الموضوع: في ظلال القرآن
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-14-2020, 07:27 PM
المشاركة 47
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: في ظلال القرآن
من أين جاءت هذه الحياة التي تسلك في الأرض سلوكا آخر متميزا عن كل ما عداها من الموات؟ . . لقد جاءت من عند الله . . هذا هو أقرب جواب . . وإلا فليقل من لا يريد التسليم : أين هو الجواب!
وهذه الحقيقة هي التي يواجه بها السياق الناس في هذا المقام :
{ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم؟ } . .
كنتم أمواتا من هذا الموات الشائع من حولكم في الأرض؛ فأنشأ فيكم الحياة { فأحياكم } . . فكيف يكفر بالله من تلقى منه الحياة؟
{ ثم يميتكم } . .
ولعل هذه لا تلقى مراء ولا جدلا ، فهي الحقيقة التي تواجه الأحياء في كل لحظة ، وتفرض نفسها عليهم فرضا ، ولا تقبل المراء فيها ولا الجدال .
{ ثم يحييكم } . .
وهذه كانوا يمارون فيها ويجادلون؛ كما يماري فيها اليوم ويجادل بعض المطموسين ، المنتكسين إلى تلك الجاهلية الأولى قبل قرون كثيرة . وهي حين يتدبرون النشأة الأولى ، لا تدعو إلى العجب ، ولا تدعو إلى التكذيب .
{ ثم إليه ترجعون } . .
كما بدأكم تعودون ، وكما ذرأكم في الأرض تحشرون ، وكما انطلقتم بإرادته من عالم الموت إلى عالم الحياة ، ترجعون إليه ليمضي فيكم حكمه ويقضي فيكم قضاءه . .
وهكذا في آية واحدة قصيرة يفتح سجل الحياة كلها ويطوى ، وتعرض في ومضة صورة البشرية في قبضة البارئ : ينشرها من همود الموت أول مرة ، ثم يقبضها بيد الموت في الأولى ، ثم يحييها كرة أخرى ، وإليه مرجعها في الآخرة ، كما كانت منه نشأتها في الأولى . . وفي هذا الاستعراض السريع يرتسم ظل القدرة القادرة ، ويلقي في الحس إيحاءاته المؤثرة العميقة .
ثم يعقب السياق بومضة أخرى مكملة للومضة الأولى :
{ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا؛ ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات؛ وهو بكل شيء عليم } . .
ويكثر المفسرون والمتكلمون هنا من الكلام عن خلق الأرض والسماء ، يتحدثون عن القبلية والبعدية . ويتحدثون عن الاستواء والتسوية . . وينسون أن « قبل وبعد » اصطلاحان بشريان لا مدلول لهما بالقياس إلى الله تعالى؛ وينسون أن الاستواء والتسوية اصطلاحان لغويان يقربان إلى التصور البشري المحدود صورة غير المحدود . . ولا يزيدان . . وما كان الجدل الكلامي الذي ثار بين علماء المسلمين حول هذه التعبيرات القرآنية ، إلا آفة من آفات الفلسفة الإغريقية والمباحث اللاهوتية عند اليهود والنصارى ، عند مخالطتها للعقلية العربية الصافية ، وللعقلية الإسلامية الناصعة . . وما كان لنا نحن اليوم أن نقع في هذه الآفة ، فنفسد جمال العقيدة وجمال القرآن بقضايا علم الكلام!!
فلنخلص إذن إلى ما وراء هذه التعبيرات من حقائق موحية عن خلق ما في الأرض جميعا للإنسان ، ودلالة هذه الحقيقة على غاية الوجود الإنساني ، وعلى دوره العظيم في الأرض ، وعلى قيمته في ميزان الله ، وما وراء هذا كله من تقرير قيمة الإنسان في التصور الإسلامي؛ وفي نظام المجتمع الإسلامي .