عرض مشاركة واحدة
قديم 10-28-2013, 02:42 PM
المشاركة 10
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
للمرة الثالثة على ما أعتقد أقرأ الموضوع و عندما أقرر الرد عليه أجد ما يمنعني سواء كان المانع ظرفا خارجيا أو حاجزا نفسيا
منذ طفولتي المبكرة قرأت رواية للدكتور الروائي ( نجيب الكيلاني ) عنوانها " في الظلام" و أبطالها سجناء رأي و سياسة و لكنهم اختلطوا مع المجرمين و القتلة و من خلال هذا استطاع الكاتب أن يصور عالم السجن و ينصف شخصية السجين ولو قليلا
كان السجناء يعانون من البرد و قساوة العيش و الجوع و التعذيب و السجن المنفرد الذي أفضى ببعضهم نحو الجنون او محاولة الانتحار لكن أكثر ما كان يخيفهم هو أن يخرجوا من الباب الخلفي أي الباب الذي يخرج منه السجين نحو فضاء الحرية و لكن نحو المقابر
كان يحدوهم الأمل في الخروج من معتقلهم من الباب الرئيسي و خرجوا أحرارا و لكن مرضى نفسيين
كانت هذه رواية من إبداع الكاتب نجيب الكيلاني و ربما ارتكزت إلى تجربة شخصية أو قصة حقيقية سمعها الروائي لكن ما بقي منها في بالي هو الباب الخلفي و قتامته
و منذ فترة قريبة قرأت رواية للمعارض السوري " لؤي حسين " بعنوان الفقد يحكي بها عن معاناته خلال سنوات اعتقاله لأسباب تتعلق بالرأي و السياسة
كانت اللقطات المنقولة من داخل المعتقل رهيبة و مؤلمة جدا لدرجة أن الكاتب بعد إطلاق سراحه لم يستطع ان بتعامل مع المجتمع بشكل سليم و كان ما يلتقطه من تجربة السجن يدونه على قصاصات ثم قام بجمعها بين دفتي رواية
و قد كتب تشارلز ديكنز عن السجين الذي أودع في الباستيل لسنوات طويلة أثرت على تفكيره و سويته العملية و الاجتماعية رغم انه كان طبيبا بارعا في رواية ( قصة مدينتين) الشهيرة و قال أن المادة الاساسية التي اعتمد عليها هي قصاصات كتبها سجين محشورة بين حجرين في زنزانة من زنازين الباستيل اكتشفت بعد الثورة الفرنسية
الشاهد من الكلام الطويل الذي سردته هو ان السجين يعاني من فائض كبير في الوقت و كثير من المحدودية في الحركة فإن كانت مقاومته و قدرته على البقاء في حالتها السليمة فسوف يبحث عن عمل يقوم به ليملأ به شدق الفراغ و اذا كان من الطبقة المثقفة فلابد انه سيتجه للقراءة و الكتابة بالشكل الأمثل
و لعله يعتقد أنه إن كتب ما يحيق به من ألم و فراغ و تعذيب سوف ينجو من الخروج من الباب الخلفي للسجن فإن حدث و مات جسده بقي ما ترك منه حيا الى الابد
من يكتب في السجن يقاوم سجانيه و يخبرهم بكل بساطة: أنا اكتب خلودي و أدون عاركم
و لعل أغلبنا يعرف قصيدة هاشم الرفاعي " رسالة في ليلة التنفيذ" فقد كتب قصيدة مطولة في ليلة إعدامه تعتبر الآن من عيون الأدب
و تحضرني هنا في نهاية المطاف قصة ذلك الإنسان المعدم الفقير الذي احتاج للمال لأمر ضروري جدا فقصد صديقه الغني الذي وافق على منحه المال لقاء ان يسجنه في قبو منزله عشرين عاما
و نظرا لحاجته الملحة وافق لكن بشرط ان يزوده بمكتبة غنية
و بعد مرور سنوات على تنفيذ الشرط تراجع الغني عن رغبته و ترك له باب القبو مفتوحا ليهرب لكنه لم يفعل ..ليخرج بعد عشرين عاما مسنا بشعر أبيض و ثقافة موسوعية لا محدودة .. هنا تنتهي القصة و لكن السجين لم يقدم فائدة تذكر لأحد و لا لنفسه أيضا بحصوله على ثقافة موسوعية لم تنتقل الى أحد أو توظف في بحث علمي
أ. أيوب صابر
أطلت الحديث فاعذرني
تحيتي لك