عرض مشاركة واحدة
قديم 01-15-2011, 11:59 PM
المشاركة 3
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
*الفصل الثالث *


* القرار *


انتهى الكلام ، وبدأ شعور نادية الاعتيادي بالعودة إليها ، وكأنها كانت قبل غائبة في ملكوت أخرى ، لم ترد ، لم تتكلم ، اعتصمت في غرفتها، سكتت ، وجمت ، سكنت ، أما عقلها ، فكان يتحرك بسرعة ، تزن الأمور ، ماذا تتصرف؟!. .
استيقظت نادية في اليوم التالي في ساعة متأخرة ، عرف أولادها أن هنالك حدث عظيم يشغلها ، فلم يزعجها واحد منهم ، بل تصرفوا بكل هدوء ، وكأنهم غير موجودين ، فلم تسمع لأحدهم صوتاً . .
اتجهت إلى جهاز الهاتف ، طلبت زوجها ،وطلبت منه الحضور إلى البيت ، ثلاثون دقيقة ، وكان زوجها جالساً أمامها . .
*احك لي القصة كلها ، لا أود الجدال ، ولكن أود معرفة كل شيء ، كل التفاصيل ،
أطرقت أرضاً ، وأطرق زوجها أرضاً ثم بدأ الحديث . .
* بعد زواجنا بعشر سنوات ، وكنت في منتهى السعادة ،لا ينقصني شيء ، جاءني صديق لي بدعوة إلى حفلٍ يقيمه بمناسبة حصوله على أرباح كبيرة من أحد مشاريعه ، وقبلت الدعوة مجاملةً لظروف عمل الشركة . .
فوجئت بأن الحفل كان كبيراً منظماً ، جلست بجانب صديقي وعرفني على أهله وأقربائه ، واهتم بي اهتماماً غير عادي ، استغربت له وقتذاك ، وكان بين الحاضرين فتاة تجلس بجانب زوجته عرفني عليها أنها شقيقتها ، وبعد فترة زارني صديقي ذاته في مكتبي لشؤون عملنا المشترك ، وعرض عليّ مباشرة وبدون مواربة أن أتزوج أخت زوجته ، واستنكرت ذلك بشكلٍ كبيرٍ وضحكت لتلك الفكرة السخيفة ، ولكنه عاد بعد مدة وفتح الحديث مرة ثانية ، وثالثة ، وسهّل لي الأمر كلّه ، تزوجها بالسر ، إن إمكانياتك تسمح بذلك ، لن يكون لها أية متطلبات ، لن يؤثر ذلك على عائلتك ، وشيئاً فشيئاً تمكن الشيطان من تحويل مجرى تفكيري ، وهذا هو خطأي الذي لا يمكن أن استهتر أو استخفي منه . . وتزوجتها ، وكنا نتقابل لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات يومياً خلال فترة قبل الظهر فقط ، كنت كأني مسحور ، كأن تفكيري معطل ، حتى جاء اليوم الذي أخبرتني فيه أنها حامل ، ولم أدرِ ، أأفرح أم أحزن ، لقد صدمت ولم أقل إلا : الحمد لله على كل حال ، وانتهت فترة الحمل ورزقت بصبي سميته محمود وعمره الآن ثماني سنوات. .
ساد الصمت الثقيل لدقائق طويلة ، حتى قطعه عادل . .
* لقد قلت لك كل التفاصيل ، وأترك لك أن تطلبي ما تريدين ، وأعدك بأنني سأنفذ طلباتك بدون أدنى اعتراض أو تبرم..
* حسناً ، يمكنك العودة إلى عملك ، إن ذهني مشوش ، وأحتاج وقتاً أطول للتفكير..
لم يبق لدى نادية شيئاً لتسأل عنه ، لقد أعلمها بكل شيءٍ طلبته ، ولم ينكر خطأه وخيانته ، و ترك لها حرية كاملة في اختيار ما ترغب . .
قضت فترة بعد الظهر متثاقلة لم تذق فيها طعاماً، ثم جاءت فترة المساء، واتبعتها فترة الليل ونادية ساهمة تفكر و تفكر ، حتى هداها تفكيرها إلى الحل الذي وجدته مناسباً . .
وما إن قرّ قرارها بشكل نهائي ، حتى ذهبت تستريح و تأخذ قسطاً من الراحة ، فلديها في الغد يوم مشهود . .
في التاسعة من اليوم التالي ، اتصلت بزوجها و طلبت منه الحضور إلى البيت ، وهو يكون عادةً في مثل هذا الوقت متجهاً إلى بيته الثاني . .
وما أن حضر حتى بادرته قائلة . .
*أرجو ألا تقاطعني ، ! أولاً سنذهب أنا و أنت الآن إلى بيتك الثاني!!..
تغير لون عادل ولم يحر جواباً ثم تلعثم . .
*كيف؟!..لماذا؟!!..
* سأقول لك عندما نصل هناك..
* قولي لي ، أنا لا أريد الفضائح ، وزوجتي ليس عليها ذنب فيما حصل، فالذنب ذنبي . .
* لا عليك..سنذهب أنا و أنت إلى بيتك الثاني كي لا يكون هنالك فضائح..وإذا لم تذهب معي فسوف أذهب وحدي!!..
وتحت إصرارها ، ركبا في السيارة معاً وتوجها إلى الطابق الرابع ، في العمارة الفخمة ، سبقته ثم نظرت إليه ثم طرقت الباب ، وما هي إلا هنيهة ، إلا وأطلت زوجته الثانية التي وجدت زوجها عادل مع زوجته الأولى أمامها مباشرة ، وكادت أن تسقط من هول المفاجأة ، ابتدرها عادل . .
* لقد حضرنا سوياً بناءً على طلب نادية . .
دخل البيت و أفسح المجال لنادية فدخلت وراءه ، وقصد غرفة الاستقبال والزوجة الثانية مبهورة من هول الموقف ، وابتدرتها نادية . .
* أرجو أن تجلسي ، فلدي من الكلام ما يهمنا نحن الثلاثة!!..
وما أن جلست ، حتى بدأت نادية الكلام بكل ثقة وقوة ، قالت موجهة كلامها لزوجها. .
* زوجي العزيز ، لقد خنت عشرتنا ، وما كسر بيننا لا يمكن إصلاحه أبداً ، ولم أجد لك أي عذر يخفف من خيانتك . .
* أما أنت يا ليلى ، فأنا لا أجد لك عذراً ، فلو كنت قبيحة ، أو كبيرة في السن ، أو كنت من عائلة فقيرة ، فقد أبحث لك عن عذر ما ، أما أن تتزوجي في السر رجلاً متزوجاً ، فلا أجد لك في ذلك أي سبب مقنع . .
* لقد قررت أن أجمع الأولاد سوياً في بيت واحد ، هو بيتي ، وقد بنيناه بالجهد والصبر ، وسوف نعيش كلنا تحت سقف واحد ، أرجو أن نتفق على موعد لاجتماع عائلتينا للتعارف ، و من ثم للانتقال . .
تكلمت ليلى ، الزوجة الثانية . .
* كان عادل في كل جلساتنا يحدثني عنك ، عن جمالك وتربيتك ، عن صبرك على الشدائد ، عن تربيتك المثالية لأولادكما ، وكنت أغار من هذا الحديث ولا يمكنني أن أعترض أو أن أعلق عليه ، ولكن بعد اليوم ، أقول بأن عادل لم يفيك حقك فأنت أكرم من عرفت ، وأتمنى أن نكون أختين في يومٍ ما ، إنني تحت تصرفك وليس لدي شروط حتى أنتقل إلى بيتك..
كاد عادل أن يذوب في مقعده ، ولم يظن لحظة واحدة بأن تلك العاصفة الشديدة التي عصفت بحياته ، ذلك السر الذي حمله ثماني سنوات وكابد به نفسه ، أن ينتهي بمثل هذا الحل الذي جاء من زوجته ، التي خان عشرتها بدون ذنب تقترفه وبدون أدنى تقصير منها ، ولم تحاســـــبه بأي تصرف أو قول ينتقص من قيمته و هيبته ، قالـــت له . .
* ماتزال أباً لأبنائي . .
كان حسابها له فقط نظرة واحدة ، تمنى وقتها لو أن الأرض قد انشقت و ابتلعته قبلها ، قال في نفسه . .
"لو لم أولد لكان أفضل لي " . .
في نفس اليوم ، استقرت الزوجة الثانية مع ولدها في بيت نادية و تعرف الأولاد على بعضهم وكانوا في منتهى السعادة لاكتشافهم أن لهم أخاً في الثامنة من عمره ، وكان الجميع يشعر بالبهجة لانتهاء الأزمة ، عدا نادية ، التي دارت نفسها المكسورة و ذهبت لتعد شيئاً من القهوة . .
و سقطت من عينها دمعة حرّى وهي تحدث نفسها قائلة : لن أظلم أولادي أبداً . .

* انتهت *

**أحمد فؤاد صوفي **