عرض مشاركة واحدة
قديم 03-19-2011, 05:11 PM
المشاركة 148
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


* أريد حلوى
في زمن يضج أفقه بالحمام والنوارس .. وحفنة عصافير ..
في أزقة خمدت فيها روائح الناس .. فاستلقت بين حنايا المدينة كشاهد على هرم الذكرى ..
في حي نائم وأيقظ الأطياف على الجدران .. وفوق الأسقف الصامتة .. حيث للدهاليز ألف حكاية وحكاية ..
هناك .. صوب الحديقة القديمة .. التي تبعثر الياسمين على أركانها يناوش الجوري والريحان ..
والأحلام الصغيرة كانت تنكش تربة واجمة وتسقي العشب بقطرات فأل ناصعة ..
أمنيات فراشة تعلو فوق قناديل الطريق كي تفتش عن الضوء النائم في بلورة يعلو شخيرها على العمود ..
هب اليعسوب من تشابك الأغصان يلوح للنهار بأغنية حراك لن تصمت حتى المغيب ..
كانت طفلة تجوب الشوارع تجر دميتها المقطوعة الذراع وتفرك عينيها لهول النعاس ..
مر الزمن على عينيها وكأنه وحش يهمهم من بعيد ولا يجرؤ أن يدنو منها ..
وكان التراب يقضم خطواتها وهي تنكس رأسها حائرة ذاهلة ,, ولا تدرك كيف سيبرح المصير
منذ سويعات تروح وتجئ .. ثم تبسط كفيها كمن حاز على درر من العقيق .. وتتنهد ..
على ناصية الدكان الشرقي وقفت الصغيرة تطالع وعاء الحلوى المكتظ بحبات من الألوان المغرية ..
نظرت إلى القروش النحاسية المعتمة في يدها الصغيرة.. ثم نقلت بصرها من جديد إلى الوعاء الزجاجي الضاحك ..
قالت لها أمها : أسرعي .. واشتري لي قالب من الزبدة حتى أعد الغداء قبل مجئ والدكِ من العمل ..
وهمس لها شقيقها الصغير : لماذا لا تشترين لي حلوى .. ألستِ أختي ؟
همست له بسذاجة : هذه نقود أمي .. ولا يجب أن أعصيها ..
صرخ بها : هذه نقودنا جميعا .. أريد حلوى .. ألستُ بأخيك ؟
ومضى الوقت ولم تعد الصغيرة .. ومر الزمن يرسم الذعر على ملامح الرجل المتعب ..
صاح في زوجته : قلت لكِ مرارا لا ترسلي الصغيرة إلى الطريق وحدها ..
تجمدت الكلمات على لسان المرأة ووضعت يدها على رأسها مستسلمة للبكاء والنحيب ..
وتجمع أهل الحي ينبشون الطرقات عن الطفلة الضائعة ..
وما بين الأنفاس اللاهثة والقلوب المذعورة والأصوات المتمتمة باليأس ..
كانت الشمس تغوص في الأفق وتحمل بين ذراعيها نهار متعب ..
وقبل مجئ العتمة بعباءة تخفي الأجساد بين ثناياها ..
وجد الرجل طفلته غافية على العشب في الحديقة تحتضن دميتها ..
بينما حبات من الحلوى مبعثرة حولها في كل مكان ..