عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2010, 09:57 PM
المشاركة 2
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الـغُــراب(ج 1)




ذاتَ مرّةٍ في منتصفِ ليل موحش، بينما كنتُ أتأمّل، ضعيفٌ وقلِق


وفوق كتلٍ عديدة من غرابةِ وفضولِ المعرفةِ المَنْسية


بينما كنتُ أومئ، بالكاد أغفو


فجأةً هُناك جاءَ دَقّ


وكأنّه شخصٌ يرقّ


على باب حجرتي يطُقّ


"إنّه زائرٌ ما! " تأفّفتُ، "يدقُّ بابَ حجرتي


هذا فقط، ولاغيرَه معي


آه، بوضوح تذكّرتُ، أنّه كان في ديسمبر القابِض


وأنّ كلّ جذوةٍ مفصولةٍ ميّتةٍ شكّلت شبحاً لها على الأرض


بلهفةٍ تمنيّتُ الغَدْ، عبثاً التمستُ لأنْشُدْ


من كُتُبي ينتهي الأسى، أسى لينور التائه


للبتول المُتألّقة النّادرة التي يسمّونها الملائكةُ لينور


بلا اسمٍ هُنا ويدور


والحُزنُ الحريريّ بحفيفٍ غير مُحدّدٍ لكلِّ سِتار ارجوانيّ


روّعني


ملأني بمخاوفَ رائعةٍ لم أحُسّها من قبلِ


وهَكذا الآن، حتّى بقاء خفَقان قَلبي، أتكبّدُ التّكرار


"ثمّةَ زائرٌ يستجدي دخولاً عندَ باب حجرتي


ثمّةَ زائرٌ مُتأخّر يستجدي دخولاً عندَ باب حجرتي


هذا فقط، ولا غيرهُ معي "


حالياً روحي تَتَرعرع أقوى، متردّدٌ إذن لن يبقى


"سيّد"، قلتُ، أو "سيّدة"، إنّما مغفرتُكَ أناشِد


ولكنّ الحقيقة أنّني، كُنتُ غافياً أرمُقْ، وبرقّةٍ جئتَ أنتَ تطرُقْ


وبخفوتٍ جئتَ أنتَ تدُقّ، تدُقّ عندَ باب حجرتي


إنّني بالكاد كنتُ واثقاًً إنني سمعتُك. "هُنا فتحتُ باتّساع بابَ حُجرتي


ظلامٌ هُناك، ولاغيره معي


عميقاً في تحديقةِ الظلام، طويلاً وقفتُ هُناك


أتساءلُ، أتخوّف


أتوجّس، أتحلّمُ أحلاماً لم يجرؤ هالكٌ على حُلمها مِن قَبل أبدا


لكنّ الصّمت لايقبلُ انكسارة، والسّكَنُ لا يُعطي إشارة


وإنّما الكلمةُ الوحيدةُ المُثارة، كانت


كلمةُ "لينور" الهامِسة!


هكَذا أهمُسُ، والصّدى يتُمتمُ بعدي


كلمةُ "لينور!"


هكذا فحسْب، ولا غيرهُ معي


عدتُ إلى حجرتي تتقلّب، وكلُّ الرّوحُ بداخلي تتحرّق


مرّةً أخرى وبسرعةٍ سمعتُ دقّاً، شيءٌ أقوى منه قَبْل


"بالتّأكيد" قلتُ، "بالتّأكيد" ذاكَ شيء عندَ شَبْك نافِذتي


دعني أرى، عندها ماذا سيكون هذا المُخيف، وهذا الطلْسمُ ينفضح


دع قلبي هادئاً للحظة، وهذا الطّلسمُ ينفضِح


إنّها الرّيح، ولا غيرها معي


إفْتَحْ هُنا ودفَعتُ الدّرفة، عندها، وبكثير من التغنّج والرّعشة


إلى الداخل خَطا غُرابٌ جليل من الأيام التقيّة الغابرة


من دون أقلّ احترام يفعله، ولا لوهْلةٍ تمنعهُ أو تُمهله


لكِن بشموخ الأمير أو السّيدة، جثَمَ فوق باب حجرتي


جَثَمَ على تمثالي بالاس، تماماً فوق باب حُجرتي


جثَمَ، وجَلَس، ولا غيرهُ معي


إذ ذاكَ الطيرُ البَهيم يُحيلُ وهمي البائس إلى ابتسام


بأدبٍ عابس رصين لمَلامح تتلبّس


"وإن يكُن عُرفُك مجزوز حلّيق.. وإن يكُن"


قلتُ "الفنُّ أبداً ليس جبان


يا هذا الغرابُ الشبحيّ الصارم السّحيق


تتسكّعُ من شاطئ الليل


أخبرني ما اسمُ جلالتكُم هُناك في شاطئ الليل البلوتوني!


كرَعَ الغُراب "أبداً، ليس بعد ذلك"


عجبتُ بهذا الطيْر الأخرق كيف أنّه يستمعُ لهذا الحديث بلباقة


مع ذلك يكونُ جوابه يفتقدُ مَعنى، يفتقدُ أدنى صِلة


وهكذا لا يمكنُ ان نتّفق بعدم وجود كائن إنساني على قيد الحياة


بُورَك بمجرّد رؤية طائر فوق باب حجرته


طائرٌ أو بهيمة على التمثال المَنحوت فوق باب حجرته


وباسم مثل هذا "أبداً، ليس بعد ذلك".


لكنّما الغراب يجلسُ وحيداً على التمثال الهادئ


لا يلفُظ إلا بتلك الكلمةِ الوحيدة


لكأنّ روحهُ في تلك الكلمة التي يهذي


لا شيء بعد ذلك لفَظْ


ولا حتّى ريشة تنتفِضْ


وهكذا إلى أنني بالكاد تمتمتُ


" أصدقاءٌ آخرون طاروا من قَبْل


وفي الغدِ سيتركني


مثل آمالي التي تركتني من قَبْل"


حينَها قال الطيْر "أبداً ، ليس بعد ذلك".


أفزعُ عند ذلك السّكون المقطوعِ بتلك الإجابة الرّصينة


"من دونِ شكّ"، قلتُ


"ما يُبديه هو المُدّخَر والبقيّة الباقية


حصلَ عليها من سيّد تعيس


ظلّ يطاردهُ بسرعة ويطاردهُ سريعاً إعصارٌ غير رحوم


وهكَذا حتى أغنياته ظلّت تلازمهُ ضجراً


حتّى مراثي أمله ظلّت تلازمهُ سوداوية وضجراً


بــ أبداً.. أبداً، ليس بعد ذلك ".





يتبع


.


.


.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)