عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
18

المشاهدات
8786
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,179

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
01-17-2014, 05:42 AM
المشاركة 1
01-17-2014, 05:42 AM
المشاركة 1
افتراضي هل الخل الوفي من المستحيلات الثلاثة ؟!
هل الخل الوفي من المستحيلات الثلاثة ..


كلنا استمع إلى المثل الغربي القائل ( المستحيلات ثلاثة الغول والعنقاء والخل الوفي )
فهل هذه المقولة صحيحة .. ؟!
من قال أن هذه المقولة صحيحة ...
هذا المثل لا ينطبق على العرب عموما والمسلمين بصفة خاصة .. ,
وهى أن الصديق الوفي كالعنقاء فهذا المثل مثل غربي لكنه لا ينطبق على مجتمعاتنا إطلاقا والدليل البسيط على ذلك هو وجود الصداقة الصافية فى آلاف الأمثلة مثل صداقة النبي عليه السلام لأصحابه , وصداقة التابعين من بعده لبعضهم البعض ولهم فيها حكايات مشهورة وفى زمنناالحاضر هناك عشرات الأمثلة على ذلك
وهذا لا يعنى أن الثقافة العربية لم تعرف الصداقة الأصيلة إلا مع الإسلام , بل إن الصداقة الأصيلة والوفاء هما من أكثر الطباع الأصيلة فى العرب من قبل الإسلام ,
والتراث العربي قبل الإسلام حافل بقصص الوفاء النادرة لمجرد الزمالة أو الإنتماء لقبيلة واحدة ناهيك عن الوفاء للصديق , وقد عرفت الثقافة العربية القديمة مبدأ ( الجوار ) وبسبب الوفاء للجوار كانت الحروب تشتعل ولا تنطفئ ولو كان المستجير من غير ذوى العشيرة .. ومهما كان المرء ضعيفا فى العالم العربي القديم واستجار بغيره من ذوى المنعة كان يجد الجوار فى شهامة عربية أصيلة الطبع ..
ومما عُرف أيضا فى الثقافة العربية القديمة مسألة التبنى والموالاة والمؤاخاة بالدم , وكانت تتم بين الأصدقاء الشديدى الإخلاص لبعضهم البعض حتى أنهم كانوا يورثون قبل الإسلام ,
وقد روى التراث العربي أن أعرابيا سؤل ذات مرة أيهما أقرب إليك أخوك أم صديقك فقال الأعرابي متعجبا ( وهل يكون أخى إن لم يكن صديقي )

وجاء الإسلام فهذب هذه الطباع الأصيلة وأكملها وجملها , مصداقا لقول النبي عليه السلام ( الناس معادن كمعادن الذهب , خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام ) , وكانت إضافة الإسلام لقيم الصداقة والوفاء إضافة عظيمة للغاية , حيث أن العرب قبل الإسلام كانت تنظر للوفاء بصفته قيمة دنيوية لا غير , فجاء الدين فجعلها من أسمى القيم الدينية
ويكفي أنها جاءت فى القرآن الكريم صريحة فى قوله تعالى ( وصديقكم ) وذلك فى سياق الحديث عن رفع الحرج بين الأقارب والأهل فضم القرآن الكريم الصديق إلى هذه الزمرة ..
هذا فضلا على الجزاء الأخروى والتكريم الإلهى الباهر للصداقة الأصيلة كما جاء فى الحديث حيث جعل الله علاقة المودة والصداقة بين المسلمين الخالصة لوجه الله تعالى جعلها سببا فى نيل ظل العرش يوم القيامة وذلك فى نص الحديث الذى عدد من ينال هذه النعمة ومنهم ( إثنان تحابا فى الله تجمعا عليه وافترقا عليه )
وقد ضرب لنا النبي عليه الصلاة والسلام أروع الأمثلة البشرية قاطبة فى الصداقة والصحبة مع أصحابه رضي الله عنهم , وكانت العلاقة بينهم على قدر مستوى كل منهم حيث تربع أبو بكر رضي الله عنه فى تلك المنزلة الفريدة التى جعلته الصاحب والصديق ورفيق الدرب لأشرف خلق الله عليه أفضل الصلاة والسلام
ففى حديث النبي عليه السلام ( فهل أنتم تاركون لى صاحبي ) عندما كان يتحدث عن أبي بكر
كما كان عمر ثالث الشريكين فى تلك العلاقة وضم معه بقية العشرة المبشرين فضلا على أصحاب السبق فى الإسلام وهم تلك الزمرة التى خاضت أهوال الدعوة فى بدايتها ..
الخلاصة أن المثل غربي وينطبق على الغرب الذى لا يعرف الوفاء فى شيمه والإحترام هناك للمصلحة فقط
ولو قال قائل أين نحن من عصر النبوة
فالجواب أن الصداقة طبع عربي أصيل معروف قبل الإسلام بالإضافة إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام لنا قدوة وأسوة حسنة بمعنى أننا مطالبون بسلوك الطريق وليس مطلوبا منا أن نصل إلى الغاية ..
فالنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه هم قمة الهرم فى الوفاء والخصال الحميدة , وما علينا نحن إلا الإقتداء وفق الطاقة ,
بالاضافة إلى إن سلسلة الأمثلة على الخلان الأوفياء لم تقتصر فقط على عصر النبي عليه السلام وحده , بل امتدت وتواترت حتى عصرنا الحالى , وهى وإن كانت نادرة هذه الأيام إلا أنها موجودة وفاعلة ,
وكمثال على صداقات العصور السالفة كانت هناك صداقات مضرب الأمثال كالصداقة المتينة بين الشافعى واحمد بن حنبل وبين ابن تيمية وابن القيم , وكانت عصور العلم الوسيطة تسمى التلمذة فى طلب العلم بعلاقة المصاحبة , فيقال أن أبا يوسف والشيبانى هما صاحبي أبي حنيفة والشافعى صاحب مالك , وهكذا
وحتى فى العصر الحديث جرت أمثلة كثيرة على الوفاء النادر للصداقة والصحبة سرت حتى مع الإختلافات الأيديولوجية وغيرها , ولم تغب الشمس الساطعة لهذه الفضية إلا خلف ركام سحاب المصالح الضيقة والتعصب المقيت للفكرة أو المذهب أو للأشخاص , أو استيراد المناهج الأخلاقية الغربية والفلسفة الدنيوية التى سقط بعضها فى الغرب نفسه !
وهذا هو ما أدى فى عصور اضمحلال المسلمين لكثير من الآفات عندما صاروا شيعا تجول بينها الأحقاد ,
خلاصة القول أن الخل الوفي فى مجتمعاتنا أمر واقع وموجود حتى لو كان نادرا هذه الأيام , وهذه الفضيلة مثل غيرها من شتى الفضائل لن تعود لبهرجها القديم إلا بعودة المسلمين سالمين إلى حقيقة حضارتهم وأخلاقهم التى علمت الدنيا كيف يكون الوفاء
والإسلام وصف لنا طبيعة الصداقة الحقيقية بل وطلبها منا , ولو لم تكن موجودة أو كانت أمرا مستحيلا كما يردد المثل السابق , لما كلفنا بها الدين وجعل لها الجزاء الأوفي ..
فليتنا ندرك قيمنا وحضارتنا ولا نردد الفلسفات المبنية على ثقافات أخرى لم تكن يوما من الأيام مناسبة لمجتمعاتنا