الموضوع: في ظلال القرآن
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-14-2020, 07:28 PM
المشاركة 48
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: في ظلال القرآن
{ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } . .
إن كلمة { لكم } هنا ذات مدلول عميق وذات إيحاء كذلك عميق . إنها قاطعة في أن الله خلق هذا الإنسان لأمر عظيم . خلقه ليكون مستخلفا في الأرض ، مالكا لما فيها ، فاعلا مؤثرا فيها . إنه الكائن الأعلى في هذا الملك العريض؛ والسيد الأول في هذا الميراث الواسع . ودوره في الأرض إذن وفي أحداثها وتطوراتها هو الدور الأول؛ إنه سيد الأرض وسيد الآلة! إنه ليس عبدا للآلة كما هو في العالم المادي اليوم . وليس تابعا للتطورات التي تحدثها الآلة في علاقات البشر وأوضاعهم كما يدعي أنصار المادية المطموسون ، الذين يحقرون دور الإنسان ووضعه ، فيجعلونه تابعا للآلة الصماء وهو السيد الكريم! وكل قيمة من القيم المادية لا يجوز أن تطغى على قيمة الإنسان ، ولا أن تستذله أو تخضعه أو تستعلي عليه؛ وكل هدف ينطوي على تصغير قيمة الإنسان ، مهما يحقق من مزايا مادية ، هو هدف مخالف لغاية الوجود الإنساني . فكرامة الإنسان أولا ، واستعلاء الإنسان أولا ، ثم تجيء القيم المادية تابعة مسخرة .
والنعمة التي يمتن الله بها على الناس هنا - وهو يستنكر كفرهم به - ليست مجرد الإنعام عليهم بما في الأرض جميعا ، ولكنها - إلى ذلك - سيادتهم على ما في الأرض جميعا ، ومنحهم قيمة أعلى من قيم الماديات التي تحويها الأرض جميعا . هي نعمة الاستخلاف والتكريم فوق نعمة الملك والانتفاع العظيم .
{ ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات } . .
ولا مجال للخوض في معنى الاستواء إلا بأنه رمز السيطرة ، والقصد بإرادة الخلق والتكوين . كذلك لا مجال للخوض في معنى السماوات السبع المقصودة هنا وتحديد أشكالها وأبعادها . اكتفاء بالقصد الكلي من هذا النص ، وهو التسوية للكون أرضه وسمائه في معرض استنكار كفر الناس بالخالق المهيمن المسيطر على الكون ، الذي سخر لهم الأرض بما فيها ، ونسق السماوات بما يجعل الحياة على الأرض ممكنة مريحة .
{ وهو بكل شيء عليم } . .
بما أنه الخالق لكل شيء ، المدبر لكل شيء . وشمول العلم في هذا المقام كشمول التدبير . حافز من حوافز الإيمان بالخالق الواحد ، والتوجه بالعبادة للمدبر الواحد ، وإفراد الرازق المنعم بالعبادة اعترافا بالجميل .
وهكذا تنتهي الجولة الأولى في السورة . . وكلها تركيز على الإيمان ، والدعوة إلى اختيار موكب المؤمنين المتقين . .