عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2011, 10:05 PM
المشاركة 550
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
محمد بن إبراهيم السبيعي


قراءة في كفاح رجل (رحلة الفقر والغنى )

هذا الكتاب قامت بإعداده الأخت (هدى بنتمحمد السبيعي) عن والدها الشيخ الجليل.. والعصامي المحنك.. والشاعر المغرد (محمد بنإبراهيم السبيعي)،
تلك هي سيرة والدي محمد بن إبراهيم السبيعي أحد الذين صنعوا التاريخ بعرقهم وجهدهم، وبنوا لبنات في تقدم هذا الوطن وازدهاره).
كتابرحلة الفقر والغنى بفصوله الاثنى عشر التي ضمَّنت بين سطورها وصفحاتها كفاحا.. وجهادا لصعوبة الحياة في ذاك الزمن..
بدأ الفصل الأول منه يتحدث عن مولده ونشأته.. هو أبو إبراهيم محمد بن إبراهيم بن محمد بن ناصر السبيعي، يعود نسبه إلى قبيلة سبيعمن مدينة عنيزة التي ولد فيها عام 1333هـ، وهو عام مشهور في جزيرة العرب، فقد شهدمعركة (جراب).

توفي والده إبراهيم في المدينة المنورة في شهر شعبان لعام 1344هـ ( وعمره 11 سنه )

الذي كان يعمل في إصلاح السلاح مع اكبر قادة الملك عبدالعزيز طيب لله ثراه، ووالدته نورة بنت ناصر العماش من البدائع في القصيم، وهي من بيت علم ودين، وينتهي نسب العائلة إلى قبيلة قحطان. توفيت عام 1404هـ - رحمها الله.

وتحدث الفصل الأول عن مراحل مهمة من حياة أبي إبراهيم وما عاناه في بداية حياته.. حيث كانت والدته هي الأم والأب لأن والده كان يتنقل ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة سعياً إلى طلبالرزق، حيث كان الفقر يضرب أطنابه على معظم سكان الجزيرة العربية، وكان أهل نجديغادرون مناطقهم إلى الحجاز والشام والهند للتجارة والبحث المضني عن لقمة العيشمرددين
:-
الهند هندك إذا قل ما عندك

والشام شامك إذا ما الدهر ضامك

وعايش أبو إبراهيم حياة (اليتم) حيث توفي والده وعمره إحدى عشرة سنة، أمضى منهاثمانية أشهر مع والده. ومع تراكم الظروف القاسية أدرك الصبي واجبه في السعي للبحثعن عمل يكفل له ولوالدته وأخيه عبدالله لقمة العيش، فقرر التوجه إلى مكة المكرمة مععمه ناصر، وكان هذا الاختيار موفقاً؛ حيث كانت مكة المكرمة آنذاك ملتقى التجار منأنحاء العالم، حيث كما هو معروف يتوافد إليها الحجاج والمعتمرون، إضافة إلى قربهامن ميناء جدة.


ويروي عن هذه الرحلة أبو إبراهيم بأنها (كانت رحلة شاقة والطريقطويلاً والماء شحيحاً، وقد وردنا إلى بئر ماء اسمها (العتمة) قريبة من الدوادمي،وكان ماؤها كدراً جداً فشربنا منه لأننا لم نجد غيره).بالنسبة للتعليم فان أباإبراهيم قرأ نصف القرآن الكريم في عنيزة على يد الشيخ عبدالعزيز الدامغ رحمه الله.. الذي كان يُدرِّس القرآن الكريم لوجه الله تعالى، وكان البعض من الطلاب وكما يقولالكتاب يعطيه الفطرة في رمضان، والبعض الآخر يعطيه ريالا ونصف الريال كل سنة،والبعض لا يعطيه شيئاً.. ويتذكر الشيخ محمد السبيعي انه بينما كانوا مرة في الدرسإذا بهم يفاجؤون بزيارة سلطان نجد والحجاز حينذاك الملك عبدالعزيز آل سعود في موكبمن السيارات الحديثة.. يقول عن هذا الموقف أبو إبراهيم: اذكر أن الملك عبدالعزيزرحمه الله قام بزيارة عنيزة على سيارة وعندما سمع سكان عنيزة صوت السيارة انزعجوافجاءهم ابن غصون وهو من الذين عاشوا مدة من الزمن في العراق يسمونه (ترمبيل) وهووسيلة نقل حتى يهدئ من روعهم. أما المعلم ابن دامغ فقال: الحديد يمشي هذه من علاماتالساعة، ومن جراء هذه الصدمة بقي مريضاً حتى توفي رحمه الله. وكان أبو إبراهيمحريصاً على الدراسة والتعلم وحاول المواصلة بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة، وكانتالمدرسة الوحيدة فيها، ولكن عمه ناصر عندما أدرك أن المدرسة ليست كالكتّاب، التييقضي الطالب فيها معظم النهار، علم أن هذا يعني انقطاع ابن أخيه عن العمل فيالدكان، وهذا لم يرق للعم فأخرجه منها. ويقول الشيخ محمد السبيعي عن تلكالمرحلة:عندما كنت ادرس في المدرسة سألني عميّ عن أحوال الدكان، وكنت منشغلاً فيمراجعة واجب الحساب واجمع أرقاماً بلغت خمسين ألفا.. فما كان من العم إلا أن نهرنيوأمرني بالانتباه للدكان وصرف النظر عن جمع وطرح تلك الأرقام الخيالية، وقال لي (لوانك ملكت عشرة آلاف ريال فقط طوال عمرك وليس خمسين ألفا فأنت عنترة بن شداد
).


وتطرقت الكاتبة إلى بدايات كفاح أبي إبراهيم بأنه كان يجلب الماء للبيتوللديوان لدى عمّه مقابل أجر زهيد لكي يساعد ابن الثلاثة عشر عاماً أسرته.. وبعدعدة شهور ترك هذا العمل وبدأ البحث عن عمل آخر أكثر ربحية، وحاول ولكن لصغر سنه لميقبل في الجيش، فتوجه للبناء مقابل بضعة قروش إلى أن توسط له احد معارفه وهوإبراهيم الفريح رحمه الله ليعمل في قصر الملك عبدالعزيز على وظيفة مشرف عمال بمرتبريال مجيدي واحد في اليوم، وهو يساوي اثنين وعشرين قرشاً. وامتهن أبو إبراهيم مهنعديدة منها طباخ لمدة سنة وعشرة أشهر، وتعلم القيادة والخياطة التي لم يستطع خلالهاشراء ماكينة خياطة لارتفاع سعرها وعدم تواجد هذا المبلغ.. ومن المهن التي زاولها (دلالاً) لبيع السجاد من خلال الطواف بالشوارع. وفي عام 1349هـ عمل في وظيفة حكوميةبمسمى (مفتش طريق) وكان راتبها مغرياً ذاك الزمان، حوالي ثلاثين ريالاً، إضافة إلىالمأكل والمشرب والمسكن.. وعندما توافرت له هذه الإمكانات احضر والدته وأخاهعبدالله للإقامة معه، ولكن بعد أن أمضى في الوظيفة أربع سنوات عاد به الحنينوالطموح للتجارة مجدداً وهو يرددّ شعار احد الصحابة (دلونيّ على السوق)، وعاد إلىمكة المكرمة وكان له مع سليمان بن غنيم احد تجار مكة قصه أخرى، حيث كان ابن غنيميرغب في زيارة أقاربه وأهله بالمنطقة الشرقية فاتفق مع أبي إبراهيم عن طريق عمهناصر على شراكة وان يتقبل الثاني بموجبها ما في دكان ابن غنيم من أقمشة وعقل وغترمقابل تسعمائة وخمسين ريالا مع أنها لا تساوي أكثر من خمسمائة ريال إلا أن السبيعيوافق لقناعته بأهمية هذه الشراكة وعزمه أن تكون بداية انطلاقه في عالم التجارة.. واستمرت هذه الشراكة بعد النجاح الكبير الذي حققه بفضل الله لعلاقته الحسنة معالتجار وضيوفه في التعامل معهم وأمانته.. وقرر ابن غنيم أن يبقي شريكه أبا إبراهيمفي مكة وان ينتقل هو إلى الرياض؛ ما جعل أبا إبراهيم يستدعي أخاه عبدالله للشراكةالتي كانت بدايتهما
.
ولعلي هنا اذكر ومن باب الإشادة بهذه الشراكة بين الشيخينمحمد وعبدالله السبيعي أنها شراكه مثالية انعكست على أبنائهما.. ولعلّ من أهم مالمسته شخصياً انه عندما يكتب أي منهما رداً لخطاب حول موضوع معين أو رداً على تهنئةفإن التوقيع لا يكون باسم احدهما.. بل انه يذيل باسميهما.. مع أنهما لا يعيشان فيمدينة واحدة، ولكن كان الأساس لأخوتهما.. وشراكتهما.. أساسا قويا وصلبا.. وليسللأسف كما نشهد اليوم - إلا من هدى الله - من شتات.. وابتعاد.. وفرقه بين البعض منالعائلات والأسر.. حتى أحياناً بين الأشقاء.. بل وصلت إلى تفكك العديد من الشركاتالعائلية.. كل هذا عائد وللأسف لعدم الوضوح والشفافية الصادقة التي منبعها الحرصعلى استمرارية الترابط العائلي
.
أعود إلى أبي إبراهيم الذي يذكر أن شراكته معسليمان بن غنيم استمرت 28 عاماً، وفي عام 1382هـ قررا الانفصال وتم حل الشراكة بكلمحبة ووفاء ليبدأ مع شقيقه عبدالله رحلة عمل موفقة في مجالات عديدة كالصرافة إلىجانب التجارة بأمانة وصدق.. وقد اكتسب أبو إبراهيم من خلال إقامته في الحجاز أفقاًواسعاً واطلاعاً كبيراً على ثقافات الشعوب وطباعها وكثيراً من عاداتها.. ولعلي منخلال معرفتي بابي إبراهيم وأبنائه أدرك فعلاً ما ذكرته ابنته (هدى) بأن مكوثه فيالحجاز جعل منه أكثر انفتاحاً على الآخرين من أقرانه النجديين.. وأزيد على ما ذكرتبأنه يتمتع بالنكتة والتعليق اللاذع، حيث شاهدت له مقابلة على قناة الإخبارية قبلعدة أسابيعوعندما سأله المذيع عن شهادة الدكتوراه وأهمية الحصول عليها من قبلالأبناء فكان ردّه (وشي شهادة الدكتوراه.. دكتوراه (خرطي)) وأعتقد أن أبا إبراهيميعني بمن يحمل دكتوراه وكانت رسالته في الدكتوراه عن (الكبسة) و(الجريش)، هذه واللهصدق فيها أبو إبراهيم، وأقول صح لسانك
.
ثم انتقل الكتاب إلى حياة الشيخ السبيعيومزاولته مهنة (الصيرفة) حيث يقول عن تلك الفترة (كنا لا نعرف الدولار الأمريكي فيذلك الوقت، وكنا نشتري العملات مقابل الذهب. وكانت تصلنا مبالغ طائلة من العملةالهندية فئة الألف روبية والدينار العراقي والعملات الإيرانية والتركية في أجواء منالأمن والطمأنينة).ومن طرائف ذلك الوقت يتذكر أبو إبراهيم أن السيارة كانت تتعطل فيالطريق وهي محمله ذهباً أو فضة ويركبها السائق برفقة المساعد ويذهب للرياض أو جدةللبحث عن قطعة غيار لإصلاحها ليعود ليجدها كما كانت
!!
ومن المواقف التي يرويهاأنه عند القيام بنقل العملات والذهب بالطائرة ليلاً بعد أن تطورت وسائل النقل كانوايأخذون الذهب والنقود ويدفنونها في الرمل حول المطار وينامون عليها ليلاً لإرسالهافي الصباح الباكر مع احد الركاب
.
وعن انتقاله للرياض يقول أبو إبراهيم: انه بعدنقل الوزارات إليها فكرت في التوسع وفتحت محلا، حيث كان لي أعمال مع بعض الأمراءوالوزراء، وصادف أن قابلت في احد الجوامع الأخ عمر بن حمران رحمه الله، حيث كانيعمل لدى الكعكي في مكة وانتقل للرياض وصار وكيلاً له، وعرض علي اخذ دكان في شارعالملك فيصل ونكون شركاء، وتم ذلك وكان مشهوداً له بالصلاح والتقوى، وكان هذا فاتحةخير لعملنا بالرياض.وعن أخيه عبدالله فقد بقي في جدة واستمرت بفضل من الله شراكتناإلى اليوم.. ويتذكر الشيخ محمد السبيعي بعضاً من ضياع الفرص حيث يروي أن موقفاًجمعه مع الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله عام 1398هـ حيث اقترح عليه النظر فيتحويل مؤسسة الصيرفة إلى بنك مستقل متكامل وخصوصاً أن اقتصاد المملكة كان في حينهافي أوج ازدهاره، ولكن كان الخير فيما اختاره الله. وتحدث عن إنشاء بنك البلاد فيعام 1425هـ وحرصه على تأسيسه وانه بالرغم من كبر سنه وظروفه الصحية أصر على حضورأول اجتماع لمجلس إدارة البنك، وألقى فيهم كلمه بدأت بآيات من القرآن الكريم ثم قالللحضور (أنتم أمام مسؤولية عظيمة أعانكم الله)، وقال لهم: (هنالك ثمانية ملايينمكتتب سوف يدعون لكم أو يدعون عليكم، فاتقوا الله في هذه الأمانة وكونوا أهلاً لها،وأعرف أن الحمل ثقيل ولكن الرجال لا ينوء بهم ثقل الأحمال)، ثم استأذن وانصرف
.
وكان ولا زال لأبي إبراهيم من الرؤى الاقتصادية.. وبُعد النظر.. ما ساعد علىتلك الاستمرارية.. ثمانون عاماً قضاها في دنيا المال والأعمال، وكان من أهم قناعاتهالاقتصادية التي عرف بها أن الاستثمارات التجارية يجب أن تحقق للمستثمر مصالح شخصيةومصالح عامة للمواطنين، وذلك بنسب مختلفة
.
وكان ولا زال حريصاً على التواصل معأصدقائه.. يكنّ للجميع الود والتقدير ويذكرهم بالخير دائماً.. وخاصة من لهم معهمواقف مشرفة، وقد قال ذات مرة في وصف أصدقائه الأخيار
:

هكذا الأخيار دايمبانتظام

..................
يتسابقون الطيب وممنوع الزعل

ما ينكرون المعروفرجل له مقام

..................
ويرجو ثواب الله وتحقيق الأمل

عبدالله محمد آل الشيخ