عرض مشاركة واحدة
قديم 05-12-2012, 11:26 AM
المشاركة 556
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
76- القبر المجهول احمد ولد عبد القادرموريتانيا
بنية الخطاب ودلالتها في رواية القبر المجهول لأحمد ولد عبد القادر :
مساهمة في الكشف عن خصوصية السرد الموريتاني
لمحمد الأمين ولد مولاي إبراهيم
تقديم : سعيد يقطين
1 . تتطور الدراسات السردية العربية باطراد . و تظهر بين الفينة والأخرى إسهامات تسلك الطريق نفسه ، وتتفاعل مع المنجزات السابقة حوارا وإغناء . هذا الوضع لا يمكن إلا أن يدفع في اتجاه تأكيد أن التراكم مهم جدا في هذا المضمار . و لا يمكن في نطاق الوضع العربي الحالي إلا تثمين هذا المنحى من الاهتمام و الدراسة وتشجيعه . واتخاذ الموقف السلبي من هذه التجارب ، وكيفما كانت االذرائع ، لا يمكنه إلا أن يكون ضد مجرى التحول الذي يعرفه مسار البحث السردي العربي . ولا يمكن أن يكون مآل هذا الموقف في النهاية إلا الفشل الذريع لأن مايتحقق باستمرار يوحي إلى أن هناك إصرارا على الاستمرار ، وبذل المزيد من الجهد والعطاء.
1 . 1 . لقد أتيح لي في الآونة الأخيرة ( 1) أن أطلع على أعمال عربية تؤكد ما أومأت إليه أعلاه . تشير هذه الأعمال إلى أن هذه الإسهامات لا تتوقف على بلدان عربية عريقة في مجال الإبداع السردي ( مصر ، سوريا ، العراق . . . ) و لا تقتصر على الاهتمام بالبحث فيه والتنظير له ( المغرب ، تونس ، مصر . . . ) ، لأنها صارت تأتينا من بلاد عربية لا نعرف ، لأسباب تاريخية واجتماعية ، أشياء ذات بال عن إبداعها السردي ، وانشغالات باحثيها و دارسيها بالقضايا السردية مثل اليمن ، وليبيا ، وموريتانيا . . .
1 . 2 . إن الإنصات إلى هذه التجارب ، سواء على المستوى الإبداعي أو النقدي ، ضروري لتطوير فكرنا الأدبي عامة والسردي خاصة ، نظرا لما يمكن أن تزخر به التجارب المختلفة من غنى وتنوع يساهم في إثراء الكل الذي تنتمي إليه . وأي تعال أو إحساس بالتفوق في هذا المجال ، ومهما كانت أسبابه أو مبرراته ، لا يمكنه إلا أن يوازي الموقف السلبي من الدراسات السردية الجديدة ، لأنه ضد التحول ، والتطور ، اللذين نعدهما رهان الإنسان العربي الحديث.
2 . نعرف في عالمنا العربي ظاهرتين لا يمكن إلا أن ننعتهما بالسلبية . هذان الموقفان هما :
2 . 1 . الموقف السلبي من الجديد فقط لأنه جديد ، وإن كانت تقدم تبريرات لا وجاهة لها . وإلى الآن ما يزال هذا الموقف يبدو بأشكال متعددة في الكتب والجرائد ضد الاتجاهات النقدية العربي الجديدة ، بذريعة ” انتمائها ” أو ” ا ستلهامها” أو محاكاتها للنظريات الغربية.
2 . 2 . التمييز بين مكونات العالم العربي ، والمفاضلة بينها : فهناك من جهة المشرق أولا ، والمغرب ثانيا . وهناك من جهة أخرى داخل القسمة نفسها ، مشرق مركز ( مصر ، الشام ، العراق… ) ، ومشرق هامش (اليمن ، عُمان …) ، ومغرب مركز ( المغرب ، الجزائر ، تونس ) ومغرب هامش (ليبيا ، موريتانيا ) . هذا التمييز بنوعيه ، وذاك الموقف السلبي من الجديد ينبنيان على مواقف جاهزة ومسبقة سلفا . ومن نتائجها على المستوى الفكري والثقافي ممارسة السجال مع الأفكار الجديدة بدل قراءتها ومحاورتها ، من جهة ، وممارسة التهميش وعدم الاهتمام بكل ما ينتج خارج ” المركز ” .
هذان الموقفان ، لايمكنهما إلا أن يساهما في عرقلة أي تطور منشود ، كما أنهما لا يمكن إلا أن يشوشا على أي انفتاح إيجابي على مختلف العطاءات والاجتهادات العربية مهما كان فضاء انتمائها . لكن الاقتناع بجدوى الانفتاح على فكر الآخر والاستفادة منه ، والانفتاح على مختلف الاجتهادات العربية في مختلف البلاد العربية فموجود كذلك لدى فئات واسعة من المثقفين والناشرين . وهؤلاء هم الرهان الأساس لتجاوز كل مثبطات التطور ومعوقات التقدم…
3 . تأتي أهمية عمل الباحث محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم حول : ” بنية الخطاب ودلالتها في رواية “القبر المجهول أو الأصول ” لأحمد ولد عبد القادر ( مساهمة في الكشف عن خصوصية السرد الموريتاني ) ” لتصب في مجرى التطور الذي بدأت تحققه الدراسات السردية العربية من جهة ، ولتبرز من جهة ثانية أن هذه المساهمة تأتي من باحث من موريطانيا . ومعنى ذلك بعبارة أخرى أكثر ابتعادا عن المساجلة ، وأكثر انفتاحا على المستقبل ، أن السرديات تتطور في دراساتنا الأدبية ، وأن ما اعتبر أطراف العالم العربي صارت له إسهاماته في هذا المضمار . ولا يمكن والحال هذه إلا التأكيد على حيوية هذا المسار الجديد الذي لم يتحقق في أي حقبة من تاريخنا العربي الحديث .
3 . 1 . إن لهذا الكتاب قيمة خاصة في الدراسات السردية العربية الحديثة . وتبرز هذه القيمة من خلال مايلي :
3 . 1 . 1 . إنه طليعي في مجاله ، لأنه يقدم أرضية تركيبية وتأسيسية للأدب العربي في موريطانيا بصفة عامة ، وللسرد بصورة خاصة . يؤطر الباحث هذا الأدب في النطاق الاجتماعي والثقافي للمجتمع الموريطاني الحديث ، ويضعه في إطار تحولات المجتمع والأدب العربيين . وبذلك يثبت الروابط المتينة التي تصل بين مختلف مكونات العالم العربي . وهذه الأرضية بقدر ما تقدم معرفة ، وتفيد غير المطلع ، وغير المواكب لما يمور في هذه الرقعة من عالمنا العربي ، تساعد القارئ العربي في موريطانيا على تشكيل تصور متكامل ، وتدفعه إلى الإسهام في هذه التجربة حوارا ونقاشا لا يمكن إلا أن يثمر على المستوى المتوسط و البعيد .
3 . 1 . 2 . لا يقف هذا العمل عند حدود تقديم صورة تركيبية لواقع الأدب الحديث في موريطانيا ، ولكنه أيضا يقدم معرفة ببعض ما يتميز به السرد العربي في موريطانيا من أنواع ( مثل الأقفاف والبراوة … ) ظلت مجهولة لدى القاريء العربي ومقصاة من دائرة الاهتمام من لدن الباحث الموريطاني . وأعتبر شخصيا أن من أهم حسنات الاهتمام بالسرد في أدبنا العربي الحديث من وجهة نظر جديدة ، تبرز في تنبيهنا إلى العديد من الأشكال والأنواع السردية والأدبية التي يحفل بها أدبنا قديما ، والتي لم نلتفت إليها تحت تأثير هيمنة “الشعري” على تصورنا للإبداع الأدبي . ولعل المجتمع العربي في موريطانيا يزخر بتراث سردي شفاهي لم يتم الالتفات إليه والاهتمام به . ولا أشك في أن الباحث محمد الأمين وزملاءه سيضطلعون بمهمة البحث فيه ، والعمل على جمعه وتدوينه ودراسته . ولا يمكن إلا التأكيد على أن هذا الصنيع يفيد كثيرا الدرس والإبداع العربيين معا ، بما يختزنه من إمكانات وطاقات . كما أن اهتمام الباحث بالسرد في موريطانيا يكسر لدى القارئ أسطورة الشعر في مويطانيا ذات المليون شاعر ، ويثير انتباهه إلى أنها أيضا بلد السرد ، ويمكن انتظار الشيء الكثير من كتاب السرد العربي في موريطانيا إذا ما أحسنوا الإنصات إلى السرد الشعبي واهتموا بما يختزنه من تجارب وعطاءات .
3 . 2 . لم يكتف الباحث في هذا الكتاب بتقديم المعرفة عن هذا الفضاء الثقافي ، ولكنه زاوج بين النظري والتطبيقي ، فأبان عن قدرة فائقة في استيعاب وتمثل النظريات السردية الحديثة ، وأحسن التفاعل مع العطاءات العربية في هذا المضمار ، فقدم لنا بذلك تجربة متميزة سواء في قراءته لرواية القبر المجهول من حيث بنياتها الخطابية أو النصية . فوقف على خصوصياتها السردية ، وعوالمها الدلالية . وبذلك نؤكد أن السرديات العربية تتطور باستمرار ، وتتطور باطراد بمساهمة باحثين ودارسين من مختلف البلاد العربية ، ودونها الشيء الكثير الذي ينتظرها في سبيل التطور حتى تساهم في بلورة رؤية جديدة لإبداعنا العربي قديمه وحديثه ، وما اعتبر منه “عالما ” أو ” شعبيا ” أو ” مركزيا ” أو “محيطا ” لأنه بدون الاهتمام بمختلف هذه العطاءات تظل رؤيتنا محدودة ، وقاصرة عن الشمول الذي يتميز به العالم العربي .
3 . 3 . أملي أخيرا ، أن أرى أعمالا أخرى للباحث محمد الأمين ولد مولاي إبراهيم تتصل بالسرد العربي في موريطانيا الحديثة والقديمة ، وبالسرد العربي قديمه وحديثه . وآمل أن يتواصل الحوار والنقاش حول السرديات العربية حتى تنتقل إلى مستوى علمي رفيع في ثقافتنا . ومثل إسهامات الباحث في كتابه هذا الذي سررت بتقديمه تفتح مجالا رحبا للأمل، والثقة في المستقبل . سعيد يقطين