عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
5284
 
عبدالأمير البكاء
من آل منابر ثقافية

عبدالأمير البكاء is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
342

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة
العراق / النجف الأشرف

رقم العضوية
8844
11-26-2011, 12:32 PM
المشاركة 1
11-26-2011, 12:32 PM
المشاركة 1
افتراضي العَهْد / بقلم عبدالأمير البكّاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أروي لكم أحبتي الكرام أطهرَ قصةِ حب ٍّحقيقية ، عايشتُ كل فصولها منذ شرارتها الأولى ، يوم كنتُ وما زلتُ جارا وصديقا وزميل دراسة لبطلها محمد منذ عِقد السبعينيات من القرن الماضي ، ولم أرغب بتدوين أحداثها على شكل قصة قصيرة إلا لتكون مثالا للإخلاص الروحي بين المحبين ، حين يكون العَهْدُ بينهم شِيكاً غيرَ قابل للتزوير...أرجو لكم طيب المتابعة ..ودمتم بخير وعافية .


• إتصلتْ أم محمد هاتفيا بجارتها الجديدة القديمة ، تطلب

منها أن تعيرها مصيدة ً للفئران ، لتكاثرها في البيت بسبب

سِعة حديقته المتروكة ، وكثرة الحُفر فيها والأعشاب ، بعد

ربع ساعة فقط فتح محمد الباب ليواجه مَصيدتين تحمل

إحداهما الأخرى ! واحدة لصيد الفئران ، والثانية لصيد

القلوب المرهفة ! سألها متلعثما : مَن أنتِ وما اسمك ؟!

فأجابته بابتسامة مشرقة ودَل : أنا إلهام إبنة جاركم الجديد

في البيت المقابل لبيتكم ، إشتريناه منذ أربعة أشهر بالتمام

والكمال ، وإذا لم تصدق قولي هذا فاسأل والدتك ، فهي

تعرف عنّا كل شيء ، لأنها كانت جارة ًوصديقة لوالدتي

منذ الصغر في المدينة القديمة ، خفَّ تلعثم محمد لسلاسة

حديثها وخِفة دمها ، فتشجع ليسألها ثانية : لكنني لم أرك منذ

مجيئكم الى هنا ، بينما بيتنا يقابل بيتكم ، فهل أنت طالبة

مثلي ؟ وكيف تذهبين الى مدرستك كل يوم؟! فقالت: أنا في

مرحلة السادس العلمي ، أنتظر نهاية السنة الدراسية للفوز

بكلية جيدة تليق باجتهادي ومتابعتي العلمية ، أما عجبك من

عدم رؤيتي فهو بسبب تزمُّت والدي وتشدُّده على عدم

الخروج من البيت مهما كانت الأسباب ! فهويأخذني عند

كل صباح بسيارته الى المدرسة ، ويعود بي بعد انتهاء

الدوام ، فلا أنزل من السيارة إلا بعد أن تدخل مِرآبها !

ولم يكن وجودي أمامك الآن إلا لاضطرار والدتي الى إرسالي

اليكم ، ولاطمئنانها من جانبكم .. إنتبه الإثنان بعد ( غيبوبة !

) لذيذة منعشة الى نداء أم محمد وهي تستفهم ولدها عن

الطارق بابهم ، ودّع قلبه قلبها برعشة كهربية ماتعة ، ولم

يغلق بابه إلا بعد دخولها بيتها ! عاد الى داخل البيت قافزا،

وهو يلوِّح بالمصيدة بيده ليحتضن والدته ويمطرها بوابل من

القبلات المتتابعة وهو يصيح : وجدتها وجدتها يا أحلى أم في

الدنيا ! دفعته والدته عنها برفق وسألته باستغراب : مَن هي

التي وجدتها يا محمد ؟! فقال وهو يُرقّص كتفيه فرحا : وجدت

ابنة صاحبة هذه المصيدة التي بين يديك ، قومي وكلمي

والدتها كي يتمَّ بعدها كلام الرجال ! سكتتْ والدته بوُجوم ٍنمَّ

عن أمر خفي لا يعرفه ! فصاح وهو يتهاوى الى الأرض

فاغرا فاه فزعا : ماذا ياوالدتي هل فيهم عيب يمنع الإقتران

بها ؟! فقالت بيأس وإحباط : لا ياولدي ، فهم أفضل الناس

وأشرفهم ، بيدَ انني قبل شهرين قلتُ لوالدتها بحسب مَيَانـَةِ

الأخوات : إبنتك إلهام هذه محجوزة من الآن لولدي محمد ،

لأنهما بكثير من الخصال يشتركان ، فهي وحيدتكما ومحمد

وحيدنا ، وكلاهما بنفس العمر والمرحلة الدراسية ، والأسرتان

ميسورتا الحال والحمد لله ، إضافة للسمعة الطيبة لكلانا بين

الناس ، فماذا تقولين يا أم إلهام ؟ فلم تجبني عن سؤالي بل

غيَّرت الحديث الى حديث آخر لا علاقة له بما سألت ! وحين

ألححتُ عليها بالسؤال قالت لي : والله يا أختي الغالية سوف

لن نجد أسرة أفضل منكم كي نناسبها ، وولدك محمد بما يمتلك

من دماثة الأخلاق ، وحسن السيرة الطيبة ، يجعل كثيرا من

الأسرالمحترمة تتمنى تزويجه بناتها ، لكنني لا أرى في الأفق

ما ترغبين تحقيقه عندنا ! فسألتـُها عن السبب فقالت : لأن

والدها صعب المراس ، قروي النشأة ، يرفض الخوض في

زواج ابنته مادام خاطبها لا ينتسب مثله الى النبي محمد صلى

الله عليه وآله وسلم أو الى آل بيته الكرام ، وبما انكم لستم كذلك

، فإني أرى استحالة تحقيق هذا الأمر بيننا !! فسألتـُها

مستنكرة قولها : وهل غير السادة الأشراف سَيِّؤ النسب

والأخلاق والدين ؟! فأجابتني بتهكم ، لائمة ً إصرار زوجها

على شرطه : إسألي والدها هذا السؤال لو كنت تجرؤين على

مخاطبته بخصوص هذا الأمر ! ...هبَّ محمد هائجا منتفضا ،

وفرائصه ترتعد لا يلوي على شيء ! فلما رأت والدته حالته

تلك ، خافت عليه من الصدمة فتداركته بالتطمين قائلة : يا

ولدي لم تنقضِ على رؤيتك للفتاة إلا دقائق معدودة ، فقررتَ

الإقتران بها من دون معرفة شعورها نحوك ! فهلّا تأكدت من

ذلك ليكون انفعالك وهيجانك في محله ، وعندها سيكون الزمن

كفيلا بالتغيير، ورحمة الله تسع كل شيء ، فلا تيأسَن من

رحمته ما دمتَ مؤمنا بقدرته ورأفته. خفَّ انفعال محمد

وهيجانه مرددا مع نفسه قول الله تعالى ( لاحول ولا قوة إلا

بالله . وحسبي الله ونعم الوكيل ) لكنه وبعد صمت رهيب ، عاد

يقول متحديا : شيء واحد فقط سيقف حائلا بيني وبين

الإقتران بها ، وهو لو تكون منشغلة بغيري من الشباب ،

فعندئذ ستكون لي أختا لا أقرب حِماها إلا بما يُعين الأخُ أخته

على المُلمّات ، أما إذا وجدتها خالية القلب مثلي فلن تكون إلا

زوجة لي أو أبقى أعزبا ما دمتُ حيا !...ولم تكن إلهام إلا

خالية القلب مثله ، وقد أحبته حبا جما مثلما هو .فتعاهدا عهدا

مقرونا بالقسم بالله على الزواج بعد رضى والدها أو البقاء على

العزوبية مدى الحياة ، فلا هي تتزوج غيره ، ولا هو يتزوج

امرأة غيرها ! فبقي القَسَم عهدا ساري المفعول مع بقاء

إصرار والدها على رفض اقترانهما ثلاثين سنة عجافا ،

فشلتْ خلالها كل محاولات الإقناع والترضية من قِبل وجهاء

المدينة ومسؤوليها ، بل بات شيوع تلك العلاقة بين الناس سببا

آخر في إصرار والدها على رفض محمد المتهالك ، الذي

عجز أهله ومحبوه عن إقناعه بالزواج من امرأة أخرى تشغله

عن الوقوف باكيا كل صباح أمام بيت حبيبته التي صارت هي

الأخرى تنتظرلقاءه من بعيد لرؤيته برغم اعتراضات والدتها

المتعاطفة خُفية مع حال ابنتها المزري. ثلاثون سنة انصرمت

و( قيس وليلى ) كما صار يسميهما الناس على تلك الحال من

دون ملل أو كلل ! يقف كلٌ منهما ببابه كل يوم ليرى أحدهما

الآخرثم ينصرفان على أمل اللقاء في اليوم الآتي ! وقد زادت

أوقات ( اللقاء ) اليومي بينهما بعد أن قضى كل أفراد

الأسرتين نحبهم ما عدا والدها المشلول الجالس على كرسي

متحرك ، يُوميء لهاغاضبا بيدٍ مرتعشة كلما طال وقوفها بالباب

!! وفي ذات صباح باكر وقف محمد ببابه منتظرا إشراقة

حبيبته الغالية ليُريها قميصه الجديد، فرأى بابها مفتوحا على

مصراعيه ، والجيران من النساء والرجال يدخلون ويخرجون

من بيتها ، وهم يلغطون بكلام لم يميز فحواه ، فلم يمنع قدميه

من عبور الشارع للمرة الأولى متجها نحو بيتها ، معتقدا موت

والدها، لكنه تفاجأ بلكمة الطبيب القاضية حين سمعه يخبر

الواقفين ، بأنها ميتة بالسكتة القلبية !!! وفي المقبرة ساعة

دَفـْـنها ، عانقني محمد وهو يجهش بالبكاء قائلا : إلهام رحلتْ

عني يا أبا هبة ولم أنعم والله بلمسةٍ من يدها منذ أن رأيتها !!!!