عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
9142
 
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي


رقية صالح is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,577

+التقييم
0.50

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8808
01-29-2011, 11:46 PM
المشاركة 1
01-29-2011, 11:46 PM
المشاركة 1
افتراضي الالتزام في الأدب بين الغرب والعرب

الالتزام في الأدب بين الغرب والعرب




ارتبط مفهوم الالتزام إلى حدّ بعيد بمفهوم الأدب نفسه، ومدى علاقته بالحياة، وبالدور الذي يقوم به الأدب في توجيه هذه الحياة. والحديث عن العلاقة بين الأدب والحياة، يبيِّن روعة الأدب وقيمته رهناً بمدى ما يتحقق فيه من نقد للحياة. فالنقد يتطلب تفهم الحياة أولاً، والأديب لا يمكنه تفهُّم الحياة إلا من خلال تجاربه ومعاناته الصميمة لها، وانخراطه في هذه التجارب وهذه المعاناة إلى أبعد مدى، حتى يدرك دقائق الحياة وتفصيلاتها، وحتى يقف فيها على العناصر الجوهرية الكامنة في أغوارها، والمسببة لوجودها. ومن شأن الأديب بعد ذلك أن يكشف كل هذه الخبرات وينقلها إلى الآخرين.


إذاً، فقد نشأت فكرة الالتزام بشكل عام في العصور المتقدمة، نتيجة لاحتكاك الأديب بمشكلات الحياة التي يعيشها وإدراكه لخطورة الدور الذي يقوم به إزاء هذه المشكلات. ومن ثم تحدد مفهوم الأدب بأنه نقد للحياة. ومعنى ذلك أن على الأديب أن يحتكّ بمشاكل عصره وقضاياه، حتى يتمكن من أن يجعل من قوة التعبير الفني وسيلة فعالة في تنبيه النفوس إلى ما هي رازحة فيه، وتوعيتها بواقعها ومصيرها.


والمفترض في الأديب أن يكون على قدر من العلم والثقافة والخبرة، فضلاً عن دقة في الملاحظة وإدراك سليم للأمور وحسّ مرهف، إلى جانب الحب للكتابة والموهبة الفطرية التي عليه أن يداوم على تغذيتها وصقلها. هذه الميزات تدفعه أن يعيش في خضم المجتمع ومشاكله وقضاياه، بل وتشده إليها شداً.


ولا شك أن لكل مجتمع قضاياه المحلية الخاصة، وهي قضايا قد تتشابه في مجتمع أو آخر لكنها مع ذلك تبقى قضايا محلية. وانهماك الأديب في القضايا العامة التي تهم الناس وتمس حياتهم اليومية تجعله قريباً منهم، يشعرون به وكأنه واحدٌ منهم، لا منزوياً في عالم خاص به وحده.


والذين يعادون هذه الفكرة يحسبون أن التزام الأديب بقضايا مجتمعه يعني بالضرورة اشتغاله بالمشكلات اليومية المعاشية، وأن هذا من شأنه أن يحطّ من جلال الأدب. وهذا التصور خاطئ، فالأدب لا يستمد جلاله وروعته من جلال الموضوعات وروعتها، وإنما تتحدد قيمة العمل الأدبي بالأثر الفعال الذي يتركه في نفوس الناس، أياً كان الموضوع الذي يتناوله.


فهذه المشكلة اليومية البسيطة تشكل في مجموعها آخر الأمر صورة الحياة التي يحياها الناس. وإذا كان المفترض بالأديب أن ينقي صورة مجتمعه من الشوائب، وأن يتطور بها إلى صورة أرقى يمارس فيها الإنسان حياة كريمة تسودها ويعمّها الخير، فإنه بذلك يكون قد حقق أجلّ الغايات.


أما عند العرب، فقد نشأت فكرة الالتزام عندهم منذ عهد بعيد يعود إلى عهد البداوة والصحراء، وقد تجلّى ذلك بوضوح في جميع سمات ومظاهر الأدب الجاهلي. ذلك أن العرب كانت تؤمن بقيم ومعايير أخلاقية متعددة الجوانب، تستقطب شوامخها عند سجية بارزة عليهم وهي الفروسية وما تجرّ من مكارم. فكان لزاماً على الشاعر العربي أن يلتزم ذلك في شعره ولا يهمل تلك الروح في ما ينشد ويقول. وقد كتب العديد من الشعر الملتزم لدى أكثرية الشعراء من عرب الجاهلية.


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)