عرض مشاركة واحدة
قديم 10-05-2011, 04:40 PM
المشاركة 1091
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أبو الطيب المتنبي

هناك ما يشير إلى أن المتنبي عاش (لطيما) ، فلا أم ولا أب ولا أسرة. وكانت البادية على قسوتها وشظف العيش فيها مرتعه في الطفولة المبكرة. ثم ذاق مرارة السجن حيث يسكن الوحي كما يقول جان جينيه. وما لبث أن اجبر على الهجرة من موطنه بعد أن شب لظروف سياسية قاهرة فكان يتيم الوطن أيضا. وفي الغربة سمع بمرض جدته التي تولت تربيته بعد موت أمه فعاد ليراها فماتت قبل أن يدرك ذلك.

ومع تراكم كل تلك المآسي تفجرت طاقات ذهنه في حدها الأعلى...فادى ذلك إلى تفتح مخازن المعرفة الكامنة في ذهنه على مصارعها.

وحيث انه عاش في بيئة عربية فصحى وأتقن اللغة العربية التي تعلمها من بيئتها الأصلية، أصبح من أعظم شعراءالعرب، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها.

ولذلك كله أصبح شاعرا عملاقا، غزير الإنتاج، جاء بصياغة قوية، محكمة، وخلى شعره من التكلفة، والصنعة، وامتلك ناصية البيان.. مما أضفى على شعره لونا من الجمال والعذوبة.
ومن الطبيعي أن يكون أفضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة، وقد اختبر ذلك كله فصار صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة.

وإذا سلمنا بأن مستوى المخرجات الإبداعية يرتفع بنسبة الطاقة المتفجرة في ذهن المبدع فلا غرابة أذن أن يصبح للمتنبي مكانة ساميةلم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية...وهو أشدهم بؤسا وقد توفرت له فرصة إتقان اللغة العربية في بيئتها الأصلية.

ولا غرابة أيضا أن يوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وان يظل وعلى مدى سنوات طويلة لاحقة مالئ الدنيا وشاغل الناس، وان يظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء.

وخلاصة القول،،
يمكننا إذا أن ندعي بأن ما امتلكه المتنبي من صفات شخصية أخرى ، إضافة إلى عبقريته الشعرية، ما هو في الواقع إلا مظهر آخر من مظاهر تلك الطاقة التي تفجرت في ذهنه كنتيجة لمآسيه المتعددة, والتي كانت تعتمل في ذهنه لتخرج أحيانا على شكل قصائد فذة، وأحيانا تصبغ صفاته وسمات شخصيته، بمجموعة من الصفات البارزة.

فمن هناك جاءت شجاعته، وكبريائه، وذكاؤه، وطموحه، وحبه للمغامرة، وحكمته، وأنانيته، وتشاؤمه.

ومن هناك جاء فخره، ومدحه لنفسه.. وقد شعر بأنه الأقدر على القول الجميل.

ولا شك أن طموحه وسعيه للإمارة كان نتيجة لشعوره بالصفات القيادية التي هي مظهر آخر من مظاهر الشخصية التي تنم عن وجود تلك الطاقة الذهنية المتفجرة والتي تجعل من الشخص إنسانا كرزميا ثوريا يسعى للقيادة مهما كلفه الثمن.

ومن هناك نستطيع أن نفهم سر ذلك الشعور بأنه في قومه كمثل عيسى بين اليهود، أو مثل صالح في تمود.

إن طاقات ذهن المتنبي المتفجرة والتي نتجت عن مآسي حياته هي التي جعلته عظيما ولا عجب إذا أن ينشد :


وتَعظُـم فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها............ وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ


وتلك الطاقة هي التي جعلته يقول:


أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي و أسمعت كلماتي من به صم

وقد فعل وما يزال.