عرض مشاركة واحدة
قديم 09-12-2012, 12:46 AM
المشاركة 4
سعاد البدري
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
فصل في قسمة التجنيس وتنويعه:
فالذي يجب عليه الاعتماد في هذا الفنّ، أن التوهُّم على ضربين:

1- ضربٍ يستحكم حتى يبلُغ أن يصيرَ اعتقاداً،

2- وضربٍ لا يبلغ ذلك المبلغ، ولكنه شيءٌ يجري في الخاطر،

وأنت تعرف ذلك وتتصور وَزْنه إذا نظرت إلى الفرق بين

الشيئين يشتبهان الشَبَهَ التامَّ؛ والشيئين يشبه أحدُهما بالآخر

على ضرب من التقريب، فاعرفه، وأما الحشو فإنما

كُرِهَ وذُمَّ وأُنْكر ورُدَّ، لأنه خلا من الفائدة، ولم يَحْلَ منه بعائدةٍ،

ولو أفاد لم يكن حشواً، ولم يُدْعَ لغْواً، وقد تراه مع إطلاق

هذا الاسم عليه واقعاً من القَبُول أحسنَ موقعَ، ومُدْركاً من

الرّضَى أجزلَ حظّ، وذاك لإفادته إيَّاك، على مجيئه مجيءَ

ما لا يعوّلَ في الإفادة عليه، ولا طائل للسامع لديه، فيكون

مَثَلُه مَثَلَ الحَسَنةِ تَأتيك من حيث لم ترقبها، والنافعةِ أتتك ولم تحتسبها،

وربّمَا رُزِقَ الطُّفَيْليُّ ظَرْفَاً يحظَى به حتى يحلَّ محلّ الأضياف

الذين وقعَ الاحتشاد لهم، والأحباب الذين وُثِقَ

بالأُنس منهم وبهم، وأما التطبيق والاستعارة وسائر أقسام البديع،

فلا شبهة أنَّ الحُسْن والقُبْح لا يعترض الكلامَ بهما

إلاّ من جهة المعاني خاصّةً، من غير أن يكون للألفاظ

في ذلك نصيبٌ، أو يكون لها في التحسين أو خلاف

التحسين تصعيدٌ وتصويب، أما الاستعارة، فهي ضربٌ من التشبيه،

ونَمَطٌ من التمثيل، والتشبيه قياس، والقياس يجري

فيما تعيه القلوب، وتُدركه العقول، وتُسْتَفتَى فيه الأفهامُ والأذهان،

لا الأسماع والآذان، وأما التطبيق، فأمره أبينُ،

وكونه معنوياً أجْلَى وأظهر، فهو مقابلة الشيء بضدِه،

والتضادّ بين الألفاظ المركَّبة مُحال، وليس لأحكام

المقابلة ثَمَّ مَجَال، فخذ إليكَ الآن بيت الفرزدق الذي


يُضْرَب به المثل في تَعَسُّفِ اللفظ:

ومَا مِثْلُهُ في الناسِ إلا مُمَلَّكَاً ** أبُو أمِّهِ حيٌّ أبوه يُقـاربـه


فانظر أتتَصَوَّر أن يكون ذلك للفظهِ من حيث إنّك أنكرتَ شيئاً،

من حروفه، أو صادفتَ وحشيّاً غريباً، أو سُوقيّاً ضعيفاً?

أم ليس إلاّ لأنه لم يُرَتَّب الألفاظ في الذكر،

على مُوجب ترتيب المعاني في الفكر، فكدَّ وكَدَّر،

ومنع السامع أن يفهم الغرضَ إلاّ بأنْ يُقدِّم ويؤخّر،

ثم أسرفَ في إبطال النِّظام، وإبعاد المرَام،

وصار كمن رَمَى بأجزاء تتألّف منها صورةٌ،

ولكن بعد أن يُراجَعَ فيها باباً من الهندسة، لفرط ما عادَى

بين أشكالها، وشدّةِ ما خَالف بين أوضاعها،

وإذا وجدت ذلك أمراً بيِّنَاً لا يُعارضك فيه شكٌّ،

ولا يملكك معه امتراءٌ، فانظر إلى الأشعار التي أَثنوا

عليها من جهة الألفاظ، ووصفوها بالسلامة،

ونسبوها إلى الدَّماثة،

وقالوا: كأنَّها الماءُ جَرَياناً، والهواءُ لُطفاً،

والرياضُ حُسْناً، وكأنها النَّسِيم، وكأنها الرَّحيقُ

مِزاجها التَّسْنِيم، وكأنها الديباج الخُسْرُوانيّ في

مَرامي الأبصار، ووَشْيُ اليمَن منشوراً على أذْرُع التِّجَار، كقوله:


ولَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَـاجةٍ ومَسَّح بالأركان مَنْ هو ماسـحُ
وشُدَّت على دُهْم المهَارَى رِحَالُنا ولم يَنْظُر الغادي الَّذِي هو رائحُ
أخذْنا بأطراف الأحاديث بَيْنَـنـا وسَالَتْ بأعناق المطيِّ الأباطحُ


ثم راجعْ فكرتَك، واشْحَذْ بصيرتَك، وأحسِنِ التأمُّل،

ودع عنك التجوُّز في الرأي، ثم انظر هل تجدُ لاستحسانهم

وحَمْدهم وثَنائهم ومَدحهم مُنْصَرَفاً، إلاّ إلى استعارةٍ

وقعت موقعَها، وأصابت غَرَضها، أو حُسن ترتيب تكاملَ

معه البيانُ حتى وصلَ المعنى إلى القلب مع وصول اللفظ

إلى السمع، واستقرَّ في الفهم مع وقوع العبارة في الأذن،

وإلا إلى سلامة الكلام من الحشو غير المفيد، والفضل

الذي هو كالزيادة في التحديد، وشيءٍ داخَلَ المعاني

المقصودَة مداخلةَ الطفيليّ الذي يستثقل مكانهُ،

والأجنبيّ الذي يُكره حُضوره، وسلامتهِ من التقصير

الذي يَفْتَقِر معه السامِعُ إلى تَطَلُّب زيادةٍ بقيت في نفس المتكلم،

فلم يدلَّ عليها بلفظها الخاصّ بها، واعتمد دليلَ حالِ غير مُفْصِح،

أو نيابةَ مذكورِ ليس لتلك النِّيابة بمُسْتَصْلَح،

وذلك أن أوّل ما يتلقَّاك من محاسن هذا الشعر أنه قال:

"ولمَّا قضينا من مِنًى كلَّ حاجة"

فعبّر عن قضاء المناسك

بأجمعها والخروج من فُروضِها وسُنَنِها، من طريقٍ أمكنه

أن يُقصِّر معه اللفظ، وهو طريقة العموم، ثم نبّه بقوله:

"ومسّح بالأركان من هو ماسحُ" على طواف الوداع الذي

هو آخر الأمر، ودليل المسيرِ الذي هو مقصوده من الشعر،

ثم قال: "أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا" فوصل بذكر مسح الأركان،

ما وليه من زَمِّ الركاب وركوب الرُّكبان، ثم دلّ بلفظة

الأطراف على الصّفة التي يختصّ بها الرِّفاق في السَّفر،

من التصرف في فنون القولِ وشجون الحديث،

أو ما هو عادة المتظرِّفين، من الإشارة والتلويح والرَّمْز والإيماء،

وأنبأ بذلك عن طِيب النفوس، وقُوَّة النشاط، وفَضْلِ

الاغتباط، كما تُوجبُه ألفة الأصحاب وأُنسةُ الأحباب،

وكما يليق بحال من وُفَّق لقضاء العبادة الشريفة

ورجا حُسن الإياب، وتنسَّمَ روائح الأحبّة والأوطان،

واستماع التهاني والتَّحايا من الخُلاَّن والإخوان،

ثم زانَ ذلك كلَّه باستعارة لطيفةٍ طَبَّق فيها مَفْصِل التشبيه،

وأفاد كثيراً من الفوائد بلُطْف الوَحْي والتنبيه،

فصرحّ أوّلاً بما أومأ إليه في الأخذ بأطراف الأحاديث،

من أنهم تَنَازعوا أحاديثهم على ظهور الرَّواحل،

وفي حال التوجُّه إلى المنازل، وأخبر بعدُ بسرعة السير،

ووَطَاءة الظَّهر، إذ جَعَل سلاسة سَيْرها بهم كالماء

تسيل به الأباطح، وكان في ذلك ما يؤكّد ما قبْله،

لأن الظُّهور إذا كانت وَطِيئةً وكان سيرها السَّيْرَ السهلَ السريع،

زاد ذلك في نشاط الرُّكبان، ومع ازدياد النشاط

يزداد الحديث طِيباً، ثم قال: بأعناق المطيّ، ولم يقل بالمطيّ،

لأن السرعة والبُطءَ يظهران غالباًفي أعناقها،

ويَبِين أمرهما من هَواديها وصدورِها، وسائِرُ أجزائها

تستند إليها في الحركة، وتَتبعها في الثِّقَل والخفَّة،

ويُعبِّر عن المَرَح والنشاط، إذا كانا في أنفسها،

بأفاعيلَ لها خاصّة في العنق والرأس، وتَدُلّ عليهما

بشمائل مخصوصةٍ في المقاديم، فقل الآن: هل بقيتْ

عليك حسنة تُحِيل فيها على لفظة من ألفاظها حتى

إنّ فَضْلَ تلك الحسنة يبقى لتلك اللفظة لو ذُكرتْ على الانفراد،

وأزيلت عن موقعها من نظم الشاعر ونسجه وتأليفه وترصيفه،

وحتى تكون في ذلك كالجوهرة التي هي، وإن ازدادت

حُسناً بمصاحبة أخواتها، واكتست بهاءً بمُضَامَّة أترابها،

فإنها إذا جُلِيتْ للعين فَرْدةً، وتُركت في الخيط فَذَّة،

لم تعدم الفضيلة الذاتية، والبهجة التي في نفسها

مَطويَّة والشَّذْرةِ من الذهب تراها بصُحْبة الجواهر لها

في القلادة، واكتنافها لها في عنق الغَادة،

ووَصْلها بريقَ جَمرتها والتهاب جَوْهَرها،

بأنوار تلك الدُّرَر التي تجاورها، ولألاء اللآلئ التي

تُناظرها تزداد جمالاً في العين، ولُطْف موقِع من

حقيقة الزين، ثم هي إن حُرِمت صُحبة تلك العقائل،

وفَرَّقَ الدهرُ الخؤُون بينها وبين هاتيك النفائس،

لم تَعْرَ من بَهْجتها الأصيلة، ولم تذهب عنها فضيلة

الذَّهبية، كلاَّ، ليس هذا بِقياس الشعر الموصوفِ بحسن اللفظ،

وإن كان لا يبعد أن يتخيّله مَنْ لا يُنعم النظر، ولا يُتمّ التدبُّر،

بل حقُّ هذا المثل أن يوضع في نصرة بعض المعاني

الحكمية والتشبيهية بعضاً، وازدياد الحسن منها بأن

يجامِعَ شكلٌ منها شكلاً، وأن يصل الذِّكرُ بين متدانيات

في ولادة العقول إياها، ومتجاوراتٍ في تنزيل الأفهام لها.



واعلم أن هذه الفصول التي قدَّمتها وإن كانت قضايَا لا يكاد

يخالف فيها مَنْ به طِرْقٌ، فإنه قد يُذكر الأمر المتّفَقّ عليه،

ليُبنَى عليه المختلَفُ فيه، هذا وربّ وِفاقِ من مُوافِقٍ

قد بقيتْ عليه زياداتٌ أغفلَ النظرَ فيها، وضروبٌ من

التلخيص والتهذيب لم يبحث عن أوائلها وثوانيها،

وطريقةٌ في العبارة عن المغزى في تلك الموافقة لم يمهّدها،

ودقيقةٌ في الكشف عن الحجة على مخالف لو عرض

من المتكلفين لم يجدها، حتى تراه يطلق في عُرْض كلامه

ما يبرز به وِفاقاً في مَعْرِض خلاف، ويعطيك إنكاراً

وقد همَ باعتراف، وربّ صديق والاك قلبهُ، وعاداك فِعلهُ،

فتركك مكدوداً لا تشتفي من دائك بعلاج، وتبقى منه في

سوء مزاج،لفصول التي قدَّمتها وإن كانت قضايَا لا يكاد

يخالف فيها مَنْ به طِرْقٌ، فإنه قد يُذكر الأمر المتّفَقّ عليه،

ليُبنَى عليه المختلَفُ فيه، هذا وربّ وِفاقِ من مُوافِقٍ

قد بقيتْ عليه زياداتٌ أغفلَ النظرَ فيها، وضروبٌ من

التلخيص والتهذيب لم يبحث عن أوائلها وثوانيها،

وطريقةٌ في العبارة عن المغزى في تلك الموافقة لم يمهّدها،

ودقيقةٌ في الكشف عن الحجة على مخالف لو عرض

من المتكلفين لم يجدها، حتى تراه يطلق في عُرْض كلامه

ما يبرز به وِفاقاً في مَعْرِض خلاف، ويعطيك إنكاراً وقد

همَ باعتراف، وربّ صديق والاك قلبهُ، وعاداك فِعلهُ،

فتركك مكدوداً لا تشتفي من دائك بعلاج، وتبقى

منه في سوء مزاج.


المقصد


واعلم أن غرضي في هذا الكلام الذي ابتدأته،

والأساس الذي وضعته، أن أتوصّل إلى بيان

أمر المعاني كيف تختلف وتتفق، ومن أين تجتمع وتفترق،

وأفصل أجناسها وأنْواعها، وأتتبّع خاصّها ومُشَاعَها،

وأبين أحوالها في كرم مَنْصبها من العقل،

وتمكُّنَها في نِصَابه، وقُرْب رَحِمِها منه،

أو بُعدها حين تُنسب عنه، وكَوْنِها كالحَلِيف

الجارِي مجرى النَّسَبَ، أو الزَّنيم الملصَق

بالقوم لا يقبلونه، ولا يمتعضون له ولا يَذُبُّون دونه،

وإنّ من الكلام ما هو كما هو شريف في جوهره

كالذهب الإبريز الذي تختلف عليه الصُوَر وتتعاقب

عليه الصناعات، وجُلَّ المعَوَّل في شرفه على ذاتهِ،

وإن كان التصويرُ قد يزِيد في قيمته ويرفع من قدره،

ومنه ما هو كالمصنوعات العجيبة من موادَّ غير

شريفة، فلها، ما دامت الصورة محفوظةً عليها

لم تنتقض، وأثَر الصنعة باقيّاً معها لم يبطل قيمةٌ تغلو،

ومنزلة تعلو، وللرغبة إليها انْصبابٌ، وللنفوس

بها إعجاب، حتى إذا خانت الأيام فيها أصحابَها،

وضامَت الحادثاتُ أربابها، وفجعتهم فيها بما

يسلُب حُسْنها المكتسب بالصَّنعة، وجمالَها المستفادَ

من طريق العَرضِ، فلم يبق إلا المادّة العارية من التصوير،

والطِّينة الخالية من التشكيل سقطت قيمتها،

وانحطت رتبتها، وعادت الرَّغبات التي كانت فيها زُهداً،

وأوسعتها عيونٌ كانت تطمح إليها إعراضاً دونها،

وصدّاً، وصارت كمن أحظاه الجدُّ بغير فضلٍ كان

يرجع إليه في نفسه، وقدَّمه البخت من غير معنًى

يقضي بتقدّمه، ثم أفاق فيه الدهر عن رقدته،

وتنبّه لغلطته، فأعاده إلى دِقّة أصله، وقلّة فضله،

وهذا غرضٌ لا يُنال على وجهه، وطَلِبةٌ لا تُدرَك كما ينبغي،

إلا بعد مقدّماتٍ تُقدَّم، وأصولٍ تُمهَّد، وأشياءَ هي

كالأدوات فيه حقُّها أن تُجمع، وضروبٍ من القول

هي كالمسافات دونه، يجب أن يُسَار فيها بالفكر وتُقْطَع،

وأوَّلُ ذلك وأوْلاه، وأحقّهُ بأن يستوفِيَهُ النظر ويتَقَصَّاه،

القولُ على التشبيه و التمثيل و الاستعارة،

فإن هذه أصولٌ كبيرة، كأنَّ جُلَّ محاسن الكلام إن لم نقل:

كُلَّها متفرّعة عنها، وراجعة إليها، وكأنها أقطابٌ تدور

عليها المعاني في مُتصرَّفَاتها، وأقطارٌ تُحيط بها

من جهاتها، ولا يَقْنع طالب التحقيق أن يقتصر فيها

على أمثلة تُذكر، ونظائرَ تُعدُّ، نحو أن يقال:

الاستعارة مثل قولهم الفكرة فخُّ العمل، وقوله:

"وعُرّىَ أفراسُ الصِّبَا وَرَوَاحِلُهْ" وقوله:

"السفَرُ ميزان القوم"،

وقول الأعرابي :

"كانوا إذا اصطفُّوا سَفَرتْ بينهم السهام،

وإذا تصافحوا بالسيوف قَفَز الحِمَام"،

و التمثيل كقوله: "فإنك كَاللَّيْلِ الَّذِي هُو مُدْرِكِي"

ويؤتى بأمثلة إذا حُقّق النَّظَر في الأشياء يجمعها

الاسم الأعمّ، وينفرد كل منها بخاصّةٍ، مَنْ لم يقف

عليها كان قصيرَ الهمّة في طلب الحقائق، ضعيفَ

المُنّة في البَحْث عن الدقائق، قليلَ التَّوْقِ إلى معرفة

اللطائف، يرضى بالجُمَل والظواهر، ويَرَى أن لا يُطيل

سَفَر الخاطر، ولعمري إنّ ذلك أروَحُ للنفس، وأقلُّ للشُّغْل،

إلا أنّ مِنْ طلب الراحة ما يُعْقب تعباً، ومِنَ اختيارِ

ما تقلُّ معه الكُلفة ما يُفْضِي إلى أشدّ الكُلفة، وذلك

أن الأمور التي تلتقي عند الجُملة وتتَباين لَدَى التفصيل،

وتجتمع في جِذْمٍ ثم يذهب بها التشعُّب ويقسمها قَبِيلاً

بعدَ قبيل، إذا لم تُعْرَف حقيقة الحال في تلاقيها حيث التقت،

وافتراقها حيث افترقت، كان قياسُ مَنْ يحكم فيها،

إذا توسَّط الأمرَ قياسَ من أرادَ الحكم بين رجلين في

شرفهما وكرَم أصلهما وذهاب عِرْقهما في الفضل،

ليعلم أيُّهما أقعد في السؤدد، وأحقُّ بالفخر، وأرسخ

في أُرُومة المجد، وهو لا يعرف من نسبتهما أكثرَ

من ولادة الأب الأعلى والجد الأكبر، لجواز أنّ يكون

واحد منهما قُرشياً أو تَمِيمياً، فيكون في العجز عن

أن يُبْرِم قضيةً في معناهما، ويبيّن فضلاً أو نقصاً في

منتماهما في حكم من لا يعلم أكثر من أن كل واحد

منهما آدميٌّ، ذَكَر، أو خَلْقٌ مصوَّر. واعلم أن الذي

يوجبُه ظاهر الأمر، وما يَسْبِق إلى الفكر، أن يُبْدَأ

بجملةٍ من القول في الحقيقة و المجاز ويُتْبَعَ ذلك القولَ

في التشبيه و التمثيل، ثم يُنسَّق ذِكْرُ الاستعارة عليهما،

ويُؤْتَى بها في أثرهما، وذلك أن المجاز أعمُّ من الاستعارة،

والواجب في قضايا المراتب أن يُبدأ بالعامّ قبل الخاصّ ،

و التشبيه كالأصل في الاستعارة، وهي شَبِيهٌ بالفرع له،

أو صورة مقتضبة من صُوَره إلاّ أنّ ها هنا أموراً اقتضت

أن تقع البِدَاية بالاستعارة، وبيان صَدْرٍ منها، والتنبيهِ

على طريق الانقسام فيها، حتى إذا عُرِف بعض ما يكشف

عن حالها، ويقف على سَعَة مجالها، عُطف عِنان الشرح

إلى الفصلين الآخرين، فَوُفِّيَا حقوقَها، وبُيِّنَ فروقُهما،

ثم يُنْصَرَف إلى استقصاء الكلام في الاستعارة.