الموضوع: عُقدة الماضي
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
1155
 
فلاح العيساوي
من آل منابر ثقافية

فلاح العيساوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
11

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة
العراق

رقم العضوية
16519
12-19-2020, 11:58 PM
المشاركة 1
12-19-2020, 11:58 PM
المشاركة 1
Lightbulb عُقدة الماضي
عُقدة الماضي
في غرفةِ الاستقبالِ ينتظرُ وصولَها من الخارجِ, نارٌ تشتعلُ في قلبِهِ... تسرَّبتْ بسرعةِ البرقِ إلى كاملِ جسدِهِ، يعضُّ على نواجذِهِ، ومن تحتِ الهشيمِ يخرجُ الغولُ، وحشٌ لا يعرفُ الشفقةَ، الانتقامُ والتشفي يُرضي روحَهُ المخدوعةَ... يحدِّثُ نفسَهُ:
- تلكَ البلهاءُ تتراقصُ فوقَ حبالِ الغباءِ، تظن أنَّ المكرَ سيطولُ، لا تعرفُ أنَّني رجلٌ لا يخدعُ.
- تريثْ يا رجلُ... أنَّكَ تظلمُ حبيبتَكَ، خوفُكَ عليها جعلَكَ كثيرَ الشكِ.
دخلتْ تتهادى في مَشيتِها، تَهزُّ جسدَها المُكتنزَ كأنَّها تعزفُ على أوتارِ الشكوكِ، تنظرُ إليهِ بابتسامةٍ شفّافةٍ تمتصُّ غضبَ البركانِ:
- حبيبي آسفةٌ تأخرتُ في صالونِ التجميلِ.
- حبيبتي اشتقتُ إليكِ... حاولي في المرَّةِ القادمةِ أنْ لا يطولَ غيابُكِ خارجَ البيتِ.
تقدَّمتْ خطواتٍ... جثتْ أمامَهُ على ركبتيها، أخذتْ يدَهُ تقبلها بحنانٍ, عزفتْ على قيثارةِ الوجدِ, خلالَ لحظاتٍ أشعلتْ شموعَ الفرحِ لمناسبةِ مرورِ عامٍ على زواجِهما, امرأةٌ تملكُ زمامَ المبادرةِ, يسبحُ الشوقُ في أحضانِها إلى حد السكونِ, ينعم بالرضا فيغفو ريحُ الغضبِ.
وضعتْ رأسَها فوقَ المخدةِ، فتحتْ نافذةَ الذكرياتِ على الماضي الجميلِ ، قلبُها العاشقُ يقفزُ طرباً عندما ترى أحمد يسيرُ في الشارعِ, تلوّحُ له بيدِها, يدخلُ إلى بيتِهِ بسرعةٍ, يتسلقُ سلّمَ السطحِ في لحظاتٍ يضعُ يديهِ في يديها, تتمنى أنْ يزولَ ذلكَ الجدارُ الذي يحولُ بينَهما, يسمعُ صوتَها يقفزُ بسرعةٍ, تجدُ نفسَها بين ذراعيه, تتيهُ في عتمةِ الحبِّ والظلامِ الدامسِ... في نفسِها:
- لولا ذلكَ الجسدُ الحقيرُ الذي فجّرَ نفسَهُ بسيارةٍ مُفخخَّةٍ في وسط عمالِ البناءِ لكنت الآن مع حبيبي الأولِ تحت سقفٍ واحدٍ... لكنَّ القدرَ مَنحني فرصةَ الحبِّ الثانيةِ, على الرغمِ من السعادةِ الدنيا لا تعرفُ الرحمةً، التعاسةُ رفيقةُ روحي، جروحي تنزفُ هموماً، مرارةُ الماضي تحولُ دون سعادتي مع زوجي الذي أحبَّني بصدقٍ, هو يستحقُ إخلاصي, خسارتُهُ فكرةٌ تقضُّ مَضجعي... أنّى لي الخلاصَ من ذلكَ الرجلِ الذي حوّل حياتي إلى جحيمٍ... كم هو جبانٌ يستغلُ امرأةً.
طولَ الليلِ تتقلّبُ في فراشِها كأنَّها سمكةٌ تحاولُ القفزَ إلى الماءِ, بالكادِ استطاعتْ النومَ بعد بزوغِ الفجرِ ، استيقظتْ متأخرةً، القلقُ يُثقلُ كاهلَها، وجعُ الذكرياتِ يرافقُها حتى بعد أنْ أصبحتْ مرفهةً.
تذكرتْ اليومَ موعدَها عصرا للقاءِ مع أمِها.
بعد سيلٍ من العناقِ والقبلاتِ الحارةِ، جلستْ مع أمِّها التي بادرتْها بالسؤالِ عن ماجد:
- هو بخيرٍ، لكنَّ قلبي يرتجفُ من تصرفاتِهِ.
- هل عرفَ شيئاً عن أحمد؟.
- لا... لكنَّ ذلك الحقيرُ حسامُ، ما زالَ يبتزني بالصورِ والفيديو.
- كم مرةٍ نصحتُكِ أن تخبري زوجَكِ بهذا الموضوع؟.
- أمي كيفَ أخبرُهُ!... ماجدُ غيورٌ جداً، حبُّهُ لي يزيدُ من غيرتِهِ, أخافُ أنْ يطلّقني!.
- وإلى متى تبقينَ تحت رحمةِ حسامٍ؟.
- لا أعرفُ... ولم أعدْ أقوى على فراقِ ماجدَ... لا بد أنْ أجدَ الحلَّ وأحمي علاقتي الزوجية.
رنَّ جهازُها النقالُ، عرفتُ رقمَهُ، أصفرَّ لونُ وجهِها، تردَّدتْ قبلَ أنْ تجيبَ... بعد أخذ ورد، أغلقتْ الخطَّ والدموعُ تسيلُ فوقَ خديْها، تندبُ حظَّها العاثرَ، حاولتْ أمَّها أن تهدأ من روعِها، صمتتْ على مضضٍ تخنقُ الكمَدَ في أخاديدِ الذكرياتِ.
طولَ الطريقِ كانت تلتفتْ يميناً ويساراً, يتراءى لها خيالُ ماجد وهو يتعقبُها من بعيد... في محلٍّ للتسوقِ وقف أمامَها شبحُ الماضي, أرعبَها الموقفُ أرادتْ صفعَهُ بقوةٍ, عضّت على غضبِها بين الزحامِ, قبل أنْ تعطيهِ المالَ سألتهُ:
- متى تُخلِ سبيلي وتعتقني من حبالِكَ؟.
- إنْ حصلتُ عليكِ يا عصفورتي الجميلةَ.
ارتبكتْ ورمتْ بوجهِهِ النقودَ, أسرعتْ والدمع رفيقُها, كانت تتمنى أن يَبتلعُهُ غولٌ حتى تنعمَ بحياةٍ هادئةٍ, كفكفتْ دموعَها بعد أن خطرتْ في بالِها فكرةٌ.
عاودتْ الاتصالَ بهِ, اعتذرتْ له عن تصرفِها, ثم اتفقتْ معهُ على موعدٍ جديد.
خرجتْ مع إصرارِها على وضعِ نهايةٍ لمشكلتِها، قادت سيارتَها إلى مكانٍ مقطوعٍ لا يوجد فيه غيرُ بيتٍ مهجورٍ، كانَ في حديقةِ البيتِ ينتظرُها على أحَرٍ من الجَمرِ، تخيلَها وردةً أرجوانيةً بين يديهِ, يفوحُ منها أريجُ الياسمين، بكلماتِهِ الرقيقة استقبلَها، وقفت تتوسلُ إليهِ أن يتركَها بسلامٍ، يكفيكَ قد حصلتَ مني على أموالٍ كثيرةٍ ، كنتَ من أعزِّ أصدقاءِ أحمدَ ، أقسمُ باللهِ عليكَ أنْ تتركني... نظراتُهُ الوقحةُ قفزتْ إليها تريدُ احتواءَها؛ (أنت أتيت برجليك)... خطواتهُ السريعةُ حالتْ بينها وبين المسدسِ، أصبحت في قبضتِهِ تحاولُ الهربَ دونَ فائدةٍ، توسلتْ بتضرعٍ مع صرخاتٍ اختلطت بدموعِها... كادت الفأسُ تقعُ بالرأسِ... رصاصاتٌ مفاجئةٌ دوّتْ في المكانِ أسدلتْ الستارَ عن مصيرِها الأسود، بالكاد تسحبُ جسدَها المنهكَ من تحت جثتِهِ الهامدةِ، الصدمةُ حبستْ صوتَها الرخيمَ، أصابَها إغماءٌ، سحبَ الجثةَ ورماها في قبوِ المنزلِ، أغلقَ البابَ وأسرعَ إليها، عندما أفاقتْ؛ وجدتْ نفسَها في حضنِ زوجِها الغيورِ.


قاص وروائي
عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق