرجل على بغلته والقنفذ على دجاجته و اتجها نحو جحر غائر فقال القنفذ عندما استقر في المغارة :" احذر أن يفوتك واحد من صغاري فهم أشقياء هيا استعد " ابتعدت الدجاجة عن مدخل الغار وجاء الرجل يحرس باب المغارة الصغيرة ، والقنفذ كرة شوكية تتدحرج في الظلام وتلسع أشواكها ثعابين سامة تستظل في المغارة فهرعت هاربة فوجدت بالباب الرجل فلذغته وهي تواصل سعيها إلى بر الأمان ، خرج القنفذ وهو يقول :" اتق شر من أحسنت إليه . "
هذه الحكاية من حكايات الموروث الشعبي .
[/size]