عرض مشاركة واحدة
قديم 01-15-2011, 11:59 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* الفصل الثاني *


* الخطة الجريئة *



في اليوم التالي ، كمنت نادية في سيارتها أمام شركة زوجها ، وعند العاشرة تماماً رأته يخرج من باب الشركة ويركب سيارته وينطلق بها ، دقائق عدة وهي وراءه ، أوقف سيارته أمام عمارة فخمة وترجل منها ، هرول حارس العمارة نحوه ، يسلم عليه ، وكانت نادية وحتى هذه اللحظة ، لا تفهم شيئاً مما تراه أمامها ، ولا تضع لنفسها إلا الاحتمالات الحسنة ، هكذا تربت ، وهكذا عاشت . .
عادت نادية إلى البيت ، بعد أن زادت وساوسها ، عادت كي تضع خطة عمل تمكنها من كشف غموض زوجها ، بطريقة لا تمسه لو أن شكها كان في غير محله . .
وضعت الخطة ، وجهزت كل ما يلزم ، وبدأت التنفيذ ، وضعت على رأسها شعراً مستعاراً منسقاً بطريقة حديثة يناسب البنات المراهقات ، ووضعت لعينيها عدسات ملونة ونظارة حديثة كبيرة ، ولبست بنطالاً وبلوزة من ألوان فاقعة مع كثير جداً من الاكسسوارات ، وحذاء ملوناً ذا كعب مرتفع ، ويممت وجهها صوب العمارة الفخمة التي دخل إليها زوجها ، وفي طريقها اشترت بعض علب الحلوى و غلفتها بطريقة مميزة ، ووضعت عليها ملصقاً باسم المحل الشهير، وقفت بسيارتها في مكانٍ منزوٍ و ذهبت مباشرة إلى العمارة . .
كانت الساعة تعلن الواحدة ظهراً وتأكدت أن زوجها متواجد في مكتبه ، سألت الحارس عن رقم شقة السيد عادل (زوجها) ، صعدت إلى الدور الرابع حيث توجد الشقة واقتربت ببطء ، قرأت على لوحة الباب اسم زوجها ، بدأ قلبها يدق بشدة ، وشعرت أنّ صوت دقاته مسموع بوضوح ، لكنّ مشاعر الشك والفضول والاستغراب والتعجب ، قوّت من عزيمتها، ولم تترك أمامها فرصة للتراجع ، استجمعت شجاعتها، ثم طرقت الباب . .
هنيهة بسيطة وفتح الباب ، أطل منه طفل ينظر إليها بفضول بريء ، أن ماذا تريدين؟!..
* هل السيد عادل موجود؟. .
* كلا . . بابا في الشغل . . الماما موجودة . . سأناديها لك . .
لحظات فاصلة ، شعرت نادية أن قلبها قد غاص في أعماقها ، شعرت وكأنها قد غادرت هذا العالم إلى عالم آخر ما فيه من بشر ولا فيه شيء آخر، فقط فيه السكون ، توقف تفكيرها تماماً ، تمنت أن تكون في غرفتها ، في بيتها، كي تستجمع أطراف قلبها ووعيها ، كي تسترد بشريتها ، قطع الصمت صوت نسائي ناعم . .
* ماذا تريدين . . تفضلي ؟!..
قالت متلعثمة . .
* هذه الأغراض للسيد عادل . . هل هو موجود؟..
* كلا . . إنه في عمله الآن . . أنا زوجته . . يمكنني استلام الأغراض!!..
لم تصدق نادية نفسها ، كيف سلمت الأغراض ، كيف وصلت سيارتها ،وكيف وصلت غرفتها ، كانت في عالم آخر ، لم تستطع أن تضع له تفسيراَ، ولم تتمكن من الإحساس بأي شعور ، فهي ليست حزينة وليست غاضبة وليست مريضة، لقد توقف لديها كل أثرٍ من شعور، ولم يخطر ببالها إلا الهروب. .
ذهبت إلى أمها على أساس أنها زيارة عادية وأنها تشعر بإرهاق، ودخلت غرفتها القديمة وبقيت مع نفسها، تتجاذبها الأفكار من كل جانب ، لا صديق لديها إلا قهوتها ولا أنيس إلا وحشتها، ماذا تفعل؟!.. وكيف تتصرف؟!..
هذا الموقف كبير عليها ، لم تتعود على مثله ، وضغطت على نفسها في المساء لتستجمع شتات نفسها وتتصل بزوجها تعلمه أنها ستبيت ليلتها لدى أمها، وذلك كي تكسب لنفسها يوماً آخر، و تستجمع فيه شجاعتها المحطمة. .
وبقيت لدى والدتها يومين ، وهداها تفكيرها إلى خطة جديدة ، قررت مواجهة زوجها ، مجابهة صريحة مباشرة ، كي تكون مفاجئة له ، وتفهم كل شيء بعدها..
ذهبت إلى العمارة الشهيرة ، إلى سيارة زوجها الرابضة أسفلها ، وفي الوقت الذي يغادر فيه زوجها العمارة عائداً إلى عمله ، استخدمت المفتاح الاحتياطي للسيارة، دخلتها ، وجلست داخلها. .
دقائق مرّت كأنها دهر ، وإذ بزوجها يحضر من بعيد ، ولم يتنبه لوجودها بسبب انعكاس أشعة الشمس على زجاج السيارة ، وما أن فتح الباب ووقعت عيناه على عيني زوجته حتى تجمد مكانه ، وتجمدت مكانها، وتوقف الزمن . .
لم ينبسا ببنت شفة ، لم ينظر إليها ، كل ما فعله أن تحرك بالسيارة صوب البيت، نزلا سوياً ، ودخلا البيت سوياً ، ووصلا غرفتهما ، وأغلقا عليهما الباب، ومرّ الصمت ثقيلاً ثقيلاً ، كلٌّ يجلس قبالة الآخر ساهماً ، اختفت الأصوات ، فلم يبقَ إلا أنين الصمت . .
قام عادل يتمشى في الغرفة جيئةً و ذهاباً ، ونادية تجلس على طرف السرير تنظر إلى الأرض ، لا معنى لنظرتها ، ولا تعبير على وجهها. .
قال عادل وكأنه يحدث نفسه:
* المهم أني أحبك ، بل أعشقك بكل جوارحي ، شعوري هذا و حبي لم يتغير مذ أن تزوجنا وحتى الآن ، ولا أرى لنفسي أي حقّ أن أطلب منك مسامحتي ، سأترك لك أي تصرف تفعلينه و أي قرار تتخذينه مهما كان صعباً أو قاسياً ، سأقبل به بدون أي نقاش ودون أي جدل . .
ولكن تأكدي أني أحبك. . ولا أتمنى لحظة واحدة أن تبعدي عني مهما كانت الأسباب . .


* يتبع *