عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2011, 10:25 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ولو ألقينا نظرة على الأحوال الداخلية لمصر .. لرأينا المهازل التى تكفي لتفجير ألف ثورة فى ألف شعب !
ولكانت الدهشة الواجبة والسؤال الأوقع هو كيف تأخرت الثورة إلى هذا الحد بدلا من التساؤل عن أسباب قيامها والتشكيك فيها

ففيه حلقته عن الشأن المصري الجارى من برنامج مع هيكل فى سبتمبر 2004 م قدم المفكر السياسي الكبير محمد حسنين هيكل صدمة حقيقية للرأى العام عندما أعلن سخريته المحرقة من إدعاء تعثر التنمية بسبب زيادة السكان وبسبب نقص الموارد وقام بتفنيد السببين قائلا :
بالنسبة لإدعاء زيادة عدد السكان فإنى سأتحدث معتمدا على أرقام معهد التخطيط القومى المصري ذاته وهو يعلن فى آخر تقرير له لعام 2004 م أن نسبة زيادة عدد السكان فى تناقص مستمر خلال العشر سنوات الأخيرة حيث انخفضت من 2.2 إلى 1.8
وبالتالى زيادة عدد السكان لا وجود لها !! وباعتراف الأرقام الرسمية للحكومة !!
وبالنسبة لإدعاء نقص الموارد فلن أتحدث مطلقا عن الموارد الداخلية كقناة السويس والغاز الطبيعى وموارد الطاقة كحقل المرجان وبلاعيم ,
بل سأتحدث بالأرقام عن التدفقات المالية الخارجية خلال الثلاثين عاما الماضية والتى أتت على شكل هبات أو مساعدات لا ترد أو دخول للعاملين بالخارج وهى تدفقات بلغت 150 مليار دولار على نحو جعل مصر أكثر دول العالم أجمع جلبا للعملة الأجنبية !
وأضاف هيكل ..
فأين ذهبت هذه الأموال ؟!
إننى أستطيع أن أضع يدى على شواهد تم الصرف عليها مثل البنية الأساسية وتكلفت ما بين 10 إلى 12 مليارا ومترو الأنفاق تكلف حوالى 6 مليارات دولار .. لكن خلاف ذلك أين هى مواضع الصرف التى استوعبت تلك المبالغ الفلكية ؟!

ما غاب عن ذهن أستاذنا الكبير هيكل معلومة تمثل ضربة أخرى من ضربات عدم المنطقية .. وهى أن الدولة لم تتكلف قرشا واحدا من المليارات الستة التى تم صرفها على مشروع مترو أنفاق القاهرة الكبري حيث قامت بالمشروع وتكاليفه شركة فرنسية وعمالة مصرية مشتركة بنظام عقود bot وهو النظام الحديث فى العقود الإدارية التى يمنح الشركات الأجنبية حقلا إقامة المشروعات القومية وتحمل تكلفتها نظير إدارتها والإنتفاع بها لمدد محددة سلفا " 15 ـ 20 " عاما ثم تعود ملكيتها للدولة دون أن تتحمل الحكومة أية نفقات

أما أمر الديون الذى خرجت به مصر مثقلة الكاهل من حرب أكتوبر فمعظم هذه الديون كانت ديون النفقات العسكرية للإتحاد السوفياتى وهى الديون التى تم جدولتها وإعادة النظر فيها وإسقاط رقم لا يستهان به منها
أما الديون العسكرية فى مرحلة ما بعد كامب ديفيد وهى الديون التى استحقت للولايات المتحدة الأمريكية فقد قامت الحكومة الأمريكية بإسقاط ديون الفترة ما بين 1982 م إلى عام 1989 م فضلا على أن عام 1989 م شهد اتفاقية جديدة فى برامج التمويل العسكري المصري الأمريكى منح مصر مساعدات غير قابلة للرد

وهنا ألا يستحق منا هذا الأمر سؤالا بديهيا فى ظل هذه الموارد الرهيبة التى لم تتوافر لبلد فى العالم كيف يمكن أن يبلغ حجم الدين العام لمصر حوالى 100 مليار جنيه مصري !!

الجواب يتمثل فى ثروات أصحاب الحظوة من أمثال أحمد عز التى تجاوز رصيده أربعين مليار جنيه !
وعلى نفس الشاكلة هشام مصطفي ومحمد أبو العينين وابراهيم كامل , وغيرهم من فراعنة الإقتصاد , هؤلاء الذين نهبوا البنوك والأصول والمعونات الخارجية , ودفعوا المقابل رشاوى هائلة بالملايين لكبار المسئولين , وفضائحهم فى هذا المجال معلنة وأكثر من أن تحصي , ويكفي حكم القضاء ببطلان عقد أرض ( مدينتى ) والتى اشتراها هشام مصطفي من الدولة بخمسين قرشا للمتر , ثم أسس المدينة السكنية بقروض البنوك وباع المتر بمئات الآلاف من الجنيهات
أى أن هشام مصطفي ـ وغيره بالعشرات ـ استثمروا أموال الدولة على أرض الدولة وخرجوا بالمليارات ليصرفوها على ملذاتهم , ولعل قضية هشام مصطفي كشفت عن الملايين التى بذلها لسوزان تميم كى يخدمها إعلاميا ,
هذا بخلاف المليارات التى يصرفها تليفزيون الدولة الرسمى على المسلسلات بأموال الشعب الذى لا يجد لقمة العيش , فإذا بخسائر التليفزيون العام الماضي فقط تبلغ 11 مليار جنيه بسبب إنتاجه لما يزيد عن ثمانين مسلسلا فى العام الماضي , معظمها فى رمضان , وكلها عبارة عن مهازل حقيقية ,
مسلسلات يتم إنتاجها من دم الشعب , ليصرفها أهل الملذات , وهى لا تخرج عن كونها مسلسلات تعرض حياة رجال الأعمال , أو مسلسلات تحكى قصص الممثلين أصحاب المسلسلات !!
ومن الفكاهيات حقيقة أن عادل إمام الذى قام بتمثيل دور البطل المصري أحمد الهوان فى مسلسل جمعة الشوان , هو واحد من أصحاب المليارات , وتقاضي أربعة ملايين دولار مؤخرا على إعلانه لشركة فودافون , أى عشرين مليون جنيه مصري على إعلان اشترط فيه عدم ذكر اسم الشركة , والحديث بعبارة واحدة فقط ,
وهذا فى مقابل عشرين مليون جنيه مصري ..
وهذا ما لم يحصل عليه بشري فى التاريخ نظير جملة واحدة يقولها بصوته فقط دون صورته ,
فيا ترى ,
هل يمكن لمحمد نصير رئيس شركة فودافون أن يدفع مثل هذا المبلغ الهائل لعادل إمام مقابل إعلان صوتى , لو أن هذا المال جاء من ربح منطقى أو حلال !
والله إن تجار المخدرات ليصعب عليهم التضحية بهذا المبلغ للإعلان عن صنف جديد من الحشيش !!
فى نفس الوقت الذى تقدم فيه أحمد الهوان ( البطل الأصلي ) بطلب للحصول على معاش دائم من الدولة , وعلاج مجانى وفشل فى ذلك , وهو الذى أعطى من التضحيات أحد عشر عاما من عمره , وهتك فيها المخابرات الإسرائيلية بما لا يستطيع جيش أن يفعله ,
وقس على هذا أبطال حرب أكتوبر , ورموز الأمة فى كافة المجالات , بعضهم يعمل فى وظائف وضيعة , وينتقل من سيئ إلى أسوأ وبعضهم انتقل إلى رحمة الله !

هذا بخلاف النهب الرسمى وعلى أوراق الدولة , من الوزراء والمسئولين الذين تصدر لهم قرارات علاج على نفقة الدولة بالملايين وكأنهم فى حاجة لهذا العلاج ؟!
وقبل شهرين , رفض أحمد نظيف رئيس الوزراء علاج الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق وعالم الحديث النبوى الشريف , وقال ( لماذا نعالجه بالخارج وهل لا يوجد علاج فى مصر ؟! )
وتمت الطامة الكبري عندما اتخذ وزير صحة مبارك حاتم الجبلي قرارا بإلغاء العلاج على نفقة الدولة وهو علاج هزيل أصلا لا يتجاوز سقفه أكثر من خمسة آلاف جنيه , ومع ذلك ألغاه الوزير فى نفس الوقت الذى يصرف فيه الملايين للمقربين , ولا يستحى أن يرفض علاج عالم فى قيمة وقمة أحمد عمر هاشم
بينما قبل هذه الواقعة بأيام كان يوافق رسميا على قرار علاج الممثل طلعت زكريا الذى قام بدور البطولة فى فيلم ( طباخ الرئيس ) لمجرد أن هذا الممثل حظى بمقابلة الرئيس مبارك
وبالطبع قامت هذه الفئة المنحرفة من الممثلين بخدمة النظام فى أزمته , فقام طلعت زكريا بالظهور مدافعا عن الرئيس ,
وكذلك حسن يوسف الذى صدعنا سابقا بإعلان توبته ثم جاء فى رمضان الماضي ليشارك الممثلة المنحرفة غادة عبد الرازق صاحبة أدوار الإغراء فى بطولة مسلسلها الجديد , ثم يخرج هكذا بلا حياء ليتهم المتظاهرين بأنهم ينفذون أجندات خارجية !
وكأن هؤلاء المتظاهرين هم الذين نفذوا خطط الغرب كاملة ووضعوا أنفسهم فى خدمة طواغيت الولايات المتحدة !
وقس على ذلك العديد من عواهر هذا المجال , والذين لن يجدوا لهم مكانا فى المجتمع ولا مكانا للنهب والسرقة لو سقط النظام , فالمسلسلات والأفلام التى يتم صرف ميزانية الإعلام عليها بخسائر مليارية , إنما يصرفها النظام عليهم ليكونوا فى خدمته وقت الحاجة

فنوعية هؤلاء الممثلين هى التى تحظى برعاية قادة الدولة , أما كبار العلماء ولو كانوا من أركان نظام الحكم نفسه , فهم فى غيابات الجب !!
هذا بخلاف الملايين المعدة لإعادة هدم وبناء محطات المترو , وإعادة بناء الأرصفة , وتجديد أسوار قصر القبة وغيره من المبانى , فى نفس الوقت الذين يسكن فيه أربعة ملايين مواطن فى المقابر وفى العشوائيات التى تتكون من علب صفيح تعيش فيها عائلات يتراوح عددها من خمسة إلى خمسة عشر فردا !
أما ثروات الدولة فى الداخل فهذه قصة أخرى , لا يمكن حصرها
فالغاز الذى يتدفق فى أرض مصر , وتصدره لإسرائيل وأسبانيا , يعانى المصريون من زيادة أسعاره فى أنابيب البوتاجاز وتراجعت الحكومة مؤخرا عن قرارها برفع ثمن أسطوانة البوتاجاز من خمسة إلى خمسين جنيها !

بخلاف الإحتقار والدونية التى كان ينظر بها مبارك للشعب المصري البسيط , وتبدت أكثر ما تبدت فى سخريته العلنية فى تسجيل شهير من ضحايا عبارة الموت التى ذهب ضحيتها ثلثمائة قتيل بسبب تواطؤ النظام مع رجله ممدوح إسماعيل صاحب العبارة ورجل الأعمال عضو مجلس الشورى
بخلاف القتلى من قبل فى محرقة بنى سويف وفى قطار الصعيد وفى عشرات الحوادث المتكررة التى يذهب ضحيتها 12 ألف قتيل سنويا فى الحوادث المتفرقة على الطرق بسبب سوء حالتها وعدم صلاحيتها للمركبات ــ كنتيجة طبيعية للفساد الرهيب فى أعمال الحكومة ـــ والفساد الشرطى المتواطئ مع رجال الأعمال وغيرهم
أضف إلى ذلك صرعى الأمراض المزمنة المنوعة التى تسبب فيها يوسف والى وزير الزراعة الذى سرطن نبات مصر بأكمله بسبب سياسة التطبيع الزراعى مع إسرائيل , وتم ترك آلاف مؤلفة من المرضي يلقون حتفهم بلا علاج أو بالإهمال فى المجازر العمومية المسماة خطأ بالمستشفيات , وهى عبارة عن سلخانات بشرية تتراكم فيها أجساد المرضي فى الطرقات وفى الأرصفة أمام أبوابها ويشاهدها الناس بمناظر معتادة فى مستشفيات الدمرداش أو فى مستشفيات القصر العينى العام أو أى مستسفي عام تابع لوزارة الصحة ..
ومن لم يمت بالمرض أو الحوادث واجه الحياة بأجور أقل ما يقال عنها أنتها لا تكفي لإطعام طفل صغير لمدة يوم واحد ,
فهناك فى مصر معاشات لا تتعدى ستين ج مصري أو ما يوازى 12 دولارا شهريا تقريبا , بخلاف اعتماد الحد الأدنى للأجور عند حاجز ثلثمائة ج مصري فى نفس الوقت الذى اكتمل فيه مخطط إفساد مصر عن عمد برفع سقف مرتبات رجال النظام ورؤساء الشركات والوزراء ونوابهم ووكلاء الوزارات إلى مبالغ عشرين مليون جنيه شهريا ..
أكرر عشرون مليونا كمرتب شهري كان يحصل عليها سامح فهمى وحبيب العادلى فضلا على أن الحد الأدنى لرجال الدولة كان 250 ألف جنيه شهريا وينطبق على العشرات من تابعيهم .. فى مخطط واضح لنشر الرشوة والفساد لأن الموظفين العاديين لن يجدوا قوت يومهم إلا بالرشوة فى ظل استحالة المعيشة بالراتب الحكومى
ولاحظوا أننا نتحدث عن الموظفين المعينين ممن وجدوا عملا لهم أصلا فى مصر بخلاف الشريحة العظمى التى تتجاوز الملايين لا تجد عملا بأى مقابل من أى نوع وارتفع سقف الرشوة للوظائف إلى حدود رهيبة تفوق خيال البسطاء بخلاف عمليات النصب التى كان يمارسها أعضاء مجالس الشعب والشورى فى الحزب الوطنى لبيع تأشيرات العمل وحتى تأشيرات الحج !!
وهذا الواقع المرير هو ما يفسر بوضوح لماذا كان شباب القري يقبلون بإلقاء أنفسهم فى التهلكة فى محاولات الهجرة غير الشرعية لأوربا على قوارب لا تصلح للإبحار فى الأنهار والبحيرات ..
وظلت الوظائف المميزة حكرا على أبناء النظام والأغنياء ومحجوزة لهم سلفا بالذات فى البترول والقضاء والشرطة والجيش التى أصبحت مزارع مغلقة على أذناب النظام

هذه هى مصر مبارك وما فعله بها سواء بالداخل أو الخارج وهى أسباب كما قلنا تكفي لألف ثورة , وتجعلنا نتساءل كيف تأخرت الثورة إلى هذا الحد !
كما تلقي الضوء على مزايدات فلول الوطنى ومنافقي عصر مبارك الذين يدعون أن الثورة عطلت الإنتاج وغيّبت الأمن كما لو أن المصريين كانوا يعيشون رغدا وينعمون بالأمن وهم يفقدون 12 ألف قتيل سنويا بخلاف المصابين بأضعاف هذا العدد , بسبب سطوة الشرطة وفساد المجال الإقتصادى
فضلا على أن الأمن نفسه ما كان متوفرا فى أى لحظة من لحظات حكم مبارك بالذات فى سنواته الأخيرة , حيث أصبحت أجهزة أمن الدولة عبارة عن عصابات خطف وقتل وتعذيب وتلفيق القضايا لعامة الشعب كان أمرا معتادا بالدرجة التى أصبح معها هذا الأمر عرفا بين رجال الشرطة يتدربون عليه ..
ولعل هذا ما فسر طبيعة تعاملهم الوحشي مع المتظاهرين واستهدافهم بالقتل كما لو كانوا من الذباب !!

هل عرفتم الآن لماذا قلنا أن المدافعين عن نظام مبارك وأمثاله .. ليس لهم إلا الإستهجان ..

يتبع ..