عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-2011, 02:00 PM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ... نبوءة شاعر وطاقة البوزيترون Positron

كل ذلك يؤكد بأن الشعراء، خاصة الأيتام منهم، أو الذين يعيشون طفولة بائسة مأساوية من نواحي متعددة، غالبا ما يتمكنون من توليد نصوص فذة تمتاز بلغة كودية لا يمكن فكها إلا بعد مرور زمن لاحق عليها، وبذلك يمكن التأكيد بأن قدرتهم لا تقتصر على رؤية المستقبل فقط، فالقضية ليست تنجيم، وإنما هي ملكة نابعة من قدرة العقل الباطن، والذي تشير كل الدراسات انه غير محدود القوة، وحينما يتولى العقل الباطن توليد النص الإبداعي غالبا ما يخرج النص بصيغة قد لا يدرك الشاعر أو المبدع نفسه أبعادها وعمقها ومحتوياتها، ونجد في أحيان كثيرة بأن الكاتب قد يفاجأ في قراءة النقاد لنصه ويندهش لما يحتويه من جوانب غابت عنه، حيث يجد أنهم تمكنوا من استخراج أبعاد لم يكن يعرف بوجودها هو في نصه، ذلك لأنه ينظر إلى نصه بعقله الواعي محدود القوة، مقارنة مع عقله الباطن الذي ولد النص أصلا بقوته اللامحدودة، كما انه ينظر إلى النص بمنظار ذاتي يحجب عنه الرؤية الموضوعية التي قد تتوفر للاخرين.
وفي رواية أن أبو نواس كان يمر في احد الأيام بجوار مدرسة أو ربما كُتاب في حينه فاخذ الأستاذ يشرح بيت شعر له يقول:


ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ،.........ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ

وقد سأل الأستاذ التلاميذ لماذا طلب أبو النواس في الشطر الثاني من الذي يصب الخمر له أن يقول له (:هي الخمر) فرد احد التلاميذ بأن أبو النواس كان يرى الخمر (حاسة البصر) ويشمه (حاسة الشم) ويلمسه (حاسة اللمس) ويتذوقه (حاسة التذوق) فأراد أن يستمتع بالخمر بكل حواسه، وعليه طلب من صاب الخمر أن يقول له أنها الخمر أيضا ( حاسة السمع)، حتى يكتمل استمتاعه بالخمر بكل حواسه، وحينما سمع أبو نواس ذلك قال والله ما قصدتها.
أما النبوءة في النصوص فقد يعجز حتى من ينظر إلى النص بعين موضوعية عن إدراك وجودها كونها غالبا ما تولد بلغة كودية تحيل على زمن مستقبلي، ولذلك يكون الزمن هو الكفيل بكشف مثل هذه النبوءات والعبارات التي تشتمل على قدرات استشرافية لمستقبل آت قد يطول.

فحينما نقرأ قصيدة الشاعر ادونيس مثلا والتي عنوانها ( نبوءة ) نجد صعوبة في فهم ما يرمي إليه الشاعر، ولا أتصور بأن الشاعر نفسه قد فهم ما ورد فيها يوم كتابتها رغم انه رمى إلى تسميتها بذلك الاسم وصاغها على أساس ما سيكون. تقول القصيدة:


نبوءة
للوطن المحفور في حياتِنا كالقَبْر
للوطن المخدّرِ المقتولْ
تَجيءُ من سُباتنا الألفيّ ، من تاريخنا المشلولْ
شمسٌ بلا عبادهْ
تقتلُ شيخَ الرّملِ والجرادَهْ
والزَّمنَ النابتَ في سهوبهِ
اليابس في سهوبهِ
كالفِطرْ
شَمسٌ تُحبُّ الفتكَ والإبادَهْ
تطلعُ من وراء هذا الجسرْ...

وقد يأتي يوم نجد فيه بأن حاكما، ويرمز له ادونيس في القصيدة بـ (شمس بلا عبادة) كناية على الشخصية القيادية الكرزمية التي يمتلكها هذا القائد والذي سيقوم بانقلاب عسكري أو ثورة ويقتل (شيخ الرمل والجرادة ؟)، وربما يرمز هذا النص لحاكم يكون على سدة الحكم ولا بد ان الزمن هو الكفيل بتفسير معنى شيخ الرمل والجراده والتي ترمز لهذا الحاكم الذي احال الوطن وجعله مثل القبر. ويكون هذا الحاكم القادم شخص يحب الفتك والإبادة والقتل الجماعي، والمهم أن هذا الحاكم سوف يطلع من وراء هذا الجسر؟ فأي جسر هذا المقصود هنا في هذه القصيدة؟ في اي زمن ستتحقق هذه النبؤه؟ وهل ستتحقق نبوءة ادونيس هذه؟ وما هذا إلا مثال واحد نسوقه هنا ليدلل على قدرة الشعراء مثلا على التنبؤ.

ومن هنا نخلص الى أن القدرة على التنبؤ هي حتما سمة قد لا تتاح لكل مبدع، وإنما لبعض المبدعين فقط، وهم أولئك الذين تكون مصدر كتاباتهم أو بعضها العقل الباطن غير المحدود في قوته، والذي تلتقي فيه الأزمان كلها في لحظة واحدة، والأماكن كلها في نقطة واحدة. فحينما يتولى العقل الباطن توليد النص الإبداعي تصبح الإمكانية بأن يحتوى ذلك النص على نبوءة أو استشراف امرا واردا، ومحتملا، إن لم يكن عالي الاحتمال، ويعتمد ذلك على مدى النشاط الذي يتمتع به العقل الباطن خلال توليده للنص...وذلك له علاقة بكيمياء الدماغ وطاقة البوزيترون والتي سنشرح آلية عملها فيما يلي.
يتبع،،