عرض مشاركة واحدة
قديم 06-08-2011, 10:42 AM
المشاركة 7
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة "الظل" لكاتبها مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال منها:

في الفقرة الخامسة وبعد أن قدم القاص لنا إضاءة في الفقرة السابقة تشير إلى انه يتحدث عن عبور إلى العقل الباطن، عبر تلك الفتحة في الشجرة والذي جعلها القاص مثل الفتحة في البرزخ الذي يفصل بين الوعي واللاوعي أو العقل الباطن، نجده هنا يصف سكان تلك المدينة التي وصفها بالأسطورية، وفي ذلك ما يدلل ويؤكد على أن القاص يتحدث عن تجربة الغوص في ثنايا العقل الباطن والذي هو مخزن المكبوتات من ناحية والأفكار والخيال والقدرات التي لا حدود لها ولا يمكن تصورها بشكل واعي.
"بدوا له كالملائكة و لكن بدون أجنحة, وهو يراقبهم من بعيد, وفي ظل اندهاشه نسي أن يبحث عن ذلك الظل, لقد كان منبهرا بسعادة و متوجسا بفضول, وهو يرى تلك المدينة الأسطورية, بسكانها المبهرين, وبدا ذلك الإبهار بالتشتت قليلا, عندما شعر أهل المدينة بوجود غريب عنهم يتلصص عليهم, فالتفتوا بوجوههم المبهمة, وتجيشوا على بعضهم كأنهم يتأهبون للهجوم عليه, أحس بسريان رعب شديد في نفسه, جعله يهيم على نفسه هاربا إلى تلك الشجرة, ليعود من خلالها إلى مدينته, يعيش حياته التي لم يعد يرى فيها الظل".

وهو يصف تلك التجربة على أنها مبهره ومصدر للسعادة لأنها تمثل عبور إلى عالم آخر أسطوري في صفاته، لكنها مصدر للخوف والتوجس أيضا ، نظرا لهول المشهد الذي حاول القاص هنا أن يصوره للمتلقي على انه مدينة يقطنها سكان مبهرين، هم مثل الملائكة لكنهم بدون أجنحة، مما يؤكد بأنه لا يتحدث عن عالم ما ورائي، ولهم وجوه مبهمة، ولا شك أن في مثل تلك التجربة، وهي العبث في المكبوت والغوص في ثنايا النفس والعقل الباطن الذي لا حدود لقوته، مما يبعث على الخوف، وهو أمر غالبا ما يكون شديد الألم عند من يعمل على استحضار تجارب الماضي المؤلمة أو يُدفع لاستحضار الماضي في جلسة تحليل نفسي لما يمثله الماضي من تجارب مؤلمه مكبوته هناك في ثنايا العقل الباطن عند البعض كما يقول فرويد.

ولذلك نجد القاص يصف لنا بأن الفتى ماجد المازني قد شعر برعب شديد في نفسه عند عبوره إلى ثنايا العقل الباطن، ربما لأنه في ذلك العبور استعادة لمشاعر الألم التي أصابته حينما فقد والده، كونه يتيم، من بين أشياء أخرى كثيرة تراكمت عبر الزمن لتشكل ظل مخيف، ولذلك عاد هائما على نفسه إلى حيث أتى... أي إلى تلك الفتحة من الشجرة ليعود من خلالها إلى مدينته، أي العودة إلى الواقع الواعي، ويبتعد عن مكنونات النفس ومكبوتاتها، وحيث أنه قام بالعبور وكشف المستور حصل الشفاء كما يقول فرويد، فاختفى الظل بفعل تلك الأضواء الكاشفة التي شاهدها في المدينة الأسطورية، وفي ذلك كناية عن حصول الشفاء الذي حصل لمجرد الخوض في تجارب الماضي، ودون البحث عن الظل، وهو ما يؤكد خبرة، وقدرة، القاص على التصوير مكنونات النفس البشرية، ولتجربة التخلص من تبعات مكبوتات العقل الباطن.

ونجد أن الفقرة غنية كسابقاتها بعناصر الجمال: فهي تبدأ بكلمة تدل على حاسة البصر ( بدوا له)، يتبعها تشبيه وتجسيد، حيث شبة الأفكار وما إلى ذلك من مكنونات النفس البشرية أي العقل الباطن، بالملائكة لكن دون أجنحة، وفي ذلك تشخيص للأفكار وتجسيد لها. ثم يلي ذلك استثارة لحاسة البصر من جديد ( وهو يراقبهم )، ثم يسخر حاسة البصر من جديد ( وهو يرى تلك المدينة )، ثم مرة أخرى ( وبدا ذلك الإبهار)، ثم مرة أخرى باستخدام كلمة تدل على الرؤيا ( يتلصص عليهم) ، وأيضا باستخدام كلمة (فالتفوا بوجوههم) ، ومرة أخرى ( لم يعد يرى فيها الظل)، وهو ما يشير إلى أن القاص قد استخدم هنا حاسة البصر أو ما يدل عليها في أكثر من موقع ( سبع مرات ) مما كان له بالغ الأثر على المتلقي، وكأنه يشاهد بأم بعينه وقد استنفرت حاسة البصر لديه لرؤية ما يجري في تلك المدينة الأسطورية.

كذلك نجد أن الكاتب قد حشد عدد من الكلمات الدالة على الإحساس والمشاعر، وذلك في تصعيد مستمر للإدهاش والتشويق والإثارة مثل ( يراقبهم+ اندهاشه+ نسي+ منبهرا+ سعادة+ متوجس+ فضول+ المبهرين+ الإبهار+ شعر+ تجيشوا+ يتأهبون للهجوم+ أحس سريان رعب شديد+ يهيم على نفسه هاربا).

ونجد أن القاص قدم نهاية غير متوقعة فقد اختفى الظل عند نقيض البطل ( ماجد المازني) رغم كل تلك الصفات الأسطورية التي يملكها البطل (الظل)، وبذلك يكون نقيض البطل قد حقق انتصارا لم يكن متوقعا عند المتلقي....وربما هذا ما قصده القاص حيث سعى بأن يوصل لنا فكرة القصة والتي تمثل دعوة للتصالح مع الماضي، والتعامل مع مكنونات النفس، من خلال التعامل مع مكبوتاتها ليحدث الشفاء وتختفي الظلال المخيفة من حياتنا.

وهو لا شك قد أبدع في تصوير مخاوفنا المتمثلة في الظلال وما يلزم للتخلص منها ممثله في ما يلزم القيام به من إجراء للحصول على الشفاء.

يتبع،،