عرض مشاركة واحدة
قديم 02-08-2016, 12:10 PM
المشاركة 28
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...

ذكريات سنوات الطفولة المبكرة...سنوات من الميلاد الي ما قبل المدرسة:

تلك بعض مصادر الألم المرعب الذي كنا نحاول تجنبها بكل ما اوتينا من قوة، وعقل، وتدبير، وأدوات... ونمارس من اجل ذلك عدة أساليب، وطقوس... توارثها الأبناء عن الإباء، والاباء عن الأجداد وهكذا...وكان ينبغي ان تنفذ بحذافيرها حتى لا يقع الخلل وينفذ الشر...وتقع المصائب... وعلى رأسها الافاعي والعقارب...

حتى ان والدي كان يوظف جيوشا من المرتزقة للمساعدة في تحجيم تلك المخاطر...فرقة للحراسة ودفع المخاطر البرية من الحيوانات المفترسة، والناس غير المرغوب فيهم، وافرادها من الكلاب...وفرقة أخرى من القطط، وكانت تلعب دورا أكثر أهمية وخطورة...وهي فدائية، ومدربة بشكل جيد، وتكلف بالحماية المنزلية على مدار الساعة...وتقوم بمهمات خطرة مميتة أحيانا، وتتلقى مقابل ذلك حظوة كبيرة بالإضافة الى الطعام والشراب والمأوى...بل وكانت تعامل وكأنها جزء أساسي من الاسرة وفرد من افرادها...كيف لا وكانت تلك الحيوانات الجميلة الاليفة تبعد عنا خطر الموت وتمنحنا الحياة والراحة الجسدية والنفسية؟؟؟

لكن صدقوني كان هناك الم كنا نحبه ولا نخشاه، ولا نبذل جهدا كبيرا لتجنبه على الاقل...وقد نفرح في سريرتنا إذا اصابنا عرضا، ولكننا لم نكن لنتعمده حتما...وأحيانا كان بعض الناس يسعى له بأرجلهم وايديهم...انه الم لسعة النحلة، نعم، وهو في كل الأحوال اقل الما بكثير من لدغة الأفعى، وقرصة العقرب، ولا يشكل خطرا على الأغلبية، اذا ظل ضمن حدود معقولة من حيث عدد اللسعات وكمية السم...

وربما من هنا جاءت التسمية المخففة، مقابل تلك الثقيلة (لسعة النحلة)، فقد كان الناس يعتقدون في الميراث الشعبي ان لسعات النحل علاج، وتقوي جهاز المناعة...كونها من حشرة مباركة تأتي بالعسل الذي فيه شفاء للناس، وهي علاج من كل الامراض ما عدا الموت كما كان يعتقد والدي...

وحيث ان والدي كان يربي النحل في الأرض المجاورة للبيت...وكان عدد خلايا النحل يصل أحيانا الى 400 خلية او 500 خلية...ولو افترضنا ان كل خليه كانت تحتوي على مليون نحلة فقط... فذلك يعني ان 500 مليون نحلة تقريبا كانت تسكن على مسافة تقل عن 10 أمتار من ألاماكن التي كنا نتواجد فيها باستمرار...وهو ما كان يفتح المجال لعدد هائل من اللسعات خاصة في مواسم قطف العسل، حيث تثور الخلايا وتهيج النحلات، وتهاجم كل من هب، ودب في محيط المكان...وكان أشرس هذه النحلات ما يسمى بالنحل الحراثي، وهو صنف من النحل البلدي...وعلى الرغم انه صغير الحجم، لكنه يهاجم أي مصدر تهديد بشراسة عنيفة، وبمجموعات كبيرة، ولو استفرد بشخص، وتمكن من بث السم في جسده لوضع في لحظات كمية من السموم قادرة على قتله...

وكثيرا ما كنت في طفولتي المبكرة اتعرض للسعات النحل...خاصة انني ربما لم أكن اتقن أساليب الدفاع عن نفسي مثل الاختفاء بين اغصان الأشجار، او التسمر في المكان دون أي حركة، او حتى نفس يخرج من الشدقين ويدلل على وجود أثر للحياة...وكي تظن النحلة انها بصدد تمثال حجري او جسد ميت فتطير بعيدا...رغم ان تلك الحيلة لم تكن لتنطلي على النحلات من ذلك الصنف كثيرا، ربما لأنها كانت تستشعر الخوف الدفين حينما ترتفع نسبة افرازات الادرنالين...

اما أفضل أسلوب لتجنب لسعة النحلة فقد كان دائما الهرب وبسرعة فائقة تسابق ذلك المخلوق الطائر...الذي يهاجم عدوه ويدافع عن مملكته بتفان وإصرار عجيب، وبفدائية نادرة، حتى انه يموت فور استخدمه لسلاحه الدفاعي والذي ستخدم لمرة واحدة...فما ان تلسع النحلة ضحيتها حتى ينفصل جهازها الدفاعي، ونسميها في اللغة الشعبية (الزبانة)، عن جسدها ليبقى للحظات إضافية يبث السم في جسد الضحية...وهو السم الذي كان الناس وما يزالون يظنونه بلسم...

وقد تبين هذه الأيام ان لسعات النحل قد تشكل خطورة كبيرة على البعض، وقد تؤدي الي الموت ايضا، وهم أولئك الذين لديهم حساسية من سم النحلة او بلسمها، فلا تمر بعض دقائق على لسعة النحلة، عند هؤلاء حتى تتورم اجسادهم وما يلبث الواحد منهم ان يختنق...ويمكن ان يفارق الحياة إذا لم يحصل على الإسعاف الطبي الفوري...

ولا اذكر ان أحدا مات في طفولتي من هذه الحساسية...لكن وللعجب اظنها منتشرة بكثرة هذه الأيام، مثلها مثل عدد اخر من الامراض التي لم تكن معروفة، ولا اعرف السبب حقا...لكن تصوروا معي حجم المخاطرة التي كنا نعيشها في ظل هذه المعلومات الجديدة عن الحساسية من لسعة النحلة، والتي كان يمكن ان تؤدي بحياة الملسوع دون امل في النجاة لغياب العناية الطبية وشحها في تلك الاوقات...



يتبع...سنوات الطفولة المبكرة:::