عرض مشاركة واحدة
قديم 06-11-2014, 11:40 PM
المشاركة 9
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يتنقل ناصر بين روافد الشركة حيث أمضى يوما كاملا في مصنع النسيج ، وضع القيّم بين يديه الكثير من الأوراق و الوثائق و المستندات والملفات ، هذه للعمال و مطالبهم و تلك للمواد الأولية و أخرى للآليات ، راجع معه كلفة الإنتاج و قيمته و نسب الربح . نقل إليه اقتراحات الترسيم والترقية ، تداولا كثيرا في السبل الممكنة للرفع من جودة المنتوج و تطويره و تخفيض التكلفة حفاظاعلى تنافسية عالية وضمانا للتواجد في الأسواق و المحافظة على الزبناء . في اليوم الموالي شد الرحال إلى مزارع الخضر والحوامض ، هناك وقف على معايير دقيقة في الزراعة ، إنها لغة الكمياء في الإنتاج ، كميات موزونة في الأسمدة و أصناف رفيعة من البذور و الشتلات في مشاتلها تحظى بعناية و رعاية تفوق تلك التي يحظى بها الأبناء في المشافي ورياض الحضانة ، مياه السقي توزعها أنظمة الحواسيب بالمليلترات ، يشرح المهندسون ويشرحون و هو لا يستوعب مثقال ذرة مما يتفوهون به ، تساءل أين كان طوال هذه المدة ، لكأنه كان يعيش في كوكب آخر . يرجع ليلا مهموما غير قادر على استيعاب كل تلك العوالم ، يتساءل متثائبا إن كان قادرا على تحمل هذه المسؤولية . في شركة النقل يستعرض المدير عدد الحافلات المخصصة للعمال ، عدد الشاحنات من النوع الكبير الخاصة بنقل الخضر إلى الميناء ، عدد الشاحنات المتوسطة التي تقل السجاد إلى محطة القطار ، عدد لترات البنزين المستهلكة ، فواتير قطع الغيار و تكاليف الصيانة و تجديد الأسطول . رجع إلى مكتبه منتفخ الرأس ، تجرع قرصا فوارا و هو يأذن للمدير بالدخول : سيدي لديكم مجموعة من الدعوات ، لقاء مع منتجي الحوامض ، دعوة من وزير النقل ، لقاء مع رئيس جمعية المقاولين ، لقاء مع ممثلي النقابات ، للإشارة سيدي فكلهم يباركون لكم منصبكم ، لا تنسى إدخال طلب الحضور إلى التجمع الحزبي إلى الأجندا سيدي ، وهناك موضوع هام أيضا فرئيس قسم الضرائب في مكالمة هاتفية يتمنى التعرف عليكم في أقرب وقت . بدأ يعرف لماذا لا يرى أباه طوال مدة دراسته إلا للحظات قليلة ، تنهد و تمطط و قام إلى منزله مقفلا هاتفيه ، وجد أمه وحيدة تفترسها الوحدة ، أبوه على السرير فاقد للسيطرة ، أخته هناك في بلاد الغرب تلتهم دروس عالم اليوم ، تأمل هذا الشتات ، طلب من الخادمة كوب ماء ، أحس بالضيق ، فغادر من جديد يبحث له عن مكان آمن ، عن فضاء واسع فسيح ، فروحه تكاد تغادر ، في هذا الأسبوع بدأ وزنه يخف و ملامحه تشحب ، وصفرة تعتري وجهه الداكن .
صالحة قامت صباحا في بذلتها الرياضية توجهت نحو البحر ، وجدت العالم هناك هادئا ، دخلت المياه الباردة بعد أن أكملت تمارينها ، تمططت على الرمال وهي ترتب أجزاء خطتها ، استعرضت معطياتها ، إمكانياتها ، أهدافها ، و بدأت تفكر في التفاصيل الجزئية هذه تحاج إلى ورقة وقلم و أيضا إلى حاسوبها ، طوال الأسبوع تنقح خطتها ، رياضة وحاسوب وقلم وأوراق ، إنه الإصرار على الوجود . أمها تحاول مواساتها فترد عليها :" لاعليك أمي أنا نسيت الوضوع ، وسترين قريبا قدراتي ، فأنا صنيعة أمي " من بريق عينيها رجعت بأمها إلى الأيام الخوالي ، فتمتمت الأم مبتعدة عنها : "لطفك يا الله ."
باكرا يقتني بضاعته من سوق الجملة و يستقبل سوق السمك ، يبيع طيلة اليوم تحت ظلته مستمتعا بالأفواج الآدمية التي تغدو خماصا و تروح بطانا ، عند مقدم الليل يجمع أدواته و أعشابه ، في طريقه إلى بيته يوقف دراجته واهبا بقية الأعشاب للجمعية الخيرية ، يصل إلى بيته تستقلبله زوجته برفق ، تسأله عن جديد السوق ، يحكي لها تفاصيل اليوم ، يفرغ محفظته على المائدة ، ترتب خديجة النقود قطعا وأوراقا ، ترجع إلى المحفظة رأس المال لزوجها ، تأخذ مصروف الغد تضعه في المطبخ ، و تقبل ماتبقى و ترميه في صندوق خشبي في غرفة النوم ، في نهاية كل شهر تعد ما في الصندوق تدفع منه فواتير الماء والكهرباء ، تقتني منه بعض الأواني و الملابس الضرورية ، وتحمل الباقي إلى البنك ، أسرة تعيش على مهل ، في هدوء ، زوجت بنتها البكر و ابنها يعيش مع زوجته في بيته ، أسرة مقتصدة تعيش على باب الله ، لكل يوم رزقه تمطره السماء ، تعاظمت ثروة بائع الكزبرة فاضحى ملاكا للعقارات ، و تضخ في حسابه البنكي الدراهم كل شهر ، رغم ذلك لم يركب المال حياته ، و لم تتغير طبائعه ، فهو مؤمن أن المال فقط لإنقاد الروح من الفقر. يحكي لزوجته قصة العشيقين ، يتذكران عندما التقيا لأول مرة ، كان أبوها بائع الأعشاب و هو مساعده عند خروجه من السجن ، آواه في بيته و زوجه ابنته الوحيدة.
أوصته زوجته أن يبتعد عن طريقهما ، ويترك الأقدار تسري بهما نحو مسارهما ، وأن لا يتدخل فيما لا يعنيه ، فربما المصائب تأتي من حيث تظهر أمارات النور ، يؤمن بأنه تزوج أكبر حكيمة في الكون ، يؤمن أن لو تعطى الشهادات على المنجزات لنالت من الدرجات أعلاها ، لكنه أيضا يعتقد أن حدسها لم يوفق اليوم ، إنها لم تشاهد نظرات الولدين ، لم تر شوقا في عينيها وهي قلقة على غيابه المفاجئ ، لم تعرف عن قرب عذرية الفتى و لا معدنه و هو يداهم السارق بشجاعة .
فقرر المضي في طريق معرفة الشابين و المساهمة في تحقق أحلامهما .