عرض مشاركة واحدة
قديم 11-14-2016, 05:00 AM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
ترامب: صفحة جديدة في التاريخ

حقق دونالد ترامب أكبر مفاجأة انتخابية في التاريخ الأمريكي بفوزه في الانتخابات الرئاسية على منافسته هيلاري كلينتون. لم يتول ترامب أي منصب سياسي من قبل فهو من خارج عالم السياسة. وقد قفز من عالم المال والإعلام إلى عالم السياسة وحقق إنجازا غير مسبوق. لقد فاز بولاية فلوريدا التي تقطنها نسبة كبيرة من الأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية وهي من الولايات المحددة للفائز بالانتخابات. وبالرغم من تصريحاته ببناء جدار لمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك إلا أنه فاز بأصواتهم. ويرجع ذلك إلى قيام الأمريكيين من أصول لاتينية المقيمين بصورة شرعية في البلاد بالتصويت له لأن المهاجرين غير الشرعيين ينافسونهم في الوظائف والخدمات. وبالتالي فمن منظور المصلحة البحتة صوت هؤلاء لترامب مثلما حدث في الاستفتاء في المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي. هناك عدد من الأسباب التي قد تفسر فوز ترامب التاريخي وغير المتوقع. أول تلك الأسباب هي تململ الناخبين الأمريكيين من المؤسسة الرسمية التي يرونها تتصرف بصورة غير ديمقراطية في بعض الأحيان. ولكون ترامب خارج تلك المؤسسة فقد مثل ذلك له ميزة إيجابية.
فقد المواطن الأمريكي وغيره الثقة في السياسيين والسياسة المعتادة التي تتم في الكواليس دون مصارحة أو قدر من احترام عقلية المواطن. لقد ظهر ترامب من خارج الصندوق السياسي ولم يتمرس على تكتيكات السياسيين الذين يقولون شيئا ويضمرون أمورا وقرارات أخرى. يمكن أن يتغير ترامب بعد دخوله البيت الأبيض ولكن ليس على شاكلة كلينتون المخضرمة في عالم السياسة.
يضاف إلى ذلك تركيز حملة هيلاري كلينتون على كونها امرأة ومع الأقليات وانتقاد ترامب دون الاقتراب من المشكلات الحقيقية للسياسات الأمريكية الحالية. لم تتعامل كلينتون مع آلام المواطنين ومخاوفهم. ركزت حملتها بصورة كبيرة على تشويه صورة ترامب وكونه لا يصلح ليكون رئيسا لمزاجيته وموقفه من المرأة. ومن الأسباب الأخرى حديث جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكية عن إعادة فتح التحقيق في رسائل البريد الالكتروني الخاصة بهيلاري عندما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية منذ أقل من أسبوع. إن الملابسات المحيطة بمقتل السفير الأمريكي في ليبيا ومسح الآلاف من الرسائل الالكترونية قبل أن تصل إليها أيدي التحقيق ومن البداية عمل حساب الكتروني خاص للمراسلات الرسمية والأمنية، شكلت ضربة موجعة لفرص كلينتون في الفوز. فقد زاد شك الناخب الأمريكي في صراحة كلينتون حول هذا الموضوع وأكد على عدم الثقة في السياسيين من داخل المؤسسة. على صعيد آخر أعطى ترامب انطباعا لدى الناخب الأمريكي أنه في صفهم نتيجة تلقائيته في الحديث دون الالتزام بالنص. يريد الناخب سماع شخص يتحدث دون تحضير مسبق وورقة مكتوبة. كما أن الكلام غير المعد يصل إلى قلب الناخب وعقله وهو ما يسهل التواصل بين المتحدث والمستمع. نجح ترامب في كسب مشاعر وقلوب بعض الناخبين من خلال هذا التكنيك. يضاف إلى ذلك إصراره على تحدي مؤشرات الفشل ومن أهمها انتقادات لاذعة من داخل حزبه وإعلان بعض قيادات الحزب الجمهوري عدم التصويت لترامب. تحدى ترامب كل تلك الضغوط من داخل حزبه وأثبت خطأهم. وكانت هناك توقعات بفشله في بعض الولايات. فمثلا قد سافر إلى ولايات مثل ميتشغان وسيكنسون بالرغم من مؤشرات الفشل في تلك الولايات، وفاز بهما ضد كل التوقعات. لم يعبأ كثيرا بما يقوله الإعلام ولا استطلاعات الرأي ولكنه قام بما يلزم للتواصل مع الأمريكيين والفوز في الانتخابات وهو ما تحقق. ومن هنا يمكن القول إن استطلاعات الرأي فشلت للمرة الثالثة في التنبؤ بصحة نتائج التصويت، أولها في فوز حزب المحافظين بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والاستفتاء الخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وآخرها الانتخابات الأمريكية. على مؤسسات قياس استطلاعات الرأي أن تعيد حساباتها والمنهجية التي تستخدمها للقياس. يصعب في المستقبل التعويل على تلك الاستطلاعات إذا لم تحدث تعديلات عليها.
هل ستكون هناك صفحة جديدة في الشرق الأوسط من جراء كتابة تاريخ جديد في الولايات المتحدة بفوز ترامب بمنصب الرئيس؟ أتصور بحكم قرب العلاقة بين ترامب والرئيس الروسي بوتين أن تكون الأزمة السورية في طريقها إلى الحل في خلال عام. ظل الخلاف الأمريكي ـ الروسي لفترة عائقا أمام الحل. وأعتقد أن تقاربا أمريكيا روسيا تركيا سوف يضع نهاية لهذا الصراع الدامي. قد تستمر بعض أعمال العنف بعد الحل ولكن ستكون هناك توليفة توفر للأكراد نوعا من الحكم الذاتي وتنهي الصراع المستعر في حلب وغيرها بما يضع الأساس لدولة مستقرة بصورة ما. قد يعتبر البعض ما أقوله ضربا من الجنون والخيال ولكنني لدي قناعة بأن التقارب الأمريكي الروسي هو المفتاح المحوري لحل تلك المأساة الإنسانية التي حصدت أكثر من ربع مليون قتيل والملايين من المهجرين داخليا وخارجيا.
في ما يتعلق بالملف المصري وبعد الاتصال بين ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتصريحات ترامب حول المسلمين، سيكون هناك تقارب بين الجانبين وهو ما يخفف من الوضع الاقتصادي المصري المتأزم. لن تكون هناك ضغوط وشبه تجاهل لمصر من قبل الولايات المتحدة لمصر بعد عزل الرئيس محمد مرسي في عهد ترامب لتقارب وجهات النظر بين الجانبين حول الإسلاميين ومخاطرهم.
وبخصوص إيران فلن تكون بعيدة عن الضغوط الأمريكية ولن تكون مطلقة اليد كما هو الحال الآن بعد الاتفاق النووي. تنفست إيران بعد الاتفاق النووي وما سيقوم به ترامب هو استمرار التلويح بعودة العقوبات في حال محاولة إيران الخروج عن الخط المرسوم لها في المنطقة. تصاعد الدور الايراني في المنطقة علي حساب السعودية واستمرار ذلك قد يكون خطرا على التوازن في المنطقة. ومن هنا ستقوم إدارة ترامب بالحد من الدور الإيراني الحالي والتأكد من عدم قيامها سرا في تحقيق حلمها لتكون دولة نووية.
والقضية المحورية في الشرق الأوسط هي إقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. لا أعتقد أن يقوم ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل كما صرح قبل ذلك ولكنه في الوقت نفسه لن يحل المشكلة من خلال قيام دولة فلسطينية. سيستمر الوضع على ما هو عليه مادام العرب في حالة ضعف. إن الكرة في ملعب العالم العربي لجعل قيام دولة فلسطينية حقيقة.
في النهاية أود أن أقول إن ترامب قد يغير بعض الأشياء ولكنه في النهاية محكوم بالمؤسسات القائمة لأن الولايات المتحدة دولة مؤسسات. سيركز على الأقل في السنة الأولى على الملفات الداخلية ولاسيما الاقتصاد والأمن، ولكن يمكن أن يكون حل الأزمة السورية مع روسيا هو إرث دونالد ترامب كرئيس.

٭ كاتب مصري

ترامب: صفحة جديدة في التاريخ
سعيد جوهر