الموضوع: كشكول منابر
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-03-2018, 07:31 AM
المشاركة 2039
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
الدنيا أمد والآخرة أبد

لا يستطيع العقل إلا أن يقف مبهورا أمام شخصية الفاروق رضي الله عنه!
لقد شغلته هموم الدعوة، ومصالح المسلمين عن كل شئ، إنها أولى اهتماماته التي لا يقدّم عليها شيئاً أبدا، ولا يحابي فيها أحداً، تلمس ذلك في جميع تصرفاته، لا سيما في إسناد المهمات والأعمال التي تمس مصالح الناس المباشرة.
فولاة الأقاليم وقادة الجند ورجال الدولة لا يختارهم إلا من الصنف الذي يغلب على ظنه أن خير المسلمين ونفعهم على يديهم، ولا يجد غضاضة أن يعزل من سواهم، ولو كان من المهاجرين الأولين الذين سبقت لهم من الله الحسنى، مادام غيره أكثر فائدة وأغزر عطاء، ويزداد به الإسلام قوة، والمسلمون نفعاً.
والمدهش في شخصية الفاروق ـ رضي الله عنه ـ أنه لا يترك من يوليه دون أن يزوده بخطة عمل متكاملة، توقظ لديه المشاعر الإيمانية، وتجعله موصول القلب بالله عز وجل، يقلقه الخوف ويطمئنه الرجاء.
وأول ما يجب على المسلم إدراكه: أن يعرف لِمَ خلقه الله عز وجل..
إن إدراك هذه المعرفة يجعله بصيراً بهدفه، عالماً بمواقع خطوه، يستمد العون والقوة من مصدرها الذي لا ينفد، ومعينها الذي لا ينضب.
بها تتحدد غايته، وتتضح أهدافه، فينطلق مع سنة الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [ الذاريات: 56،57،58]
معتبراً كل عمل عبادة، وكل فعل طاعة، فهو دائم الكدح فيما خُلِق له، معرضاً عما سواه، مغتنما أيام عمره القصيرة مهما طالت، فلا ينفق شيئاً فيما لا يغني أو يفيد..
فالعمر أقصر من أن يضيع عبثاً، أو يمضي هدراً، وهو أقصر من أن يحقق فيه المرء كل ما يتمناه، فالعاقل يحرص على تقديم عظائم الأمور، قانعا بما يصون وجهه في دنياه، مشمّرا فيما يبلغه آخرته بسلام، وينجيه عند مناقشة الحساب.
وما حاز شيئاً من سلامة العقل من شغلته الدنيا عن الآخرة، وهل يصح ـ عقلاً ـ الإعراض عن الاستعداد لدار البقاء والخلود الأبدي؟ ثم تبذل الجهود والإمكانات لبناء دنيا حكم عليها خالقها بالزوال والفناء!
ألا ما أجهل من شغل نفسه بشيء مدبر خيره، عن شيء باق شره!

إن الله تعالى خلق الدنيا والآخرة، وجعلهما مراحل ومحطات في حياة الإنسان، والآخرة هي المحطة الأخيرة..
وكل من سلك طريقاً فلا بد أن يلتمس أسباب السّلامة والنّجاة في مسيره، ويتزود من كل مرحلة بما يعينه على اجتياز التي تليها، حتى يبلغ غايته.
وشأن المؤمن أن تتصف حياته بالتناغم والانسجام بين دنياه وآخرته، فالآخرة عنده هي: الهدف الأسمى، وغاية المنتهى.
والدنيا هي الطريق التي لا بد من اجتيازها أولاً، ومن مراحل سيرها يكون التزود للدار الباقية، ولا خطر على الآخرة من الدنيا بهذا المفهوم، بل هي خير يفضي إلى خير، وإنما الخطر في الإخلاد إليها، والافتتان بزينتها، وسوء استغلالها.
وقد أدرك هذا أسلافنا، فعمروا دنياهم، دون أن تشغلهم عن آخرتهم، وكانت بأيديهم، ولم تسكن قلوبهم!
خافوها، فاجتنبوا فتنها، وعمروها بالطاعات، فعبروها بأمن وسلام.