عرض مشاركة واحدة
قديم 07-31-2017, 03:29 PM
المشاركة 2
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
وفاة الجدة
مضت ثلاثة أعوام على وفاة والدة شهد وزواج والدها ...تقبل الجميع الأمر وتعايشوا معه إلا شهد التي راحت تتصرف بجمود مع زوجة أبيها تعاملها كما لو انها قاتلة امها وتتجنب ابنتها التي حاولت التقرب منها . و صارت مقربة جدا من جدتها لدرجة أنها تقضي معظم الوقت عندها ، لكن الجدة طاعنة في السن وهذا الكبر سبب لها أمراض كثيرة ، خشي الأب من صدمة ثانية قد تصيب ابنته إن حدث لجدتها مكروه أمامها ؛مما دفعه لمباعدة فترات الزيارة ، ذلك القرار قد أزعج شهد مع أنها أدركت السبب. لكنها لم تبد ذلك كما اعتادت و حملته في قلبها كباقي الأمور المزعجة التي تكنها في الأعماق .
وفي أحد الأيام و بينما شهد في المدرسة وصل لوالدها خبر وفاة الجدة التي كانت قد نقلت الى أحد المشافي في الليلة السابقة ، عادت شهد لترى شحوبا في وجه والدها الذي كان قد طلب من المدرسة إعادة الطفلة باكرا ، طلب من شهد القدوم الى غرفته حيث كانت زوجته تطعم الطفل جود الذي بلغ عامه الثالث ... جلست شهد الى والدها الذي بدوره راح يداعب شعرها بينما يخبرها الأمر فقال : صغيرتي ، تعلمين أن الإنسان كلما كير بالسن كلما كان عرضة للمرض و أنه إذا اشتد المرض ولم يفلح أي دواء فأن الموت يكون رحمة و راحة للمريض .
شهد : أجل أبي ، أعلم .
الوالد : وتعلمين أيضا أن جدتك كبرت بالسن و لم تعد تحتمل الألم .ويجب عليها أن ترتاح .
شهد : تريد أن تقول أن جدتي رحلت ؟
أصيب الأب بحالة من جمود فأكملت قائلة :هل سيأتي التوأم؟
الأب : تعنين خالاك فادي وشادي ؟ أجل فادي موجود لكن شادي لا ؛ سيصل قبل الدفن بقليل.
شهد: هل ستسمح لي برؤيتها؟ فأنا لم أرها منذ مدة طويلة جدا لا أذكر كم تبلغ . أم أنكم ستمنعونني ؟ كما فعلتم حين رحلت أمي .
خالتها : عزيزتي أظننا زرناها الأسبوع الماضي . غير أنه لا يمكنك رؤيتها .
شهد (ساخرة ) : هل كان هذا قبل أسبوع ظننته شهرا أو ربما كان عاما ،فزيارتنا لها باتت كهطول المطر في تموز.-نظرت لأبيها - لما لا استطيع رؤيتها ؟ هناك ما أود تذكيرها به.
الوالد : صغيرتي ، سيكون صعبا علي رؤيتها تدفن فكيف ستتحملين أنت ؟
شهد : ألهاذا لم تسمح لي بتوديع أمي ؟
الخالة : عزيزتي سيكون الأمر قاسيا جدا عليك .
نظرت شهد بغضب الى خالتها وقالت: هل تعلمين ما هي القسوة ؟ القسوة ، أن تعيشي في بيت لا يربطك بساكنيه أي صلة… القسوة، أن تحرمي من التعبير عما في داخلك… القسوة...أن تري أعز شخص يحتضر أمامك دون فعل أي شيء سوى سماع أنينه .
ذعرت زوجت الأب مما سمعت فاندفعت تمسك بذراعي الصغيرة قائلة :كيف لطفلة مثلك أن تقول كلاما كهذا ؟ نحن عائلتك و أنت التي ترفض التعبير عما يجول في خاطرها … و أيضا لم تري أحدا يحتضر...هاذا لم يحدث.
شهد : بلى فعلت ، لم أكن نائمة لحظة موت أمي … بل و أكثر ...سمعت كلماتها الأخيرة أيضا .
أيقظت كلمات شهد الوالد من حالة أشبه بالغيبوبة فأمسك بيدي الصغيرة وعيناه تسكبان الدموع و هو يرى نظرات شديدة الهدوء في عينيها وكأنها فقدت المشاعر ،قال لها وهو يحاول تمالك أعصابه : انت تعلمين أنه و بالرغم من كوني زوج والدتك إلا أنك ابنتي التي لن أتخلى عنها… أرجوك قولي أنك ترينني والدك... أرجوك .
راحت شهد تمسح دموع والدها برفق وهي تبتسم وقالت: بالطبع أنت أبي … أبي الذي أحبه جدا .
الوالد : أشكرك حبيبتي ...ولديك جود اليس اخاك المفضل ؟!
شهد :أجل جود ... كدت أنسى...لكنه طفل لا يفقه شيء .
الوالد :صغيرتي، هل حقا ما قلته بشأن والدتك ؟هل كنت مستيقظة؟ هل قالت شيء عني ؟
مسحت شهد رأس والدها وقالت : قالت أنك الأفضل على الإطلاق ، وقالت انك لم تكن لتتركها إن مات الصغير كما فعل زوجها السابق. رغم أن جدتي أرادت ذلك ،إلا أنك كنت ستقنعها . كنت ستفعل ...صحيح؟
همس الوالد في اذن الصغيرة: طبعا ما كنت لأتركها فهي اجمل شخص في العالم وانت تعلمين كم أحببتكما...هل هذا كل ما قالته ؟
أخذت نفسا عميقا قبل أن تجيب : لا لكن ما بقي من كلام كان يخصني أنا و جود .
قبّل الأب رأس ابنته وطلب منها التحضر لتوديع الجدة قبل الدفن . ساد صمت عميق المنزل فلم يصدر أي صوت سوى صوت الصغير جود الذي كان يلعب بدميته على السرير … بعد وقت وجيز عادت شهد لتحدث زوجة أبيها التي كانت لاتزال متأثرة بما حدث أمامها نادتها لكنها لم ترد … فهزتها بيدها قائلة : أي لون أفضل ؟
التفتت اليها و ردت قائلة : لا يهم ، لا أحد يلوم من في سنك .
-لكنني أخشى أن ألبس لون قاتما فيقال أنني أحاول تقليد الكبار .
-إذا ألبسي لونا زاهيا .
-إن فعلت هذا فسيقول الناس أن خالتي لا تهتم لموت جدتي … وأنا لا أريد أن يقول أحد ذلك عنك .
نظر والدها لها وقد أدرك أنها تحاول إغاظة خالتها فقال : إلى ما ترمين ؟ أنت في الثالثة عشر من عمرك لن يقول أحد هذا … ألبسي ثوبا بلون معتدل ليس قاتما ولا زاهيا .
-لا أستطيع فقد بحثت عن الثوب الذى ارتديته عندما توفيت والدتي قبل ثلاث أعوام ، لكنني كما تعلم كبرت ولم يعد يلائمني.
-ألم أحضر لك ثوبا أزرقا قبل شهرين !
-اجل هذا صحيح ....ارجو ان يكون مناسبا فأنا اكبر بسرعة.
غادرت شهد الغرفة لتبديل ثوبها حين قالت زوجة الأب :هل تظن أن شهد قالت الحقيقة حيال موت والدتها ؟
-أجل فهي عادة لا تكذب ، خصوصا في موضوع حساس كهذا ؛ هي مدركة لما يحدث .
-أظنها حلمت بالأمر وحسب ؛ لأنها لو شهدت ذلك حقا لما كفت عن البكاء حينها أو على الأقل الآن و هي تذكر لنا ما حدث.
-لا أدري ما أقول ...شهد كانت حساسة جدا قبل وفاة والدتها ، لكنها كانت تحل مشاكلها بيدها. أما الآن صرت اتمنى رؤية الدموع في عينيها ....أشعر و كأنها لا تشعر بشيء.
دخلت فداء الغرفة وقالت :أمي هل سآتي معكم ؟ فلا اريد لشهد ان تكون وحيدة تعلمين كم كانت تحب جدتها .
الوالد: طبعا ستأتين لن اتركك وحيدة هنا .
الأم :حبيبتي ، عليك الاعتناء بأخويك فأنا سأنشغل عنكم ...أهتمي لجود جيدا هل هذا واضح ؟
فداء : طبعا واضح .
جاءت شهد مسرعة من بعيد ودفعت فداء التي كانت تقف أمام باب غرفة والديها وقالة بلهفة :لا .... لابأس خالتي أنا سأهتم بجود لا تتعبي فداء بذلك.
الخالة : هل تمزحين ؟ أنت طفلة وتحتاجين لمن يرعاك. كيف سترعين اخوك الصغير ؟!!
شهد : أنا أصغرها بخمس سنوات فقط . غير أني لن أسمح لأحد بالاقتراب من جود .
فداء :لكنه اخي ... أنت لا تسمحين لي بالعب معه ولا حتى بالاقتراب منه . هو لن يحبني إن بقيت تتصرفين هكذا لا تنسي أنني أختكما الكبرى .
شهد : لا تقلقي سأخبره أنك جيدة وأن عليه أن يحبك .
اتجهت شهد نحو جود وحملته وراحت تداعبه و في طريقها للخروج من الغرفة نظرت اليه وهي تحدث فداء :لا أريد له أن يحمل هذه النظرة البلهاء التي تعلو وجهك .
خرجت شهد من الغرفة مع جود فقالت فداء وعيونها تدمعان: أبي افعل شيء أخشى أن يكبر الفتى وهو يحمل كره شهد لي في قلبه ... ليس ذنبي أن والدتها ماتت و تركته في رعايتها ...أنا أريد المساعدة لكنها تكرهني بشدة .
انهارت فداء باكية على صدر والدها الذي بدوره راح يخفف عنها ألمها ويواسي حزنها و يحاول إضحاكها إلى أن نجح الأمر فقال لها ولوالدتها :أتركا شهد تهتم بأخيها فهو ما تبقى لها من والدتها ... شهد كبرت قبل أوانها .... أتمنى لو أنها تخبرني بما يجول في ذهنها ...لا أريد لها أن تعيش حياة بائسة.
وصلت العائلة الى بيت الجدة ، أخذت شهد جود واتجهت به الى حيث يتواجد جسد الجدة ، جلست على الأرض بجانب سرير جدتها ممسكة يدها وقالت همسا في أذنها :جدتي أعلم أنك لا تزالين تسمعينني ... آسفة كوني لم أزرك مؤخرا فأبي خاف علي من أن اراك تموتين ، المهم ... لا تنسي أن تعتذري لأمي من تأخر انتقامي لموتها ولأخي ... لقد خفت كثيرا ... خفت أن أخبر أبي فلا يصدقني فتعود و تؤذيني ... لكنني سأحرم تلك المتظاهرة معنى المحبة من أجلها ... سأسقط قناعها البريء أمام الجميع ...ستتمنى لو أنها القيت بجانبها ذلك اليوم . والآن علي الذهاب ...وداعا جدتي ،هيا بنا يا جود .
خرجت شهد من غرفة جدتها وعلا محياها شعور الغضب وقد زادت عيناها اتساعا و حدة .