عرض مشاركة واحدة
قديم 09-17-2012, 06:19 AM
المشاركة 2
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بعض الصور في المعلقة:
1- صورة الأطلال : وقد بدأت بقولة عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم ؟
أم هل عرفت الدر بعد توهم ؟
والذي نراه أن الشطرة الثانية تمثل بدية الطلل الفعلية ، هنا نجد تفرد الشاعر بمعنى الشطرة الأولى في هذا التساؤل : هل أبقى السابق للاحق شيئا جديدا يأتي به ، كأنه يقول : لم يعد هناك جديد لمن يريد ، فكان عنترة هنا ناقد لا شاعر ، وانتهت صورة الطلل بقوله (أقوى وأقفر بعد أم الهيثم).
وقد تناول الشاعر فيها الجزيئات الطللية الآتية : معرفة الدار بعد الوهم طلب الحديث منها-(الشكوى والرد من الدار)– مناداتها وإلقاء التحية -الدعوة لها بالسلامة– القدم وهي جزئيات متداولة عند غيره من شعراء الجاهلية الذين ذكروا الأطلال والجديد عنده هو فرق الصنعة فقط.
ومن خلال تصوير الشعر للطلل تعرض لشيئين :
الأول : وصف الناقة في البيت الثالث وإظهار البعد المكاني بينه وبين عبلة.
ونجد بعض الباحثين يبالغون في مقصد الشاعر الذاتي من ذكر جزئيات الأطلال مثل الدكتور أنور أبو سويلم الذي يقول عن مطلع معلقة عنترة : "وفي مطلع المعلقة إشارة واضحة تأتي من الأعماق المظلمة في نفسية عنترة ، تكشف عن إحساس مبهم قابع في نفس تحس الذل والمهانة من الهجنة والعجمة :
هل غادر الشعراء من متردم ؟
أم هل عرفت الدر بعد توهم ؟
فالشعراء جميعا عبروا عن مشاعر الحب ، وقالوا فيه فنونا من القول ، لكن عنترة وحده يواجه حبا مختلفا لا يقبله المجتمع ولا يعترف به ، لذلك كان رسم الدار صامتا لا يستجيب لهذا الحب ، لأن العاشق غريب أعجمي ، أو هو هجين منبوذ ، وحقيق أن يسمع الشكوى من كان مثلك أسود أسفع ، لأن الأثافي السود لا تحرك ساكنا ، فتبقى جاثمة هامدة ، لا تجيب نداء العاشقين ، وهذا التأويل من جانب الباحث ، واختصاصه بعنترة لا يطابقه الحقيقة والواقع ، فسواد الأثافي وكلام الدار واستنطاقها وصمتها .. كل هذا طرقه الشعراء الجاهليون في الأطلال ، وهذه المقارنة بين غنى عبلة وفقر عنترة نلحظها في البيت التالي :
وتحل عبلة بالجواء وأهلنا
بالحزن فالصمان فالمتلثم
2- صورة الإبل – الناقة :
صور عنترة الإبل والناقة على مستويين :
الأول : عام يخص الإبل التي هي ركائب المحبوبة ، واستعدادها للرحيل.
والثاني : خاص بناقته فحسي وما يتعلق بها.
المستوى الأول : وصف الشاعر وتصويره لإبل الرحلة أو الركائب في قوله :
إن كنت أزمعت الفراق فإنما
ما راعني إلا حمولة أهلها
فيها اثنتان وأربعون حلوبة
زمت ركابكم بليل مظلم
وسط الديار تسف حب الخمخم
سود كخافية الغراب الأسحم
ومع أن الشاعر يشارك غيره في وصف رواحل المحبوبة ، إلا أننا نرى الجديد فيها هو التفصيل في الوصف الناجم عن المراقبة ، فالشاعر فوجئ بالرحيل (راعني) ثم وصف الإبل ومكانها وموقفها وما تأكله وعددها ، ثم شبهها – في لونها – بخوافي الغراب الأسحم ، فهذه نتيجة موقف عشقي قوي عند الشاعر يدلنا على أكثر من مجرد وصف إبل راحلة ، فالشاعر لم يتذكر الرحيل فحسب ، بل تذكر موقف الرحيل ، فأضاف العنصر النفسي إلى الوصف ، مما أكسبه تفصيلاً معيناً ، فالمحب كان يرقب في شغف ومتابعة الركائب ، عندما يستعد أهل المحبوبة للمغادرة ، وهذا الموقف يشبه موقف امريء القيس في قوله :
كأني غداة البين يوم "تحملوا"
لدي سمرات الحي ناقف حنظل
ولكن الأخير اكتفى بقوله "تحملوا" ولم يصف الإبل ، بل ركز على بكائه ثم زجر أصحابه له ، فكأن عنترة في حقيقة الأمر يصف نفسه لا الإبل.
وإذا نظرنا إلى التشبيه في قوله :
فيها اثنتان وأربعون حلوبة
سوادا كخافية الغراب الأسحم
نجد أن وجه الشبه هنا هو اللون الأسود ، في حين أن الشاعر يبدأ البيت بالتركيز على العدد ، وهو اثنتان وأربعون ، وهذا الوضع يشكل ظاهرة عامة مستمرة في تشبيهات عنترة وهو البدء – قبل عناصر التشبيه – بالتركيز – على صفة معينة ، قد ننخدع بها للوهلة الأولى نظن أنها بداية التشبيه ، أو أن له علاقة بها ، ولكن سرعان ما نتبين أن عناصر التشبيه لا تحتويها وأن التشبيه اتجه اتجاهاً مختلفاً.
.................................

الخصائص الأسلوبية في النص
أولا التصوير الفني:

حرص الشاعر على إبراز أفكاره ومعانيه وترسيخها في نفوس مستمعيه؛ فحشد العديد من الصور الفنية التي انتزاعها من بيئته الجاهلية والصحراوية، منها:
يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالْجِوَاءِ تَكَلَّمِي = وَعِمِي صَبَاحًا دَارَ عَبْلَةَ وَأسْلَمِي
1. التشبيهات:
التشبيه المفرد، كقوله:
جَـادَتْ علَيهِ كُلُّ بِكرٍ حُـرَّةٍ = فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَـمِ
حيث شبه المياه المتشكلة من السحابة على الروضة بالدراهم، تشبيه مرسل مجمل، ومثله:
وَخَلَى الذُّبَابُ بِهَا فَلَيسَ بِبَـارِحٍ = غَرِداً كَفِعْل الشَّاربِ المُتَرَنّـمِ
حيثشبه صوت الذباب في الروضة بصوت شارب الخمرة وهو يغني
ومن التشبيه المرسل المجمل قوله:(ورِشـاشِ نافِـذَةٍ كَلَوْنِ العَنْـدَمِ)
ومثله:
بركت على ماء الرداع كأنـمـا = بركت على قصب أجش مهضم
شبه الشاعر جنبي الناقة الهزلة من السفر بالقصب، أو شبه صوت أنينها من التعب بصوت القصب المتكسر حال بروكها عليه، تشبيه مرسل مجمل.
صعل يعوذ بذي العشيرة بيضـه = كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم
شبه الشاعر ذكر النعام الصغير الرأس، بالعبد الأصلم المقطوع الأذنين في السرعة، تشبيه مرسل مجمل.
وفي نحو:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة = سوادا كخافية الغراب الأسحم
فقد شبه لون النوق بخافية الغراب في السواد، ونوع التشبيه مرسل مفصل، فقد ذكر الأداة ووجه الشبه.
ومن التشبيه المرسل المجمل قوله:
يَنْبَاعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَةٍ = زَيَّافَـةٍ مِثـلَ الفَنيـقِ المُكْـدَمِ
فقد شبه الشاعر تبختر الناقة في سيرها بالفحل من الإبل قدّمته الإبل في سيره .
ومثله:
وحَلِـيلِ غَانِيةٍ تَرَكْتُ مُجـدَّلاً = تَمكُو فَريصَتُهُ كَشَدْقِ الأَعْلَـمِ
فقد شبه الشاعر سعة طعنه للفارس زوج المرأة الجميلة بسعة شدق الأعلم وهو البطل مشقوق شفته العليا.
وكما في نحو:
سَبَقَـتْ يَدايَ لهُ بِعاجِلِ طَعْنَـةٍ = ورِشـاشِ نافِـذَةٍ كَلَوْنِ العَنْـدَمِ
شبه لون الدم المنبعث من الطعنة بلون شقائق النعمان(العندم).
وفي مثل:
عَهـدِي بِهِ مَدَّ النَّهـارِ كَأَنَّمـا = خُضِـبَ البَنَانُ ورَأُسُهُ بِالعَظْلَـمِ
شبه عنترة دم الفارس الذي قتله قد خضّب رأسه بنبات العظلم الذي هو كالحناء.
-فَوَقَفْتُ فِيها نَاقَتي وكَأَنَّها = فَدَنٌ لأَقْضِيَ حَاجَةَ الْمُتَلَوِّمِ
شبه الشاعر ناقته بالفدن(القصر) لكبرها.
التشبيه التمثيلي، كما في قوله:
إذْ تَسْتَبِيْكَ بِذِي غُروبٍ وَاضِحٍ = عَـذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذيذُ المَطْعَـمِ
وكَـأَنَّ فَارَةَ تَاجِرٍ بِقَسِيْمَـةٍ = سَبَقَتْ عوَارِضَها إليكَ مِن الفَمِ
شبه الرائحة الزكية المنبعثة من فم عبلة بصورة الرائحة الزكية المنبعثة من قارورة العطار.
وكما في مثل:
وَخَلَى الذُّبَابُ بِهَا فَلَيسَ بِبَـارِحٍ = غَرِداً كَفِعْل الشَّاربِ المُتَرَنّـمِ
هَزِجـاً يَحُـكُّ ذِراعَهُ بذِراعِـه = قَدْحَ المُكَبِّ على الزِّنَادِ الأَجْـذَمِ
فقد شبه الشاعر الصوت المنبعث من الذباب وهو يحك يده بالأخرى بصورة الرجل مقطوع اليد وهو يقدح الزناد وتخرج منه النار.
تَأْوِي لَهُ قُلُصُ النَّعَامِ كَما أَوَتْ = حِـزَقٌ يَمَانِيَّةٌ لأَعْجَمَ طِمْطِـم
شبه صورة النعام الصغير يحوم حول طائر- بذكر قطيع إبل سوداء يمنية تجتمع عند نداء حاديها ،كما شبه الظليم بالراعي الحبشي الأسود..
وكَـأَنَّ رُبًّا أَوْ كُحَيْلاً مُقْعَـداً = حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُـمِ
شبه الشاعر صورة الغرق النازل من رأس الناقة وعنقها من أثر السفر بصورة القطران الذي يترشح من قمقم إثر الغليان.
إِنْ تُغْدِفي دُونِي القِناعَ فإِنَّنِـي = طَـبٌّ بِأَخذِ الفَارسِ المُسْتَلْئِـمِ
شبه الشاعر صورته وهو لا يعجزه صيد الفرسان الدارعين بصورة عدم عجزه عن صيد أمثال عبلة واستمالتها له.
الاستعارات
الاستعارة المكنية:
(يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي): شبه الشاعر دار عبلة بإنسان يتكلم.
وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ = مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعمِ العَلْقَـمِ
فقد شبه الظلم بشيء له مذاق، ذكر المشبه وكنى بالمشبه به، فالاستعارة مكنية.

المجاز المرسل:
فَشَكَكْـتُ بِالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيابـهُ = ليـسَ الكَريمُ على القَنا بِمُحَـرَّمِ
ذكر الشاعر الثياب، وأراد ما يجاورها، وهو القلب، مجاز مرسل علاقته المجاورة.
فتَـركْتُهُ جَزَرَ السِّبَـاعِ يَنَشْنَـهُ = يَقْضِمْـنَ حُسْنَ بَنانهِ والمِعْصَـمِ
ذكر البنان والمعصم(الجزء) وأراد به الفارس المجندل(الكل). مجاز مرسل علاقته الجزئية.
الكنايات:
(عَـذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذيذُ المَطْعَـمِ): كناية عن ريق عبلة العذب ورائحة فمها الزكية.
(والشَاةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُو مُرْتَمـي): كناية عن غفلة قوم المحبوبة والفرصة السانحة لعنترة باللقاء بها.
صعل يعوذ بذي العشيرة بيضـه = كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم
كناية عن سرعة عدو ركض الصعل"ذكر النعام"، وكناية عن سرعة الناقة وعدوها ونشاطها.
هَـل تُبْلِغَنِّـي دَارَهَا شَدَنِيَّـةَ = لُعِنَتْ بِمَحْرُومِ الشَّرابِ مُصَـرَّمِ
كناية عن قوة الناقة وتحملها، فالناقة التي تنقطع عن الولادة تكون أقوى.
"وإِذَا صَحَوتُ فَما أَقَصِّرُ عنْ نَدَىً": كناية عن أخلاقه الحميدة وكرمه.
طَـوْراً يُـجَرَّدُ للطَّعانِ وتَـارَةً = يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْـرِمِ
كناية عن كثرة الرماة في قومه وإحكامهم في الرمي.
رَبِـذٍ يَـدَاهُ بالقِـدَاح إِذَا شَتَـا = هَتَّـاكِ غَايـاتِ التَّجـارِ مُلَـوَّمِ
كناية عن صفة الكرم عند الفارس الذي قتله.
لـمَّا رَآنِي قَـدْ نَزَلـتُ أُريـدُهُ = أَبْـدَى نَواجِـذَهُ لِغَيـرِ تَبَسُّـمِ
كناية عن كره الفارس الذي قابله عنترة في الحرب للموت.

ثانيا: التعبير
1.الألفاظ والتراكيب

إ. استخدم الشاعر في قصيدته لغة سهلة قريبة المأخذ، خالية من الوعورة والتعقيد، وربما كان هذا عائدا إلى طبيعة موضوع القصيدة الذي يتطلب المباشرة والوضوح في مخاطبة الناس وإقناعهم، ولذلك اهتم الشاعر بأسلوب الشرط؛ ليدعم كلامه بالحجة والبرهان:
وجاءت ألفاظه جزلة قوية وتراكيبه متينة لا ركاكة فيها ولا ضعف، وهي واضحة مألوفة في الاستعمال الأدبي في العصر الجاهلي.

ب. نظام النسج اللغويّ لدى عنترة، هنا، ينهض على تصوير الحركة الفعليّة، الماديّة: للتقاتُلِ والتَّطَاعُنِ والتَّنَاحُرِ والتصاولُ بين الفرسان؛ فيظهر فيه عناصر اللون كلون الإبل والحركة كحركة الفرسان، والذوق كتذوقه لريق عبلة، ويبرز القتال الشرس بين عنترة وَحْدَهُ والفرسان الآخرين الذين كانوا يَعْرِضون له، أو يجرؤون على التَّطاولِ على فروسيّته ورجوليته، وشجاعته التي سارت بذكرها الركبان... فاللغة لدى عنترة تنهض بوصف ما يحدث.
ج. أدخل الشاعر (قد) مقترنة بلام التوكيد، يليهما فعل ماض؛ ليفيد التحقيق، تحقيق محبته الأكيدة لها، في قوله:
(ولقـد نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّي غَيْـرهُ)
د. أسلوب الشرط والذي يفيد الإقناع والإتيان بالحجة والدليل، كما في قوله:
إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فَإِنَّمَـا = زَمَّـت رِكَائِبُكُمْ بِلَيْلٍ مُظْلِـمِ
وكما في قوله:
فإِذَا شَـرَبْتُ فإِنَّنِي مُسْتَهْلِـكٌ = مَالـي وعِرْضي وافِرٌ لَم يُكلَـمِ
وكقوله:(وإِذَا صَحَوتُ فَما أَقَصِّرُ عنْ نَدَىً)، ومثله:
إِنْ يَفْعَـلا فَلَقَدْ تَرَكتُ أَباهُمَـا = جَـزَرَ السِّباعِ وكُلِّ نِسْرٍ قَشْعَـمِ
ومثله:
وإِذَا ظُلِمْتُ فإِنَّ ظُلْمِي بَاسِـلٌ = مُـرٌّ مَذَاقَتُـهُ كَطَعمِ العَلْقَـمِ
وفي نحو:
لو كانَ يَدْرِي مَا المُحاوَرَةُ اشْتَكَى = وَلَـكانَ لو عَلِمْ الكَلامَ مُكَلِّمِـي
3. يبرز المفارقات الكبيرة بين حيات عبلة المترفة وبين حياته الحربية القاسية كما في نحو:
تمسي وتصبح فوق ظهر حشية = وأبيت فوق سراة أدهم ملجم
وكقوله:
وتطل عبلة في الخزوز تجرها = وأظل في حلق الحديد المبهم
4. كان –أحيانا_ يقدم ما حقه التأخير، كتقديمه للصفة على الموصوف، كما في نحو:
جَـادَتْ لهُ كَفِّي بِعاجِلِ طَعْنـةٍ = بِمُثَقَّـفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَـوَّمِ
(بِعاجِلِ طَعْنـةٍ) والتقدير(بطعنة عاجلة) وهذا يسمى التحويل عند النقاد.


2. المحسنات البديعية:
وشى الشاعر قصيدته بألوان البديع؛ لتأكيد المعاني وتوضيحها، فاستخدم:
التصريع في البيت الأول، حيث تشابه الحرف الأخير من الشطر الأول
أ‌. "الصدر"، وهو الميم مع الحرف الأخير في الشطر الثاني"العجز".
ب‌. الطباق والمقابلة:
وتطل عبلة في الخزوز تجرها = وأظل في حلق الحديد المبهم
فقابل بين كل من: حياة عبلة المترفة، ولبسها الحرير، ومكوثها في البيت، وبين حياته الخشنة، ولبسه للدروع، وحياته في الحرب..على الترتيب. وكما في نحو:
تمسي وتصبح فوق ظهر حشية = وأبيت فوق سراة أدهم ملجم
فقد قابل بين كل من تصبح عبلة منعمة على ظهر حوشية مريحة، وبين مبيته فوق حصان يعارك العدو.
(تُمْسِي وتُصْبِحُ فَوْقَ ظَهْرِ حَشيّةٍ= وأبيت فوق سراة أدهم ملجم ): طابق بين كل من" تُمْسِي" و"تُصْبِحُ" وبين كل من:"تمسي"و "أبيت".
الترادف:
حُيِّيْتَ مِنْ طَلَلٍ تَقادَمَ عَهْـدُهُ = أَقْـوى وأَقْفَـرَ بَعدَ أُمِّ الهَيْثَـمِ
"أقوى" و"أقفر" الكلمتان بمعنى واحد، وهو"الخلاء" ولقد جمع بينها الشاعر؛لتأكيد المعنى.
ومنه قوله:"عَـذْبٍ مُقَبَّلُـهُ لَذيذُ المَطْعَـمِ" ، فعذب بمعنى لذيذ. ترادف

3. الأساليب الخبرية والانشائية
أ. الاسلوب الإنشائي

وفي بيت عنترة:
يا دارَ عَبْلَةَ، بالجَواءِ، تَكَلَّمِي = وعِمِي صَباحاً، دارَ عَبْلَةَ، واسْلَمِي

وقد يكون هذا البيت من أجمل الشعر العربيّ زخرفةً، فقد جمع فيه الناصّ بين عدّة مُزَخْرَفاتٍ:
المزخرِفُ الأوّلُ يَمْثُلُ في :
1. النداء الذي تكرر مرتيْن اثنتين:
يا دارَ...+ دار عَبْلَةَ (نداء بالياء، ونداء آخر بحذف حرف النداء).
ولقدْ يمكن أن نُؤَوِّلَ استعمالَ أدَاةِ النداء أوّلاً، ثم العدول عنها آخِراً، في موقف واحد، وفي بيت واحد؛ لم يكن إلاّّ تجسيداً لِمَا كان يلتعج في نفسْ الشّخصية الشعريّة التي كانت ترى مُبْتَدأَ الأمِر، أنّ دار الحبيبة، فِعْلاً، بعيدةٌ من حيث الحيزُ، من أجل ذلك كان الأليقُ بالنسج استعمالَ أداة النداء الدالّة على بعيد. ولكن لَمَّا دَعا لدار الحبيبة، عاد في موقفه، وكأنه اسْتَحَى أنْ يُخاطِبَها بأداة النداء الدالّة على البعيد، فناداها، تارةً أخرى، بوجهٍ آَخَرَ من الكلام، واصطنع زَخْرَفَةً دالة على الاقتراب والالتصاق؛ فكأنّ عَبْلَةَ كانت مستقِرَّة في نفسه، وكأنها كانت كَظِّلهِ لا تُزايلهِ، وتقارفه ولا تفارقه، فقال: دارَ عبلة...والنداء يفيد التحبب والتقرب.
2. وأمّا المزخرِفُ الثاني فَيْمثُلُ في تَحيَّةِ الحبيبة والتسليم عليها، وقد اصطنع الناصّ عبارة أهل الجاهليّة في التحيّة، وهي:
عِمِي صباحاً.
الأمر: "عمي صباحا"
يفيد الدعاء، وكذلك في قوله:
"اسلَمِي!"
وقوله:
هَلاَّ سأَلْتِ الخَيـلَ يا ابنةَ مالِـكٍ = إنْ كُنْتِ جاهِلَةً بِـمَا لَم تَعْلَمِـي
فقد خرج النداء؛ ليفيد التحبب والتقرب لعبلة.
ج. على حين أنّ المزخرِف الرابع يَمْثُل في استعمال الطَلب الوارد، ظاهريّاً، في صورة الأمر وقد خرج ليفيد التمني، وهو قوله:
تَكَلَّمي.وعلى أنّ ذكر الحيز الذي كانت تقطنه عبلة أمرٌ واردٌ ضمن الإغراق في هذا التحبّب وهذا التومّق؛ إذْ ذِكْرُ المكان تخصيصٌ لِلاسْمْ؛ فكأنّه ذِكْرٌ لَعَبْلَةَ مرتين اثنتين... فما يدري المتلِقّي وقد تكون العَبَلاَتُ كثيراتٍ... فلمّا خصّ عَبْلَتَه بمكان الجَواءِ، بمقامها زادَ دلالةَ التسميةِ تَخْصيصاً. وأمّا المزخرِف الذي يُحَسَّ ولا يَلْمَسُ، وَيُفْهَمَ ولا يُنْطَقُ؛ فهو مخاطبةُ الشخصيّة الشعريّة ما لا يعقل إذا خاطب دارَ عبلة وكأنها كائِنٌ حَيٌّ عاقل يَفْهَم عنه، ويَسْمع منه، وذلك غاية الدَّلَهِ والسُّمود.... ونكاد نلاحظ في بيت زهير ما لاحظناه في بيت عنترة حيث إنّ النّاصّين يَدْعُوانِ من خلال الدعوة لداريَ الحبيبتيْن، في الحقيقة، للحبيبتيْن..
ومن الأساليب الانشائية النداء والذي يقيد التعجب، كما في قوله:
كَـيفَ المَزارُ وقد تَربَّع أَهْلُهَـا = بِعُنَيْـزَتَيْـنِ وأَهْلُنَـا بِالغَيْلَـمِ
د. القصر، كما في قوله:( مَـا رَاعَنـي إلاَّ حَمولةُ أَهْلِهَـا)،فقد قصر روعه على حمولة عبلة.
ه. الإيجاز، كما في قوله:
ولقد نزلت فلا تظني غـيره = مني بمنزلة المحب المكرم
وتقديره:
ولقد نزلت فلا تظني غـيره = مني(منزلة) بمنزلة المحب المكرم
وهنا إيجاز بالحذف،ومثله:
يَدْعُـونَ عَنْتَرَ والرِّماحُ كأَنَّهـا = أشْطَـانُ بِئْـرٍ في لَبانِ الأَدْهَـمِ
حيث حذف حرف النداء(يا) قبل كلمة عنترة، ومثله في نحو: (وكأن فأرة تاجـر بـقـسـيمة) وتقديرها:(وكأن فأرة مسك تاجـر بـقـسـيمة).
وكَأَنَّما يَنْأَى بِجـانبِ دَفَّها الـ = وَحْشِيِّ مِنْ هَزِجِ العَشِيِّ مُـؤَوَّمِ
وذلك هناك حذف في قوله:
وكَـأَنَّ رُبًّا أَوْ كُحَيْلاً مُقْعَـداً = حَشَّ الوَقُودُ بِهِ جَوَانِبَ قُمْقُـمِ
والتقدير: حش الوقود بإغلائه في جوانب قمقم.
حذف المضاف من عبارة"هزج العشي" والتقدير:"خوف هزج العشي".
6. الالتفات، كما في نحو:
حَلَّتْ بِأَرض الزَّائِرينَ فَأَصْبَحَتْ = عسِراً عليَّ طِلاَبُكِ ابنَةَ مَخْـرَمِ
فقد أضرب الشاعر عن الأسلوب الخبري وضمير الغيبة إلى الخطاب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين