عرض مشاركة واحدة
قديم 09-12-2017, 01:04 PM
المشاركة 236
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
بسطاء وقلوب بيضاء
استيقظت مع شروق الشمس ، أيقظت ابنتها و اتجهتا إلى الحقل لتفقد المحصول ... قامتا بأعمال الحقل على أكمل وجه ، ثم ذهبتا إلى المرعى لرعي الماشية . حلبت الأم الإبل و الأبقار بينا حلبت البنت الأغنام وجمعت بيض الدجاج .قامت الأم بغلي الحليب و ملئه في زجاجات معقمة لتقوم ببيعها في المدينة ؛ فهو مصدر رزقهم الأول ، ثم يأتي محصول العنب والتفاح و التين . فهو موسمي أما العسل فلا يزال مشروعاُ صغيراُ لا يصلح للمتاجرة بعد .
اعتادت الأم أن تخرج لبيع الحليب بعد الظهيرة ، لكن قبل ذلك تنتظر قدوم سيدة شابه لتأخذ بعض حليب الإبل و العسل لزوجها المريض . في ذلك اليوم تأخرت هذه السيدة عن الموعد المعتاد ،مما خلق حالة توتر لدى الأم التي بقيت تنتظرها بفارغ الصبر . أثار توتر الأم فضول ابنتها التي لم تتردد في السؤال : أمي ، لما انت قلقة ؟ نحن في الريف ومن الطبيعي أن تتأخر إن لم تجد ما يقلها .
الأم : عزيزتي ، لا يمكن لها أن تتأخر مهما حدث... هي بحاجة لهذا الحليب .
البنت : أمي هناك ما يحيرني ... لم نحن نعطي حليب الإبل و العسل للسيدة ، بينما يمكننا بيعه ؟
الأم : هي تعيل زوجها المريض ، وحليب الإبل و العسل يعتبران من أفضل العلاجات، و كلاهما غالِ.
البنت : هذا ما أقوله ، حليب الأبل غالِ جداُ، نحن أيضاُ نعيل نفسينا... رحل أبي عنّا وترك لنا هذه الأرض لنعيش من خيرها ، ونحن لا نملك سوى ناقتين تدران لنا الحليب ، و حليب الأبل مطلوبً في السوق بكثرة ؛ نحن أولى به .
الأم : إذا منعت عنها الحليب ، من سيعطيها؟!
البنت : هو ليس واجباٌ محتماٌ علينا ؛ ستجد آخرين يعطونها .
الأم : صغيرتي ، حين رزقنا الله هذا الرزق، أرسل لنا تلك السيدة لنساعدها ... كيف لنا أن نصدها ! هل تريدين أن تحرمينا و والدك من دعاء قلب مكسور حزين ؟!
الابنة: لكن يا أمي أنت لم تبيعي الحليب بعد، تأخر الوقت .
الأم (وقد علا وجهها الغضب ) : هذا يكفي. لا أريد نقاشاً ... سيعوضنا الله عن ثمن بضاعة اليوم .
تسربت ضحكات خجولة من الفتاة محاولة كتمانها ، فلاحظت الأم ذلك فقالت مؤنبة : لم كل هذا الضحك ؟ موضوعنا جاد .
توقفت البنت عن الضحك وردت قائلة : أنا آسفة ، لكن هل تذكرين ... قبل وفاة ابي حين كنا نتهامس في حظيرة البقر ؟
الأم : أجل أذكر ... كنتما تضحكان مني حينها ، لطالما سخر مني والدك وشبهني بالوعاء .
الابنة : في الواقع ، لقد كان يحدثني عن وجه الشبه . قال لي : " أمك يا ابنتي تشبه وعاء الحليب هذا ، ترينها صلبة يصعب تحطيمها ، ومن الداخل تملك ألين و أنقى قلب ، أبيض كهذا الحليب ... لطالما أخبرتها بذلك ، لكنها كانت تظنني أنعتها بالسمينة فكانت تغضب " . وقال أيضا "هل أدلك على وصفة أستعملها مع أمك حين تشعر بالقلق ... عليك فقط أن تظهري لها غمامة سوداء تحيط بشغاف قلبك ؛ عندها ستلقي بالكون كله ورائها ، لتزيل تلك الغمامة " . و الوصفة نجحت ببراعة ؛ ها أنت نسيت قلقك حول تأخر السيدة ... وها هي ذا تظهر أعلى التل هناك.
مسحت الأم دموعها التي انسابت لذكرى زوجها الراحل ، واستعدت لاستقبال السيدة، التي بدورها شكرت الأم على مجهودها ... فزوجها تماثل للشفاء ، وسيعود لعمله قريبا . مرت عدة أيام قبل أن يأتي تاجر الى الحقل ليشتري الحليب ... ما عادت تضطر للنزول الى المدينة ، طورت مشروع العسل حتى صار يباع أيضا . لكنها لم تفكر مرة أن التاجر الذي يشتري الحليب و العسل كل يوم ، كان قد ارتوى منهما قبل أي شخص آخر .