الموضوع: معطف الحرية
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
3629
 
موسى الثنيان
من آل منابر ثقافية

موسى الثنيان is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
26

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Jun 2012

الاقامة

رقم العضوية
11222
06-11-2012, 08:22 PM
المشاركة 1
06-11-2012, 08:22 PM
المشاركة 1
افتراضي معطف الحرية
معطف الحرية...

تجلس جدتي على كرسيها الخشبي وهي تحيك لي معطفا للشتاء المقبل، ثوبها القصير يكشف عن سروالها القديم والخيوط الصوفية بألوانهاالقزحية كأزهار ربيعية نبتت حولها للتو ، كانت تهيئ لغزل وردة حمراء عند الصدر ، كم انتظرت بشوق شكله النهائي لأريه زميلاتي.

في الصباح رأيتها تنظر إلى عصفور المنزل في قفصه وهو خائف ويزقزق ، خلتها تنقشه في ذاكرتها لترسمه في المعطف ، لم أكن لأتدخل في ما تختاره جدتي من نقش أو من ألوان الخيوط ، انطلقتُ للعمل وتركتها تتأمل العصفور .. مازلت أذكر معطف أختي في الشتاء الماضي ، بألوانه الربيعية ونقشه الجميل ، رسمت شجرة تستند على جذعها طفلة ألصقت على وجهها وجنتين من القماش الأحمر جعلتا منظرها يشي بالسعادة والفرح، فعلى الرغم من تقدم جدتي في العمر إلا أن روحها جميلة ومتفائلة ، كأنها فتاة في العشرين من عمرها، كنتُ دائما أقول لأبي لو تسنى لجدتي العودة شابة لأصبحت مصممة أزياء أو رسامة عالمية ، يكتفي أبي بضحكة وأحيانا يومئ بالإيجاب...

حين عدت في المساء ، وجدت العصفور ذاته في المعطف بلونه الرمادي ومنقاره الأحمر ولكنه كان ميتا ، وقد أغمض عينيه بحزن و الوردة الحمراء التي بالصدر سالت منها خيوط حمراء ، سألت نفسي ألف مرة ؛ماذا حل بجدتي؟!... أترى ذلك بسبب أخبار التلفاز التي يشاهدها أبي كل مساء...؟أخبار دموية ، رصاص ودماء تسيل هنا وعملية انتحارية هناك ودمار وعفونة وأرواح رخيصة لم تعد تساوي حتى الذباب...لا توجد سوى أخبار القتل...كنا نتأفف باستمرار... هل أثرت الحرب على جدتي ، هل أثر على خيالها الجميل ...لم أحب المعطف ، كيف سأرتديه أمام صديقاتي ، وزميلاتي في العمل .

تحيرت هل أخبر جدتي بأن تنقض غزلها وأن تحيك أي نقش غير هذا النقش ، أم أتركها تكمله ومن ثم أحتفظ به في دولابي للذكرى ، خشيت أن تسألني عنه إن لم ترني أرتديه في الشتاء القادم..لكن لم يشأ الرب أن يكتمل المعطف ، لقد ماتت جدتي بسبب المرض الذي ألم بها، بكيت كثيرا ، كانت تملأ البيت بضحكاتها بالحكايات التي تدفئ ليالينا وتملؤها بالأحلام السحرية ، ثرثرتها وامتعاضها ،تركت الكرسي الخشبي يهتز وحيدا ،ماتت وتركت المعطف تتدلى منه خيوط لم تنعقد وحكاية نقش لم تكتمل، تمنيت لو أنجزت جدتي المعطف ، كنت سأرتديه مهما كان نقشه كي تعرف صديقاتي مدى حب جدتي لي وحبي لها ... قادتني قدماي ذات مساء إلى غرفة جدتي ،تفقدت كل شيء فيها ، صندوق زواجها القديم، جدارنها العتيقة، دولابها الخشبي ، رأيتُ المعطف مطروحا على المنضدة وكنت أنوي الاحتفاظ به لنفسي ، أخذته و أشرعته وكان ضوء البدر يضيء الغرفة ، أصابتني الدهشة حين رأيت المعطف وقد نقضت جدتي غزله تماما لتحيك لي معطفا بخيوط خضراء ما أذهلني فيه الشجرة الكبيرة المثمرة و الصبي الذي يغرس بذورا أظنها قمحا ...ما استطعت حبس دموع عيني في محجريهما ، ارتديته ؛ كأنني ارتدي ريشا جعلني أحلق إلى السموات ..
2012