عرض مشاركة واحدة
قديم 10-28-2013, 03:13 AM
المشاركة 7
عماد تريسي
من ملوك الأدب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
اتَيْتُ إلى الدُّنيا وما كنْتُ مُختْارا=ولو أَنَّني خُيَّرتُ ما اخْتَرْتُها دارا!
ولا ابْتَهَجَتْ نَفْسي بما كان مُخْزِياً=ولا انْفَجَعتْ نَفْسي بما كانَ قَهَّارا!
فقد عِشْتُ فيها ماجِناً مُتهافِتاً=على مُتَع عادتْ هُموماً وأَوْزارا..!
شقاءٌ طُفُولِيٌّ.. شقاءٌ مُراهِقٌ=شقاءُ شبابٍ كانَ قَصْفاً وإعْصارا!
وشَيْخُوخةٌ ناءتْ بأفْدَحِ شِقْوَةٍ=فلم تَلْق إلاَّ ما يُلَطِّخُها قارا!
ولو أَنَّني لم آتِ.. كنْتُ هَباءةً=فلا تَبْتَغي أَهْلاً. ولا تَبْتَغي دارا!
ولا تَبْتَغي المَجْدَ المُؤَثَّل رافِعاً=مكانَتَها.. يَشْدُو به النَّاسُ أَشْعارا!
ولا تَبْتَغي المالَ الذي يُسْكِرُ النُّهى=فما تَجْتَوِي خزياً.. ولا تَجْتَوي عارا!
مُبَرَّأَةً مِن كلِّ عَيْبٍ لأَنَّها=سَدِيمٌ. فما لاقى هَواناً.. ولا جارا!
ولو كُنْتُهُ.. ما كانَ لي من ظُلامَةٍ=عَلَيَّ. ولا مِنِّي. ولا كنْتُ غَدَّارا!
وها أنا في هذي الحياةِ مُرَزَّأٌ=أُغادِرُ أَنجاداً.. وأَسْكُنُ أَغْوارا!
ويَصْحَبُني الأَخْيارُ حِيناً فأَسْتَوِي=على مَلَلٍ مِنْهم. وأَصْحَبُ أشْرارا!
أَبِيتُ على هَمٍّ بِهِ. يَلْتَوي الحَشا=وهُم جُثَّمٌ صَرْعى. عَشِيّاً وإِبِكارا!
يَعيشُونَ صُبْحاً كالبَهائِمِ رُتَّعاً=بلا زَاجِرٍ يَلْوِي. ويُمْسُونَ فُجَّارا!
على أنَّ حَوْلي مَعْشَراً مُتَرَفِّعاً=عن اللَّهْوِ أطْهاراً كَرُمْنَ. وأَبْرارا!
تمنيت أَنِّي مِثْلَهم فَتَعَثَّرَتْ=خُطايَ. فأجْريْتُ المَدامِعَ مِدْرارا!
ألا لَيْتَ أَقْدارِي سَخَوْنَ كما سَخَتْ=عليهم.. وأعْطَتْني فكنْتُ لهم جارا!
وعُدْتُ فآثَرْتُ اصْطِباري فَرُبَّما=وَجَدْتُ بإيمانِي.. على الوِزْرِ أَعْذارا!
فقد كان يُشْقِيني. وإنْ كنْتُ أَشْتَهي=به ثَمَراً يَحْلو مَذاقاً.. وأزْهارا!
وقد كنت لا أرضى به ثم انثنى=إليه عَمِيّاً.. يَحْسَبُ الآلَ أَنْهارا!
ولَمَّا يَجِدْ ماءً يَبُلُّ به الصَّدى=ولا وَشْلاً. ما أَرْخَصَ الخُسْرَ مِقْدارا!
أرى عَدَمي خَيْراً مِن العَيشِ خِاضِعاً=لأَهْوائِهِ. جَهْراً صَفِيقاً وإشرارا!
تَمَنَّيْتهُ.. لكنَّني جِئْتُ لِلدُّنى=فَحُمِّلْتُ أَوْزاراً. وحُمِّلْتُ أوْضارا!
وحاوَلْتُ أَنْ أَحْيا بَرِيئاً من الخَنى=فما اسْطَعْتُ عنه. وهو يُهْلِكُ إدْبارا!
بَلى.. رُحْتُ أَدْعُوه فَيُقْبِلُ تارَةً=ويُعْرِضُ أُخْرى.. شادِياً ثم زَآرا..!
ونَفْسِيَ مِعْوانٌ له.. وهو عارِفٌ=بِهذا. وما يُرْضِ على اللَّهْو أَسْتارا!
أَلَسْتُ إذا ما لَم أَكُنْ.. كنْتُ ناجِياً=وكَيْنُونَتي هذى سَتُورِدُني النَّارا؟!
فكيْفَ نَجَاتِي مِنْهُ وهو مسيطرٌ=عليَّ وإنْ كانَ المُسَيْطِرُ جزَّارا؟!
ويا مَنْ هَداني بَعْدَ غَيِّي تبارَكَتْ=أيادِيكَ واسْتَعْلَتْ.. فقد كُنْتَ غَفَّارا!
فما أتمنّى اليوم أنْ لو تَحوَّلَتْ=حياتي هباءً.. بَعْدَ أنْ صِرْتُ مِغْوارا!
بلى.. أتمنَّاها حياةً قَرِيْرَةً=تجوب الذُّرى حتى تُكَلِّلُها الغارا!
سأُعْرِضُ عمَّا لا أَوَدُّ وقد بدَا=لِيَ النُّورُ غَيْثاً بالهدايَةَ دَرَّارا!
وكلاَّ. فإنِّي أتَّقيها بِصَحْوَةٍ..=تَبَيَّنْتْ منها أَنَّني كنْتُ كفَّارا..!
وكانَ أَمامي الرُّشُدُ والْغَيُّ فانْبَرى=إلى الغَيِّ رُوحِي يَنْشُدُ اللَّهْوَ والبارا!
فَناءَ بِما يُدْمِي الحشَا مُتَرَنحِّاً..=بِسُكْرَيْهِما حتى هَوى الرَّوحُ مُنْهارا!
فيا صَحْوَةً قد أَسْعَدتْني بِرَجْعَةٍ=إلى الرُّشْدِ.. وِرْداً كَوْثرِياً وإِصدارا!
تباركتِ. إنَّ الرُّشْدَ كانَ بِشارَةً=لِنَفْسي. وإِنَّ الغَيَّ قد كان إنْذارا!
وها أنا في يَوْمي أُهَلِّلُ بالمُنى=تَحَقَّقْنَ بعد اليَأْسِ تَبْزُغُ أَقْمارا
.

.
.


لأنَّ الحزن هو أبو الوحي , فإنَّني لا زلتُ أبرّه !

فإن ذوتْ سنابله يوماً, رويتُه باستذكار جرحٍ آخر .

.....