عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2016, 11:50 AM
المشاركة 24
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع...

ذكريات سنوات الطفولة المبكرة...سنوات من الميلاد الي ما قبل المدرسة:

وعلى عكس الحية التي قلما نجدها داخل المنازل، وبين الفراش، او في الملابس... كنا نعثر على العقارب في كل مكان، وكثيرا ما كنا نجدها داخل البيوت، وبين الفراش، واسفل سجادة الصلاة، او عالقة في حجر نحركه من مكانه حيث ان لها طبع غريب عجيب وهي انها تكون عالقة بالشيء ممسكة بمخالبها به باستماته، ولا تظهر على الارض مكانه وهي خدعه طالما ادت الي وقوع محرك الحجر ضحية لها... وأحيانا كثيرة كنا نجدها مختبئة في الملابس او الأحذية ولذلك كان علينا ممارسة طقوس يومية وربما لحظية صارمة...تتمثل في هز الملابس بقوة قبل ارتدائها كي يسقط ما فهيا من عقارب ان وجدت...ومن يتجاهل مثل تلك التعليمات الشعبية غير المكتوبة سيجد نفسه ضحية للدغ والالم...

واني لأظن جازما ومن واقع تجربة شخصية بأن للعقرب نظام بث لاسلكي له تأثير على الجهاز العصبي للإنسان ويتواصل معه ولو بصورة بدائية...اقول ذلك لأنني، في العام 1989، وكنت في زيارة قصيرة للقرية موطني الاول ومكان ولادتي...بعد ان حصلت على إجازة قصيرة من عملي في الكويت، وذلك لعيادة والدي الذي كان مريضا، ولا بد من القول انني في تلك الزيارة رأيت نجوم الظهر بكل ما في تلك الكلمة من معنى، كما يقول المثل الشعبي عندنا، والذي اراني إياها في ذلك الموقف ليس العقارب ولا الافاعي... وانما هم جنود الاحتلال، ولتلك الزيارة حكاية طويلة ومثيرة...وتمثل فصلا كاملا من فصول الألم الذي الم بي خلال مسيرة حياتي، وسأرويها لكم حينما نفتح سويا صفحات ذاكرتي التي تغطي تلك الفترة من الزمن المر...

فبينما كنت اجلس في احدى الليالي تحت شجرة التوت في فناء الدار الامامي، وفي ساعة متأخرة من الليل، وكان الهدوء سيد الموقف... شعرت بأن شيئا يسعى خلفي، وان خطرا محدقا بي... وكان ذلك مجرد إحساس... فلم يكن هناك أي صوت او خشخشه او حركة من اي نوع... فالتفت من توي الى الخلف استكشف الامر، فاذا به عقربا مدرعا مخيفا...بلونين بني قاتم، واصفر لامع، وكان ذلك العقرب يسعى نحوي مسرع الخطى، فقفزت عن الكرسي الذي كنت اجلس عليه، وقتلته بكعب حذاء، وانا ارتجف من الخوف ...

وربما ان سبب الارتجاف كان جزئيا من وحي ما كان يتداول في القصص الشعبية، وهي انها أي العقارب والافاعي، كائنات حقودة، تنتقم لبعضها البعض، وتأخذ بالثأر على طريقة البشر ربما، فان انت قتلت احدها... لا بد ان يأتي اخر من جنسها على نفس المكان لينتقم من القاتل....

وقد لا تصدقون هذه الحكاية لكنني استطيع ان اجزم لكم من خلال التجربة بأن كل كائن حي يمتلك اجهزة استشعار واجهزة بث... وربما انها تتواصل فيما بينها...ولبعضها قدرات هائلة، ومذهلة وقد تتقاطع اجهزة البث والارسال لدى البشر مع بعض اجهزة هذه الكائنات وتتواصل معها ولو بصورة غير محكية...

فهل تعلمون مثلا ان للحية قدرة على شل النطق عند الانسان...نعم حينما يتفاجأ الانسان بالحية ينعقد لسانه، ولا يستطيع طلب المساعدة، بالصوت وقد تنشل حركته، وفي ذلك ما يشير الى ان الافعى قادرة على شل حركة ضحيتها المفترضة... ربما كآلية للدفاع عن النفس او للسيطرة على الموقف وتسهيل عملية الانقضاض على العدو المفترض...الانسان الضحية مع احتمال ان يكون السبب الخوف الذي يشعر به الانسان فهو كافي بذاته لشل حركة الانسان وافقاده النطق طبعا...

كما ان الانسان يستطيع ان يشل حركة الحية اي الافعى، بحركة بسيطة كنا قد تعلمناها من التراث الشعبي، وذلك اذا كان صلبا قويا ولم تتمكن الحية من شل حركته في تأثير استباقي... وهي ان يقوم بلف خصلة من شعره فتتجمد الحية في مكانها...وكثيرا ما كان الناس يؤكدون نجاح مثل هذه الحركة في شل حركة الحية لحين احضار عصا او اي وسيلة اخرى لقتلها...

وهل تصدقون اننا كنا نملك بقرة كنا نسميها "العسلة" نسبة الي العسل...وكانت تلك البقرة بالفعل حيوان وديع، اليفة في طباعها، جميلة في شكلها، وبهية بألوانها الابيض والاسود...لم تؤذ احد ابدا فقد كانت ودودة اليفة، وكريمة في عطائها ..وبذلك استحقت اسمها العسلة بجدارة... رغم اننا كنا نقترب منها، واحيانا نركبها، وربما نسيء معاملتها في محاولة لاستفزازها، وذلك بشد ذيلها وما الي ذلك من حركات...وكانت تؤدي عملا شاقا وهي حراثة الارض هي ورفيقتها وهي الطريقة التي كان يفضلها والدي لحراثة الارض... ولكنها كانت تحتمل وتصبر ولم تتصرف ابدا بقسوة او غضب تجاه احد...وعلى عكس البقرة الاخرى التي لم نعطها اسما... واكتفينا بمناداتها بالبقرة الحمراء نسبة الى لونها...رغم انها كانت جميلة بالوانها الاحمر... والابيض لكنها كانت شرسة، عنيدة، ولم نكن نجرؤ على الاقتراب منها...

الشاهد ان تلك البقرة العسلة كانت تفعل امرا غريبا عجيبا فقد كانت حينما تمر من ساحة في وسط البلد، تسمى ساحة النبي يوشع، وعندما تصل الى مكان كان لحام يذبح فيه بعض الابقار... كانت هذه البقرة الوديعة العسلة في تصرفاتها تمد رجليها الي الامام، وكأنها تنبطح على الارض في حركة عجيبة غريبة وتبدأ بإصدار اصوات عالية مزلزلة وكأنها اصوات بكاء حاد مرير ان لم يكن صراخ مفعم بالالم والحسرة...وهو تصرف ليس له تفسير في نظري الا انها كانت تبكي قريناتها من الابقار التي ذبحت في ذلك الموقع في ايام مضت لم تكن شاهدة على ذبحها ولم يعد للذبح اثرا على الارض...فهل هناك شك بان للكائنات الكثير مما لا نعتقد بوجوده؟؟!! وكثيرا ما نتعامل معها وكأنها من دون احساس...

وظني ان فلاحا هنديا كان قد شاهد في غابر الزمان بقرة تقوم بما قامت به هذه البقرة العسله، وربما اشياء اخرى أكثر ادهاشا، وعجبا، حركت وجدانه، وزلزلت كيانه، فقال على طريقته، إني سقيم، وخر لها ساجدا ...وظل يقدسها... ويستشفي ببولها من بين أشياء أخرى ما انزل الله بها من سلطان!!! وربما يَقتُل ويُقتل ببساطه من اجلها!!! وتبعه في ذلك أناس كثر دون حتى ان يناقشوا او يسألوا عن السبب...

والصحيح انني اعجب اشد العجب لتوقف عقول الناس عند حد معين من الاستيعاب...وكيف ينحدرون الي هذا المستوى من التفكير...ثم يستكينون...والمشكلة انهم يغلقون الابواب؟ افلم ينظر هذا الانسان وقبيله مثلا الي ما يمكن للحصان ان يقوم به... وقد وجد العلماء حديثا انه خبير في معرفة ما يدور في النفوس؟...ثم الم ينظر هذا الانسان وقبيله الي الجمل وتكوينه وقدرته العجيبة على التحمل؟ هذه التحفة الكونية التي استحقت بجدارة اسمها...حين اسموها سفينة الصحراء...ثم لماذا لم يسجدوا لنحلة العسل اذا كان الاستشفاء سببا كافيا للتسليم بقداسة الأشياء؟...اليست نحلة العسل أولى بالتقديس اذا وهي صاحبة الرحيق الانجع في شفاء البشر؟

نعود لنكمل حكاية ذلك العقرب المرعب والذي اقلق راحتي...زيادة على ما كان بي من هم وغم ...ولا اظن انني نمت تلك الليلة ليس فقط بسبب ما كان يمكن ان اتعرض له في أي لحظة من جنود الاحتلال، وتلك قصة أخرى كما قلت سأرويها لكم بتفصيل لاحقا... ولكن من خوفي الشديد بان اتعرض للانتقام من عقرب اخر بعد فعلتي التي فعلت...

والصحيح انني لا اجد تفسير لما جرى ولذلك الإحساس الذي ربما انقذني من الموت او لنقل على الاقل من لدغة موجعة والم مبرح ... سوى احتمال وجود موجات لا سلكية يبثها العقرب...ربما لغايات التواصل مع اناث محتملة وبغرض التزاوج...فلتقطها جاهزي العصبي عرضا لأتنبه لوجوده...والارجح انه كان في مهمة بحث عن انثى فقد كان يبدو شرسا متيقظا، مثل الكثير من الكائنات الحية التي تزداد شراسة ويقظة اذا ما ارتفعت نسبة الهرمونات الجنسية لديها استعداد للتزاوج...

اما التفسير الاخر لما حصل فهو ان الانسان الذي يعيش في مثل تلك البيئة الخطرة والمخيفة، ويكون عليه مواجهة مثل ذلك الخطر الداهم، من زواحف قاتلة وغيرها من الكثير من المخاطر، في كل يوم، وكل ساعة، وكل لحظة، في خارج المنزل، وداخله، في الليل والنهار، في سقف المنزل وفي ارضيته، وهو نائم او وهو مستيقظ، انما يطور مع الزمن نظام دفاعي يتقوى فيه احساسه بالخطر الى ابعد حد...وبحيث يصبح جهازه العصبي جاهزا وقادرا على الإحساس بالخطر مجرد اقترابه منه...وهي ملكة مثلها مثل ملكة الفراسة التي نجدها عند أبناء الصحراء مثلا، والتي لا بد ان للبيئة دورا حاسما في تطويرها...وهي تختفي تدريجيا اذا زالت الحاجة لها...



يتبع ..سنوات الطفولة المبكرة:::