عرض مشاركة واحدة
قديم 02-12-2013, 10:22 PM
المشاركة 915
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهي الصحراء يا إبراهيم؟

واضح جدا أن إبراهيم الكوني يرى نفسه حامل رسالة، هو يقول أنها رسالة الصحراء.

وعمله الأدبي الروائي في مجمله يدور في محيط وفلك الصحراء بما فيه من ندرة وامتداد وقسوة وانفتاح على جوهر الكون والوجود.

والموت كما يراه الكوني رفيق الصحراويين، ويرى بان الصحراوي يعيش حياته وكأنه في رحلة عبور دائم إلى الموت...غرقا أو ظمأ أو ذبحا أو خنقا..لكن تباشير الحياة تلوح فوق ركام الجثث وسواقي الدم والحلوق الظمآنة، تلوح على هيئة الرحيل، رحيل رجل وامرأة بقيا فوق الأشلاء حسب ما ورد في روايته "المجوس".

وهو يرى بأن الصحراء هي السر فيما وصل إليه هو من قدرة على ألحكي الجميل، والمؤثر، وامتلاك اللسان، والمعرفة، وغزارة الإنتاج.

بل هي السر في وصوله إلى تلك المرتبة السامية، حيث يضع نفسه في مكان يقارب أمكنة أصحاب الأفكار العظيمة، والمرسلين، الذين عانوا اشد العناء،لأنهم امتلكوا المعرفة.

وما هو في ذلك إلا واحد من مجموعة الرسل الذين أتوا من هناك، من قلب الصحراء، كما يقول.

ذلك لان الصحراء هي في البعد الآخر من البعد المفقود، هي في واقع الأمر تشرف على الأبدية ..على الموت..فيها مظهر الموت ولكن الجانب الثري من الموت، كما يقول.

لكن حامل هذه الرسالة، إبراهيم الكوني، يظهر هذه المرة على صورة راوي ينقل للبشرية رسالة الصحراء.

وهو لا يستغرب أن يتعرض لما تعرض له أمثال أولئك الرسل،لأنه مثلهم امتلك المعرفة، والتي يُنظر إليها على أنها خطيئة، وهي دائما تعرض صاحبها إلى الإدانة والقصاص...ومنهم من قتل مثل سقراط.

وهو يرى بأنه يبشر بشيء جديد لم ولا تعرفه الإنسانية، بل ويريد أن يقول للبشرية جمعاء أسرار لم يعرفوها من قبل، مثله مثل باقي الرسل.

ويرى بأن ما أوصله لتلك الحالة إنما هو الصحراء، في بيئتها الاثرى، والأجمل والأنفس، فهي التي منحته القدرة على استنطاق الجينات، أو ربما استحضار ما هو موجود في بحر المعرفة، ومنسي هناك في الذاكرة، وما كان ليخرج إلى حيز الوجود على شكل حكايات وروايات جميلة، تروي قصة الوجود، والفردوس المفقود، إلا لان الصحراء في بيئتها الثرية والقاسية جعلت ذلك ممكنا.

ذلك لان الصحراء تدفعك إلى حديقة التأمل، والتأمل هو ركن الأركان في ألتجربة البشرية الروحية ، كما يقول.

وكذلك الترحال الدائم في الصحراء الشاسعة فهو نبع آخر من منابع الحكمة والمعرفة.

لان في الترحال حرية وفي الحرية تأمل، والتأمل هو الذي ينتج الأفكار.

لكن الصحراء لم تكن مصدر الإلهام الوحيد لإبراهيم الكوني.

فالغربة والاغتراب مصدر آخر للإلهام عنده، مثله في ذلك مثل حملة الأفكار العظيمة منذ بداية التاريخ وحتى الآن.

لان في الغربة كما يقول عمق.. وفي الغربة إعادة تشكيل للروح...بحيث يعيد الإنسان اكتشاف نفسه.

أي أن الغربة لا تعطي الإنسان شي من الخارج، لكنها تكشف له كنوزه الباطنية.

وهو يرى بأن الإنسان لا يغترب عبثا، أو صدفة، بل إن الإنسان يغترب حاملا بقلبه رسالة ما، ويستدل على ذلك من جديد بالرسل الذين عاشوا الهجرة والاغتراب.

فالصحراء بثرائها وقسوتها، ثم الغربة في وحشتها، والتي هي صحراء من نوع آخر، صحراء الروح، هي قدر إبراهيم الكوني كمايقول..ذلك لان القدر أراد له أن يحمل رسالة ما.

وهو يرى بأن للعزلة بالذات يرجع الفضل للفوز بذلك الكنز النفيس، الذي هو حتما كنز المعرفة والإبداع، وربما أن هذا هو السبب الذي دفعه للعزلة في قمم جبال الألب، صحراء الثلج هذه المرة، ربما ليختبر ما اختبره الفيلسوف نيتشه أبو الوجودية والذي اعتزل الناس لسنوات ثم عاد لهم حاملا رسالة الزردشتية الجديدة والتي احتوها كتابه " هكذا تكلم زردشت" والذي يستنطق نيتشه فيه نبي الزردشتية ليوصل لنا رسالته الوجودية.

وربما جاءت عزلته ليعيش طقوسا هي أشبه بطقوس الصوفية لعله يصل إلى الإلهام الصوفي ويمتلك المعرفة.

وقد جاء امتلاكه لتقنيات السرد الجميل، لتنفيذ تلك الرسالة. لان كل رسالة، كما يقول، تحتاج إلى تقنيات دنيوية، ليكتمل استنطاق واستحضار ما كمن في الذاكرة، وليتمكن حامل الرسالة من أن يغرف من كنوز المعرفة الباطنية.

فكان سعيه لامتلاك أدوات استنطاق واستحضار المعرفة. كما أن إتقانه إلى اللغة بل اللغات، إنما جاء وسيلة لتجسيد هذه الرسالة، أو لتمرير هذه الرسالة، أو للتعبير عن هذه الرسالة، التي مصدرها كنوزه الداخلية، الباطنية، والتي تكشفت له، لان قدره دفعه إلى حديقة التأمل، حيث أنبته في الصحراء ليعيش أول عشرسنوات من حياته، تلك الصحراء التي يرى بأنها المكان الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يزور فيه الموت، ويعود حي من جديد، ثم دفعة قدره إلى صحراء الغربة ليعيش في عزلة وتأمل من نوع ثاني وحتى هذه اللحظة.

تلك الرسالة هي رسالة الصحراء كما يقول. وانه هو حامل وناقل رسالة الصحراء، التي يراها عظيمة، بل هو يرى انه لا ولم يكن هناك أعظم من رسالة الصحراء..

ذلك لأنها بَعثت إلى الوجود كل الأفكار، التي ما زالت البشرية تستنير بها إلى اليوم، ليس الديانات فقط، بل كل الأفكار العظيمة التي صنعت الحضارة.

يتبع،،